66

49 ـ طالب العلم لو وجب عليه طلب العلم فمنعه ذلك من التكسّب، أصبح مصداقاً للفقير، وجاز له أخذ الزكاة من سهم الفقراء، وإلّا أشكل أخذه من سهم


ولكنّ هذا معارَض بصريح صحيح محمّد بن عبدالجبّار: «أنّ بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق إلى عليّ بن محمّد العسكري(عليه السلام): أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة؟ فكتب: افعل إن شاء الله تعالى»(1) وإطلاق صحيح عبدالكريم بن عتبة وفيه: «ليس عليه في ذلك شيء موقِّت موظّف»(2).

ويمكن الجمع بين الطائفتين بحمل الأمر بعدم كون المبلغ أقلّ من خمسة دراهم على الاستحباب في مقابل ما عرفت من تصريح صحيح محمّد بن عبدالجبّار بجواز دفع الأقلّ من هذا المبلغ.

فإن قيل: ويمكن حمل صحيح محمّد بن عبدالجبّار على التقيّة; لأنّ السنّة لم يقولوا بالتحديد، والحمل على التقيّة أيضاً نوع جمع عرفيّ.

قلنا: مع دوران الأمر بين الحملين لا يثبت التحديد، فنرجع إلى البراءة عنه.

وقد يقال: إنّ خبر معاوية بن عمّار وعبدالله بن بكير عن أبي عبدالله(عليه السلام)غير قابل للحمل على الاستحباب، حيث قال: «لا يجوز أن يدفع الزكاة أقلّ من خمسة دراهم; فإنّها أقلّ الزكاة»(3) وذلك بدعوى أنّ كلمة: (لا يجوز) لا تحمل على استحباب دفع الخمسة دراهم أو أكثر، فيتعيّن حمل صحيح محمّد بن عبدالجبّار على التقيّة.

والجواب عليهم: أنّ هذا الخبر ضعيف سنداً; لأنّه ورد في سنده إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الذي ضعّفه النجاشي بقوله: «كان ضعيفاً في حديثه متهوماً». وضعّفه الشيخ بقوله: «كان ضعيفاً في حديثه متهوماً في دينه».


(1) الوسائل، ب 23 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) الوسائل، ب 28 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3) المصدر نفسه، ح 4.

67

الفقراء. نعم، لو كان يخدم الإسلام بطلبه للعلم جاز له الأخذ من سهم سبيل الله (1).


(1) لو وجب عليه طلب العلم ومنعه ذلك عن التكسّب، فلا إشكال في جواز أخذه للزكاة من سهم الفقراء مادام فقيراً.

أمّا لو لم يجب عليه ذلك، فقد صرّح السيّد الحكيم في المستمسك بعدم جواز أخذه للزكاة من سهم الفقراء مادام قادراً على تعيّش نفسه ولو بترك طلب العلم; لأنّ وجوب طلب العلم هو الذي يعجّزه ولو شرعاً عن التكسّب، بخلاف الاستحباب أو الجواز(1).

وفصّل صاحب العروة بين فرض ما لو كان طلب العلم مستحبّاً له فقد جاز له أخذ الزكاة، أو مباحاً فهذا لا يجوّز له الأخذ. وعلّل ذلك في المستمسك بأنّه مع الاستحباب توجّه إليه الأمر بطلب العلم ولو استحباباً، وذلك يستلزم الأمر بترك التكسّب، فيكون بذلك عاجزاً عن التكسّب. وعلّق عليه في المستمسك بأنّه مضافاً إلى أنّ الاستلزام ممنوع ـ كما حقّق في مسألة الضدّ ـ لا يصلحالأمر المذكور لتقييد ما دلّ على عدم جواز أخذ القادر على كفّ نفسه عن الزكاة ولا الورود عليها،بخلاف الأمر الوجوبي، فإنّه وارد على ذلك; لأنّه يوجب سلب القدرة المأخوذة موضوعاً للمنع(2).

ويستفاد من كلام الفقيه الهمدانيّ في المصباح(3) ومن كلام الشيخ المنتظريّ في زكاته(4)جواز أخذه للزكاة حتّى ولو كان طلبه للعلم مباحاً; لأنّ معنى الفقر والغنى هو العجز عن تحصيل المؤونة أو القدرة عليه وفق مالديه ويستذوقه من حرفة معقولة عرفيّة.

وذكر السيّد الحكيم في منهاج الصالحين(5) فيما إذا لم يكن طلب العلم واجباً عليه: إن


(1) راجع المستمسك، ج9، ص327 بحسب الطبعة الثالثة، مطبعة الآداب في النجف الأشرف.

(2) راجع المصدر نفسه.

(3) مجلّد الزكاة، ص505 بحسب طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم.

(4) ج 2، ص 353 ـ 355.

(5) ج 2، ص 432 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقات اُستاذنا الشهيد بدار التعارف للمطبوعات، بيروت، لسنة 1410 هـ.

68

50 ـ الثالث: العاملون عليها: وهم المنصوبون من قِبَل حاكم الشرع لأخذ الزكاة وضبطها وحسابها وإيصالها إلى حاكم الشرع أو مستحقّها.

وليس لما يُعطَى العاملُ حدٌّ مشخّص، وإنّما تحديده بيد حاكم الشرع على


كان قادراً على الاكتساب وكان يليق بشأ نه، لم يجز له أخذ الزكاة.

ويحمل كلامه هذا بقرينة ما مضى عن مستمسكه على قدرته على الاكتساب ولو بديلاً عن طلب العلم، لا جمعاً بينه وبين طلب العلم.

ولكنّ اُستاذنا الشهيد(قدس سره) علّق على هذا الكلام تحت الخطّ بقوله:

«هذا إذا كان متمكّناً من الاكتساب مع مواصلته لطلب العلم. وأمّا مع التعارض بحيث لا يمكنه أن يستحصل مؤونته إلّا برفع اليد عن العمل الذي اتّخذه لنفسه وهو طلب العلم، فعدم جواز أخذ الزكاة له مبنيّ على الاحتياط».

وهذا الكلام منه(رحمه الله) يعني: أنّه يميل إلى صحّة كلام الفقيه الهمدانيّ والشيخ المنتظريّ، ولكنّه يحتاط في الفتوى.

وبعد، فنحن يقرب في ذهننا عدم جواز أخذ الزكاة إلّا في صورتين:

الاُولى: أن يكون بعمله هذا خادماً للإسلام، فيجوز له الأخذ وفق مقاييس سهم سبيل الله وليس وفق مقاييس الفقر.

