25

وإن أراد الثاني ـ وهو إخراج كون الشرط جزء العلّة ـ ورد عليه: أنّ إخراج ذلك بلا موجب، فإنّ الشرط إذا كان منحصراً لا بديل له في تحقيق المعلول ثبت المفهوم سواءً فرض تمام العلّة أو جزءها، فالانتفاء إنّما يستند إلى الاُمور الثلاثة من تلك الاُمور، أعني: ما عدا الأمر الثالث.

وإن أراد الثالث ـ وهو إخراج ما لو كان الجزاء معلولا لما يلازم الشرط، باعتبار أنّه لم يخرج بالشرط الثاني وهو الترتّب؛ لأنّ المتأخّر عن المقارن متأخّر عن المقارن الآخر، أو قل: ما مع المتقدّم متقدّم ـ ورد عليه:

أوّلا: منع كون ما مع المتقدّم متقدّماً، فالشرط الثالث لا مورد له.

وثانياً ـ بعد تسليم قاعدة (ما مع المتقدّم متقدّم) ـ: أنّه لو اُريد بالشرط الثاني ـ وهو الترتّب ـ ما يصدق على الترتّب بهذا النحو لا خصوص ترتّب المعلول على علّته التامّة أو الناقصة فالشرط الثالث في محلّه لأجل إخراج ذلك، لكن كون الترتّب بذاك المعنى دخيلا في الانتفاء عند الانتفاء ممنوع، فالشرط الثاني لا مورد له.

ولو أراد بالشرط الثاني الترتّب بهذا المعنى العامّ، وبالشرط الثالث أحد المعنيين الأوّلين كان الشرط الثاني والثالث كلاهما مخدوشاً.

ولو أراد بالشرط الثالث اثنين من هذه الاحتمالات أو جميعها ورد عليه إشكال اثنين منها أو جميعها.

هذا. ومن المسلّم عندهم ـ كما مضى ـ أنّ المعلّق على الشرط لو كان هو شخص الحكم لم يتحقّق المفهوم ولو فرض تحقّق هذه الاُمور الأربعة أو الثلاثة.و سيأتي إن شاء الله تحقيق الكلام في ذلك عند الكلام حول ما أفاده المحقّق العراقيّ(رحمه الله). أمّا هنا فنتكلّم في فرض كون المعلّق على الشرط هو سنخ الحكم

26

لا شخصه بعد فرض تسليم ما أفادوه من مسلّميّة كون المعلّق على الشرط هو سنخ الحكم.

والتحقيق: أنّه لا يتوقّف كون القضيّة ذات مفهوم على ثبوت كون الشرط علّة منحصرة للجزاء، بل الذي يوجب إفادتها للمفهوم هو إثبات إفادتها لكون ثبوت الجزاء منحصراً في فرض ثبوت الشرط، والذي يدّعي المفهوم للقضيّة الشرطيّة ليس أمره محصوراً في الاعتراف بتلك الاُمور الثلاثة أو الأربعة، بأن لا يتعقّل الإيمان بالانحصار إلّا بعد الإيمان بتلك المقدّمات السابقة. نعم، مع فرض تماميّة أحد اُمور ثلاثة نحتاج إلى تلك المقدّمات:

الأوّل: أن يقال: إنّ صرف انحصار الجزاء في فرض ثبوت الشرط لا يوجب الانتفاء عند الانتفاء ما لم نثبت كون الشرط علّة منحصرة للجزاء.

وهذا ـ كما ترى ـ بديهيّ البطلان.

الثاني: أن يقال: إنّ انحصار الجزاء في فرض ثبوت الشرط يكون في عالم الثبوت منحصراً في فرض كون الشرط علّة منحصرة للجزاء.

ويرد عليه: أنّه كما يمكن ذلك في هذا الفرض، كذلك يمكن ذلك في فرض انتفاء الشرط الرابع، بأن يُفرض أنّ الشرط وإن كان علّة غير منحصرة لكنّ العلّة الاُخرى لا توجد في الخارج، فينحصر الجزاء في فرض وجود الشرط، فالمفهوم ثابت رغم انتفاء الشرط الرابع؛ إلّا أن يكون مرادهم بالشرط الرابع ما يعمّ الانحصار بهذا المعنى، لكنّه خلاف ظاهر كلماتهم.

أو يفرض أنّ الشرط جزء لا بديل له لعلّة منحصرة أو غير منحصرة مع فرض اشتراك جميع تلك العلل في ذلك الجزء، فالمفهوم ثابت رغم انتفاء الشرطين الأخيرين.

27

أو يفرض أنّ الشرط والجزاء معلولان لعلّة واحدة منحصرة أو غير منحصرة مع فرض اشتراكهما بالنسبة لجميع تلك العلل، فانتفاء الشرط مساوق لانتفاء العلّة المنحصرة أو تلك العلل المساوق لانتفاء الجزاء، فالمفهوم ثابت رغم انتفاء الشروط الثلاثة الأخيرة.

أو يفرض أنّ انحصار الجزاء في الشرط يكون من باب الاتّفاق البحت، فالمفهوم ثابت رغم انتفاء جميع تلك الشروط الأربعة.

ولا يخفى أنّ ما ذكرناه من تصوير انتفاء خصوص الشرطين الأوّلين إنّما كان بناءً على كون المراد بالشرط الثالث ما يخرج به عدم كون الشرط علّة تامّة، أمّا لو اُريد به ما يُخرج ترتّب الجزاء على ما يلازم الشرط بعد تسليم أنّ ما مع المتقدّم متقدّم فيمكن أيضاً فرض انتفاء خصوص الشرطين الأوّلين، كما لو فُرض أنّ علّة الجزاء ليست إلّا معلولة لعلّة الشرط، وليست لها علاوة على العلّة المشتركة علّة غير مشتركة، وليس للجزاء علّة غير معلولة لعلّة الشرط، فيثبت المفهوم رغم انتفاء الشرطين الأوّلين.

وأمّا لو اُريد بالشرط الثالث خصوص ما يخرج الترتّب الزمانيّ فقد عرفت أنّه في الحقيقة ليس شرطاً على حدة.

الثالث: أن يقال: إنّه وإن كان انحصار الجزاء في فرض تحقّق الشرط في عالم الثبوت له ملاكات خمسة، لكن بحسب عالم الإثبات لا يمكن دعوى استفادة المفهوم من الجملة الشرطيّة إلّا بدعوى إفادتها لكون الشرط علّة منحصرة للجزاء.

ويرد عليه: أنّه كما يمكن أخذ المفهوم من الجملة الشرطيّة بدعوى إفادتها لكون الشرط علّة منحصرة، كذلك يمكن أخذ المفهوم بدعوى كون أداة الشرط موضوعة لحصر الجزاء في فرض تحقّق الشرط، أو بإثبات أنّ ما هو المعلّق على

28

الشرط يكون بحكم الإطلاق عبارة عن مطلق وجود الحكم لا صرف وجوده، فمهماكان الحكم ثابتاً كان ثبوته مقارناً لثبوت الشرط، وهذا ـ كما ترى ـ يستلزم الانتفاء عند الانتفاء ولو فرض عدم كون الشرط علّة منحصرة. فمدّعي المفهوم لو أثبت إحدى هذه الدعاوى الثلاث ـ أي: العلّيّة الانحصاريّة للشرط، أو وضع الأداة لحصر الجزاء في فرض الشرط، أو تعليق طبيعيّ الحكم بحسب الإطلاق على الشرط ـ كفاه في إثبات دعواه في المفهوم وليس أمره منحصراً في إثبات الدعوى الاُولى.

