633

الشكّ في الصلاة يمكن تصنيفه إلى ثلاثة أقسام:

الأول: شكّ المكلّف في أصل وقوع الصلاة منه.

الثاني: شك المصلّي في استيعاب واجباتها من أجزاء أو شرائط.

الثالث: شكّ المصلّي في عدد ركعات الصلاة.

وسنتكلّم عن هذه الأقسام تباعاً:

 

الشكّ في وقوع الصلاة منه

 

(52) من شكّ ولم يدرِ هل أدّى الفريضة أوْ لا؟ ينظر:

فإن كان وقت الصلاة ما زال باقياً وقائماً فعليه أن يصلّي، كما لو أيقن بأنّه لم يأتِ بالصلاة، وإن حدث الشكّ والتردّد في خارج الوقت يمضي ولا شيء عليه.

وإذا شكّ في تأدية الفريضة وأيضاً شكّ في بقاء وقتها عجَّلَ وأتى بها. وحكم الظنّ والشكّ هنا وفي الفرض السابق بمنزلة سواء.

وإذا ذهب النهار إلّا قليلا لا يتّسع لركعة واحدة من الصلاة فكأنّه قد ذهب بالكامل، ووجود هذا القليل كعدمه. وإذا اتّسع الباقي من آخر الوقت لركعة أو

634

أكثر إلى أربع ركعات وشكّ المكلّف في أنّه هل صلّى الصلاتين ـ الظهر والعصر ـ؟ فعليه أن يصلّي العصر حيث لا وقت للظهر، وإن اتّسع الباقي لخمس ركعات صلّى الصلاتين معاً.

وإذا شكّ وهو في أثناء العصر هل صلّى الظهر؟ بنى على عدم الإتيان بالظهر، وعدل إن كان الوقت يتّسع لإكمالها وللإتيان بصلاة العصر ـ أو بركعة منها على الأقلّ ـ قبل خروج الوقت. وإن كان الوقت لا يتّسع لذلك أكملها عصراً، وخرج عن عهدة الظهر بخروج وقتها.

(53) كلّ ذلك إذا كان إنساناً اعتيادياً في شكّه، وأمّا إذا كان ممن تتراكم عليه الشكوك في هذه الناحية على نحو يبدو أنّه شاذّ ومفرِط في الشكّ فلا يكترث بشكّه.

 

الشكّ في واجبات الصلاة

 

(54) كلّما شكّ المصلّي في أداء واجب من واجبات الصلاة بنى على أنّه لم يؤدّه، سواء كان شكّاً متعادلا أو حصل له ظنّ بأنّه قد أتى به، وتستثنى من ذلك الحالات التالية:

(55) الاُولى: إذا شكّ في جزء من أجزاء الصلاة بعد أن تجاوز مكانه المقرّر له فيها تبعاً لترتيبها وتنسيقها؛ ودخل في الجزء الواجب الذي يليه بلا فاصل فيمضي الشاكّ ولا يعتني؛ كأنّه لم يشكّ، فإذا شكّ في تكبيرة الإحرام وهو يقرأ الفاتحة يمضي ولا يكترث، وإذا شكّ في القراءة وهو في القنوت يعتني بشكّه ويرجع إلى القراءة؛ لأنّ القنوت الذي دخل فيه ليس جزءً واجباً، وإذا شكّ في القراءة وهو راكع يمضي ولا يكترث، ولكن إذا شكّ في ذلك وهو يهوي إلى الركوع ولم يصلّ بعدُ إلى مستوى الراكع فعليه أن يعتني بشكّه؛ لأنّ الهوي إلى

635

الركوع ليس من أجزاء الصلاة، بل هو مجرّد تمهيد ومقدمة للركوع.

وهذا الحكم العامّ بعدم الاعتناء بالشكّ في شيء بعد التجاوز والدخول في الجزء الواجب الذي يليه يسمّى لدى الفقهاء بقاعدة التجاوز، وقد مرّت بنا من خلال استعراض أجزاء الصلاة تطبيقات كثيرة لهذه القاعدة.

كما أنّ وجوب الاعتناء بالشكّ إذا حصل في جزء قبل التجاوز عن مكانه المقرّر له يسمّى عند الفقهاء بقاعدة الشكّ في المحلّ، وبموجب هذه القاعدة يجب على كلّ من يشكّ في جزء وهو لم يتجاوز إلى الجزء الواجب الذي يليه أن يعتني بشكّه، ويفترض بأنّه لم يأتِ بذلك الجزء المشكوك فيؤدّيه.

(56) الحالة الثانية: إذا شكّ في صحة الجزء الواقع وفساده لا في أصل وقوعه ووجوده فالحكم فيه الصحة على أيّ حال، سواء كان حين الشكّ قد تجاوز المحلّ المقرّر لذلك الجزء ودخل في الجزء الذي يليه، أم لم يتجاوز ولم يدخل. فمن كبّر للإحرام ثمّ شكّ في صحة التكبير فالتكبير صحيح وإن لم يكن قد قرأ بعد، وكذا من شكّ في صحة القراءة ولم يكن قد ركع.

وهذا الحكم العامّ بعدم الاعتناء بالشكّ في صحة ما وقع إذا حصل هذا الشك بعد وقوعه يسمّى لدى الفقهاء بقاعدة الفراغ، وقد مرّت تطبيقات عديدة له من خلال استعراض أجزاء الصلاة.

(57) الحالة الثالثة: إذا بدأ الصلاة وشروطها متوفّرة ثمّ شكّ في أنّ هذه الشروط هل استمرّت مع صلاته أو اختلّ شيء منها في أثناء الصلاة ؟ مضى ولم يعتنِ بشكّه.

ومثاله: من بدأ صلاته مستقبلا للقبلة ثمّ شكّ في أنّه هل انحرف عنها في بعض الأجزاء السابقة أو لا.