والثانية: لو كان تبديله لحرفة طلب العلم باحتراف تكسّب يدرّ عليه مؤونته متوقّفاً على فترة زمنيّة ملحوظة، ففي تلك الفترة يجوز له أخذ الزكاة، فإذا لم يفعل ذلك تكرّرت نفس المشكلة للفترة الثانية، وجاز له أخذ الزكاة وهكذا. وليست هناك حرمة لما يفعله; لأنّ من حقّه أن يبقى مشتغلاً بطلب العلم ويتحمّل الفقر، فإن فعل ذلك صدق عليه الفقر في الفترة الاُولى ثُمّ الثانية ثُمّ الثالثة وهكذا، نظير من توقّف درّ الصنعة التي يستطيع أن يتعلّمها بمؤونة عليه على فترة التعلّم، فهو لا يتعلّم ويبقى فقيراً.

69

حسب ما يرى من المصلحة (1).

51 ـ الرابع: المؤلّفة قلوبهم: وهم المسلمون الذين يَضْعُف اعتقادهم بالمعارف الدينيّة وعقائدها، أو يكمن في نفوسهم الشكّ، فيعطيهم حاكم الشرع من الزكاة ; ليحسن إسلامهم، ويثبتوا على دينهم (2).


(1) يدلّ على ذلك: صحيح الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) «قال: قلت له: ما يعطى المصدّق؟ قال: ما يرى الإمام ولا يقدّر له شيء»(1).

كما أنّ هذا هو مقتضى القاعدة أو الأصل لولا النصّ.

نعم، لا نمنعُ وقوع شرط بين العامل عليها والوالي يحدّد به مقدار ما يعطى فيتعيّن ذاك المبلغ وهذا أيضاً داخل في إطلاق قوله في صحيح الحلبي: «ما يرى الإمام» لأنّ الإمام هو الذي وافق على الشرط.

(2) وفي مقابل هذا التفسير يوجد تفسير آخر للمؤلّفة قلوبهم بالكفّار الذين يراد تأليف قلوبهم للتحالف معهم في الحرب، أو الجامع بين هذا وذاك.

لكنّ الذي دلّت عليه الروايات(2) هو الأوّل.

وقد يقال: إنّ الحديث الثاني من باب المؤلّفة قلوبهم في الكافي يدلّ صدره على كون المولّفة قلوبهم هم المسلمون الضعفاء الإيمان والمستبطنون للنفاق، ولكن يدلّ ذيله على شمول هذا العنوان للكفّار أيضاً; لاشتماله على أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم حنين تألّف رؤساء العرب من قريش وسائر مضر، منهم أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين الفزاري وأشباههم من الناس... إلى أن قال بالأخير وفرض الله للمؤلّفة قلوبهم سهماً في القرآن.

فيقال: إنّ رؤساء العرب من قريش وسائر مضر كان يوجد حتماً فيهم مَنْ هُم كفّار.


(1) الوسائل، ب 23 من المستحقّين للزكاة، ح 3.

(2) راجع اُصول الكافي، ج 2، كتاب الإيمان والكفر، باب المؤلّفة قلوبهم، ح 1 و 2 و 5، ص411 و412 بحسب طبعة الآخوندي. وراجع الوسائل، ب 1 من المستحقّين للزكاة، ح 1 و7.

70

52 ـ الخامس: في الرقاب:

فالرقبة التي عجزت عن دفع مال الكتابة يصحّ دفع ما عليها ; كي تتحرّر بذلك، كما أنّه يجوز شراء الرقبة من مال الزكاة لغرض إعتاقها (1).

53 ـ السادس: الغارمون: وهم الذين ركبتهم الديون، وعجزوا عن أدائها من غير مؤونة سنتهم. ويشترط في جواز أداء دين الغارم من سهم الغارمين أن لا يكون الدين مصروفاً في ترف أو معصية(2).


وعليه، فلا بدّ أن نقول بأنّ المؤلّفة قلوبهم تشمل الصنفين.

ولكنّ الظاهر أنّ هذا خطأ غريب; لأنّ ما فرض في الحديث من تأليف قلوب رؤساء العرب به إنّما المقصود به التأليف بالغنيمة، فإنّ يوم الحرب يوم غنيمة، لا يوم زكاة، واحتمال أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أعطى شيئاً من الغنيمة للكفّار غير موجود.

(1) ولا يشترط في ذلك كونهم في شدّة; وذلك تمسّكاً بإطلاق الآية المباركة.

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في تعليقه على منهاج الصالحين: «إطلاق هذا الشرط لصورة ما إذا تاب عن المعصية احتياطي».

أقول: بل الأقوى إطلاق هذا الشرط لهذه الصورة; وذلك لإطلاق معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد عن أبيه: «أنّ عليّاً(عليه السلام)كان يقول: يعطى المستدينون من الصدقة والزكاة دَينهم كلّه ما بلغ إذا استدانوا في غير ترف...»(1).

ثُمّ إنّ افتراض الغارمين صنفاً مستقلاًّ في مقابل الفقير واضح بناءً على ما اشتهر من أنّ للفقير مصطلحاً شرعيّاً وهو من لا يمتلك قوت سنته، فقد يكون الشخص مالكاً لقوت سنته وبإمكانه أداء ديونه منه، لكنّه لو فعل ذلك تحوّل به إلى حالة الفقر; لعدم امتلاكه


(1) راجع الوسائل، ب 48 من المستحقّين للزكاة، ح 2. وب 24 من تلك الأبواب، ح 10.

71

54 ـ ولإعطاء الزكاة للغارم عدّة طرق:

منها: أن يُملَّك مال الزكاة ; كي يودّي بذلك دينه.

ومنها: أن يُعطَى دائنُ الغارمِ الزكاةَ بعنوان وفاء دينه، فيسقط بذلك دينه.

ومنها: ما لو كان على الغارم دين لمن عليه الزكاة، فيجوز للدائن أن يحسب ماله من الدين زكاةً على الغارم، فيسقط بذلك الدين.

أمّا أن يحتسب ما عنده من الزكاة ملكاً للمدين، ثُمّ يأخذها مقاصّةً من دون إعطائها إيّاه بعنوان التمليك، فلا يجوز.

55 ـ ويجوز أداء دين الغارم من قِبَل مَنْ وجبت عليه الزكاة حتّى لو كان الغارم من واجبي نفقته كالأب (1).


عندئذ لقوت سنته، فيجوز أن يؤدّى دَينه من الزكاة، كما يجوز لو أدّى هو دَينه بقوت سنته أن يعطى عندئذ من سهم الفقراء.