وأمّا ما هو الضابط لاقتناص المفهوم في نظر المحقّق العراقيّ(رحمه الله) ـ وهو كون المعلّق على الشرط هو سنخ الحكم لا شخصه بعد فرض مسلّميّة كون الشرط علّة منحصرة للجزاء ـ فاعلم أنّ المحقّق العراقيّ(رحمه الله) في الحقيقة له دعاوى أربع:

الاُولى: توقّف المفهوم على كون الشرط علّة منحصرة للجزاء كما قال المشهور أيضاً بذلك.

الثانية: أنّ كون الشرط على نحو العلّيّة المنحصرة مسلّم حتّى عند المنكرين للمفهوم ولو ارتكازاً.

الثالثة: أنّه لو كان المعلّق على الشرط هو شخص الحكم لما كان للقضيّة مفهوم؛ بداهة أنّ غاية ما تقتضي الجملة حينئذ انتفاء شخص الحكم عند انتفاء الشرط.

الرابعة: أنّه لو كان المعلّق على الشرط سنخ الحكم كانت القضيّة ذات مفهوم؛ لأنّ المفروض أنّ الشرط علّة منحصرة، فبانتفائه ينتفي سنخ الحكم.

وقد ذكر(رحمه الله) في وجه مسلّميّة كون الشرط على نحو العلّيّة المنحصرة: أنّ كلتا الطائفتين ـ أعني: القائلين بالمفهوم والمنكرين له ـ سلّموا في باب المطلق والمقيّد فيما إذا كانا مثبتين كقوله: (أعتق رقبة) و(أعتق رقبة مؤمنة) أنّه لو علم كون الحكم الذي في نظر المولى ـ المبيّن تارةً في ضمن المطلق واُخرى في ضمن المقيّد ـ واحداً، ولم نحتمل أنّ مقصوده بالكلام المطلق بيان حكم ومقصوده بالكلام المقيّد

29

بيان حكم آخر غير ذلك الحكم فلا محالة يحمل المطلق على المقيّد. ولا وجه لذلك سوى أنّ انتفاء القيد ـ وهو الإيمان في المثال المذكور ـ موجب لانتفاء الحكم، وبما أنّ الحكم في كليهما واحد وليس هنا حكمان فبانتفاء القيد ينتفي الحكم المذكور في المطلق.

فظهر: أنّ المطلق محمول على المقيّد، ولا وجه لانتفاء الحكم في المقيّد بانتفاء قيد الإيمان ـ مع أنّهم ذكروا أنّ الوصف ليس له مفهوم ـ إلّا أنّ القيد يكون علّة منحصرة لشخص الحكم، وإلّا لما استحال ثبوت الحكم مع انتفائه؛ لإمكان قيام علّة اُخرى مقامه.

فظهر: أنّ القيد والشرط والغاية ونحو ذلك يكون من المسلّم كونه من قبيل العلّة المنحصرة، فلا محالة يثبت الانتفاء عند الانتفاء، فإن كان المعلّق عليه سنخ الحكم فقد تحقّق المفهوم؛ لانتفاء سنخ الحكم بانتفاء العلّة المنحصرة، وإن كان المعلّق عليه شخص الحكم لم يلزم من ذلك سوى انتفاء شخصه ولا يتحقّق المفهوم.

والحاصل: أنّ العلّيّة المنحصرة مسلّمة كما يظهر من كلامهم في باب المطلق والمقيّد، فلم يبق فيما نحن فيه ما نبحث عنه سوى أنّه هل المعلّق هو سنخ الحكم أو شخصه.

أقول: لا يخفى أنّ ما أفاده المحقّق العراقيّ(رحمه الله) هنا من كون ملاك حمل المطلق على المقيّد هو العلم الخارجيّ بوحدة الحكم المقصود في الكلامين هو ما جرى عليه المحقّق الخراسانيّ ومَن في مدرسته ومنهم المحقّق العراقيّ(رحمه الله)، إلّا أنّ المحقّق النائينيّ(رحمه الله) ومَن في مدرسته لم يجروا هذا المجرى(1).

 



(1) فإنّهم يذكرون في المقام تفصيلا آخر غير التفصيل بين العلم الخارجيّ بوحدة

30

وعلى أيّ حال فقد عرفت أنّ للمحقّق العراقيّ(رحمه الله) دعاوى أربع، والتحقيق أنّ الجميع لا يمكن المساعدة عليها:

أمّا الدعوى الاُولى ـ وهي توقّف المفهوم على كون الشرط علّة منحصرة للجزاء ـ فقد عرفت ما فيها مفصّلا عند الإيراد على مقالة المشهور.

وأمّا الدعوى الثانية ـ وهي مسلّميّة كون الشرط على نحو العلّيّة الانحصاريّة حتّى عند المنكرين للمفهوم، لتسليمهم في باب المطلق والمقيّد لحمل المطلق على المقيّد إذا علمنا بكون الحكم المبرز بهما واحداً ـ فيرد عليها: أنّ مَن ينكر المفهوم فيما نحن فيه حتّى مع فرض كون المعلّق سنخ الحكم لا شخصه ليس مُلزماً بإنكار حمل المطلق على المقيّد إذا علم بكون الحكم المبرَز بهما واحداً؛ وذلك لأنّه إنّما يقول بحمل المطلق على المقيّد من ناحية كون القيد ـ وهو الإيمان مثلا ـ علّة منحصرة لشخص الحكم، فينتفي شخصه ـ المفروض اتّحاده مع الحكم المبرَز بالمطلق ـ بانتفائه، لا بدعوى أنّ العلّيّة المنحصرة بعنوانها تكون مدلولة للقضيّة حتّى يقال: إنّه لو فُرض دلالة القضيّة على ذلك فلا يعقل أن تكون دلالتها عليه مختصّة بفرض كون المعلّق شخص الحكم، بل دلالتها مسلّمة حتّى على فرض كون المعلّق سنخ الحكم، بل بدعوى أنّ القضيّة بظاهرها تدلّ على شيء يكون بينه وبين العلّيّة المنحصرة ملازمة في خصوص فرض كون المعلّق شخص الحكم، وأمّا في فرض كون المعلّق سنخه فالملازمة بينهما ممنوعة.

 


الحكم وعدمه، وهو التفصيل بين ما لو كان الحكم بنحو مطلق الوجود فلا تنافي بين المطلق والمقيّد، أو صرف الوجود فيقع التنافي؛ لأنّ صرف الوجود لا يتعلّق به إلّا حكم واحد.

31

وتوضيح ذلك: أنّه لو قال المولى مثلا: (إن كانت الرقبة مؤمنة فأعتقها) فعدم كون الإيمان من قبيل العلّة المنحصرة لا ينفكّ عن أحد أمرين:

الأوّل: أن يكون للإيمان عِدلٌ كالسخاء مثلا، بمعنى أنّه كما يكون الإيمان علّة لجعل الحكم كذلك السخاء أيضاً علّة لجعل آخر للحكم.

