308

انّه من قبل الإجازة ملك للمشتري لا للمالك الأصلي فهذا يعني اجتماع معتبرين متضادين بلحاظ زمان واحد وإن كان اعتبارهما في زمانين.

وأجاب عليه السيد الخوئي بانّ التضاد بين الحكمين بلحاظ زمان واحد رغم اختلاف الاعتبارين زماناً انّما يتم في الأحكام التكليفية بلحاظ تبعيتها للمصالح والمفساد في متعلّقاتهما والمفروض وحدة المتعلّقين فيلزم من اجتماعهما اجتماع المصلحة والمفسدة من دون كسر وانكسار وهذا غير معقول، وأمّا الأحكام الوضعية كما في ما نحن فيه فلا يأتي فيها هذا الكلام لانّها تتبع المصالح في نفسها والاعتبار سهل المؤونة فبالإمكان اعتبار هذا المال في حين العقد ملكاً لزيد دون عمرو ثم اعتباره في حين الإجازة ملكاً من حين العقد لعمرو دون زيد ولا تنافي بين الأمرين أبداً.

وثانيهما ـ انّ افتراض تأخّر الاعتبار عن العقد إلى زمان الإجازة انّما يعقل في اعتبار المجيز نفسه فبإمكانه ان يعتبر حين الإجازة ملكية المشتري بلحاظ حين العقد، وكذلك يعقل في اعتبار الشارع إذا كان بنحو القضية الخارجية بان يسكت الشارع من حين العقد إلى حين الإجازة ثم يعتبر حين الإجازة حصول الملك من حين العقد ولكن الواقع انّ اعتبار الشارع ثابت بنحو القضية الحقيقية منذ أوّل الشريعة على الموضوعات المقدرة الوجود وانّما الذي يقبل التقدّم والتأخّر هو المعتبر فان فرض المعتبر عبارة عن الملك المتقدّم على الإجازة أعني الملك حين العقد فهذا هو الكشف بالمعنى الأوّل المتقدّم فيه الاعتبار والمعتبر معاً والذي قلنا باستحالته لعدم معقولية الشرط المتأخّر فلا نتصوّر قسماً آخر للكشف يفسر بتأخّر الاعتبار وتقدّم المعتبر وان فرضناه عبارة عن الملك من حين الإجازة رجعنا إلى النقل.

 

309

وأجاب السيد الخوئي على ذلك:

أوّلاً ـ بانّه لا ملزم لافتراض اعتبار الشارع الملك كي يأتي فيه هذا الكلام بل بالإمكان افتراض انّ الشارع هو لا يعتبر شيئاً وانّما يوافق على اعتبار المجيز ويمضيه فانّ حكم الشارع في باب المعاملات عادة ليس تأسيسياً بل إمضاء لما عليه العقلاء، وما عليه العقلاء هو إمضاء ما فعله المجيز وهو اعتباره ومن المعلوم انّ اعتبار المجيز متأخّر ولكنه متعلّق بمعتبر متقدّم.

وثانياً ـ بانّه حتى لو افترضنا انّ الشارع هو الذي يعتبر الملك في المقام قلنا: إنّ اعتبار الشارع حكم من أحكام الشارع له جعل وفعلية، وجعله هو الذي يكون ثابتاً من أوّل الشريعة على الموضوع المقدّر الوجود أمّا فعليته فتتأخّر إلى حين فعلية الموضوع كما هو الحال في سائر الأحكام، وموضوعه في المقام هو الإجازة فإذا حصلت الإجازة أصبح الاعتبار فعلياً وهو متعلّق بالملك حين العقد وهذا هو معنى القسم الثاني من الكشف الذي قلنا عنه: إنّ الاعتبار فيه متأخّر لحين الإجازة والمعتبر هو الملك المتقدّم من حين العقد.

ومقتضى هذا التسلسل من الحديث هو الإيمان بالكشف بهذا المعنى الثاني على مقتضى القواعد بلا حاجة إلى دليل خاص كصحيحة محمّد بن قيس، وإن وجد دليل خاص على الكشف فهذه زيادة خير وهذا هو الظاهر من عبارة المصباح ولكن عبارة المحاضرات فيها غموض في المقام من هذه الناحية وهي انّ هذا المقدار من البيان هل اثبت الكشف حقاً أو جعل الكشف محتملاً في عرض احتمال النقل ويتمسّك عندئذ لإثبات الكشف بعد ردّ إشكالاته الثبوتية بمثل صحيحة محمّد بن قيس، ولكن يظهر في ما ذكره بعد ذلك في ثمرات الكشف والنقل انّه يرى الكشف بهذا المعنى الذي اختاره موافقاً للقواعد ويسمّيه هناك

310

بالكشف الحكمي(1).

أقول: وفي هذا التسلسل من الحديث مواقع للنظر.

فأوّلاً ـ ما أجاب به على القول بانّ مفاد البيع كان هو ذات التمليك لا التمليك من حين العقد وهو قوله: إنّ الإنشاء ليس إيجاداً للملك بل هو كاشف عن اعتبار نفساني وذاك الاعتبار يستحيل فيه الإهمال فهو إمّا مطلق أو مقيّد.

يرد عليه: إنّ الإنشاء وإن لم يكن إيجاداً للمعنى في الخارج بل هو كاشف عن اعتبار نفساني فانّ عالم الإنشاء اللفظي ليس عالم الخلق والتكوين وانّما هو عالم الكشف عمّا في النفس كما هو الحال في الأخبار، لكن هذا الاعتبار النفساني الذي يكشف عنه هذا الإنشاء انّما هو اعتبار لوجود الملك لانّه بنحو مفاد كان التامّة وليس بنحو مفاد كان الناقصة فهو لم يعتبر الملك موضوعاً لحكم مّا حتى يقال: إنّ مقتضى إطلاقه شموله للملك في كل آن وانّ هذا متعيّن في مقابل التقييد بعد استحالة الإهمال وانّما اعتبر وجود الملك نعم يختلف الوجود الاعتباري للملك عن الوجودات الحقيقية للاُمور التكوينية في أنّ الوجود التكويني أمره دائر في أي لحظة بين أن يخلق وأن لا يخلق ولا معنى لفرض خلق حصّة استقبالية مثلاً، أمّا الوجود الاعتباري فله حصص منها اعتبار ملك الآن ومنها اعتبار ملك مستقبل أو ماض فانْ قصد بقوله: إنّ الإنشاء ليس إيجاداً انّه ليس إيجاداً تكوينياً أو كاشفاً عن إيجاد تكويني حتى يكون الزمان ظرفاً له وغير مأخوذ في مفاده بل هو كاشف عن إيجاد اعتباري يؤخذ الزمان في متعلّقه قلنا:


(1) راجع المحاضرات 2: 354، وأمّا في مصباح الفقاهة فقد سمّاه هناك أيضاً بالكشف الحقيقي راجع 4: 163.