أمّا بناءً على ما اخترناه من أنّ الفقير إنّما هو الفقير العرفيّ، وهو الذي ليس له وضع معيشيّ مستقرّ، فأيضاً تظهر نكتة احتساب الغارمين صنفاً مستقلاًّ بالالتفات إلى ما شرحناه من حكم الفقير في إعطائه الزكاة، حيث مضى أنّه لو اُعطي الفقير الزكاة للمصرف الفعلي فلا يعطى أكثر من مؤونة السنة، ولو اُعطي للاستغناء لا للمصرف الفعلي، جاز إعطاؤه إلى حدّ الغنى العرفيّ الذي يحصل له بأرباح هذا المال، ولكن حينما يعطى هذا الغارم للمصرف الفعلي وهو مالك لقوت سنته لا يجوز إعطاؤه إيّاه بسبب الفقر، فيمتلكه ويصرفه في قوته الفعلي بل يجب أن يصرفه في أداء دينه، وإلّا أرجعه إلى الوالي.

(1) لأنّ أداء دينه ليس من النفقة الواجبة عليه، كما يجوز أيضاً إعطاء الزكاة لمن تجب نفقته على المزكّي للصرف في التوسعة التي تعتبر من المؤونة ولا تعتبر من الواجب على المزكّي.

72

56 ـ السابع: سبيل الله تعالى. ويقصد به سبيل مصلحة الإسلام وتشييد أركانه، ويشمل ذلك المصالح العامّة للمسلمين، من قبيل: بناء الجسور، والمعابر، والسدود، وإصلاح الطرق، وما إلى ذلك بقيادة المؤمنين ; فإنّ في ذلك كلّه شوكة الإسلام والمسلمين، وكذلك يشمل إرسال الناس إلى الحجّ مثلاً حينما تكون المصلحة مقتضية لتكثير الحجّاج، وعلى رأس ما يكون في سبيل مصلحة الإسلام


راجع بهذا الصدد ما دلّ على جواز دفع الزكاة لمن تجب نفقته لأجل التوسعة لا للنفقة الواجبة (كموثّقة إسحاق بن عمّار ب 14 من المستحقّين للزكاة، ح 1 من الوسائل). وراجع أيضاً ما علّل تحريم إعطاء الزكاة لواجب النفقة بأنّه لازمه ومجبور عليه نفقته، ونحو ذلك من التعابير ممّا لا يشمل غير النفقة الواجبة (ب 13 من تلك الأبواب). وراجع أيضاً موثّقة إسحاق بن عمّار الصريحة في جواز أداء دين أبيه من الزكاة (ب 18 من تلك الأبواب، ح 2). وبخصوص الأب الميّت راجع صحيحة زرارة (ب 18 من تلك الأبواب، ح 1).

وعموماً يوجد في جواز أداء دين الغارم من قبل من وجبت عليه نفقته اتجاهان:

أحدهما: ما اختاره السيّد الخوئيّ(قدس سره) من أنّ دليل عدم جواز دفع الزكاة لواجب النفقة إنّما ورد في سهم الفقراء، ولم يرد في سهم الغارمين(1).

ولكنّ هذا التكييف غير واضح الصحّة عندي; لأنّه لو كنّا مع هذه النكتة فحسب أمكن القول بأنّ الفهم العرفيّ، لا يفرّق في ذلك بين مجرّد أنّ السهم سهم للفقراء أو للغارمين.

والثاني: ما اخترناه نحن واختاره الشيخ المنتظريّ(2) من أنّ المقياس لعدم جواز دفع الزكاة كانت هي النفقة الواجبة للأب ونحوه، وأداء دين الغارم لم يكن منها.


(1) راجع المستند المتسلسل ضمن تقارير بحث السيّد الخوئيّ برقم الجزء الرابع والعشرين، ص 107.

(2) راجع الجزء الثالث من زكاته، ص 98.

73

مسألةُ الجهاد (1).


(1) نسب إلى مشهور فقهاء العامّة تخصّص الحكم بخصوص مصداق الجهاد(1)، ولم نعرف لهذا القول مسنداً معقولاً، وإطلاق الآية الشريفة لكلّ ما يكون في سبيل الله واضح.

وقد يحمل سبيل الله على كلّ طاعة من الطاعات، وهذا تفسير غريب، وإرجاع لكلّ مصارف الزكاة إلى مصرف واحد أوسع من الكلّ، وإبطال للنصوص الصريحة في عدم إجزاء دفع الزكاة إلى الغني، ووجوب إعادتها رغم أنّ مساعدة الغني أيضاً طاعة من الطاعات(2).

وقد يناقش في تفسير سبيل الله بما قلنا من سبيل مصلحة الإسلام بأنّ هذا التفسير وإن كان يشمل بعض المصالح العامّة من قبيل: بناء المساجد والحسينيّات ونحوها ممّا يؤسّس عادة لترويج الدين، ولكنّه لا يشمل مثل بناء القناطر والسدود ونحوها ممّا فيه المنفعة العامّة للناس، لكنّه ليس مؤسّساً لترويج الدين، في حين أنّ خروج ذلك عن سهم سبيل الله بعيد، فإنّ الزكاة شرّعت لسدّ جميع الخلاّت والحاجات ومن أهمّها المصالح العامّة(3).

والجواب: ما أشرنا إليه من أنّ تحقيق المصالح العامّة بقيادة المؤمنين هو من أفضل طرق تشييد شوكة الإسلام والمسلمين.

وقد يستدلّ على عدم اختصاص سبيل الله بالجهاد بروايات الحجّ من الزكاة الواردة في الوسائل ب 42 من المستحقّين للزكاة(4)، ولكن لا شاهد في هذه الروايات إلى النظر


(1) راجع زكاة الشيخ المنتظريّ، ج 3، ص 108.

(2) راجع الوسائل، ب 2 من المستحقّين للزكاة، وأيضاً راجع رواية لا تحلّ الصدقة لغنيّ، ب 8 من تلك الأبواب، ح 8.

(3) راجع زكاة الشيخ المنتظريّ، ج 3، ص 127 ـ 128.

(4) راجع المستند المسلسل برقم الجزء الرابع والعشرين من تقارير بحث السيّد الخوئيّ ص 113 ـ 114.

74

57 ـ الثامن: ابن السبيل: وهو الذي انقطع به طريق الرجوع نتيجة عدم امتلاكه نفقة الرجوع، فيعطى من الزكاة ما يكفيه للرجوع بشرطين:

الأوّل: أن لا يكون قادراً على الاستغناء عن ذلك باستدانة أو بيع ماله الذي يمتلكه في بلده من دون حرج (1).

والثاني: أن لا يكون سفره سفر معصية(2).