ومثال آخر: امرأة بدأت صلاتها وهي ساترة لشعرها، ثمّ تشكّ في أنّه هل انكشف شعرها في الأثناء أم لا ؟ والحكم هو المضي وعدم الاعتناء؛ لأنّ الأصل

636

بقاء الحالة السابقة.

ومن أمثلة ذلك أيضاً: أن يشكّ في وقوع مبطل من المبطلات، أو صدور زيادة مبطلة منه فإنّه لا يعتني بكلّ ذلك.

(58) الحالة الرابعة: قد يكون الإنسان كثير الشكّ ـ ونريد به هنا من كان يشكّ في كلّ ثلاث صلوات متواليات مرّةً، أو في كلّ ستّ صلوات متتالية مرّتين، وهكذا ـ فإذا شكّ هذا الإنسان في أنّه هل أتى بهذا الجزء أو بذاك ؟ مضى ولم يعتنِ، وافترض أنّه قد أتى به.

وقد يكون المصلّي كثير الشكّ في شيء خاصٍّ ومعيّن، كتكبير الإحرام ـ مثلا ـ دون غيره، وعليه حنيئذ أن يُلغِيَ شكّه في هذا التكبير. وأمّا إذا شكّ في شىء آخر جرى عليه حكم الإنسان الاعتيادي تبعاً لحالة شكّه.

وقد يعرض الشكّ ويتراكم على المرء من باب الصدفة والاتّفاق؛ لظروف خاصّة وطارئة توجب الأذى والقلق، مثل أن يكون مطارَداً من قوى طاغية، أو مصاباً بكارثة عائلية، أو غير ذلك ممّا يوجب الشكّ لأغلب الناس لو اُصيبوا بمثله، وهذا لا يلحق بكثير الشكّ، ولا يجري عليه حكمه، بل يعالج بما تستوجبه سائر القواعد الشرعية: من قاعدة التجاوز، وقاعدة الفراع، وقاعدة الشكّ في المحلّ، وغير ذلك.

وإذا شكّ الإنسان بعد أن عرض له الشكّ عدّة مرّات في أنّه هل أصبح كثير الشكّ ـ وفقاً لما ذكرناه من تعريف له ـ ؟ فعليه أن يبني على أنّه ليس كثير الشكّ حتّى يحصل له اليقين بذلك.

وإذا كان على يقين بأنّه كثير الشكّ، ثمّ احتمل أنّه عُوفِيَ من ذلك وأصبح شكّه اعتيادياً بنى على أنّه لا يزال كثير الشكّ حتى يحصل له اليقين بالعافية.

(59) الحالة الخامسة: إذا حصل الشكّ لدى الإمام أو المأموم في جزء من

637

أجزاء الصلاة التي لا يحتمل وقوع الاختلاف بينهما من أجلها، إذا حصل ذلك كان على الشاكّ منهما أن لا يعتني بشكّه، ويعمل بوظيفة الحافظ الضابط.

وأمّا إذا شكّ المأموم ـ مثلا ـ في أنّه هل سجد مع الإمام سجدتين أو تخلّف عنه فلم يتابعه في السجدة الثانية؟ فلا يفيده هنا حفظ الإمام ويقينه بالسجدتين ما دام يحتمل تخلّفه عنه، بل عليه أن يسجد السجدة الثانية ما دام لم يتجاوز المحلّ المقرّر للسجود شرعاً.

(60) وفي كلّ حالة كان الحكم فيها المضي وعدم الاعتناء بالشكّ إذا طبّق المصلّي هذا الحكم ثمّ انكشف أنّه لم يكن قد أتى بالجزء المشكوك حقّاً فماذا يصنع؟

والجواب: إذا كان بإمكانه التدارك ـ بالمعنى المتقدّم في الفقرة (40 ـ 42) ـ رجع وتدارك، وإلّا مضى وصحّت صلاته ما لم يكن الجزء المتروك ركناً؛ فإن كان ركناً فالصلاة باطلة.

(61) وفي كلّ حالة كان الحكم فيها هو الاعتناء بالشكّ والإتيان بما يشكّ فيه تبعاً لقاعدة الشكّ في المحلّ إذا طبّق المصلّي هذا الحكم، فأتى بالجزء المشكوك ثمّ اتّضح له أنّه كان قد أتى به سابقاً مضى في صلاته؛ ما لم يكن ذلك الجزء ركوعاً وقد كرّره مرّتين أو سجدتين وقد سجد أربع سجدات فتبطل عندئذ صلاته.

 

الشكّ في عدد الركعات

 

(62) الشكّ في عدد الركعات إذا وقع بعد الفراغ من الصلاة فلا أثر له؛ ولا يعتني به. وأمّا إذا كان في أثناء الصلاة فهو على أقسام:

638

لأنّ منه ما هو مبطل للصلاة، ومنه غير مبطل وبحاجة إلى علاج شرعاً، ومنه غير مبطل وليس بحاجة إلى علاج. فهذه أقسام ثلاثة.

ونبدأ في ما يلي: بالشكّ الذي ليس مبطلا للصلاة ولا بحاجة إلى علاج، وهو يتمثّل في إحدى الصور التالية:

(63) الاُولى: أن يجد المصلّي نفسه وهو يتشهّد، أو قد أكمل تشهّده وشكّ في أنّه هل فرغ من الركعة الثانية ـ وهذا هو التشهّد المطلوب منه في مثل هذا الموضع ـ أو أنّه لم يفرغ حتى الآن إلّا من الركعة الاُولى وقد وقع هذا التشهّد منه سهواً ؟ ففي هذه الحالة يبني المصلّي على أنّه قد صلّى ركعتين، وأنّ هذا هو التشهّد المطلوب منه، ويقوم لأداء الركعة الثالثة إذا كانت صلاته ثلاثيةً أو رباعيةً؛ ولا شيء عليه. وأمّا إذا كانت صلاته ثنائيةً ـ ذات ركعتين ـ فعليه أن يكمل تشهّده وتسليمه وتصحّ صلاته.