311

هذا صحيح لكن ملكية الآن أو الملكية الحاصلة من الآن التي أصبحت متعلّقة للإنشاء والوجود الاعتباري انّما هي حصة في مقابل ملكية الزمان المستقبل مثلاً وليست هذه مطلقة وتلك مقيدة بالمعنى الذي يستحيل الإهمال في ما بينهما بل هما حصتان متقابلتان.

نعم يحمل إطلاق كلام الشارع بعد لغوية اعتبار الجامع بين الحصص على الحصّة الاُولى لانّها أقل مؤونة في نظر العرف من باقي الحصص إمّا بنكتة اُنس ذهن العقلاء في تشريعاتهم للملكية بتشريع ملكية حين العقد أو لانّ المتعاقدين يهدفان عادة ذلك أو قياساً ـ في نظر العرف المسامحي ـ للوجود الاعتباري بالوجود التكويني الذي لا يتخلّف عن زمان إيجاده، أو لانّ الملك الشامل لكل الآنات ما لم يرفعه الرافع كأنّه في مقابل الملك الخاص بالزمان المستقبل مطلق في مقابل حصصه لا حصة من ضمن الحصص، امّا الملكية التي تخلق في عالم اعتبار المُنشىء فتحمل على اعتبار الجامع من دون لزوم لغوية فانّ هذا موضوع في نظر العقلاء لوجود الملكية في لوح اعتبار العقلاء من حين إمضائهم قياساً في النظر المسامحي للوجود الاعتباري بالوجود التكويني فمفاد البيع ـ كما قاله الشيخ الانصاري ـ هو ذات التمليك لا التمليك من حين العقد.

وثانياً ـ ما أورده على نقض الشيخ (رحمه الله) بالقبول المتعلّق بالإيجاب والذي لا ينتج الملك من حين الإيجاب من أنّ الإيجاب كان معلّقاً على القبول يردّ عليه: انّه إن كان المقصود بذلك كون تأثيره في لوح اعتبار الشارع أو العقلاء معلّقاً على القبول فهو صحيح ولكن هذا لا يعني انّ المنشأ بالإيجاد هو ملكية ما بعد القبول، وإن كان المقصود بذلك كون المُنشأ معلّقاً على القبول بما هو مُنشأ فهو غير صحيح، وأمّا تركّب العقد من الإيجاب والقبول فهو انّما يصلح علّة لكون التأثير الشرعي أو العقلائي معلّقاً على القبول لا لكون المُنشأ معلّقاً.

 

312

وثالثاً ـ انّ الإشكال الأخير الذي ذكره السيد الخوئي من عدم معقولية تأخّر الاعتبار عن المعتبر في القضايا الشرعية المجعولة بنحو القضايا الحقيقية متين فليس من الصحيح القول بانّه من حين الإجازة يعتبر الشارع ملكية حين العقد فانّ الاعتبارات الشرعية كلّها قد تحقّقت في زمن التشريع ولا يتم شيء من الجوابين اللذين ذكرهما على هذا الإشكال.

أمّا الجواب الأوّل وهو انّ الشارع ليس له اعتبار خاص به بل هو يمضي اعتبار المجيز وهذا الاعتبار متأخّر عن المعتبر فالمجيز من حين الإجازة قد اعتبر ملكية حين العقد فهو غريب ولا أدري ماذا يفهم السيد الخوئي من إمضاء اعتبار المجيز هل هذا يعني انّ أمر التشريع اعطى بيد المجيز؟! فهذا واضح البطلان أو يعني انّ للشارع اعتباراً مماثلاً لاعتبار المجيز؟ وهذا هو المعنى الصحيح لإمضاء الشارع لكن هذا رجوع إلى اعتبارات الشرع التي تحقّقت كلها في زمن التشريع ولم يتأخّر شيء منها إلى زمان إجازة المجيز.

وأمّا الجواب الثاني وهو انّ اعتبار الشارع وإن كان جعله متقدّماً وثابتاً في زمان التشريع لكن فعليته تكون بفعلية موضوعه وهي إجازة المالك فمن حين إجازة المالك تصبح ملكية حين العقد فعلية فيرد عليه: انّ فعلية الجعل التي يفترض تأخّرها عن الجعل انّما يقصد بها فعلية المجعول، أمّا ذات الجعل فقد تحقّق كاملاً حين التشريع ولا معنى لفعلية متأخّرة له وراء فعلية المجعول والفارق بين الجعل والمجعول هو الفارق بين الاعتبار والمعتبر اذن فتأخّر فعلية الاعتبار لا يعني إلّا تأخّر المعتبر فليس في المقام اُمور ثلاثة: الجعل والفعلية والملك المعتبر حتى يفترض انّ الأوّل ثبت في زمن التشريع والثاني ثبت في زمن الإجازة والثالث عبارة عن ملك حين العقد، وانّما يوجد في المقام أمران: الاعتبار

313

والمعتبر والأوّل متقدّم بلا إشكال والثاني إمّا أن يكون عبارة عن ملك حين العقد أو يكون عبارة عن ملك حين الإجازة والأوّل هو الكشف والثاني هو النقل فليس الكشف منقسماً إلى قسمين: أحدهما ما يفرض فيه تقدّم الاعتبار والمعتبر والثاني ما يفرض فيه تأخّر الاعتبار إلى حين الإجازة وتقدّم المعتبر بان يعتبر من حين الإجازة ملك زمان العقد، بل الكشف الحقيقي قسم واحد وهو القسم الذي يراه السيد الخوئي على بعض وجوهه الماضية مستحيلاً وعلى بعض وجوهه خلاف ظاهر الأدلّة العامّة ولكنّنا لا نراه مستحيلاً وإن كنّا نراه خلاف ظاهر الأدلّة العامّة على ما مضى.

وقد تحصّل بكل هذا البحث انّ الكشف الحقيقي خلاف ظاهر الأدلّة العامّة.