الثاني: أن يكون السخاء مثلا عِدلا للإيمان، لا بمعنى كون كلّ منهما بعنوانه علّة لجعل الحكم، بل بمعنى أن تكون العلّة في الحقيقة للجعل الواحد هي الجامع بين الإيمان والسخاء مثلا، ولو جامعاً انتزاعيّاً كعنوان أحدهما لا نفس عنوان الإيمان، فمهما قام الدليل على انتفاء هذين الأمرين ثبت أنّ الإيمان علّة منحصرة.

وعندئذ نقول: إن كان المعلّق شخص الحكم فلا إشكال في كون الإيمان علّة منحصرة؛ لانتفاء ما عرفته من الأمرين: أمّا الأمر الأوّل فلأنّه خلف فرض كون المعلّق شخص الحكم، فإنّ شخص الحكم لا يمكن أن يكون له شرطان متبادلان بعنوانهما الخاصّ، وإنّما الممكن فرض الشرط أو العلّة عبارة عن الجامع بينهما. وأمّا الأمر الثاني ـ وهو كون الشرط أو العلّة عبارة عن الجامع بينهما ـ فلأنّه خلاف ظاهر القضيّة؛ لأنّ المأخوذ في القضيّة إنّما هو عنوان الإيمان لا الجامع، فبما أنّ الأمر الأوّل محال ـ لكونه خلف الفرض ـ والأمر الثاني خلاف الظاهر يثبت بظاهر القضيّة كون الإيمان علّة منحصرة.

وأمّا إن كان المعلّق سنخ الحكم فالأمر الثاني وإن كان خلاف الظاهر لما عرفت، لكنّ الأمر الأوّل ليس محالا؛ لعدم كونه خلف الفرض، فليس القائل بحمل المطلق على المقيّد في ذاك الباب ملزماً فيما نحن فيه بالقول بالمفهوم بناءً على كون المعلّق سنخ الحكم. أي: أنّه لو لم يعترف بكفاية تعليق السنخ لثبوت المفهوم إلّا مع ثبوت العلّيّة الانحصاريّة فليس قوله بحمل المطلق على المقيّد ـ لدى علمه بوحدة الحكم ـ ملزماً له بالقول بالعلّيّة الانحصاريّة لدى تعليق سنخ الحكم.

32

وأمّا الدعوى الثالثة ـ وهي: أنّه لو كان المعلّق على الشرط شخص الحكم لما كان مجال للقول بالمفهوم؛ بداهة أنّ كون الشرط علّة منحصرة إنّما يقتضي انتفاء شخص الحكم بانتفائه لا انتفاء سنخه ـ فهذه مسلّمة عند المشهور أيضاً، والتحقيق بطلانها لوجهين:

الأوّل: أنّ بعض ما تمسّك به القائلون بالمفهوم في فرض كون المعلّق سنخ الحكم يتأتّى بضمّ مقدّمة مختصرة في فرض كون المعلّق شخصه، فبناءً على صحّته تكون القضيّة ذات مفهوم سواء كان المعلّق على الشرط سنخ الحكم أم شخصه.

وقد ذكر في الكفاية هذا الوجه وسلّم كونه من وجوه إثبات المفهوم وإن كان غير صحيح عنده، ومع ذلك حصر ثبوت المفهوم ـ لو تمّ بعض وجوهه ـ فيما لو كان المعلّق سنخ الحكم.

وذلك الوجه هو: أنّ مقتضى إطلاق الكلام عدم اختصاص كون الشرط علّة تامّة للجزاء بفرض عدم تقدّم شيء خاصّ عليه أو تقارنه معه، وهذا يستلزم كونه علّة منحصرة، فإنّه لو كانت هنا علّة اُخرى غير الشرط لانسلخ الشرط عن العلّيّة التامّة في فرض تقدّم العلّة الاُخرى عليه وفرض تقارنهما؛ لبرهان استحالة اجتماع علّتين على معلول واحد.

وهذا الوجه لو تمّ لجرى في فرض كون المعلّق شخص الحكم(1) بضمّ نكتة إلى



(1) وهناك وجه آخر أيضاً يأتي حتّى لو كان المعلّق هو شخص الحكم، وهو الوجه القائل بأنّه لو كان هناك شرط آخر يقوم مقام هذا الشرط، فإن كان المؤخّر كلّ واحد من الشرطين بخصوصه لزم صدور الواحد بالنوع من الاثنين وهو محال. وإن كان المؤثّر هو الجامع بينهما فهذا خلاف ظاهر الدليل؛ لأنّ ظاهره دخل الشرط بعنوانه في الحكم. هذا ما ذكره(رحمه الله) في الدورة التي جاءت بعد هذه الدورة على ما نقله عنه الأخ السيّد علي أكبر في تقريره.

33

ذلك، وهي: أنّ اجتماع المثلين محال، فنقول: مقتضى إطلاق الكلام هو أنّ كون الشرط علّة لهذا الشخص من الحكم غير مختصّ بعدم تقدّم شيء خاصّ عليه أو مقارنته معه، وهذا يستلزم عدم ثبوت علّة اُخرى لشخص آخر من الحكم؛ لأنّه لو كان لشخص آخر من الحكم علّة اُخرى وفرض تقدّمها على الشرط أو مقارنتها معه مع فرض بقاء الشرط أيضاً على حاله من كونه علّة تامّة لشخص الحكم المذكور في الجزاء لزم اجتماع كلا الحكمين وهما متماثلان، واجتماع المتماثلين محال. ولو فرضنا التأكّد وحصول حكم واحد متأكّد من أمرين باقيين على حالهما من العلّيّة التامّة تأتّى برهان استحالة اجتماع علّتين على معلول واحد، ولو فرضنا تحقّق وجوبين بمعنى وجوب إكرامين كان ذلك خلاف ما يكون ظاهر الدليل من أنّ المتعلّق للحكم طبيعيّ الإكرام.

الثاني: أنّه يمكن استفادة المفهوم من القضيّة مع فرض كون الجزاء هو الشخص، بدعوى دلالتها وضعاً أو ظهوراً غير وضعيّ على أنّ هذا الشخص من الحكم لم يعلّق على الشرط لأجل ما له من الخصوصيّة، بل علّق عليه لأجل كونه أحد أفراد طبيعة الحكم وسنخه(1).



(1) لا يخفى أنّه لم يُعلم من المحقّق الخراسانيّ ـ ولعلّه لم يعلم أيضاً من المشهور ـ أنّه يشترط في ضابط المفهوم كون المعلّق سنخ الحكم، وإنّما المتيقّن أنّهم يرون أنّ المفهوم عبارة عن انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الشرط دون انتفاء مجرّد شخص الحكم، سواءً فُرض اكتشاف انتفاء سنخ الحكم ببركة كون المعلّق على الشرط هو السنخ أو ببركة أنّ المعلّق وإن كان هو الشخص لكنّه ليس معلّقاً لأجل ما له من الخصوصيّة، بل عُلّق عليه لأجل كونه أحد أفراد الطبيعة أو ببركة براهين اُخرى، كالبرهان الذي اُشير إليه في المتن، أو الذي أشرنا إليه في التعليق السابق نقلا عن تقرير الأخ السيّد علي أكبر، أو غير ذلك.

34

وهذا هو الذي ذهب إليه المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) حيث إنّه قال بأنّ الجزاء هو شخص الحكم لا سنخه ومع ذلك قال بالمفهوم من ناحية الدلالة على أنّه إنّما علّق على الشرط بما هو فرد من أفراد الطبيعة لا بما له من الخصوصيّة، ووجد هذا أيضاً في تقريرات الشيخ الأعظم(قدس سره).