(64) الثانية: أن يصلّي الإنسان صلاةً رباعيةً ـ ذات أربع ركعات ـ فيجد نفسه يتشهّد، أو قد أكمل تشهّده وهو على يقين بأنّه تجاوز الركعة الثانية إلى ما بعدها من ركعات وشكّ في أنّه هل فرغ من الركعة الرابعة ـ وهذا هو التشهّد المطلوب منه في مثل هذا الموضع ـ أو أنّه لا يزال في الركعة الثالثة وقد وقع منه هذا التشهّد سهواً ؟ ففي هذه الحالة يبني على أنّه في الرابعة، ويكمل صلاته على هذا الأساس ولا شيء عليه.

(65) الثالثة: أن يصلّي الإنسان صلاةً ثلاثيةً ـ ذات ثلاث ركعات ـ فيجد نفسه مشغولا بالتسليم، ويشكّ في أنّه هل فرغ من الركعة الثالثة ـ وهذا التسليم هو المطلوب منه في مثل هذا الموضع ـ أو أنّه لا يزال في الركعة الثانية وقد وقع منه هذا التسليم سهواً ؟ ففي هذه الحالة يبني على أنّه أتى بالثالثة، ويكمل تسليمه ولا شيء عليه.

639

وأمّا الشكّ الذي ليس مبطلا للصلاة وبحاجة إلى علاج فهو ما كان في صلاة رباعية ضمن إحدى الصور التسع التالية:

(66) الصورة الاُولى: أن يرفع المصلّي رأسه من السجدة الثانية، أو يكمل الذكر فيها ـ على الأقلّ ـ ثمّ يشكّ في أنّ هذه الركعة التي فرغ منها الآن هل هي ثانية أو ثالثة ؟ فالثانية متيقّنة لا ريب فيها، والثالثة محلّ الريب، فيبني على أنّها ثالثة، ويأتي بالرابعة، ويتشهّد ويسلّم، وقبل أن يفعل أيّ مبطل ومناف للصلاة يقوم ناوياً أن يصلّي صلاة الاحتياط قربةً إلى الله تعالى؛ فيكبّر تكبيرة الإحرام ويصلّي ركعةً واحدة من قيام، إن كان مكلّفاً بالصلاة من قيام، وإن كان عاجزاً عن القيام ومكلّفاً بالصلاة جالساً احتاط بالإتيان بركعة واحدة جالساً، فإن كانت صلاته التي شكّ فيها أربع ركعات في الواقع اعتبرت صلاة الاحتياط نافلةً ومستحبّةً، وإن كانت ثلاث ركعات اعتبرت صلاة الاحتياط مكمّلةً لها.

(67) الثانية: أن يشكّ هل صلّى ثلاث ركعات أو أربع ؟ فإنّه يبني على الأربع ـ سواء أوَقَع الشكّ منه حال القيام، أم الركوع، أم السجود، أم بعد رفع الرأس من السجود ـ ثمّ يتشهّد ويسلّم.

وإذا كان المصلّي مكلّفاً بالصلاة قائماً فله هنا الخيار بين الاحتياط بركعة من قيام والاحتياط بركعتين من جلوس، وإن كان عاجزاً عن القيام ومكلّفاً بالصلاة من جلوس فعليه الاحتياط بالإتيان بركعة واحدة جالساً.

هذا كلّه إذا لم يطرأ هذا الشكّ على المصلّي وهو يتشهّد؛ وإلّا كان من الصورة الثانية للقسم السابق الذي تصحّ معه الصلاة بلا علاج.

(68) الثالثة: أن يشكّ بين الركعتين والأربع بعد إكمال السجدتين؛ وذلك بالفراغ من الذكر من السجدة الثانية، أو برفع الرأس منها، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي بركعتين من قيام. وإن كان المصلّي ممّن يصلّي جالساً احتاط

640

بركعتين من جلوس.

(69) الرابعة: أن يشكّ بين الركعتين والثلاث والأربع أيضاً بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي أوّلا بركعتين من قيام ثمّ بركعتين من جلوس. وإن كان المصلّي جالساً احتاط بركعتين من جلوس ثمّ بركعة جالساً.

(70) الخامسة: أن يشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ـ بالمعنى المتقدّم ـ فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة؛ ويسجد سجدتي السهو.

(71) السادسة: أن يشكّ بين الأربع والخمس حال القيام؛ فيجلس، وبهذا يرجع شكّه إلى الشكّ بين الثلاث والأربع؛ لأنّه بجلوسه هدم الركعة التي كان فيها وقطعها، وهذا يعني أنّها لو كانت هي الرابعة فقد بقي له ثلاث ركعات، ولو كانت هي الخامسة فقد بقي له أربع ركعات، فهو الآن بين الثلاث والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة؛ ويأتي بركعة قائماً أو بركعتين جالساً؛ تطبيقاً لِمَا تقدّم في الصورة الثانية.

(72) السابعة: أن يشكّ بين الثلاث والخمس وهو قائم؛ فيجلس، ويرجع شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي بركعتين من قيام؛ تطبيقاً لِمَا تقدّم في الصورة الثالثة.

(73) الثامنة: أن يشكّ بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام؛ فيجلس، ويرجع شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي أوّلا بركعتين من قيام ثمّ بركعتين من جلوس؛ تطبيقاً لِمَا تقدّم في الصورة الرابعة.

(74) التاسعة: أن يشكّ بين الخمس والستّ وهو قائم؛ فيجلس، ويرجع شكّه إلى الشكّ بين الأربع والخمس، ويتمّ صلاته؛ ويسجد سجدتي السهو؛ تطبيقاً

641

لِمَا تقدّم في الصورة الخامسة.