وأمّا القسم الثالث من الكشف وهو الكشف الحكمي فهو وإن لم يكن خلاف ظاهر الأدلّة العامّة لكنّه على أي حال خلاف الأصل فلا بد اذن بعد هذا التطواف من الانتهاء إلى الأدلّة الخاصّة لنرى انّه هل يمكن ان يستفاد منها الكشف أو لا؟

مقتضى الأدلّة الخاصّة:

ولعلّ عمدة الأدلّة الخاصّة للكشف ما يلي:

1 ـ صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أميرالمؤمنين (عليه السلام)في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاماً ثم قدم سيّدها الأوّل فخاصم سيّدها الأخير فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني فقال: خذ وليدتك وابنها فناشده المشتري فقال: خذ ابنه يعني الذي باع الوليدة حتى ينفّذ لك ما باعك فلمّا أخذ البيّع الابن قال أبوه: ارسل ابني فقال لا ارسل ابنك حتى ترسل ابني فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه(1).

 


(1) الوسائل 14: 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 1.

314

وسواء فسّرنا أخذ سيّد الوليدة الأوّل للطفل بانّ الحكم الشرعي هو استرقاقه إلى ان يفديه أبوه بثمنه لكون الوطىء وطىء شبهة، أو لافتراض كونه زنا من قبل الامّ العالمة بالحال، أو للقول بانّ ولد الأمَة من حرّ غير المولى مملوك للمولى ما لم يشترط الزوج منذ البدء الحرية، أو فسّرناه على أنّه أخذٌ للطفل كرهينة في مقابل ثمنه لانّ المشتري فوّت على المولى ولداً من هذه الأمَة، وسواء كان الحكم بأخذه للولد حكماً حقيقياً أو حكماً للتقية فالمهم انّه فرض رجوع الطفل إلى المشتري بسبب الإجازة وهذا دليل الكشف.

والاستشكال على ذلك بانّه لعلّ إرجاع الطفل إلى المشتري كان بسبب انّه سلّم إلى السيّد الأوّل ثمن الطفل لانّ سكوت الحديث عن تسليم ثمن الطفل ليس دليلاً على عدم تسليمه، فانّ الحديث لم يكن بصدد بيان كل الخصوصيات ولذا لم يذكر كيفية المخاصمة وفصلها، مع وضوح انّ مجرّد دعوى أبي البائع انّ الوليدة كانت له وقد باعها ابنه بلا اذنه لا يوجب الحكم باسترجاع الوليدة والطفل(1) غير وارد لانّ ظاهر قوله: لا ارسل ابنك حتى ترسل ابني هو ان إرسال الطفل كان في مقابل إرسال ابنه لا في مقابل دفع ثمنه.

2 ـ صحيحة أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن غلام وجارية زوّجهما وليهما وهما غير مدركين قال فقال النكاح جائز ايّهما أدرك كان له الخيار فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلّا أن يكونا قد أدركا ورضيا قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: يجوز ذلك عليه ان هو رضي قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضى النكاح ثم مات قبل أن


(1) راجع كتاب البيع للسيد الإمام (رحمه الله) 2: 177 ـ 178.

315

تدرك الجارية اترثه؟ قال: نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك وتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر قلت: فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال: لا لانّ لها الخيار إذا أدركت قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟ قال: يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام والمهر على الأب للجارية(1).

ولهذا الحديث تفسيران:

التفسير الأوّل ـ وهو الذي يبتني عليه الاستدلال به في المقام: انّ المقصود بقوله: «النكاح جائز» كونه قابلاً للتصحيح بالإمضاء وانّ المقصود بالخيار خيار الإمضاء والردّ لا خيار الفسخ، والشاهد على ذلك هو ما في الحديث من الحكم بعدم الإرث وعدم المهر إذا ماتا قبل الإدراك أو كان الإمضاء طمعاً بالإرث، وانّ المقصود بقوله: «وليّهما» هو الوليّ العرفي أي مَن كان يتولّى شؤون الصغير من دون أن يكون وليّاً شرعياً والشاهد على ذلك قوله في ذيل الحديث: «قلت فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك قال يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام» فهذا دليل على أنّ السؤال الأوّل كان سؤالاً عن غير الولي الشرعي، وذلك إمّا بدعوى انّ احتمال الخصوصية للأب من بين الأولياء الشرعيين غير عرفي فذكر الأب يحمل على المثالية عرفاً، أو بدعوى انّ ذكر الأب لو جاء على لسان الإمام (عليه السلام)لاحتملنا خصوصية في الأب تعبّداً ولكن جاء السؤال عن الأب على لسان نفس السائل والنكتة التي تتبادر إلى الذهن في السؤال عن الأب بعد السؤال عن مطلق الوليّ هي كون الأب وليّاً شرعياً، اذن فالمقصود بالوليّ المطلق


(1) الوسائل 17: 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

316

كان هو غير الشرعي. هذا، ونفس كون المقصود بالولي في صدر الحديث الولي غير الشرعي شاهد آخر على انّ المقصود بجواز النكاح قابليته للنفوذ بسبب الإمضاء لا النفوذ الفعلي وأنّ المقصود بالخيار خيار الإمضاء والردّ لا خيار الفسخ.

وبناء على هذا الاحتمال يكون الحديث دليلاً على الكشف إذ لولا الكشف لما ثبت الإرث عند تأخّر إمضاء من بقى منهما للنكاح عن موت الآخر.

وقد يورد على الاستدلال بهذا الحديث على أصل صحّة الفضولي في العقود المالية بانّ هذا الحديث وارد في النكاح ولا نجزم بعدم الفرق في ذلك بين النكاح والعقود المالية، وقد مضى في أدلّة الفضولي في البحث عن روايات النكاح الفضولي البحث عن دعوى التعدّي إلى العقود المالية بالأولويّة لانّ النكاح أهمّ من العقود المالية لارتباطه بالفرج فلئن صحّ عقد الفضولي فيه فهو صحيح في العقود المالية بطريق أولى، وعن دعوى اُخرى عكس هذه الدعوى وهي دعوى انّ النكاح يناسبه التسهيل لكي لا يتورّط الناس في الزنا فتصحيح الفضولي فيه لا يدلّ على تصحيحه في الماليات ووضّحنا هناك ان كلتا الدعويين لا أساس لهما وانّما يجب ان نلحظ بعد حذف بحث الأولوية من الطرفين انّ العرف هل يتعدّى من النكاح إلى سائر العقود أو يحتمل الخصوصية للنكاح في الحكم بصحّة عقد الفضولي.