وأمّا الدعوى الرابعة ـ وهي: أنّه لو كان المعلّق على الشرط سنخ الحكم ثبت المفهوم بعد الفراغ عن أنّ الشرط علّة منحصرة ـ فالمشهور أيضاً قائلون بذلك، أي: أنّه بعد فرض الانحصار لو كان المعلّق سنخ الحكم كانت القضيّة ذات مفهوم مستفاد من تعليق أو ترتيب سنخ الحكم على العلّة المنحصرة المقتضي لانتفائه عند الانتفاء.

وذكر المحقّق العراقيّ(رحمه الله): أنّ المراد بشخص الحكم ليس هو الحكم المتشخّص بخصوصيّة كونه معلّقاً على هذا الشرط، فإنّ هذه الخصوصيّة في طول التعليق، فلا يعقل فرضها في طرف التعليق، بل المراد منه الحكم المتشخّص بخصوصيّة قبل التعليق ملزومة للتعليق، فإن عُلّق هذا الحكم المختصّ على الشرط انتفى الشخص بانتفائه، ولا يلزم من انتفاء الشرط انتفاء سنخ الحكم، بخلاف ما لو كان المعلّق سنخ الحكم.

أقول: لم يذكر هو(رحمه الله) تلك الخصوصيّة المتخصّص بها الحكم، وإنّما ذكر إجمالا: أنّ الحكم مختصّ بخصوصيّة قبل التعليق، وأقول في مقام شرح كلامه(قدس سره): إنّه يمكن أن يفرض أنّ تلك الخصوصيّة هي خصوصيّة الملاك، فالحكم الناشئ من الملاك الفلانيّ لو علّق على الشرط فانتفاء الشرط إنّما يوجب انتفاء خصوصه لا انتفاء مطلق الحكم، فلو فرض مثلا أنّ المعلّق على مجيء زيد هو وجوب إكرامه الناشئ من ملاك الشهامة دون ملاك السخاء مثلا، فبانتفائه ينتفي خصوص ذلك الوجوب فلم تدلّ القضيّة على المفهوم.

35

وأيضاً ليس المقصود بشخص الحكم وخصوصيّته تشخّصه بالوجود، فإنّ ما فرض موجوداً لا يعقل أن يعلّق على شيء، وإنّما المعقول هو وجود ما علّق على شيء بوجود المعلّق عليه لا تعليق الموجود.

وهناك سؤال آخر يمكن أن يطرح بشأن المقصود من تعليق سنخ الحكم، وهو: أنّه هل المقصود بذلك تعليق مطلق وجود الحكم، أو المقصود به تعليق صرف الوجود الذي ذهب القوم ـ بما فيهم المحقّق العراقيّ(رحمه الله) ـ إلى أنّه شيء لا ينطبق إلّا على أوّل الوجود؟

فإن فرض الأوّل ورد عليه: أنّ استلزام تعليق مطلق وجود الحكم ـ بمعنى تعليق جميع أفراده ـ على الشرط للمفهوم وإن كان صحيحاً لكن هذا ليس بحاجة إلى ضمّ فرض كون الشرط علّة منحصرة، فمادام قد علّقت جميع أفراد الحكم على الشرط فهذا ـ لا محالة ـ يعني أنّ عدم الشرط يستلزم عدم جميع أفراد الحكم(1).

 



(1) ولو بمعنى انحصار السنخ في هذا الشخص كما نبّه عليه المحقّق العراقيّ(رحمه الله) في نهاية الأفكار، فإنّ المُنشأ بهذه الشرطيّة ليس ـ لا محالة ـ إلّا شخص حكم واحد ولا معنى لإنشاء سنخ الحكم.

وللمحقّق العراقيّ(رحمه الله) أن يجيب على هذا الإشكال بأنّ مقصودنا بإثبات الانحصار في الشرط هو إثبات أنّ الشرط بعنوانه دخيل في الحكم الذي رتّب عليه لا بجامع بينه وبين بديله، ومن الواضح أنّ مجرّد تسليم أنّ المرتّب هو السنخ لا يثبت المفهوم لو احتملنا وجود بدل للشرط، بأن يكون المرتّب عليه هو الجامع بين الشرط وبديله. نعم، لو أثبتنا الانحصار ـ ولو ببيان أنّ ظاهر الشرط كونه بعنوانه دخيلا لا بجامع بينه وبين غيره ـ ثبت المفهوم.

أمّا ما ذكره اُستاذنا(رحمه الله) من أنّه لو رتّب على الشرط مطلق وجود الحكم المذكور في

36

وإن فرض الثاني ـ أي: أن يكون المقصود تعليق صرف الوجود الذي لا ينطبق إلّا على أوّل الوجود ـ ورد عليه: أنّ تعليق السنخ بهذا المعنى حتّى بعد فرض انحصار العلّة في الشرط لا يثبت المفهوم؛ وذلك لأنّ العلّة أصبحت علّة منحصرة لصرف الوجود الذي لا ينطبق إلّا على أوّل الوجود، وهذا يعني أنّ الشرط لو لم يوجد لم يوجد أوّل الوجود وبالتالي لا يوجد ثاني الوجود أيضاً ولا ثالثه وهكذا، ولكن ماذا نصنع فيما إذا تحقّق الشرط فتحقّق أوّل وجود الحكم ـ أو قل: تحقّق صرف وجود الحكم ـ لكن احتملنا: أن يكون شيء آخر بقيد كونه مسبوقاً بالعلّة الاُولى المنقضية علّة للحكم؟

إذن فما لم يوجد الشرط نعلم بانتفاء الحكم؛ لأنّ ثبوت الحكم بعلّة اُخرى خلف فرض كون الشرط علّة منحصرة لصرف وجود الحكم، ولكن لو تحقّق الشرط فتحقّق صرف الوجود للحكم، واحتملنا تولّد فرد ثان للحكم بعلّة ثانية بعد ذلك فما الذي يدفع هذا الاحتمال؟

مثلا لو قال المولى: إن ولد لزيد أوّل مولود له فهنّئه مثلا، فما لم يولد له ولد نعلم بعدم وجوب تهنئته، لكن لو ولد له ولد ووجبت تهنئته ففعلنا ثُمّ ولد له ولد آخر فمن المحتمل أن تجب تهنئته مرّة اُخرى، وهذا لا ينافي كون تلك الولادة علّة منحصرة لأوّل الوجود لطبيعيّ الحكم.

 


الجزاء لم نحتج إلى إثبات الانحصار، فمقصوده(رحمه الله) بالانحصار نفي وجود علّة اُخرى لحكم آخر بعد تسليم أنّ كلّ علّة بعنوانها دخيلة لا بالجامع بينهما، ومن الطبيعيّ أنّنا لسنا بحاجة إلى ذلك؛ لأنّ المفروض أنّ المرتّب هو كلّ الأحكام، ولكنّ الظاهر أنّ مقصود المحقّق العراقيّ(رحمه الله) ليس ذلك.