ففي هذه الصور التسع تصحّ الصلاة بالعلاج الذي حدّدناه. ويستثنى من ذلك الحالات التالية:

(75) أوّلا: إذا حصل للشاكّ ترجيح معيّن لأحد الاحتمالات ـ وهو ما يسمّى بالظنّ، فيعتمد على ظنّه ـ فإذا غلب على ظنّ المصلّي وترجّح في نظره أنّ هذه الركعة التي هو فيها الآن هي ثالثة أو رابعة أو ثانية ـ مثلا ـ عمل بظنّه هذا تماماً، كما يعمل بعلمه في عدد الركعات ولا شيء عليه (1)، ولا يحتاج إلى علاج.

وإذا شكّ وتردّد المصلّي أنّ الذي عرض له الآن هل هو ظنّ أو شكّ ؟ يكون ذلك ظنّاً ويعمل على أساسه.

(76) ثانياً: إذا كان الإنسان مُفرِطاً في الشكّ وخارجاً عن الحالة الاعتيادية، على نحو يشكّ عادةً في كلّ ثلاث صلوات متتالية مرّةً واحدةً على الأقلّ، أو في كلّ ستّ صلوات متتالية مرّتين... وهكذا فعليه أن يلغي شكّه، ويفترض أنّه قد أتى بما شكّ فيه من ركعات، أي أنّه يبني على الأكثر. فإذا شكّ في أنّه هل أتى بركعتين أو ثلاث بنى على الثلاث، وإذا شكّ بين الثلاث والأربع بنى على الأربع؛ وأتمّ صلاته ولا شيء عليه ولا يحتاج إلى علاج، إلّا إذا كان الأكثر مبطلا للصلاة بنى على الأقلّ وأتمّ صلاته بدون علاج، فإذا شكّ بين الأربع والخمس بنى على الأربع؛ لأنّ البناء على الخمس يبطل الصلاة.

(77) ثالثاً: إذا كان الشاكّ في عدد الركعات إماماً أو مأموماً وكان مأمومه أو إمامه حافظاً وضابطاً للعدد رجع إليه واعتمد على حفظه، سواء كان حفظه على


(1) قد يتعلق ظنّه بما يكون مبطلاً، كما لو شكّ بعد الركوع بين أن تكون ما بيده الرابعة أو الخامسة وظنّ بالخمس، والأحوط عندئذ أن يسجد أوّلاً سجدتي السهو ثمّ يعيد الصلاة.
642

مستوى اليقين أو الظنّ.

(78) رابعاً: إذا كان المصلّي يؤدّي صلاة النافلة وشكّ في عدد ركعاتها فإنّ له أن يبني على أقلّ عدد محتمل؛ ويكمل صلاته ولا شيء عليه (1)، وله أن يبني على أكبر عدد محتمل ما لم يكن مبطلا؛ ويكمل صلاته ولا شيء عليه.

(79) وأما القسم الثالث ـ أي الشكّ الذي تبطل به الصلاة ـ فهو غير ما تقدم من ألوان الشكّ في عدد الركعات، فكلّ شكٍّ في عدد الركعات غير ما تقدم تبطل به الصلاة.

ومن ذلك: أن يجهل المصلّي كم صلّى ؟ ولا يقع ظنّه ووهمه على أيّ عدد من الركعات.

ومن ذلك أيضاً: أن يشكّ في عدد الركعات في صلاة ثنائية ـ ذات ركعتين ـ كالصبح، أو صلاة ثلاثية ـ ذات ثلاث ركعات ـ كالمغرب ولا يجد قرينةً شرعيةً على عدد الركعات، ونعني بها: أن يجد نفسه في التشهّد أو التسليم؛ تبعاً لما تقدّم في الفقرات (63)، (65).

ومن ذلك: أن يتردّد المصلّي في عدد الركعات في صلاة رباعية دون أن يتأكّد ويتثبّت من وجود الركعة الثانية كاملةً سالمة (وتكمل الركعة الثانية برفع الرأس من السجدة الثانية، وحتّى بإكمال الذكر فيها ولو لم يرفع رأسه)، كما إذا شكّ بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في أنّ هذه الركعة التي فرغ منها الآن هل هي الاُولى أو الثانية ؟ وكما إذا شكّ بعد رفع الرأس من السجدة الاُولى أو قبل ذلك في أنّ هذه الركعة التي يؤدّيها هل هي الثانية أو الثالثة ؟ فإنّ صلاته تبطل حينئذ؛ لأنّ وجود الركعة الثانية كاملةً غير مؤكّد، ويمكن للمصلّي التثبّت من وجود الركعة


(1) الأحوط استثناء صلاة الوَتر من ذلك فيعيدها.
643

الثانية كاملةً إذا مُنِيَ بالشكّ بأحد طريقين:

الأول: أن يتدبّر ويتأمّل، فيحصل له الوثوق والعلم بأنّه قد فرغ من الركعة الثانية.

الثاني: أن يشكّ المصلّي ـ وهو يتشهّد ـ في أنّ تشهّده هذا هل حدث ووقع بعد الركعة الاُولى خطأً، أو بعد الثانيه ؟ فيجعل التشهّد نفسه قرينةً على أنّه قد أكمل ركعتين؛ تطبيقاً لقاعدة التجاوز؛ لأنّ الشكّ في صدور الركعة الثانية منه بعد دخوله في التشهّد هو عين الشكّ في الشيء بعد تجاوز محلّه والدخول في غيره، فتجري قاعدة التجاوز، وبها نبني على وجود الركعة الثانية كاملةً سالمة، كما تقدم في الفقرة (63).