إلى سهم سبيل الله، فهي تنظر إلى أصل جواز الحجّ بالزكاة، أمّا أنّها من أيّ سهم من السهام؟ فليس منظوراً إليه، ولا يقصد الإطلاق بالزكاة هنا لوضوح عدم انطباقها على عدد من السهام كالغارمين وابن السبيل وفي الرقاب، فهل خصوص سهم سبيل الله داخل في مفادها أو لا؟ لا شاهد على ذلك، فمن المحتمل كونها ناظرة إلى سهم الفقراء وبيان أنّ الحجّ أيضاً مؤونة من المؤَن يصحّ صرف الزكاة فيه فيكون وزان هذه الروايات وزان روايات اُخرى صريحة في الحجّ بسهم الفقراء، وهي روايات الباب 41 من تلك الأبواب.

ثُمّ إنّ المقصود بصرف الزكاة في سبيل الله صرفها في نفس السبيل، فلو اُعطي غنيّ مالاً من الزكاة ليملكه وإن شاء صرفه في الحجّ مثلاً لم يكن هذا صرفاً في سبيل الله، ولم يكن جائزاً. نعم، لو كانت المصلحة الإسلاميّة تقتضي إحجاجه وهو ليس عازماً على الحجّ سواء كان ذلك عجزاً أم لمجرّد عدم الداعي له إلى الحجّ، صحّ إحجاجه بالزكاة; فإنّ هذا صرف في سبيل الله.

أمّا تمليكه من الزكاة بشرط الحجّ فالأحوط تركه; لاحتمال شمول روايات منع دفع الزكاة للغني التي أشرنا إليها في مستهلّ البحث لذلك.

(1) وإلّا لم يجز دفع الزكاة إليه; لقوله(عليه السلام) في صحيح زرارة: «لا يحلّ له أن يأخذها وهو يقدر أن يكفّ نفسه عنها»(1).

(2) لقوّة احتمال إلحاقه في فرض المعصية بالغارم الذي كان دينه في المعصية


(1) الوسائل، ب 8 من المستحقّين للزكاة، ح 8.

75

58 ـ وابن السبيل: هو الذي انقطع في سفره بسبب فقدانه لنفقة الرجوع، وقد تنقلب الآية، أي: أنّ سفره كان سبباً في انقطاعه عن ماله من دون أن تكون لفقدان المال علاقةٌ بتحيّره في السبيل، وذلك من قبيل ما اتّفق كثيراً في زماننا من اضطرار المؤمنين إلى ترك أوطانهم هرباً من الحكومات الظالمة، فانقطعوا في مهجرهم عن أموالهم، فمن عجز منهم عن نقل ماله إلى مهجره، فاضطرّ إلى الصدقات، فهذا لا يعتبر ابن السبيل ; لأنّه لم ينقطع في السبيل بسبب عدم امتلاك مصرف الرجوع، بل يعتبر هذا فقيراً في مهجره، ويصحّ له الأخذ من سهم الفقراء.

59 ـ ومصارف الزكاة على قسمين:

القسم الأوّل: ما يتمّ صرف الزكاة في محلّها بمجرّد دفعها إلى المورد، من قبيل العاملين عليها، والمؤلّفة قلوبهم، وفي سبيل الله، ولا يبقى في ذلك مورد للاسترجاع.

والقسم الثاني: ما لا يكون مجرّد الدفع فيه صرفاً في مورده، وهو في الرقاب والغارمون وابن السبيل، فقد تدفع الزكاة للعبد كي يعتق بها نفسه، ثُمّ ينعتق قبل صرف الزكاة في ذلك، أو تدفع للغارم كي يؤدّي بذلك دينه، فيبرئه الدائن مثلاً


والذي وردت بشأ نه معتبرة الحسين بن علوان: «إذا استدانوا من غير سَرف»(1). ويؤيّده مرسل عليّ بن إبراهيم: «وابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله، فيقطع عليهم ويذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات»(2).


(1) الوسائل، ب 48 من المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2) الوسائل، ب 1 من المستحقّين للزكاة، ح 7.

76

قبل أدائه دينه بالزكاة، أو تدفع لابن السبيل، ثُمّ يصل إليه مال وترتفع مشكلته قبل صرف الزكاة، ومن الواضح في هذه الموارد وجوب إرجاع الزكاة ; لانتفاء مصرفها.

 

أوصاف المستحقّين للزكاة

60 ـ يشترط في استحقاق الزكاة الإيمانُ، فلا تُعطَى الكافرُ ولا المخالفُ بجميع أصنافهم (1).

61 ـ نعم، يجوز للوالي إعطاء المخالف من سهم المؤلّفة قلوبهم (2)، وكذلك من سهم الرقاب (3). أمّا سهم سبيل الله فلو كان إعطاء المخالف خدمةً للمؤمنين وتقويةً لشوكتهم، جاز من باب أنّه أصبح في الحقيقة صرفاً على المؤمنين.

62 ـ ولو أعطى غيرُ المؤمن زكاتَه أهلَ نحلته، ثُمّ استبصر أعادها، بخلاف


(1) للروايات الكثيرة(1).

(2) لأنّ الغرض من سهم المؤلّفة قلوبهم هو تأليف قلوب ضعفاء الإيمان وناقصيه ليقوى إيمانهم أو يكتمل، ويشهد لذلك أيضاً قوله(عليه السلام)في صحيح زرارة: «إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعاً لأنّهم يقرّون له بالطاعة، قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: يازرارة، لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، وإنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفاً فاعطه دون الناس، ثُمّ قال: سهم المؤلّفة قلوبهم وسهم الرقاب عام، والباقي خاصّ»(2).

(3) لما مضى في التعليق السابق من صحيح زرارة.


(1) راجع الباب 3 و 5 و 7 و 16 من أبواب المستحقّين للزكاة من الوسائل.

(2) الوسائل، ب 1 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

77

الصلاة والصوم والحجّ لو أتى بها على وفق مذهبه (1).

63 ـ لا يجوز صرف الزكاة إلّا في مصرفها الصحيح، فلو صرفها في غير مصرفها كان ضامناً، فمثلاً: الفقير الذي اُعطي الزكاة لصرفها في مؤونة سنته، أو للعمل بها كي يستغني لو صرفها لا في هذا ولا في ذاك، بل صرفها في معصية أو سَرَف، ضمن للتخلّف عن المصرف الصحيح (2).

64 ـ لا يجوز دفع الزكاة إلى مَنْ تجب عليه نفقته في المقدار الواجب، ويجوز دفعها إليه في التوسعة غير الواجبة على من عليه الزكاة (3).

65 ـ يشترط في مستحقّ الزكاة أن لا يكون هاشميّاً فيما إذا كان صاحب الزكاة غير هاشميّ، وأمّا زكاة الهاشميّين بعضهم على بعض فهو جائز (4).

66 ـ والهاشميّ: هو الذي ينتسب إلى هاشم بالأب، ولا أثر للانتساب إليه


(1) راجع الوسائل ب 3 من المستحقّين للزكاة.