37

فتحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ إثبات انحصار العلّة في الشرط لا يوجب ثبوت المفهوم المصطلح أصلا: لا في فرض كون المعلّق مطلق وجود الحكم؛ لما عرفت من ثبوت المفهوم عندئذ ولو مع عدم إثبات الانحصار، ولا في فرض كون المعلّق صرف وجود الحكم؛ لما عرفت من أنّه من الممكن عندئذ أن يكون شيء آخر بقيد مسبوقيّته بالشرط المنقضي أمده علّة اُخرى للحكم، ولا في فرض كون المعلّق شخص الحكم على ما سلّموه من أنّه مع فرض كون المعلّق شخص الحكم لم يمكن إثبات المفهوم بكون الشرط علّة منحصرة بوجه، وإن عرفت ما فيه من أنّه بناءً على تماميّة أحد تقاريب المفهوم ـ وهو كون مقتضى إطلاق العلّة علّيّتها في أيّ حال سواءً تقدّم عليه أو قارنه شيء خاصّ أو لا ـ يوجب انحصار العلّة في الشرط ثبوت المفهوم حتّى مع فرض كون المعلّق شخص الحكم.

وعلى فرض تماميّة هذا المبنى يثبت المفهوم أيضاً بفرض انحصار العلّة في الشرط فيما لو كان المعلّق صرف الوجود من الحكم، بالمعنى الذي لا ينطبق إلّا على أوّل الوجود. والإشكال فيه بإمكان تقييد علّيّة الشيء الآخر بمثل كونه مسبوقاً بالعلّة الاُولى المنقضي أمدها مع سقوط الحكم الأوّل إشكال في أصل ذلك المبنى وثابت حتّى في فرض كون المعلّق شخص الحكم.

فالتحقيق: أنّه لو قبلنا ذلك المبنى كان الانحصار منتجاً للمفهوم إذا كان المعلّق شخص الحكم أو صرف وجوده بلا فرق بينهما؛ لما عرفت من أنّ ذلك الإشكال إشكالٌ على أصل المبنى وغير مختصّ بأحد الفرضين دون الآخر. نعم، لا نحتاج إلى إثبات الانحصار إذا كان المعلّق مطلق وجود الحكم؛ فإنّ نفس تعليق مطلق الوجود كاف في ثبوت المفهوم بلا حاجة إلى إثبات العلّيّة الانحصاريّة.

ولو لم نقبل ذلك المبنى فإثبات الانحصار لا يفيد المفهوم أصلا. وبما أنّ

38

التحقيق بطلان ذلك المبنى فلابدّ أن يقال: إنّ العلّيّة الانحصاريّة لا تفيدنا في إثبات المفهوم أصلا.

إن قلت: بل تفيد المفهوم في فرض واحد، وهو ما لو كان المعلّق صِرف الوجود من الحكم وهو أوّل وجوده وكان الشرط انحلاليّاً، كما إذا قال: (مهما جاءك زيد فأكرمه)، وكان المستفاد منه أنّ في كلّ مرّة جاءنا زيد وجب إكرامه، لا أنّه يجب إكرامه في خصوص المرّة الاُولى. وعندئذ لا إشكال في أنّه قبل مجيئه لا يجب إكرامه؛ لأنّ المفروض أنّ مجيئه علّة منحصرة لأوّل الوجود من وجوب الإكرام، فإذا جاءنا زيد وأكرمناه فالخطاب بـ (إن جاءك زيد فأكرمه) باق بعدُ؛ لفرض انحلاله، فأيضاً يدلّ على عدم وجوب إكرامه قبل مجيئه، وهكذا.

قلت: هذا ليس من المفهوم المصطلح؛ فإنّ النفي المعلّق لوجوب الإكرام إنّما استفيد من خطابات متعدّدة بقوله: (إن جاءك زيد فأكرمه) بحسب الانحلال، فيكون ذلك من قبيل ما لو ضممنا قضيّة إلى قضيّة واستفدنا من مجموعهما النفي المطلق للحكم عند انتفاء الشرط وهذا غير المفهوم.

وبكلمة اُخرى: قد قلنا: إنّ انحصار العلّة في الشرط مع فرض كون المعلّق صرف الوجود إنّما يوجب عدم ثبوت الحكم من ناحية علّة اُخرى قبل انتهاء أمد العلّة الاُولى لا مطلقاً حتّى يكون مفهوماً، ونقول: إنّ في فرض انحلال الشرط أيضاً لم يدلّ انحصار الشرط إلّا على عدم ثبوت الحكم من ناحية علّة اُخرى غير الشرط قبل انتهاء أمده، غاية الأمر أنّ هناك شروطاً عديدة يدلّ الانحصار بالنسبة إلى كلّ واحد منها على عدم ثبوت الحكم من ناحية علّة اُخرى غير ذلك الشرط قبل انتهاء أمده، وهذا غير المفهوم المصطلح. هذا.

وقد ظهر من جميع ما ذكرناه: أنّه يرد على ما سلّمه المشهور والمحقّق

39

العراقيّ رضوان الله عليهم ـ وهو: أنّ لاقتناص المفهوم ركنين: كون الشرط علّة منحصرة، وكون المعلّق سنخ الحكم ـ إشكالات ثلاثة:

الأوّل: أنّه ليست العلّيّة الانحصاريّة ركناً تعيينيّاً لاقتناص المفهوم؛ لأنّه إذا ثبت بالإطلاق كون المعلّق مطلق وجود الحكم كفى ذلك في تحقّق المفهوم؛ فإنّ معناه أنّه إذا وُجد الشرط فقد تحقّق مطلق وجود الحكم. ولو فُرض ثبوت فرد من أفراد الحكم بدون الشرط كان ذلك خلفاً لفرض أنّه لو وُجد الشرط فقد تحقّق مطلق وجود الحكم.

الثاني: أنّه ليس كون المعلّق سنخ الحكم ركناً تعيينيّاً لاقتناص المفهوم، بناءً على مبنى مَن يثبت المفهوم بقاعدة امتناع صدور الواحد من اثنين، فإنّه يكون الركن الأوّل عندئذ كافياً لإثبات المفهوم، فيثبت المفهوم سواءً كان المعلّق مطلق وجود الحكم أو صرف وجوده أو شخصه.

ولا يخفى أنّ هذا الإشكال إنّما هو إشكال جدليّ يرد على مَن يقول بصحّة هذا المبنى، لكنّا لا نقول بصحّته، فلا يكون هذا الإشكال صحيحاً عندنا وإن صحّ إلزام القائل بهذا المبنى بذلك.

الثالث: أنّ ركنيّة الأوّل وهو كون الشرط علّة منحصرة في المفهوم ممنوعة رأساً، وهذا غير الإشكال الأوّل؛ فإنّ الإشكال الأوّل عبارة عن منع كونه ركناً تعيينيّاً، وهذا الإشكال عبارة عن إنكار أصل ركنيّته ولو على نحو البدل، وذلك لما قلناه: من أنّ مبنى إثبات المفهوم بالتشبّث بقاعدة امتناع صدور الواحد عن اثنين غير صحيح، فإنّ امتناع صدور الواحد عن اثنين لا ينافي نشوء الحكم من علّة اُخرى بعد انتهاء أمد العلّة الاُولى وسقوط الحكم الأوّل بالامتثال أو العصيان، وإنّما ينافي نشوءه كذلك قبل سقوطه، فنقول: إنّه إذا كان المعلّق شخص الحكم أو

40

صرف وجوده المنطبق على خصوص أوّل الوجود فلا يتحقّق المفهوم وإن فرض الشرط علّة منحصرة. وإذا كان المعلّق مطلق وجود الحكم فقد عرفت أنّه يثبت المفهوم وإن لم يكن الشرط علّة منحصرة.