(80) والشكوك التي حكمنا بأنّها تُبطل الصلاة يستثنى منها الحالات الأربع المتقدّمة في الفقرة (75)، (76)، (77)، (78) فإنّ الحكم فيها هو ما قرّرناه في تلك الفقرات، فالظانّ يعمل على أساس ظنّه، وكثير الشكّ يفترض أنّ ما شكّ فيه قد أتى به ما لم تبطل الصلاة بمثل هذا الافتراض، والإمام والمأموم يعتمد كلّ منهما ـ إذا شكّ ـ على الآخر، والمتنفّل (المصلّي صلاة النافلة) له أن يبني على الأقلّ أو على الأكثر ما لم تبطل الصلاة بمثل هذا الافتراض.

(81) وكلّما حصل للمصلّي شكّ في عدد الركعات ولكنّه لم يستعجل، بل تروّى وتدبّر فحصل له اليقين أو الظنّ بالعدد عمل على هذا الأساس وصحّت صلاته؛ ولم يحتج إلى علاج إطلاقاً.

كما أنّه إذا حصل له ظنّ بالعدد ولكن سرعان مافارقه هذا الظنّ وتحيّر تحيّراً كاملا بدون ترجيح عمل على أساس حالته الثانية، فإن كان الشكّ ممّا تبطل به الصلاة بطلت صلاته، وإن كان بحاجة إلى علاج عالجه بالنحو المناسب؛ تبعاً لما قرّرناه في الصور التسع المتقدّمة.

644

صلاة الاحتياط:

(82) مرّ بنا أنّ الشكّ في سبع صور من الصور التسع التي تقدم بيانها لا تبطل به الصلاة شريطة أن تعالج بصلاة الاحتياط، فإذا عولجت بها صحّت؛ وإلّا بطلت.

وجوبها:

وصلاة الاحتياط في تلك الصور السبع واجبة، فلا يسوغ للمكلف الشاكّ أن يهمل تلك الصلاة ويستأنفها من جديد، بل لابدّ له من علاجها بصلاة الاحتياط.

(83) ويسقط وجوبها إذا تبيّن للمصلّي ولو بعد الفراغ من صلاته أنّه كان على حقٍّ في البناء على الأكثر؛ وأنّ صلاته كاملة سالمة، وإذا تبيّن له ذلك وهو في أثناء صلاة الاحتياط أمكنه قطعها، وأمكنه إتمامها نافلةً ركعتين، وقد يتبيّن له أنّ صلاته كانت ناقصة، مثلا: يشكّ في أنّها ثلاث ركعات أو أربع، فيبني على الأربع ويكمل صلاته، ثمّ يتأكّد من أنّها كانت ثلاث ركعات فهل يسقط حينئذ وجوب صلاة الاحتياط؟

ويتّضح الحكم من خلال استعراض الحالات التالية:

الاُولى: أن يتبيّن له النقص قبل البدء بصلاة الاحتياط، وعليه في هذه الحالة أن يغضّ النظر عمّا وقع منه من تشهّد وتسليم، ويقوم لإكمال صلاته بركعة رابعة لا يكبّر لها تكبيرة الإحرام؛ ويقرأ فيها ما يقرؤه المصلّي في الركعة الرابعة (1).

 


(1) وبعد انتهاء الصلاة يسجد سجدتي السهو للسلام الذي وقع في غير محلّه.
645

الثانية: أن يتبيّن له النقص في أثناء ركعة الاحتياط وهو يؤدّيها من قيام؛ فيفترضها مكمّلةً لصلاته ولا شيء عليه (1).

الثالثة: أن يتبيّن له النقص في أثناء صلاة الاحتياط قبل أن يركع فيها وهو يؤدّيها من جلوس؛ فيهمل ما أتى به منها، ويقوم ويأتي بالركعة الرابعة الناقصة لتكميل صلاته بدون تكبيرة الإحرام، ويقرأ فيها ما يقرؤه المصلّي في الركعة الأخيرة (2).

الرابعة: أن يتبيّن له النقص في أثناء صلاة الاحتياط بعد أن ركع فيها وهو يؤدّيها من جلوس، والأجدر به حينئذ وجوباً أن يستأنف الصلاة من جديد.

وإن تبيّن للمصلّي النقص بعد الفراغ من صلاة الاحتياط فلا شيء عليه على أيّ حال.

(84) وإذا صلّى المكلّف وسلّم في صلاته؛ وقبل أن يصدر منه ما هو مبطل عرض له الشكّ في أنّه هل بنى على الركعة الرابعة؛ لأنّه كان قد ظنّها أو تيقنها كذلك كي يكون تسليمه هذا خاتمة صلاته ولا شيء عليه بعده؟ أو أنّه كان قد بنى على الركعة الرابعة؛ لأنّه شكّ بين الثلاث والأربع وبنى على الأكثر كي يكون عليه أن يأتي بصلاة الاحتياط، إذا افترضنا هذا فهل تجب في هذه الحالة صلاة الاحتياط؟

والجواب: نعم، يجب على هذا الشاكّ فعلا أن يحتاط بركعة من قيام، سواء أكان حين سلّم قد سلّم جازماً بأنّ سلامه هذا هو الأخير والخاتمة، أم سلّم مع الشكّ والتردّد.

 


(1) الأحوط وجوباً أن يأتي بعد ذلك بسجدتي السهو للسلام الذي وقع في غير محلّه.
(2) ثمّ يسجد سجدتي السهو للسلام الذي وقع في غير محلّه.
646

(85) ومن وجبت عليه صلاة الاحتياط وشكّ في أنّه هل أدّاها وخرج عن عهدتها أوْ لا تزال في ذمته؟ فهل يجب عليه الإتيان بها، أوْ لا يجب؟

والجواب: إذا حصل له هذا الشكّ بعد أن خرج وقت الصلاة؛ أو بعد أن فرغ منها المصلّي وقد صدر منه بعد التسليم ما أبطلها لو لم تكن تامّةً ـ كشيء من موجبات الوضوء، أو ما يمحو صورة الصلاة رأساً ـ فلا يجب عليه الإتيان بصلاة الاحتياط ومضت صلاته، وإلّا فعليه أن يأتي بها ويخرج عن عهدتها.