(2) ولا ينافي ذلك ما ورد من أنّ الزكاة إذا وصلت للفقير فهي بمنزلة مالِه يصنع بها ما يشاء(1)، فإنّ المقصود بذلك صرفها في المؤونة المحلّلة لا في معصية أو سَرَف.

(3) راجع موثّقة عمّار في الوسائل ب 14 من المستحقّين للزكاة ح 1، وراجع أيضاً ما علّل تحريم إعطاء الزكاة لواجب النفقة بأنّه لازمه ومجبور عليه نفقته، ونحو ذلك من التعابير ممّا لا يشمل غير النفقة الواجبة (ب 13 من تلك الأبواب).

(4) راجع روايات عدم جواز الزكاة لبني هاشم في الوسائل ب 29 من المستحقّين للزكاة، والحديث الخامس منها يدلّ على الجواز، ولكنّه خلاف اتّفاق الكلّ.

وراجع روايات جواز زكاة الهاشمي للهاشمي في ب 31 منها، والحديث الخامس والثامن منها تامّان سنداً، وواضحان دلالةً.


(1) الوسائل، ب 41 من المستحقّين للزكاة، ح 1 و3.

78

بالاُمّ (1).

67 ـ يجوز استفادة الهاشميّين من الأوقاف العامّة إذا كانت من الزكاة، مثل المساجد، والمدارس، والكتب، ونحو ذلك ممّا خرج فعلاً عن كونه زكاة، كما يجوز لهم تلبية دعوة فقير ملك مالاً بالزكاة، ثُمّ دعا هاشميّاً إلى مائدة طعام صنعت من ذاك المال.

 

بقيّة من أحكام الزكاة

 

68 ـ من حقّ حاكم الشرع أن يطالب بجمع الزكوات ; لصرفها في مصارفها، ويجب عندئذ استجابة الناس له، أمّا لو لم يرَ حاكم الشرع المصلحة في ذلك ; لعدم


(1) لإثبات هذا الحكم أحد طُرق ثلاثة:

الأوّل: التمسّك بما هو المفهوم عرفاً من أنّ العبر في النسبة إلى الطوائف والقبائل هو ملاحظة الآباء فيقال: بنو تميم وبنو كعب وبنو مضر، أو يقال: تميمي أو كعبي أو مضري أو غير ذلك على رغم أنّ سبط الرجل ولده لغةً وعرفاً وتكويناً، وربّما يرثه شرعاً.

والثاني: مرسلة حمّاد والتي فيها الإشارة إلى الآية الكريمة(1)، إلّا أنّ عيبها إرسالها.

والثالث: الآية الكريمة: ﴿... وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾(2).

إلّا أنّنا لو خُلّينا والآية المباركة فهي لا تقتضي أكثر من التأييد.


(1) الوسائل، ب 30 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) سورة الأحزاب، الآية: 4 و5.

79

كونه مبسوط اليد، أو لأيّ سبب آخر، كان على نفس المزكّي إيصال الزكاة إلى مصارفها، أمّا لو رأى نفسه قادراً على الأمر، وطلبه على وفق ما رآه من المصلحة، فهذا هو حقّه الأساسيّ الذي لا ريب فيه (1)، ولو خالف المكلّف، فلم


(1) ويدلّ على ذلك: أوّلاً: ظاهر قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾(1).

وثانياً: تصريح الآية الكريمة بالعاملين عليها في جملة مصاريف الزكاة(2)، فقد يفترض أنّه لا ملازمة عقليّة بين فرض العاملين عليها وفرض وجوب الأداء لدى المطالبة من قبل الحاكم، ولكن لا إشكال على أقلّ تقدير في الملازمة العرفيّة والفهم العرفي لذلك.

وثالثاً: ما دلّ على كون العطاء من الزكاة من مصاريف الإمام كصحيح زرارة ومحمّد بن مسلم قالا لأبي عبدالله(عليه السلام): «أرأيت قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ﴾ أكلّ هؤلاء يعطى وإن كان لا يعرف؟ فقال: إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعاً لأنّهم يقرّون له بالطاعة، قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: يازرارة، لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، وإنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفاً فأعطه دون الناس، ثُمّ قال: سهم المؤلّفة قلوبهم وسهم الرقاب عامّ والباقي خاصّ...»(3).

ولو خالف المكلّف فصرف الزكاة هو بنفسه في مصرفها لم يثبت الإجزاء; لأنّه كان


(1) سورة التوبة، الآية: 103.

(2) سورة التوبة، الآية: 60.

(3) الوسائل، ب 1 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

80

يدفعه إلى حاكم الشرع، وصرفه هو في مصارف الزكاة، فالإجزاء مشكل.

69 ـ لا يجب بسط الزكاة على الأصناف الثمانية، ولا على كلّ أفراد صنف واحد، فحينما يكون حاكم الشرع هو المسيطر على الأمر يصرف الزكاة بالشكل الذي يرى فيه المصلحة، وحينما لا يكون الأمر بيده، بل المكلّف هو الذي يدفع الزكاة إلى المستحقّين، جاز له أن يدفع الزكاة في المورد الذي يرغب فيه (1).


مأموراً بدفعها لحاكم الشرع ولم يمتثل، ولم يثبت انفصال أمره بدفع الزكاة مستقلاًّ عن أمره بالدفع إلى الحاكم كي يقال: إنّ أمره بدفع الزكاة قد سقط بالامتثال، وأمره بالدفع إلى الحاكم قد سقط بانتفاء الموضوع، فإنّ إطلاقات الأمر بدفع الزكاة لم تكن بصدد بيان كيفيّة الدفع، وأوامر صرفه بنفسه للزكاة في مصارفها لم يثبت لها إطلاق لفرض مطالبة الحاكم بجباية الزكوات.

أمّا على تقدير عدم مطالبة الحاكم لأخذ الزكاة، فلا إشكال في أنّ للمزكّي صرفه هو للزكاة في مصرفها للروايات المتكاثرة والمتظافرة الدالّة على ذلك، ومنها صحيحة زرارة الماضية آنفاً: «أمّا اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف»، وتستطيع أن ترى كثيراً من الروايات بمراجعة الباب 18 و37 و39 و40 و52 و53 و54 من أبواب المستحقّين للزكاة من الوسائل.

(1) وقد ادّعي على عدم وجوب البسط الإجماع من قبل الإماميّة، وتدلّ على ذلك الروايات من قبيل:

1 ـ صحيحة عبدالكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبدالله(عليه السلام) وفيها قول الصادق(عليه السلام): «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر، ولا يقسّمها بينهم بالسويّة، وإنّما يقسّمها على قدر ما يحضرها منهم وما يرى، وليس عليه في ذلك شيء موقّت موظّف، وإنّما يصنع ذلك بما يرى على قدر من

81

70 ـ لو كانت الزكاة بيد حاكم الشرع عمل بما يراه من المصلحة: من صرفها في نفس بلد الزكاة، أو نقلها إلى بلد آخر. أمّا لو كان الصارف نفس صاحب الزكاة فمن الجائز له نقلها إلى بلد آخر مع حفظ شروط الأمانة: من اختيار طريق آمن


يحضرها منهم»(1).