ويأتي هذا الكلام أيضاً إذا بنينا على مبنى المحقّق الإصفهانيّ(قدس سره)، وهو: أنّ المعلّق شخص الحكم لكن لا بما هو هو بل بما هو فرد من أفراد الطبيعة، وهذا الكلام مرجعه إلى أنّ المعلّق في الواقع هو الطبيعة وسنخ الحكم وإن كان المعلّق في الكلام خصوص هذا الشخص.

فإن شئت فقل: إن كان ما هو المعلّق في الواقع الطبيعة على نحو مطلق الوجود ثبت المفهوم وإن لم يثبت كون الشرط علّة منحصرة، وإن كان ما هو المعلّق في الواقع صرف الوجود من الحكم الذي لا ينطبق إلّا على مطلق الوجود لم يثبت المفهوم وإن ثبت كون الشرط علّة منحصرة، فركنيّة الأوّل ممنوعة رأساً ولا نحتاج في إثبات المفهوم إلى إثباته أصلا.

ويمكن أن يقال: إنّ هذا الإشكال أيضاً إشكال جدليّ كالإشكال الثاني وإلزام لهم على مبناهم، لا إشكال واقعيّ كالإشكال الأوّل بأن يكون عدم الاحتياج إلى الركن الأوّل رأساً صحيحاً في الواقع.

توضيح ذلك: أ نّا لو سلمنا أنّ المعلّق لا يخلو حاله من اُمور ثلاثة: إمّا أن يكون على نحو مطلق الوجود، وإمّا على نحو صرف الوجود، وإمّا أن يكون شخص الحكم، صحّ القول بعدم الاحتياج إلى إثبات العلّيّة الانحصاريّة في إثبات المفهوم رأساً؛ لما عرفت من أنّه على الأوّل يثبت المفهوم حتّى مع عدم العلّيّة الانحصاريّة، وعلى الأخيرين لا يثبت المفهوم حتّى مع ثبوت العلّيّة الانحصاريّة، لكنّا لا نسلّم ذلك، بيانه: أنّهم ذهبوا إلى أنّ الطبيعة إنّما يتعلّق بها الحكم بلحاظ فنائها في بعض

41

الأفراد المخصوصة أو في جميع الأفراد أو في فرد واحد، وينطبق قهراً على أوّل الوجود، فالأوّل هو المقيّد والثاني والثالث مطلقان، إلّا أنّ الأوّل منهما يكون على نحو مطلق الوجود والثاني على نحو صرف الوجود.

لكنّا لم نقبل هذا المبنى ومختارنا في ذلك هو: أنّ الطبيعة لا يعقل فناؤُها في فرد مخصوص أو في جميع الأفراد أو في فرد واحد: فإنّه إن كان المراد فناءها في مفهوم الفرد المخصوص أو الفرد الواحد أو جميع الأفراد ورد عليه: أنّه لا يعقل فناء مفهوم في مفهوم. وإن كان المراد فناءها في مصداق هذه المفاهيم ورد عليه: أنّ الفاني في معنون ليس إلّا نفس عنوانه لا عنوان آخر، فالفاني في مصداق الفرد المخصوص أو فرد واحد أو جميع الأفراد إنّما هو عنوان الفرد المخصوص أو فرد واحد أو جميع الأفراد لا عنوان الطبيعة، وأمّا عنوان الطبيعة فإنّما تفنى في شخصيّتها ومصداقها، والإطلاق عبارة عن إلغاء الخصوصيّات لا الجمع بين الخصوصيّات، ومقتضى أصالة تطابق عالم الثبوت والإثبات أن لا يكون الموضوع أو المتعلّق إلّا ذات الطبيعة.

وإذا كان المعلّق ذات الطبيعة فالشرط إن كان علّة منحصرة فلا محالة لا يوجد فرد من أفراد الطبيعة بعلّة اُخرى، وإلّا لم تكن علّة وجود الطبيعة منحصرة في ذلك، فإنّ الطبيعة منطبقة قهراً على ذلك الفرد، فيتحقّق الانتفاء عند الانتفاء مطلقاً وهو المفهوم. وأمّا إن لم يكن علّة منحصرة فمن الممكن تحقّق بعض أفراد الطبيعة بعلّة اُخرى، فإنّه لا يلزم من ذلك سوى ثبوت علّة اُخرى للطبيعة، حيث إنّها منطبقة على ذلك الفرد، والمفروض أنّه لا مانع من ذلك، فنحتاج ـ أشدّ الاحتياج ـ في إثبات المفهوم إلى إثبات كون الشرط علّة منحصرة إذا كان الجزاء مطلقاً بهذا المعنى.

42

فتحقّق: أنّ ما ينبغي أن يجعل ضابطاً لاقتناص المفهوم أمران:

أحدهما: أن يكون المعلّق بحكم الإطلاق مطلق الوجود الذي هو أحد قسمي المطلق عندهم، فيثبت المفهوم بلا حاجة إلى إثبات كون الشرط علّة منحصرة.

والثاني: ما يكون مركّباً من أمرين: الأوّل: أن يكون المعلّق مطلقاً بالمعنى الذي ذكرناه نحن. والثاني: أن يكون الشرط علّة منحصرة للجزاء.

وإنّما عبّرنا بالعلّة المنحصرة مع أنّه من الممكن ثبوت الانتفاء عند الانتفاء بوجه آخر، كفرض كون الشرط والجزاء معلولين لعلّة منحصرة؛ لأنّه إذا لم يكن المعلّق على الشرط الحكم بمطلق وجوده ـ الذي هو أحد قسمي الإطلاق عندهم ـ لا يكون لنا طريق يمكن أن يركن إليه في مقام الإثبات لتحقّق المفهوم سوى العلّيّة الانحصاريّة، وليس لغيرها من كونهما معلولين لعلّة منحصرة وغير ذلك طريق للإثبات.

فتحقّق: أنّ كون الشرط علّة منحصرة ليس منعزلا عن الركنيّة رأساً، بل هو أيضاً دخيل في ثبوت المفهوم، فإنّه لو قلنا بما هو صريح السيّد الاُستاذ (دامت بركاته) وظاهر الباقين ـ: من أنّ المطلق تارةً يكون فانياً في مطلق وجود الطبيعة وكلّ أفرادها، واُخرى في صرف وجودها المساوق لأوّل وجودها ـ صحّ القول بعدم دخل العلّيّة الانحصاريّة في المفهوم، فإنّه على الأوّل يثبت المفهوم حتّى بدون العلّيّة الانحصاريّة للشرط، وعلى الثاني لا يثبت المفهوم حتّى مع ثبوت العلّيّة الانحصاريّة له.

لكنّا نقول: إنّ مسألة كلّ الأفراد والفرد الواحد إنّما هي مربوطة بباب العموم، فتارة يقال: (أكرم كلّ عالم)، واُخرى يقال: (أكرم أيّ فرد منهم) بمعنى وجوب إكرام فرد واحد أيّهم كان، وليس ذلك ـ أعني: مفهوم (كلّ) ومفهوم (أيّ) ـ مربوطاً بباب الإطلاق، وإنّما المطلق هو الطبيعة الفانية بمعنى لحاظها خارجيّة، ولا نعني

43

بفنائها إلّا هذا، وإذا كان المعلّق على الشرط ذلك فلا محالة تنتفي الطبيعة مطلقاً بانتفاء الشرط إن كان علّة منحصرة، وأمّا إن كانت هناك علّة اُخرى فبوجودها أيضاً توجد الطبيعة.