كيفيتها:

(86) تقدّم أنّ صلاة الاحتياط: تارةً تكون ركعةً من قيام أو ركعتين من جلوس، واُخرى تكون ركعتين من قيام وركعتين من جلوس، وصورتها ـ على أيّ حال ـ هي الصورة العامّة للصلاة المكوّنة من ركعة أو من ركعتين.

ويجب في صلاة الاحتياط كلّ ما يجب في صلاة الفريضة أجزاءً وشروطاً، إلّا السورة، وإلّا الجهر في الفاتحة؛ فإنّ المصلّي صلاة الاحتياط يخفت بالفاتحة دائماً.

وإذا صدر من المصلّي قبل الابتداء بصلاة الاحتياط شيء يبطل الصلاة حينما يقع فيها بطلت صلاته من أساسها، كما لو صدر منه ذلك المبطل في أثنائها، ووجب عليه أن يعيد الصلاة ويستأنفها من جديد.

الخلل والشكّ:

(87) إذا ترك أو زاد شيئاً في صلاة الاحتياط سهواً أو جهلا أو عمداً فحكمه حكم ما لو ترك أو زاد في أيّة فريضة من الفرائض، وقد تقدم بيان هذا الحكم في الخلل.

647

وكلّما اقتضى الحكم بطلان صلاة الاحتياط كفى المكلّف أن يستأنف أصل الصلاة من جديد.

والشكّ في قول أو فعل واجب من صلاة الاحتياط تحكمه نفس أحكام الشكّ في واجبات الصلاة التي مرّت بنا آنفاً، فمثلا: إن كان قد حدث هذا الشكّ بعد تجاوز محلّ المشكوك والدخول في الجزء التالي له مضى ولا شيء عليه، وإن حدث قبل تجاوز المحلّ والدخول في الجزء اللاحق أعاد تماماً؛ كما لو حدث ذلك في أيّة فريضة.

وإذا شكّ في عدد ركعات صلاة الاحتياط الثنائية بنى على الأكثر؛ إلّا أن يكون الأكثر مبطلا لها، كالشكّ بين الركعتين والثلاث، وحينئذ يبني على الأقلّ لكي تصحّ صلاته.

649

الأحكام العامّة

5

صلاة الجماعة

 

 

○   تمهيد.

○   الصلوات التي يسوغ فيها الاقتداء.

○   كيفية الاقتداء.

○   شروط الاقتداء.

○   كيفية صلاة الجماعة.

○   الأحكام المترتّبة على صلاة الجماعة.

 

 

651

تمهيد:

(88) صلاة الجماعة من أهمّ شعائر الإسلام، واستحبابها وطيد ومؤكّد نصّاً وإجماعاً، بل ثبت هذا الاستحباب بضرورة دين الإسلام(1) وعند جميع المسلمين، وأجرها وثوابها من الله تعالى عظيم؛ وقد يفوق أجر الكثير من الواجبات وجُلّ المستحبّات، وكلّما ازدادت الجماعة وأعطت مظهراً حقيقياً لتجمّع المسلمين والمصلّين ارتفعت شأناً وجَلّت ثواباً.

وهي أفضل ماتكون في الفرائض اليومية الحاضرة منها ـ أي التي لم يَفُتْ وقتها المؤقّت لها بعد ـ والفائتة، وبالخصوص الحاضرة، وبصورة أخصّ صلاة الصبح والمغرب والعشاء.

(89) وقد تجب صلاة الجماعة على الإنسان لأسباب طارئة:

منها: أن يضيق الوقت على المكلّف وكان بطيء النطق، فلو صلّى منفرداً لَما أدرك من الوقت المحدّد للصلاة حتّى ركعة، ولو صلاّها مأموماً بإمام سريع النطق لأدرك ركعة، فيجب عليه والحالة هذه أن يأتمّ، (فإنّ المأموم لا يقرأ ويعوّل


(1) أي أنّه من البديهيات الدينية.(منه (رحمه الله)).
652

في القراءة على الإمام، كما سيأتي).

ومنها: أن يكون المكلّف بحاجة إلى تعلّم للقراءة؛ وقد أهمل ذلك حتّى حلّ وقت الصلاة؛ ولا يسعه فعلا أن يصلّي بصورة منفردة مع الحفاظ على القراءة، ولكن يسعه أن يأتمّ ويعوّل في القراءة على الإمام، فيجب عليه والحالة هذه أن يأتمّ.

ومنها: أن ينذر الصلاة جماعة، أو يحلف بالله على ذلك، أو نحو هذا ممّا يؤدّي إلى وجوب طارئ.

صلاة المنفرد وصلاة المقتدي:

(90) الصلاة لها اُسلوبان:

أحدهما: أن يصلّي الإنسان بدون أن يكون لصلاته ارتباط شرعي بصلاة شخص آخر، وتسمّى هذه الصلاة بصلاة المنفرد؛ وهي التي عرفنا فيما تقدّم صورتها وأجزاءَها وشرائطها.

والآخر: أن يصلّي الإنسان ناوياً أن يتّخذ من مصلٍّ آخر إماماً له وقدوةً في صلاته، فيتابعه في حركاته وركوعه وسجوده وقيامه، وتسمّى هذه الصلاة بصلاة الجماعة، والعلاقة التي تقوم بين هذين المصلّيين بالاقتداء، ويسمّى الأوّل مقتدياً ومأموماً والثاني مقتدى به وإماماً. فالاقتداء إذن تعبير شرعاً عن تلك العلاقة التي ينشئها المأموم بينه وبين الإمام عندما ينوي أن يأتمّ به ويقتدي بصلاته.