فهذه واضحة في أنّ الإمام يتصرّف وفق ما يرى من المصلحة، وليس وفق البسط عن الأصناف أو الأفراد.

2 ـ صحيح أحمد بن حمزة قال: «قلت لأبي الحسن(عليه السلام): رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك، وله زكاة أيجوز له أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال: نعم»(2).

وهذا صريح في مورد ما إذا كان الصارف للزكاة نفس المزكّي وليس حاكم الشرع في أنّه مختار في المصرف الذي يريده.

3 ـ صحيح زرارة قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل حلّت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دَين، أيؤدّي زكاته في دَين أبيه وللابن مال كثير؟ فقال: إن كان أبوه أورثه مالاً ثُمّ ظهر عليه دَين لم يعلم به يومئذ، فيقضيه عنه، قضاه من جميع الميراث، ولم يقضِه من زكاته، وإن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دَين أبيه»(3)، وهذا صريح في مورد ما إذا كان الصرف بيد المزكّي لا بيد الحاكم في جواز صرف زكاته في مورد واحد، وهو أداء دَين أبيه.

ونحوها غيرها(4).


(1) الوسائل، ب 28 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) الوسائل، ب 15 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3) الوسائل، ب 18 من تلك الأبواب ح 1.

(4) راجع ـ كنموذج ـ الوسائل، ب 15 من المستحقّين للزكاة، وب 42 منها، ح 1.

82

ونحو ذلك (1)، فلو تلفت صدفةً على رغم حفظ شروط الأمانة أو سُرقت، فإن كان لها مصرف في بلده يتمكّن من الصرف فيه، فالأحوط ضمانه للمبلغ، وإلّا لم يضمن (2).


(1) يكفي في جواز ذلك صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبدالله(عليه السلام)«في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، ألَه أن يخرج الشيء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال: لا بأس به»(1)، مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل هو الجواز.

(2) أكثر روايات عدم الضمان مطلقة يفهم منها عدم الضمان حتّى مع وجود المصرف في بلده، كجميع روايات الباب 39 من المستحقّين للزكاة من الوسائل، ما عدا الحديث الأوّل، وأيضاً مقتضى القاعدة هو عدم الضمان ما دام مراعياً لشروط الأمانة; وذلك لأنّ الزكاة تنعزل بالعزل وتبقى أمانة بيده، والدليل على انعزالها بالعزل موثّقة يونس بن يعقوب «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني «يكون عندي عُدّة»؟ فقال: إذا حال الحول فأخرجتها من مالك، لاتخلطها بشيء، ثُمّ أعطها كيف شئت...»(2)، وكذلك صحيح أبي بصير وصحيح عبيد بن زرارة(3).

ولم نجد رواية تدلّ على الضمان في فرض التمكّن من الصرف في البلد إلّا الحديث الأوّل من ذاك الباب، وهو صحيح محمّد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل بعث بزكاة مالِه لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال: إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان; لأنّها قد خرجت من يده، وكذلك الوصيّ الذي يوصى إليه


(1) الوسائل، ب 37 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) الوسائل، ب 52 من المستحقّين للزكاة، ح 2.

(3) المصدر نفسه، ب 39 من المستحقّين للزكاة، ح 3 و 4.

83


يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي اُمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان».

وتخيّل الشيخ المنتظريّ أنّ الحديث الثاني من ذاك الباب ـ وهو صحيح زرارة أيضاً ـ دالّ على الضمان في فرض التمكّن من الصرف في نفس البلد(1)، وهذا منه خطأ غريب، فهو من روايات عدم الضمان المطلقة، وليس من روايات الضمان.

وأمّا نتيجة البحث فقد يكون مقتضى مرّ الصناعة حمل المطلق على المقيّد، فلو نقل الزكاة مع إمكانيّة الصرف في البلد ثُمّ صادف التلف أو السرقة رغم الالتزام بشروط الأمانة ضمن، وإلّا لم يضمن.

إلّا أنّنا تنزّلنا من الإفتاء بالضمان إلى الاحتياط; لأنّ حمل المطلقات على فرض العجز عن الصرف في البلد يحتمل أن يكون بلحاظ زمن النصّ تخصيصاً بفرض نادر; إذ في ذاك الزمن لم يكن انفتاح للمسلمين على دول كافرة لا يوجد فيها مصرف للزكاة كما هو الحال في زماننا، بل كان انتقال المسلم إلى تلك البلاد يعدّ تعرّباً بعد الهجرة، فلعلّ التقييد بصحيح محمّد بن مسلم ليس بأولى من حمل صحيح محمّد بن مسلم على استحباب إعادة الزكاة، كما قد يشهد لذلك ما في ذيل خبر أبي بصير بعد حكمه(عليه السلام)بالإجزاء من قوله(عليه السلام): «ولو كنت أنا لأعدتها»(2). وفي سند الحديث وهيب بن حفص، فإن وثقنا بوحدة وهيب بن حفص الجريريّ مع وهيب بن حفص النحّاس (أو النخّاس) تمَّ السند; لأنّ النجاشي شهد بوثاقة وهيب بن حفص الجريدي، وإلّا لم يتمّ السند; لاحتمال كون وهيب بن حفص هذا هو الثاني، ولا دليل على وثاقته عدا وروده في كامل الزيارات، والذي لا قيمة له.


(1) راجع المجلّد الرابع من كتابه في الزكاة، ص 142.

(2) الوسائل، نفس الباب السابق، ح 6.

84

71 ـ لو نقل الزكاة إلى بلد آخر فالأحوط أن تكون مؤونة النقل عليه (1).

72 ـ لا يجوز للمكلّف تأخير دفع الزكاة إلّا في حالتين:

الحالة الاُولى: أن يعزل الزكاة عن ماله، فيجوز له عندئذ أن يؤخّر الدفع حفظاً للقدرة على استجابة من قد يأتيه في المستقبل ويطالبه بالزكاة، أو حفظاً للقدرة على معونة من يحبّ أن يعينهم بالزكاة، وهم غير متواجدين لديه حالاً، أو نحو ذلك من الأغراض العقلائيّة في طريقة إيصال الزكاة.