وبعد: فتحقيق الكلام في المقام مايلي:

إنّ المعلّق تارةً: يفترض في لبّ الواقع عبارة عن الطبيعيّ بإطلاقه، ويفسّر هذا الإطلاق بمعنى مطلق الوجود، وعندئذ يكون هذا وحده كافياً لاقتناص المفهوم؛ إذ لو وجد قسم للحكم من دون وجود الشرط كان هذا خلف ترتّب مطلق وجود الحكم على الشرط(1).

ولا فرق في ذلك بين فرض ثبوت كون المعلّق هو السنخ بمقدّمات الحكمة، أو فرض إثبات أنّ المعلّق حتّى لو كان شخص الحكم، فالقضيّة دلّت على أنّ المعلّق في لبّ الواقع هو الطبيعيّ، فالمهمّ أنّ المعلّق في لبّ الواقع هو السنخ.

واُخرى: يفترض أيضاً أنّ المعلّق هو مطلق الحكم ولكن يفسّر الإطلاق بالمعنى المختار لنا، وهو إرادة ذات الطبيعة منفصلة عن جميع القيود، وعندئذ فالإطلاق وحده غير كاف لاقتناص المفهوم، ولكن لو أثبتنا دلالة القضيّة على التعليق اللزوميّ يثبت المفهوم.

ولا نقصد هذه المرّة بالتعليق ما كان مقصوداً قبل هذا الكلام من مجرّد الربط أو استلزام الشرط للجزاء، بل المراد منه الآن ما يراد من مثل قولنا: (وجود النهار



(1) ولا فرق في ذلك بين أن نفسّر ترتّب مطلق وجود الحكم على الشرط، بمعنى انحصار مطلق وجود الحكم في هذا الفرد الذي يترتّب على الشرط كما مضى أن نقلناه عن المحقّق العراقيّ(رحمه الله)، أو نفسّر بمعنى أنّ تمام أنحاء هذا الحكم مترتّب على هذا الشرط ولو بأن يتعدّد أنحاء الحكم المترتّبة على أفراد الشرط.

44

معلّق على طلوع الشمس)، ولا إشكال في دلالة هذا الكلام على انتفاء النهار عند انتفاء طلوع الشمس، في مقابل أن يقال: (طلوع الشمس مستلزم لوجود النهار)، فإنّه لا يدلّ على الانتفاء عند الانتفاء؛ لاحتمال كونه لازماً أعمّ.

وثالثة: يفترض عدم كون الجزاء مطلق الحكم بمعنى مطلق الوجود، ولا التعليق بالمعنى الجديد الذي أشرنا إليه أخيراً، وعندئذ لا سبيل لاقتناص المفهوم إلّا إثبات العلّيّة الانحصاريّة.

فالضابط لاقتناص المفهوم عبارة عن أحد اُمور ثلاثة:

الأوّل: أن تدلّ القضيّة على كون الجزاء مطلق الوجود، وهو الإطلاق الذي يكون من قبيل العموم الاستغراقيّ.

والثاني: أن تدلّ القضيّة على أنّ الجزاء ذات الطبيعة المطلقة بالمعنى الذي اخترناه للإطلاق، وأن تدلّ أيضاً على التعليق اللزوميّ، لا على الصدفة ولا على مجرّد الربط الذي هو غير التعليق بالمعنى الذي أشرنا إليه أخيراً.

والثالث: أن تدلّ القضيّة على العلّيّة الانحصاريّة للشرط بالنسبة لطبيعة الجزاء(1).

هذا هو تمام الكلام فيما هو الضابط لاقتناص المفهوم.

ولنبدأ الآن في البحث عن كلّ قسم من أقسام المفهوم، ومن الله التوفيق وبه الاستعانة، إنّه خير معين.



(1) وإن شئت فعبّر بأنّ الضابط لاقتناص المفهوم أحد أمرين:

الأوّل: كون المعلّق سنخ الحكم: إمّا بمعنى مطلق الوجود، وإمّا بمعنى ذات الطبيعة، وهو المعنى الذي اخترناه للإطلاق، إلّا أنّه على الثاني يحتاج ثبوت المفهوم ـ زائداً على فرض كون المعلّق سنخ الحكم ـ إلى دلالة القضيّة على التعليق بالمعنى الذي أشرنا إليه أخيراً.

والثاني: العلّيّة الانحصاريّة لذات طبيعة الحكم.

45

 

 

 

 

 

 

 

الكلام في أقسام المفهوم

 

مفهوم الشرط

يقع الكلام في مفهوم الشرط في مقامات ثلاثة:

أوّلا: فيما هو مفاد القضيّة الشرطيّة.

ثانياً: في أنّه هل المعلّق سنخ الحكم(1) أو شخصه؟

ثالثاً: في أنّه هل الشرط علّة منحصرة أو لا؟

 

مفاد القضيّة الشرطيّة

أمّا المقام الأوّل: وهو البحث في مفاد القضيّة الشرطيّة بمنطوقها، فيقع البحث فيه من ثلاث جهات:

 

مفاد أداة الشرط:

الجهة الاُولى: في مفاد أداة الشرط.



(1) بأحد المعنيين الماضيين، أعني: مطلق الوجود أو ذات الطبيعة.

46

المشهور بين الاُصوليّين: أنّ أداة الشرط تدلّ وضعاً على تعليق الجزاء على الشرط(1).

لكنّ المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) ذكر: أنّ أداة الشرط إنّما يكون مفادها جعل الشرط مقدّراً، والترتّب إنّما يستفاد من ترتيب الجزاء على الشرط(2)، وليس للأداة دخل في ذلك(3).

ويتّضح مراده(قدس سره) بالنظر إلى ما يقال في الجملة الحمليّة: من أنّها تارةً تكون خارجيّة واُخرى حقيقيّة:

فالخارجيّة ما يكون قد حكم فيه بالمحمول على الموضوع المحقّق الوجود في زمان خاصّ أو في أحد الأزمنة الثلاثة، فمثال الأوّل: (كلّ مَن في العسكر قتل)، ومثال الثاني: (كلّ إنسان يموت).

والحقيقيّة ما يكون قد حكم فيه بالمحمول على الموضوع أعمّ من تحقّقه في أحد الأزمنة الثلاثة وعدمه، وذلك بأن لا يلحظ الموضوع بعنوان الإشارة إلى ما في الخارج، بل يقدّر الموضوع محقّقاً ويحكم عليه وإن لم يكن محقّقاً، وذلك كقولنا: (كلّ إنسان حيوان ناطق)، فإنّه ليس معناه أنّ خصوص الأفراد المتحقّقة في الخارج في أحد الأزمنة حيوان ناطق، بل معناه أنّه كلّما فرض إنسان فهو حيوان ناطق. ونحوه قولنا: (النار حارّة)، فإنّ معناه أنّه كلّما فرض النار فهي



(1) ولو بالمعنى الأوّل للتعليق، أعني: مجرّد الربط والترتّب بالمعنى المنظور إليه من طرف الشرط إلى الجزاء.