ونقول هنا: إنّه لو آمن أحد في أصل صحّة الفضولي بعدم التعدّي من النكاح إلى العقود المالية لاحتمال الفرق فليس من الضرورة ان يؤمن في ما نحن فيه أيضاً ـ وهو إثبات الكشف ـ بعدم التعدّي، فبإمكانه أن يقول: إنّه في أصل صحّة الفضولي يحتمل الفرق باختصاص الحكم بالصحّة بالنكاح لكن بعد ان

317

فرغنا ولو بوجه آخر عن صحّة الفضولي حتى في العقود المالية وهو المفروض في المقام نرى انّ العرف لا يحتمل الفرق في دائرة العقود التي تصحّ فيها الفضولية بالكشف في بعضها والنقل في البعض الآخر.

نعم لو كان عدم التعدّي إلى العقود المالية هناك على أساس دعوى احتمال انّ تصحيح الفضولية في النكاح كان لمصلحة التسهيل لكي لا يتورّط الناس في الزنا فنفس هذه النكتة توجب عدم التعدّي في ما نحن فيه أيضاً فانّ الكشف فيه مزيد من التسهيل في أمر النكاح والمنع عن التورّط في الزنا فلعلّه مختص بباب النكاح لأجل هذا المزيد من المصلحة أمّا العقود المالية فاقتصر فيها على تصحيح فضوليتها بنحو النقل دون الكشف.

التفسير الثاني ـ: ان يقال: إنّ المقصود بجواز النكاح في صدر الحديث هو النفوذ الفعلي لا قابليته للنفوذ بسبب الإمضاء وانّ المقصود بالخيار خيار الفسخ وانّ المقصود بالولي هو الولي الشرعي وأمّا ما في ذيل الحديث من حكم خاصّ بالأب فهو تفصيل تعبّدي بين الأب وغيره من الأولياء الشرعيين أعني الجدّ والوصيّ فنكاح الجدّ والوصيّ جائز مع الخيار للصبي إذا بلغ ونكاح الأب جائز بلا خيار وأمّا ما في الحديث من نفي الإرث والمهر لدى موتهما أو لدى عدم الإمضاء فهو يعني انّ نكاح الولي لا يوجب الإرث ولا المهر إلّا بعد لزومه بإسقاط الصغير الخيار بعد البلوغ وعلى هذا التفسير فالحديث اجنبيّ عن عقد الفضولي تماماً.

وقد رجّح السيد الإمام (رحمه الله) هذا التفسير على التفسير الأوّل بدعوى انّ التفسير الأوّل خلاف ظاهر الحديث من عدّة وجوه(1):

 


(1) راجع كتاب البيع 2: 178 ـ 179.

318

فأوّلاً ـ حمل الولي في الحديث على الولي غير الشرعي خلاف الظاهر.

وثانياً ـ حمل الجواز في صدر الحديث على الصحّة التأهلية أو الجواز المعلّق على الإمضاء دون النفوذ الفعلي خلاف الظاهر.

وثالثاً ـ حمل الخيار على اختيار الإجازة والردّ دون خيار الفسخ خلاف الظاهر.

ورابعاً ـ قوله في فرض إجازة أحدهما بعد الإدراك: «يجوز ذلك عليه» يقصد به حتماً جواز آخر غير الجواز المذكور في صدر الحديث لانّ المفروض انّ ذاك الجواز كان ثابتاً من أوّل الأمر ولا يتأخّر إلى ما بعد الإدراك والرضا، فإن كان الجواز الأوّل بمعنى مجرّد إمكانية النفوذ مثلاً فالجواز الثاني هو فعلية النفوذ في حين انّ فعلية النفوذ بمجرّد رضا أحدهما غير صحيح لانّ الآخر لم يرض بعدُ وإن كان الجواز الأوّل نفوذ العقد بالفعل، إلّا انّه عقد خياري من كلا الطرفين فمعنى الجواز الثاني هو سقوط الخيار من طرف من أدرك ورضى وإن كان الخيار لا زال باقياً للآخر وهذا معنى معقول اذن فهذا قرينة على أنّ الجواز بمعنى النفوذ الفعلي.

وخامساً ـ قوله: (أترثه قال: نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك وتحلف بالله...) ظاهر في الإرث الفعلي المتزلزل الموقوف على رضا الآخر.

وسادساً ـ تعليله (عليه السلام) لعدم الإرث للزوج الذي أدرك ورضى بالعقد ولكن الزوجة ماتت قبل الإدراك بقوله: «لانّ لها الخيار إذا ادركت» ظاهر في أنّ الإرث منتف بوجود المانع وهو خيارها لا بعدم تمامية المقتضى وهو العقد. وهذا انّما ينسجم مع التفسير الثاني دون الأوّل.

وقال السيد الإمام (رحمه الله): إنّ مخالفة هذا المعنى للفتاوى أو لبعض الروايات

319

لا توجب العدول إلى التفسير الأوّل وغاية الأمر انّنا نبقي الحديث على ظهوره في التفسير الثاني ونطرحه لمخالفته لما هو من مسلمات الفقه مثلاً ولا تبرّر مخالفته لما هو من المسلّمات حمله على تفسير آخر مخالف للظهور.

أقول: إنّ هذا الكلام انّما يتم لو فرض ظهور الحديث في التفسير الثاني قوياً آبياً عن الحمل على التفسير الأوّل في مقام الجمع بحيث يصبح ذلك جمعاً تبرعياً لا عرفياً.

والظاهر انّ أكثر النكات التي بيّنها السيد الإمام (رحمه الله) لاستظهار التفسير الثاني غير تام وما يتم منها لا يقاوم ما يشهد للتفسير الأوّل وتفصيل الكلام ما يلي:

1 ـ ظهور الولي في الولي الشرعي في عصر صدور النص غير واضح فانّ هذا اصطلاح متشرعي حديث وانّما الولي بمعناه الأصلي يقصد به من يلي أمر الصغير،نعم مقتضى إطلاقه شموله للولي الشرعي لانّ الولي الشرعي مصداق من مصاديق الولي العرفي ولكن القرينة المتصلة في الحديث منعت عن هذا الإطلاق وهي سؤال السائل بعد ذلك عن حكم مصداق من مصاديق الولي الشرعي وهو الأب وافتراض اختصاص مراده من الولي في سؤاله الأوّل بخصوص وليّ شرعي غير الأب وهو الجد والوصي بعيد غاية البعد.