(1) الوجه في كون مؤونة النقل عليه: هو أنّ مؤونة النقل ليست إلّا كاُجرة الكيل والوزن في زكاة الغلاّت، أو استيجار السفينة لإنجاء الغريق من قبل من وجب عليه إنجاء الغريق، وليس صرف المال في مؤونة النقل صرفاً في مورد الزكاة، وليس هذا من موارد سبيل الله كما مضى من أنّ سبيل الله ليس بمعنى كلّ عمل خيريّ(1).

وأفضل وجه لجواز احتساب مؤونة النقل من الزكاة: هو أنّ مؤونة النقل قد صرفت في الحقيقة على شخص الفقير، فيمكن حسابها من سهم الفقراء خصوصاً إذا لم يجد الفقير في بلده، فإنّ مؤونة النقل قد صرفت عندئذ في جهة الفقير يقيناً; لتوقّف إيصال المال إلى كلّي الفقير على ذلك.

ولكن يشكل الأمر بأنّ الزكاة لم تجعل في الآية المباركة للصرف على الفقير ولا على جهة الفقير، بل جعلت لنفس الفقراء، نعم لو أنّ حاكم الشرع كان هو الصارف للزكاة ورأى من المصلحة النقل، أمكن القول بأنّ الوليّ الفقيه له حقّ أن يصرف الزكاة على الفقير بالولاية، أمّا الشخص المزكّي فليس له إلّا أن يملِّك الزكاة للفقير، لا أن يصرفها عليه.

وقد تبيّن بهذا ضعف ما أفاده اُستاذنا الشهيد(قدس سره) في تعليقه على منهاج الصالحين رقم 66 من تعليقاته على كتاب الزكاة من التفصيل بين فرض وجود المستحقّ في البلد فيضمن مؤونة النقل، وعدمه فلا يضمن.


(1) راجع زكاة الشيخ المنتظريّ، ج 4، ص 117 ـ 118.

85

والحالة الثانية: أن يكتب مبلغ الزكاة ويسجّله عنده ; ليضمن أنّه لو صرف أو تلف شيء من المال يحسب من غير هذا المبلغ، فيكون هذا بحكم العزل.

أمّا في غير هاتين الحالتين فلا يجوز التأخير (1). وفي مورد جواز التأخير لو أخّر مع تمكّنه من الصرف في مصرفها، ثُمّ تلفت الزكاة، فهذا حاله حال النقل إلى بلد آخر مع قدرته على الصرف في بلده، فيشمله نفس الاحتياط الذي أشرنا إليه في تلك المسألة من الضمان.

73 ـ لا يجوز للمكلّف تقديم مال الزكاة قبل تعلّق الوجوب إلّا بمعنى إقراضه للفقير ; كي يحتسب زكاة عليه لدى تعلّق الوجوب بشرط بقائه على صفة الاستحقاق (2).


(1) الدليل على عدم جواز التأخير: صحيح سعد بن سعد الأشعري(1)، والدليل على استثناء حالة العزل روايات العزل التي مضت الإشارة إليها ضمن تعليقنا الثاني على البند 70، وصحيحة عبدالله بن سنان(2)، والدليل على إلحاق ما ألحقناه بالعزل موثّق يونس بن يعقوب(3).

(2) هناك روايات تصرّح بجواز التقديم: كصحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)«أنّه سأله عن رجل حال عليه الحول، وحلّ الشهر الذي كان يزكّي فيه وقد أتى لنصف ماله سنة، ولنصف الآخر ستّة أشهر؟ قال: يزكّي الذي مرّت عليه سنة، ويدع الآخر حتّى تمرّ عليه سنة، قلت: فإنّه اشتهى أن يزكّي ذلك، قال: ما أحسن ذلك»(4)، وصحيحة


(1) الوسائل، ب 52 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) المصدر نفسه، ب 53، ح 1.

(3) المصدر نفسه، ب 52 من المستحقّين للزكاة، ح 2.

(4) الوسائل، ب 49 من المستحقّين للزكاة، ح 4.

86

معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قلت له: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم؟ قال: لا بأس، قال: قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم، فيعجّلها في شهر رمضان، قال: لا بأس»(1)، وصحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين، وتأخيرها شهرين»(2).

ولكن توجد في المقابل روايات صريحة تدلّ على عدم جواز التعجيل، كصحيح محمّد الحلبيّ: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يفيد المال؟ قال: لا يزكّيه حتّى يحول عليه الحول»(3). ولو كنّا نحن وهذه الرواية لأمكن حملها في مقابل الروايات الماضية على عدم وجوب التقديم، أو على أفضليّة دفع الزكاة لحينها، ولكن هناك روايات صريحة في عدم جواز التقديم غير قابلة للتأويل، وهي صحيحتا عمر بن يزيد وزرارة(4)، فإنّهما تفرضان تقديم الزكاة كتقديم الصلاة على دخول وقتها، فيستحكم التعارض بينهما وبين الروايات الماضية.

ولو اُريدت معالجة هذا التعارض فليس أمامنا عدا أحد علاجين:

العلاج الأوّل: حمل روايات التقديم على إرادة الإقراض، ثُمّ احتساب القرض من الزكاة لدى وجوبها.

ويدّعى أنّ الشاهد على إرادة الإقراض من عنوان تعجيل الزكاة هو وضوح كون هذا هو المراد منه في صحيحة الأحول عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في رجل عجّل زكاة ماله ثُمّ أيسر


(1) المصدر نفسه، ح 9.

(2) المصدر نفسه، ح 11.

(3) الوسائل، ب 51 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

(4) المصدر نفسه، ح 2 و 3.

87

المعطى قبل رأس السنة، قال: يعيد المعطي الزكاة»(1). وذلك بدعوى: أنّه لولا إرادة الإقراض من التعجيل لما كان هناك معنىً للإعادة; لأنّ الفقير حينما امتلك المال كان مستحقّاً، وغناه بعد الامتلاك لا يوجب بطلان ما دفعت إليه من الزكاة. وقد نقل السيّد الخوئيّ(قدس سره) ذلك عن جماعة منهم الشيخ(قدس سره)(2).

ولكنّك ترى أنّ صراحة الروايات في التعجيل بالزكاة لا في القرض واضحة إلى حدّ لا يعدّ هذا الجمع عرفيّاً، بل نفس الرواية التي جعلت شاهداً على ذلك يصعب تفسيرها بهذا المعنى، فإنّها قد افترضت عنوان التعجيل بالزكاة، لا القرض. وأمّا السبب في الإعادة فلا ينحصر في فرض كون المقصود بالتعجيل القرض، فلعلّ السبب فيها أنّه يشترط في من تدفع إليه الزكاة أن يكون مستحقّاً حين وجوب الدفع، فلو انكشف غناه حين الوجوب انكشف عدم وقوع الزكاة في محلّها.