وكلّ من صلاة المقتدِي (أي: المأموم) وصلاة المقتدى به (أي: الإمام) أفضل من صلاة المنفرد؛ لأنّهما يودّيان بذلك صلاة الجماعة، وهي من أعظم المستحبّات كما عرفت في التمهيد.

653

وفي ما يلي سنشرح مايتعلّق بصلاة الجماعة من أحكام ضمن النقاط التالية:

1 ـ الصلوات التي يسوغ فيها الاقتداء.

2 ـ كيفية الاقتداء.

3 ـ شروطه.

4 ـ الفوارق في الكيفية بين صلاة الجماعة وصلاة المنفرد.

5 ـ الأحكام المترتّبة على صلاة الجماعة.

الصلوات التي يسوغ فيها الاقتداء:

(91) يسوغ الاقتداء وإقامة صلاة الجماعة في كلّ الصلوات الواجبة من الصلوات اليومية، وصلاة الجمعة، وصلاة الآيات وغيرها، ويستثنى من الصلوات الواجبة صلاة الطواف، فإنّا لانملك دليلا على أنّ الاقتداء فيها سائغ.

ولا يسوغ الاقتداء في الصلوات المستحبّة بطبيعتها حتّى ولو وجبت بنذر ونحوه، ولا فرق في ذلك بين النوافل اليومية وغيرها، ويستثنى من ذلك صلاة الاستسقاء، وكذلك صلاة العيدين فإنّ إقامتها جماعة سائغ حتّى ولو كانت مستحبّة.

(92) وإقامة الصلاة جماعةً ليس شرطاً واجباً في الصلوات الواجبة؛ إلّا في صلاة الجمعة وصلاة العيدين حيث تجب، فلا تصحّ صلاة الجمعة ولا صلاة العيدين الواجبة إلّا بإقامتها جماعة.

(93) وإذا صلّى الإنسان صلاة الفريضة منفرداً سقط وجوبها، ولكن مع هذا يستحبّ للمصلّي المذكور أن يعيدها جماعةً إماماً أو مأموماً؛ على أن يكون في الجماعة مأموم واحد على الأقلّ يمارس صلاة الفريضة لأول مرّة.

654

وإذا صلّى المكلّف منفرداً ثمّ أعادها جماعةً؛ وبعد ذلك انكشف له أنّ صلاته الاُولى كانت باطلةً فالثانية عوض وبدل.

(94) وإذا كانت صلاة الإمام وصلاة المأموم معاً من الصلوات الواجبة التي تسوغ فيها صلاة الجماعة فهل يعتبر أن تكون الصلاتان من نوع واحد، كما إذا كانتا معاً صلاة صبح أو صلاة آيات مثلا، أو يسوغ الاقتداء وتصحّ الصلاة جماعةً ولو اختلفت الصلاتان ؟

والجواب: بل يسوغ الاقتداء مع اختلاف الصلاتين أيضاً، من قبيل أن يقتدي من يصلّي المغرب بمن يصلّي العشاء، وبالعكس، ومن يصلّي الظهر بمن يصلّي العصر، وبالعكس، ومن يؤدّي الحاضرة من يومه بمن يقضي الفائتة من أمسه وبالعكس، ومن يتمّ الصلاة حاضراً بمن يقصّرها مسافراً ومن يقضي صلاة المغرب التي فاتته بمن يقضي صلاة العصر التي فاتته، وبالعكس، ومن يصلّي الكسوف بمن يصلّي صلاة الزلزلة...، وهكذا ما دام كلّ من الإمام والمأموم يمارس صلاةً واجبة.

(95) ويستثنى من ذلك ـ أي من جواز الاقتداء مع اختلاف الصلاتين ـ إذا كان الإمام يصلّي صلاة العيدين، أو صلاة الآيات، أو الصلاة على الأموات فإنّه لا يسوغ للمأموم أن يقتدي به حينئذ إلّا في صلاة من نوع الصلاة التي يصلّيها الإمام.

كما أنّ من يريد أن يصلّي مأموماً صلاة العيدين، أو صلاة الآيات، أو صلاة الأموات فلا يسوغ له أن يقتدي إلّا بمن يؤدّي نفس الصلاة، وكذلك الأمر في صلاة الاستسقاء فإنّ الاقتداء فيها بمن يصلّي غيرها ليس جائزاً، وكذلك إقتداء من يصلّي الصلوات اليومية ـ مثلا ـ بمن يصلّي صلاة الاستسقاء.

(96) وقد تسأل: إذا كان الإنسان يشكّ في أنّ عليه فوائت من صلواته

655

اليومية السابقة وأراد أن يصلّيها احتياطاً فهل يجوز له أن يقتدي بمن يصلّي الفريضة ؟ وهل يجوز أن يقتدي به من يصلّي الفريضة ؟ وهل يجوز أن يقتدي به من يصلّي فوائت مشكوكةً مثله تماماً ؟

والجواب: أنّ هذا الشخص يجوز له أن يقتدي بمن يصلّي الفريضة، ولا يجوز لمن يصلّي الفريضة أن يقتدي به ما دام غير متأكّد من أنّ صلاته واجبة، كما لا يجوز لمن يصلّي فوائت مشكوكةً أن يقتدي بمن يصلّي فوائت مشكوكةً أيضاً؛ إلّا إذا كان يعلم بأنّه في حالة كونه مديناً بتلك الصلاة، فإمامه مدين بصلاته أيضاً، كما إذا كان كلا الشخصين قد توضّأ للظهر والعصر من ماء واحد وصلّيا، وبعد ذهاب النهار شكّا في أنّ الماء الذي توضّآ به معاً هل كان طاهراً أم نجساً وأرادا أن يحتاطا استحباباً بالقضاء ؟ ففي مثل هذه الحالة يسوغ لكلٍّ منهما الاقتداء بالآخر.