2 ـ الجواز ظاهر بحدّ ذاته في النفوذ الفعلي ولكن هذا الظهور لا يقاوم ما يصرف الكلام عنه من نفي الإرث والمهر الذي يصرف ذهن العرف إلى عدم تمامية العقد إذا ماتا صغيرين، ومجرّد احتمال انّه لعلّ الإرث والمهر مرتبطان شرعاً بإسقاط الخيار لا يمنع عن هذا الانصراف وكذلك ما عرفته من انّ الولي يقصد به المعنى العرفي يكون مؤيداً آخر لحمل الجواز على معنى قابلية النفوذ بالإمضاء.

320

3 ـ وظهور الخيار في خيار الفسخ اصطلاح فقهي متأخّر ولا تأبى كلمة الخيار في عصر النصوص عن الحمل على خيار الإمضاء والرد.

4 ـ وقوله في فرض إمضاء أحدهما بعد البلوغ: (يجوز ذلك عليه) وإن كان يقصد به جوازاً آخر غير الجواز الوارد في صدر الحديث إلّا انّ هذا لا يمنع عن افتراض كون الجواز في صدر الحديث بمعنى قابلية النفوذ لا النفوذ الفعلي فانّ هذا لا يستلزم حمل الجواز الثاني على معنى النفوذ الفعلي بل يمكن حمله عندئذ على معنى ان من أدرك وأمضى لا يجوز له ان يتراجع عن إمضائه ويجب عليه ان ينتظر إدراك الآخر كي يعرف انّه هل سيمضي أيضاً أو يردّ.

5 ـ قوله: (اترثه قال نعم يعزل ميراثها منه) ظاهر في الإرث الفعلي بمعنى جواز التصرّف بالفعل وإطلاقه مقيد بما جاء بعد هذه الكلمة مباشرة من إدراكها وحلفها بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج، أمّا قبل الإدراك والحلف فالأمر يدور بين فرض عدم حصول الملك للوارث أو عدم جواز تصرفه في ملكه وليس الثاني أظهر من الأوّل فانّ الإرث لم يكن ظاهراً في مجرّد ملكية قانونية بحتة ولو مع الحجر عن التصرّف بل كان ظاهراً في جواز التصرّف بالفعل والذي قطعنا بتقييده بالمقيد المتصل بما بعد الإدراك والحلف.

6 ـ أمّا ما جاء في ذيل الحديث من تعليل عدم الإرث بانّ لها الخيار فهذا ينسجم حتى مع فرض كون نفي الإرث على أساس عدم تمامية المقتضي وهو العقد وذلك لانّ عدم تمامية المقتضي وهو العقد مستند بدوره إلى أنّ لها الخيار ولولا انّ لها الخيار لكان العقد تامّاً.

3 ـ صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الغلام له عشر سنين فيزوّجه أبوه في صغره أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ قال فقال: أمّا تزويجه

321

فهو صحيح وأمّا طلاقه فينبغي ان تحبس عليه امرأته حتى يدرك فيعلم أنّه كان قد طلّق فان أقرّ بذلك وأمضاه فهي واحدة باينة وهو خاطب من الخطّاب وان انكر ذلك وأبى ان يمضيه فهي امرأته قلت: فإن ماتت أو مات؟ قال يوقف الميراث حتى يدرك ايّهما بقى ثم يحلف بالله ما دعاه إلى أخذ الميراث إلّا الرضا بالنكاح ويدفع إليه الميراث(1).

ومصبّ الاستدلال بهذا الحديث تارة يكون هو الصدر واُخرى هو الذيل:

أمّا الاستدلال بالصدر فمبنيّ على تفسير كلمة «تحبس عليه» بمعنى الفصل بينه وبينها كما فهمه السيد الإمام (رحمه الله)(2) فيقال عندئذ: انّه لولا انّ إمضاءه للطلاق يكشف عن صحّة الطلاق من حينه لا من حين الإمضاء لم يكن وجه للفصل بينهما قبل الإمضاء احتياطاً باحتمال حصول الإمضاء.

وأورد السيد الإمام (رحمه الله) على هذا الوجه بإيرادين(3):

الأوّل ـ ظهور الحديث في كون هذا الفصل استحبابياً لا وجوبياً ولعله (رحمه الله)استظهر ذلك من كلمة (ينبغي) أو من كونهما صبيين.

والثاني ـ انّه سواء فرض هذا الفصل استحبابياً أو وجوبياً فلعلّ ملاكه ليس هو الاحتياط باحتمال حصول الطلاق لما سيتحقّق منه من الإمضاء بل ملاكه هو الاحتفاظ بحرمة الصغيرة لانّ ملامستها مع كونها في معرض ان ينفذ الطلاق بشأنها نوع منقصة لها ربّما تضرّ بحالها في المستقبل.


(1) الوسائل 17: 528 ـ 529، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 4.

(2) راجع كتاب البيع 2: 181.

(3) راجع المصدر السابق.

322

أقول: إنّ اختصاص كلمة ينبغي بالاستحباب اصطلاح فقهي متأخّر أمّا موارد استعمالها الأصليّة فهي من قبيل قوله تعالى: ﴿لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون﴾(1).

وأمّا الحمل على الاستحباب بنكتة الصغر فهو لا ينافي الاستدلال العرفي بهذا الحديث على نفوذ الطلاق من حينه بالإمضاء المتأخّر وذلك لانّ الاستحباب المستفاد بهذه النكتة انّما يفهم عرفاً كونه استحباباً حيثياً أي انّ الفصل انّما أصبح استحبابياً لصغرهما لا لعدم نفوذ الطلاق من حينه ولولا الصغر لكان واجباً.

كما انّ الإشكال الثاني أيضاً قد يقال بعدم وروده لانّ حمل الفصل على مسألة حرمة الصغيرة دون احتمال نفوذ الطلاق بعيد عن الذهن.

ولكن أصل حمل قوله: «تحبس عليه» على معنى الفصل بينهما غريب فانّ الحبس لو كان متعدّياً بـ «عن» بان قال: «تحبس عنه» صحّ هذا التفسير ولكن حينما تعدّى بـ «على» كان معناه منعها عن الزواج وإيقافها على هذا الزوج إلى ان يكبر ويمضي أو يردّ فالصدر اجنبيّ عن مسألة الكشف.

ثم لم سلّم تفسير «تحبس عليه» بمعنى تحبس عنه ودلّ الحديث على كشف إمضاء الطلاق عن صحّته من حينه قلنا: إنّ هذا اجنبيّ عن باب الفضولي لانّ الطلاق طلاقه من أوّل الأمر غاية ما هناك انّه كان يعتبر رضاه ضعيفاً لصغره فصحّة ذلك بالامضاء المتأخّر لا تكشف عن صحّة عقد الفضولي الذي كان اجنبياً عن المالك نهائياً إلى ما قبل الإمضاء.