(2) يعني بالفاء أو بالهيئة التركيبيّة.

(3) راجع نهاية الدراية، ج 2، ص 53 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام)، التعليق رقم: 20، وص 412، التعليق رقم: 248.

47

حارّة، لا بمعنى موضوعيّة ذات الفرض والتقدير حتّى يلزم حصول الحيوان الناطق أو الحرارة بصِرف تصوّر الإنسان أو النار وفرضه، بل بمعنى فرض الموضوع وتقديره.

إذا عرفت هذا قلنا: إنّ المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) أفاد أنّ أداة الشرط لا تفيد التعليق، وإنّما تفيد كون الشرط مفروضاً ومقدّراً، فيكون أعمّ من الموجود في أحد الأزمنة الثلاثة وغيره، نظير الموضوع في القضايا الحمليّة الحقيقيّة.

ثُمّ لمّا رتّب على هذا الشرط الجزاء فمن نفس هذا الترتيب يستفاد ترتّب الجزاء على الشرط، واستشهد(رحمه الله) على مدّعاه باُمور ثلاثة: أحدها: شهادة الوجدان بذلك. والثاني: كون المعروف بين علماء العربيّة ذلك(1). والثالث: أنّ أداة الشرط في اللغة الفارسيّة معناها ذلك، ومن المستبعد جدّاً الفرق في أداة الشرط بين اللغات.

ولكن ما ذكره(قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه:

أمّا ما ذكره من شهادة الوجدان فممنوعة، بل الوجدان شاهد على خلافه.

وأمّا ما ذكره من شهادة علماء العربيّة بذلك(2) فإن ثبت فلا حجّيّة فيه.

وأمّا ما ذكره من كون مفاد أداة الشرط في الفارسيّة ذلك فهذا أيضاً ممنوع.

ولدينا برهان على المنع من دون فرق بين اللغات، وهو: أنّه لا إشكال في أنّ



(1) هذا الوجه الثاني غير موجود في كتابه وإنّما ورد فيه: أنّه نسب إلى علماء العربيّة أنّ القضيّة الشرطيّة تفيد ثبوت المحمول في التالي لموضوعه على تقدير المقدّم. راجع نهاية الدراية، ج 2 بحسب طبعة مؤسسّة آل البيت(عليهم السلام)، التعليق رقم: 20.

(2) مضى أنّه لم يذكر ذلك.

48

قولنا: (إن جاء زيد) جملة ناقصة لا يصحّ السكوت عليها، مع أنّ قولنا: (جاء زيد)جملة تامّة يصحّ السكوت عليها، فالنقص إنّما جاء من كلمة (إن)، ولا يعقل أن يجيء النقص من ناحيتها إلّا بأحد وجهين: إمّا بتبديل النسبة التامّة إلى الناقصة وجعل الكلمتين بمنزلة كلمة واحدة، وهي مجيء زيد(1)، وإمّا بأن تكون نفس كلمة (إن) بما لها من خصوصيّة المعنى محتاجة إلى التتميم بالجزاء.

والثاني هو المطلوب لنا؛ فإنّنا نقول: إنّ أداة الشرط تدلّ على تعليق الجزاء على الشرط، والتعليق طبعاً بحاجة إلى طرف يعلّق.

والأوّل باطل؛ فإنّ أداة الشرط لو كانت لمجرّد الفرض والتقدير أصبح عندئذ حالها حال أداة الاستفهام والنفي ونحوهما، فكما أنّ مفاد (جاء زيد) فيما لو دخل عليه الاستفهام أو النفي يبقى نفس مفاد الجملة التامّة ولا يتحوّل إلى معنى مفرد، غاية ما هناك يكشف الكلام بزيادة أداة الاستفهام أو النفي عن أنّه يوجد في نفس المتكلّم داعي الاستفهام عن نفس الجملة التامّة أو النفي لنفس الجملة التامّة، كذلك المفروض في المقام أن تكون الجملة باقية على النسبة التامّة وزيادة أداة الفرض والتقدير عليها موجبة لكشف الكلام عن وجود داعي الفرض والتقدير لنفس تلك الجملة التامّة في نفس المتكلّم.

فالواقع هو: أنّ أداة الشرط ربطت الجزاء بذاك الفرض وعلّقته عليه، وخصوصيّة المعنى هذه بحاجة إلى تكميل؛ لأنّ الربط والتعليق بحاجة إلى مايُربَط أو يُعلّق.

وبكلمة اُخرى: إنّ الأداة لم تكن لمجرّد تلوين الجملة بلون الفرض، وإلّا لكان حال ذلك حال تلوينها بلون الاستفهام أو النفي ولا تصبح الجملة بذلك ناقصة.

هذا. وفي مقابل هذا البرهان الذي ذكرناه يمكن البرهنة لصالح ما أفاده المحقّق



(1) من قبيل (أن) المصدريّة في قولنا: (أعجبني أن جاء زيد).

49

الإصفهانيّ(رحمه الله) من أنّ أداة الشرط إنّما تدلّ على الفرض والتقدير دون التعليق، وهو: أنّه قد يتّفق أنّ الجزاء يكون مستفهماً عنه، كما في قولنا: (إن جاءك زيد فهل تكرمه؟) أو: (فهل تقدر على إكرامه؟) أو قولنا: (إن جاءك عدوّك فكيف حالك؟) ونحو ذلك ممّا يفرض فيه كون مراد المتكلّم هو الاستفهام عن الجزاء، وتفسير ذلك على مسلك الشيخ الإصفهانيّ سهل ولكنّه قد يشكل على مسلكنا.

وتوضيح ذلك: أنّ الاستفهام تارةً: يكون عن أصل القضيّة الشرطيّة، كما لو قال: (هل إن جاءك زيد تكرمه؟) وفي هذا القسم لا يوجد إشكال؛ لأنّ المعلّق هو النسبة الخبريّة الثابتة في الجزاء، والاستفهام استفهام عن أصل التعليق، واُخرى: يكون عن نفس الجزاء، كما ذكرناه من الأمثلة بعد فرض إرادة الاستفهام فيها عن أصل الجزاء ـ كما يناسب ذلك دخول أداة الاستفهام على الجزاء من قبيل: (فهل تكرمه؟) أو كون الاستفهام مستبطناً في موضوع الجزاء من قبيل: (فكيف حالك؟) ـ لا عن أصل القضيّة، وإلّا لرجعت إلى القسم الأوّل. فهنا يوجّه سؤال على مسلكنا من دلالة الأداة على التعليق والربط، وهو: أنّه ما هو المعلّق في المقام، هل المعلّق هو الاستفهام أو المستفهم عنه؟

فإن قيل: إنّ المعلّق هو المستفهم عنه، لزم أن يكون الاستفهام استفهاماً عن أصل التعليق، وهذا هو القسم الأوّل، وكلامنا إنّما هو في القسم الثاني.

وإن قيل: إنّ المعلّق هو الاستفهام، لزم من ذلك أن لا يكون الاستفهام فعليّاً؛ لأنّه معلّق على الشرط، في حين أنّه لا إشكال في فعليّة الاستفهام وانتظار المستفهم للجواب(1).

 



(1) قد تقول: إنّ هذا لا يصلح برهاناً لكلام المحقّق الإصفهانيّ؛ لأنّه سلّم معنا دلالة