(97) وإذا كان الإنسان يصلّي ركعة الاحتياط علاجاً للشكّ في صلاته فهل يجوز اقتداؤه بمن يصلّي الفريضة، أو بمن يصلّي ركعة احتياط أيضاً ؟ وهل يجوز لمن يصلّي الفريضة أن يقتدي به ؟

الجواب: لا يسوغ له أن يقتدي بمن يصلّي الفريضة، ولا بمن يصلّي ركعة احتياط، ولا يجوز لمن يصلّي الفريضة أن يقتدي به.

ويمكنك أن تقول: قد يقتدي شخص بآخر في صلاة يومية ثمّ يعرض الشكّ في عدد الركعات لهما معاً على نحو واحد، كما إذا شكّا بين الثلاث والأربع فبنيا على الأكثر، وفرغا من صلاتهما وقاما لأداء ركعة الاحتياط فهل يواصل المأموم اقتداءه بإمامه في ركعة الاحتياط هذه وهو يعلم أنّه في حالة كونه مَديناً بها وكون صلاته ناقصةً فإمامه مدين بها أيضاً لنفس السبب ؟

والجواب: أنّ جواز الاقتداء في هذه الحالة محتمل، ولكنّ الأجدر

656

بالمكلّف وجوباً أن لايقتدي؛ لأنّ ركعة الاحتياط في حالة عدم نقص الصلاة تعتبر صلاةً مستحبّة؛ ولا اقتداء في الصلاة المستحبّة.

(98) وإذا كنت تريد أن تؤدّي صلاة الفريضة ـ مثلا ـ ورأيت مصلّياً توافرت فيه شروط الإمامة بالكامل فلا تأتمّ ولا تقتدِ به؛ حتّى تعلم أنّ صلاته هذه من الصلوات الواجبة التي يسوغ الاقتداء بها، فربّما كان يتطوّع ويتنفّل، أو يؤدّي صلاةً واجبةً لا يسوغ فيها الاقتداء والائتمام، كما إذا كان يقضي صلاة الطواف مثلا.

كيفية الاقتداء:

(99) عرفت أنّ صلاة الجماعة تتكوّن من اقتداء شخص بشخص آخر في الصلاة، كما عرفت الحالات التي يسوغ فيها الاقتداء.

وأمّا الاقتداء نفسه: فهو عبارة عن أن ينوي المأموم حين يكبّر تكبيرة الإحرام أنّه يصلّي مقتدياً بهذا الإمام، أو مؤتمّاً به؛ أو يصلّي خلفه؛ ونحو ذلك من المعاني التي تهدف إلى شيء واحد، فإذا نوى المأموم كذلك صار مقتدياً، وصار المقتدَى به إماماً، واعتبرت صلاتهما صلاة جماعة، سواء كان الإمام قاصداً لأن يكون إماماً أو لا، وحتّى لو كان جاهلا بالمرّة بأنّ رفيقه نوى الاقتداء به فإنّ الجماعة تنشأ بنيّة المأموم، لا بنيّة الإمام.

أجَل، في الصلوات التي لا تشرع ولا تسوغ إلّا جماعةً لابدّ أن يكون الإمام فيها ملتفتاً إلى أنّه يصلّيها إماماً، وإلّا لكان قاصداً لأمر غير مشروع.

ومثاله: من يقيم صلاة الجمعة، وكذلك في أيّ فريضة صلاّها المكلّف وأراد أن يعيدها إماماً استحباباً.

ولابدّ أن يعيّن المأموم عند نيّة الاقتداء شخصاً معيّناً ينوي الائتمام به،

657

فلا يسوغ أن ينوي الائتمام بشخصين معاً، ولا بإنسان ما بدون أن يعيّنه في هذا وذاك.

وليس من الضروريّ أن يعيّنه بالاسم، بل يكفي أن يشير إليه بقلبه إشارةً محدّدةً بعد تأكّده من توفّر الشروط اللازمة فيه، إذ سيأتي أنّ إمام الجماعة يجب أن تتوفّر فيه شروط نوضّحها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وإذا نوى الاقتداء بالإمام الواقف معتقداً أنّه زيد فتبيّن بعد ذلك أنّه عمرو صحّت صلاته وائتمامه إذا كان عمرو جديراً بالإمامة أيضاً؛ وتتوفّر فيه الشروط اللازمة في إمام الجماعة.

ولا يسوغ لشخصين أن ينوي كلّ منهما الاقتداء بالآخر، ولا أن ينوي شخص الاقتداء بمن ينوي بدوره الاقتداء بثالث.

ولا يسوغ للمصلّي الذي بدأ صلاته منفرداً أن ينوي في الأثناء الائتمام والاقتداء، وإنمّا يسوغ للإنسان أن ينوي ذلك في بداية صلاته.

(100) وليس من الضروريّ أن يبدأ المصلّي بالاقتداء مع بداية صلاة الإمام، وإنّما المهمّ أن لا يسبق المأموم إمامه بتكبيرة الإحرام، وله أن يلتحق به في الركعة الاُولى متى شاء حتّى يركع الإمام، وله ان يلتحق به في أثناء الركوع؛ بأن يكبّر واقفاً ناوياً الاقتداء ثمّ يركع، شريطة أن يكون الإمام باقياً في الركوع إلى حين ركوعه، وله أن يلتحق به في الركعة الثانية، أو أيّ ركعة اُخرى؛ على تفصيل يأتي.

وقد تسأل: هل يجوز للمأموم أن ينوي الاقتداء بالإمام في جزء من صلاته ـ ركعةً واحدةً مثلا من صلاته أو ركعتين ـ ثمّ يفترق عنه، أو لا يسوغ له أن يفترق عنه بحال ؟

والجواب: إذا انتهت ركعات المأموم قبل أن ينهي الإمام ركعات صلاته