وقد يقال: إنّنا وإن كنّا لا نتعدّى من مورد الحديث إلى باب عقد الفضولي


(1) يس: 40.

323

لإثبات صحّة عقد الفضولي، ولكن المفروض الآن انّ عقد الفضولي صحيح ولو بدليل آخر غير هذا الحديث وعندئذ نقول: لا يحتمل العرف الفرق في موارد كفاية الرضا المتأخّر بالكشف في بعضها والنقل في الآخر اذن فلمّا دلّ هذا الحديث على الكشف في مورده نتعدّى في ذلك إلى موارد عقد الفضولي:

والجواب: إنّ عدم التعدّي من مورد هذا الحديث إلى موارد عقد الفضولي في أصل التصحيح كان بنكتة التصاق الطلاق بالزوج في مورد الحديث من أوّل الأمر فنفوذه بعد البلوغ والإمضاء لا يستلزم نفوذ عقد الفضولي الذي لم يكن ملتصقاً منذ البدء بالمالك ونفس هذه النكتة توجب عدم التعدّي في المقام إذ يقال: لعلّ نكتة الكشف عن وقوع الطلاق من حينه بالإمضاء المتأخّر كونه منتسباً إلى الزوج من حينه بخلاف عقد الفضولي الذي لا يصبح منتسباً إلى المالك بمعنى من المعاني إلّا بعد الإمضاء.

وأمّا الاستدلال بالذيل فحاصله انّه (عليه السلام) رتّب الإرث على الإمضاء من قبل من بقى منهما وادرك في حين انّ الموت قد وقع قبل الإمضاء وهذا لا ينسجم إلّا مع الكشف.

ويرد عليه ـ بعد غضّ النظر عن أنّ فضولية عقد الأب للصغير أو الصغيرة خلاف مسلمات الفقه بل لعلّه كذلك فرض عقده خيارياً يصحّ للصغير بعد البلوغ فسخه ـ انّ الحديث اجنبيّ عن المقام لانه ليس المقصود به تصحيح عقد النكاح بالإمضاء بل المفروض فيه صحّة عقد النكاح منذ البدء غير انّ الإرث يتوقف حسب مفاد هذا الحديث على إسقاط الخيار وذلك لانّ ظاهر قوله في صدر الحديث: «أما تزويجه فهو صحيح» هو النفوذ الفعلي، وقوله: «فان أقرّ بعد ذلك وأمضاه فهي واحدة باينة» كالصريح في ذلك لانّه لولا تمامية العقد ونفوذه الفعلي

324

فالزوج إذا أدرك وكره النكاح لم يكن بحاجة إلى إمضاء الطلاق الذي صدر منه في صغره بل يمتنع عن أصل إمضاء النكاح وعندئذ يكون خاطباً من الخطّاب من دون ان تتحقّق واحدة باينة ويؤيّد ذلك أيضاً حكمه (عليه السلام) في فرض موت أحدهما قبل الإدراك والإمضاء بثبوت الإرث للآخر لو أدرك وأمضى في حين انّه على تقدير عدم نفوذ النكاح في ذاته رغم صدوره من الولي لم يكن من المترقّب توريث الباقي منهما بإمضاء لأنّ الآخر مات قبل الإمضاء فلم يتمّ النكاح كما بيّن ذلك في ما مضى من صحيحة أبي عبيدة الحذّاء.

فالمتحصّل انّ هذا الذيل اجنبي عن المقام وانّ الحديث انّما هو دالّ على أنّ نكاح الأب للصغير نافذ بالفعل وانّ الصغير حينما يبلغ يكون له الخيار في الفسخ والإمضاء، فوزان هذا الحديث وزان صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصبيّ يزوّج الصبية قال: إن كان ابواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز ولكن لهما الخيار إذا أدركا فان رضيا بعد ذلك فانّ المهر على الأب قلت: فهل يجوز طلاق الأب على ابنه في صغره؟ قال: لا(1)، فالمقصود بالخيار في هذا الحديث هو خيار الفسخ بقرينة ظهور قوله: (فنعم جائز) على النفوذ الفعلي خاصّة انّه فصل بين قوله (نعم جائز) وقوله: (لهما الخيار) بكلمة «ولكن» ممّا يوجب استبعاد كون قوله: (لهما الخيار) تفسيراً للجواز بان له خيار الإمضاء فترى التعبير اختلف عن التعبير الوارد في صحيحة أبي عبيدة الحذاء حيث جاء فيها: (النكاح جائز ايّهما أدرك كان له الخيار) من دون فصل بين الجملتين بمثل كلمة «ولكن».


(1) الوسائل 14: 209، الباب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 8.

325

4 ـ حديث يزيد الكناسي قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) متى يجوز للأب ان يزوّج ابنته ولا يستأمرها؟ قال: إذا جازت تسع سنين فان زوّجها قبل بلوغ التسع سنين كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين قلت: فان زوّجها أبوها ولم تبلغ تسع سنين فبلغها ذلك فسكتت ولم تأب ذلك أيجوز عليها؟ قال ليس يجوز عليها رضاء ولا تأبّ ولا سخط في نفسها حتى تستكمل تسع سنين وإذا بلغت تسع سنين جاز لها القول في نفسها بالرضا والتأبيّ وجاز عليها بعد ذلك وإن لم تكن أدركت مدرك النساء قلت: أفتقام عليها الحدود وتؤخذ بها وهي في تلك الحال وانّما لها تسع سنين ولم تدرك مدرك النساء في الحيض؟ قال نعم إذا دخلت على زوجها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها واقيمت الحدود التامّة عليها ولها.

قلت: فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية؟ فقال: يا أبا خالد انّ الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك قلت: فان ادخلت عليه امرأته قبل ان يدرك فمكث معها ما شاء الله ثم أدرك بعد فَكَرِهَها وتأبّاها قال إذا كان أبوه الذي زوّجه ودخل بها ولذّ منها وأقام معها سنة فلا خيار له إذا أدرك ولا ينبغي له أن يردّ على ابيه ما صنع ولا يحلّ له ذلك.