العلاج الثاني: حمل الروايات المجوّزة للتقديم على التقيّة على ما يقال من أنّ المشهور لدى السنّة هو جواز التقديم، بخلاف المشهور لدى الشيعة(3).

ولو فرض أنّ هذا الوجه يكلّفنا فقد الروايات التي جوّزت التقديم والتأخير من أدلّة جواز التأخير الذي أفتينا به سابقاً في فرض العزل، كفانا في مسألة جواز التأخير باقي روايات الباب، كموثّقة يونس(4)، وصحيحتي أبي بصير وعبيد بن زرارة(5)، وصحيحة


(1) الوسائل، ب 50 من تلك الأبواب، ح 1.

(2) راجع شرح العروة، ج 24 من الزكاة، ص 260.

(3) راجع كتاب الزكاة للشيخ المنتظريّ، ج 4، ص 208 ـ 211.

(4) الوسائل، ب 52 من المستحقّين للزكاة، ح 2.

(5) المصدر نفسه، ب 39 من المستحقّين للزكاة، ح 3 و4.

88

74 ـ لا إشكال في وجوب تعيين الزكاة بالنيّة ; لأنّها عنوان قصدي لا تتميّز من مثيلاتها إلّا بالقصد، فما يعطيه من المال كما يمكن أن يكون زكاة كذلك يمكن أن يكون هبة أو صدقة مستحبّة أو غير ذلك، فلا يتعيّن للزكاة إلّا بنيّة هذا العنوان (1).

75 ـ لا إشكال في وجوب قصد القربة والإخلاص لله تعالى في دفع الزكاة، فلو ترك ذلك أثم، وإن كان يحتمل سقوط ما في ذمّته من المال على رغم عصيانه بترك القربة أو الإخلاص، ولا شكّ في أنّ الأحوط عدم الاكتفاء بذلك (2)، فيعيد


عبدالله بن سنان(1).

أمّا لو لم نقبل بشيء من العلاجين، وتعارضت الطائفتان، قلنا: إنّ روايات جواز التقديم معرَض عنها لدى مشهور الشيعة، فتسقط عن الحجّيّة.

وقد يقال بعد فرض التعارض والتساقط: إنّ مقتضى القاعدة هو عدم جواز التقديم; لأنّ الامتثال يكون بعد توجّه التكليف، وإجزاء ما كان قبله يعني إجزاء غير الواجب من الواجب، وهو خلاف الأصل.

إلّا أنّ هذا الكلام مرجعه في الحقيقة إلى التمسّك بالإطلاقات بعد ابتلاء المخصّص بالمعارض، وهذا مالنا نقاش فيه بيّناه في علم الاُصول.

(1) فحال الزكاة حال العناوين القصديّة الاُخرى الشرعيّة كأقسام الصلوات ممّا لا تمييز بينها إلّا بالقصد، أو العرفيّة كعنوان التعظيم.

(2) عمدة الدليل على وجوب القربة والإخلاص في الزكاة أمران:

أحدهما: قوله تعالى: ﴿فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الاَْشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لاَِحَد عِندَهُ مِن


(1) المصدر نفسه، ب 53 من المستحقّين للزكاة، ح 1.

89


نِّعْمَة تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الاَْعْلَى﴾(1)، فظاهر الآية المباركة هو أنّ الأتقى الذي يجنَّب النار هو الذي يعطي زكاته ابتغاء وجه ربّه، لا في مقابل نعمة أنعمها عليه أحد من الخلق، فأراد أن يجازيه بإعطاء زكاته إيّاه. وهذه الآية إنّما دلّت على وجوب القربة والإخلاص، أمّا توقّف الزكاة وضعاً على القربة فلا تبرأ ذمّتهّ ماليّاً إلّا بالقربة، فالآية ساكتة عن ذلك سلباً وإيجاباً.

وثانيهما: مؤتلف من مقدّمتين:

الاُولى: أنّه لا إشكال في أنّ الزكاة تعتبر صدقةً كتاباً وسنّةً، فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ...﴾(2)، وقال عزّ من قائل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا...﴾(3)، وكذلك الحال في السنّة، ويكفي أنّ جابي الصدقات سُمّي في الروايات بالمصدّق(4).

والثانية: لا إشكال في أنّ مفهوم الصدقة متقوّم بالقربة، كما دلّت على ذلك روايات كثيرة من قبيل:

صحيحة جميل «قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): الرجل يتصدّق على بعض ولده بصدقة وهم صغار، ألَه أن يرجع فيها؟ قال: لا، الصدقة لله تعالى»(5).

وموثّقة طلحة بن يزيد، عن جعفر، عن أبيه(عليهما السلام) قال: «من تصدّق بصدقة ثُمّ ردّت


(1) سورة الليل، الآية: 14 ـ 20.

(2) سورة التوبة، الآية: 60.

(3) سورة التوبة، الآية: 103.

(4) راجع الوسائل، ب 14 من زكاة الأنعام.

(5) الوسائل، ب 4 من الوقوف والصدقات، ح 2.

90


عليه، فلا يأكلها; لأنّه لا شريك لله ـ عزّ وجلّ ـ في شيء ممّا جعل له...»(1).

وصحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله(عليه السلام) «قال: لا صدقة ولا عتق إلّا ما اُريد به وجه الله عزّ وجلّ»(2).

ومثلها صحيحة الفضلاء ومنهم حمّاد(3).

وموثّقة حسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه(عليهما السلام): «أنّ عليّاً(عليه السلام) كان يقول: من تصدّق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها، ولا يجوز له إلّا إنفاقها، إنّما منزلتها بمنزلة العتق لله، فلو أنّ رجلاً أعتق عبداً لله فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله لله، فكذلك لا يرجع في الصدقة»(4).

وصحيحة زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام): «إنّما الصدقة محدثة، إنّما كان الناس على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ينحلون ويهبون، ولا ينبغي لمن أعطى لله شيئاً أن يرجع فيه، قال: وما لم يعطِ لله وفي الله فإنّه يرجع فيه، نحلةً كانت أو هبةً، حيزت أو لم تحز»(5).

ونتيجة مجموع هاتين المقدّمتين: أنّ الزكاة مشروطة بقصد القربة، وأنّه مع فقد القربة لا تفرغ الذمّة(6).

إلّا أنّ الشبهة التي يمكن أن تطرح في مقابل ذلك هي أنّه لا إشكال في أنّ حاكم الشرع له أن


(1) الوسائل، ب 11 من تلك الأبواب، ح 3.

(2) ب 13 من تلك الأبواب، ح 3.

(3) المصدر نفسه، ح 4.

(4) الوسائل، ب 24 من الصدقة، ح 1.

(5) الوسائل، ب 3 من الهبات، ح 1.

(6) راجع زكاة الشيخ المنتظريّ، ج 4، ص 244 ـ 246.