قلت: فان زوّجه أبوه ودخل بها وهو غير مدرك أتقام عليه الحدود وهو في تلك الحال؟ قال: أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجل فلا ولكن يجلد في الحدود كلها على قدر مبلغ سنّه يؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة ولا تبطل حدود الله في خلقه ولا تبطل حقوق المسلمين فيما بينهم قلت: جعلت فداك فان طلّقها في تلك الحال ولم يكن قد أدرك أيجوز طلاقه؟ فقال: إن كان قد مسّها

326

في الفرج فانّ طلاقها جائز عليها وعليه وإن لم يمسّها في الفرج ولم يلذّ فيها ولم تلذّ منه فانها تعزل عنه وتصير إلى أهلها فلا يراها ولا تقربه حتى يدرك فيسأل ويقال له: إنّك كنت قد طلقت امرأتك فلانة فان هو أقرّ بذلك وأجاز الطلاق كان تطليقة بائنة وكان خاطباً من الخطاب(1).

والحديث مشتمل على جملة من الأحكام شبه المسلّم فقهياً خلافها لولا التأويل من قبيل: ان تزويج الأب للبنت من دون استيمارها قبل بلوغها تسع سنين لا ينفذ عليها فلها الخيار بعد بلوغ هذا السن وينفذ عليها لو أوقعه بعد بلوغ تسع سنين، ومن قبيل التفصيل في كفاية بلوغها تسع سنين لبلوغها مبلغ التكليف بين ما لو دخلت على الزوج أو لا، ومن قبيل التفصيل في حقّ ردّ زواج الأب للولد بعد الإدراك بين ما لو دخل بها قبل الإدراك ولذّ منها وأقام معها سنة أو لا، ومن قبيل التفصيل في نفوذ طلاق غير المدرك بينما لو مسّها في الفرج فينفذ وما لو لم يمسّها في الفرج ولم يلذّ منها ولم تلذّ منه فتعزل عنه حتى يدرك ويمضى الطلاق أو يرفضه.

وشاهد بحثنا هو هذا المقطع الأخير فلولا الكشف لما كان وجه لفصلها عنه قبل الإدراك والإمضاء.

ومخالفة جملة من مقاطع الحديث لشبه المسلمات قد يسلب الوثوق بالحديث ويسقطه على بعض المباني في الاُصول عن الحجية في غير موارد المخالفة.

وفي سند هذا الحديث بحث اشرنا إليه في مبحث شرط البلوغ.

والسيد الإمام (رحمه الله) أعاد هنا ما ذكره في الحديث السابق من أنّه لعلّ الفصل


(1) الوسائل 14: 209 ـ 210، الباب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 9.

327

بينهما لمراعاة حالها وحرمتها باعتبار انّ الاستمتاع بها على تقدير انّه سينفّذ الطلاق بشأنها مضرّ بشأنها على أنّه قد يحمل على الاستحباب بقرينة ذاك الحديث(1).

أقول: وكذلك نحن نعيد هنا ما ذكرناه في الحديث السابق من أنّه لا يمكن قياس عقد الفضولي غير المستند من أوّل الأمر إلى المالك بالطلاق الذي هو مستند إلى الزوج منذ البدء.

5 ـ رواية مسمع أبي سيار التامّة سنداً قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): انيّ كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه وحلف لي عليه ثم جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته ايّاه فقال: هذا مالك فخذه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك واجعلني في حلّ فأخذت المال منه وابيت ان آخذ الربح وأوقفت المال الذي كنت استودعته واتيت حتى استطلع رأيك فما ترى؟ قال فقال: خذ الربح واعطه النصف وأحله ان هذا رجل تائب والله يحب التوابين(2).

وهذا الحديث لو حمل على تعامل الغاصب بما في الذمّة وأن إعطاء الربح كان من باب إرضاء المالك فهو اجنبيّ عن المقام وعن باب الفضولي نهائياً، وإن حمل على التعامل بعين المال المغصوب وان إعطاء الربح إلى المالك كان من باب انّه ربح ماله كان الحديث راجعاً إلى عقد الفضولي وعندئذ لو حمل الربح على النماء أو ما يشمل النماء لا خصوص ربح التجارة دلّ الحديث على الكشف لانّ النماء حصل قبل الإجازة فامتلاكه بالإجازة دليل الكشف إلّا انّ هذا خلاف الظاهر فانّ الظاهر انّ المقصود هو ربح التجارة.

 


(1) راجع كتاب البيع 2: 182.

(2) الوسائل 13: 235، الباب 10 من أبواب الوديعة.

328

فان حمل على الربح التجاري كما هو الظاهر فأوّل ما يخطر بالبال هو انّ الحديث لا دلالة له على الكشف لانّه ينسجم مع النقل أيضاً فانّه وإن كان الظاهر انّ الغاصب أوقع عدّة تجارات متبادلة على مال أبي سيار وبدائله لكن اجازته أيضاً تنحل إلى عدّة اجازات بعدد البيوع فيملك في كل مرّة بدل ماله وبهذا يمتلك كل الأرباح حتى على النقل.

ولكن السيد الإمام (رحمه الله) ذكر(1) وجهاً للاستدلال بهذا الحديث على الكشف رغم فرض حمل الربح على الربح التجاري وهو انّ الإجازة لو فرضت منحلّة إلى عدّة اجازات فهذه الاجازات ليست مترتبة وطولية بل هي اجازات في عرض واحد فالإجازة الاُولى وقعت على بيع ماله فتنفذ، أمّا باقي الاجازات فهي على النقل وقعت على مال الغير لانّها وقعت على بيع عوض ماله في عرض وقوع الإجازة الاُولى على بيع ماله فلا تنفذ، فتفسير نفوذها ينحصر بافتراض الكشف فانّه عندئذ تحصل كل هذه الملكيات قبل زمان الاجازات فالاجازات كلها وقعت على ماله اذن فهذا الحديث يدلّ على الكشف.

ثم أبدى (رحمه الله) احتمال نقاش في هذا البيان بأحد وجهين:

الأوّل ـ ان يقال: إنّه ليس من شرط تأثير الإجازة وقوعها على ما هو ملكه حين الإجازة بل يكفي وقوعها على مال ثم انتقال ذاك المال إليه فعندئذ يملك ابو سيار كل الأرباح حتى على النقل، لانّه بالإجازة الاُولى ملك عوض ماله والإجازة الثانية اثّرت بعد ما ملك عوض ماله فملك عوض العوض وهكذا إلى أنّ ملك آخر الأموال.

 


(1) راجع كتاب البيع 2: 183 ـ 184.

329

الثاني ـ ان يقال إنّنا ولو سلمنا ضرورة معاصرة الإجازة للمالكية قلنا: إنّ الإجازة كما تؤثّر بوجودها الحدوثي كذلك تؤثر بوجودها البقائي فحتى على النقل يملك ابو سيار كل الأرباح لانّ الإجازة الثانية مثلاً وإن لم تقع في أوّل حدوثها على ملكه لكن بعد ان ملك العوض بالإجازة الاُولى أصبحت الإجازة الثانية بوجودها البقائي مصحّحة للبيع الثاني فانّها عندئذ إجازة معاصرة للملك.

ثم حسم (رحمه الله) الموقف ببيان انّنا ما دمنا نؤمن بانّه يكفي في تصحيح معاملة الفضولي رضا المالك بلا حاجة إلى الإجازة بوجودها الإنشائي وليس في الحديث إشارة إلى وقوع إنشاء إجازة الفضولي فالظاهر انّ تصحيح التجارات كان بمجرّد الرضا فعندئذ نقول: لئن ناقشنا في كفاية الإجازة بوجودها البقائي لانّ الإجازة أمر إنشائي وانشاؤها يكون في آن حدوثها لا مجال للنقاش في كفاية الرضا بوجوده ا لبقائي لانّه ليس أمراً إنشائياً وانّما هو مجرّد حالة باطنية مستمرّة وحال وجودها البقائي كحال وجودها الحدوثي فما عدا البيع الأوّل أيضاً يصحّ حتى على النقل ولو بالوجود البقائي للرضا فالحديث لا يدلّ على الكشف.

أقول: إنّ إبداء احتمال كفاية الإجازة السابقة على الملك أو احتمال كفاية الإجازة البقائية أو احتمال كفاية الرضا ولو من دون إجازة، والرضا عندئذ يكفي وجوده البقائي ان إبداء أي واحد من هذه الاحتمالات كاف في إبطال الاستدلال بهذا الحديث على الكشف بناء على كون هذه الاحتمالات غير منفية إلّا بالأصل العملي وهو أصالة عدم ترتّب الأثر، فانّ مجرّد نفيها بالأصل لا يعيّن مفاد هذا الحديث في احتمال رابع وهو الكشف، على أنّ الكشف أيضاً خلاف الأصل أمّا إذا نفينا تلك الاحتمالات بدليل لفظي بان قلنا: إنّ تجارة عن تراض لا تشمل هذه الفروض فيكون الحصر في الآية دالّاً على بطلان هذه الاحتمالات اذن بالإمكان

330

ضم تلك الدلالة إلى هذا الحديث لإثبات الكشف وبما انّ السيد الإمام (رحمه الله) مختاره كفاية الرضا الباطني بلا حاجة إلى الإجازة في تصحيح البيع لانّ مثل إطلاق ﴿اوفوا بالعقود﴾ يشمله وليس منصرفاً عن العقد الاجنبيّ عن الشخص بتاتاً بان لا يكون مرتبطاً به حتى بمقدار الرضا(1) فعلى مبناه لا تبقى أي دلالة لهذا الحديث على الكشف بل حتى لو لم نؤمن بانّ مقتضى القاعدة كفاية الرضا، قد يقال: إنّ نفس هذا الحديث فيه دلالة على كفاية الرضا وعدم الحاجة إلى الإجازة وذلك لما جاء في عبارة السيد الإمام (رحمه الله) من عدم إشارة في هذا الحديث إلى إنشاء الإجازة فالظاهر انّه لم يكن شيء إلّا مجرّد الرضا بأخذ المال وربحه(2).

وبالإمكان ان يقال في مقابل ذلك: إنّ ارتكازية عدم كفاية الرضا والحاجة إلى إنشاء الإجازة (ولا أقصد بذلك الإنشاء اللفظي بل تبنّى العقد والبناء عليه وهو أمر نفسيّ زائد على مجرّد الرضا بمعنى طيب النفس) توجب حمل الحديث في الفهم العرفي إلى فرض الإجازة ولو بمعنى التبنيّ الباطني.

وعلى أيّة حال فالظاهر عدم تمامية دلالة الحديث على الكشف وتوضيح ذلك هو: انّ حاصل وجه الاستدلال به على الكشف هو انّنا إذا بنينا على أنّ الإجازة يجب ان تنصبّ على مال المجيز لا على مال غيره وبنينا على أنّ الإجازات للتجارات المتبادلة في مورد حديث مسمع أبي سيار كانت متعاصرة زمنيّاً وبنينا على النقل لا الكشف لزم من مجموع هذه الاُمور ملكية المجيز لكل الأموال المتبادلة في هذه التجارات في آن واحد أي الجمع بين العوض والمعوض في الملكية في آن واحد، وهذا ليس أمراً عقلائياً فلا بد من رفع اليد عن أحد


(1) راجع كتاب البيع 2: 101.

(2) راجع كتاب البيع 2: 184.

331

الاُمور الثلاثة التي بنينا عليها ولا يصحّ رفع اليد عن الأمر الأوّل وهو ضرورة انصباب الإجازة على مال المجيز فانّ عدم تأثير صبّ الإجازة على مال الناس واضح عقلائياً ولا رفع اليد عن الأمر الثاني وهو عرضية تلك الإجازات زمنيّاً فانّ هذا هو ظاهر الحديث، اذن ينحصر الأمر في رفع اليد عن الأمر الثالث وهو النقل وبهذا يثبت الكشف.

والجواب: انّنا نمنع كون مفاد البيع والمبادلة ضيّقاً لا يتم إلّا بفرض الملكية بان يصبح فاقد المعوّض مثلاً مالكاً بالفعل للعوض بل تكفي صيرورته أولى من الناس الآخرين بالعوض ومصير هذه الأولوية هو تحقّق الملكية ما لم يمنع عن ذلك نفس هذا الشخص كما لو اشترى بماله شيئاً لابنه الصغير فهو يدخل رأساً في ملك ابنه لا في ملكه وذلك بإرادته، وليس هذا منافياً لأولويته بهذا المال بل هو عين إعمال الأولوية وقد مضى شرح ذلك لدى تعرضنا لوجوه تفسير شراء العمودين عند البحث عن الفضولي الذي يبيع لنفسه فراجع وعلى هذا نقول: إنّ هذا الشخص أجاز في مورد الحديث في آن واحد كل المبادلات ولو كانت إجازته خاصّة بالبيع الأوّل لدخل الثمن في ملكه لكن إجازته للعقد الثاني حرّف من مسير هذا الثمن وأدخله في ملك آخر ولولا إجازته للعقد الثالث لدخل عوض هذا الثمن في ملكه، ولكنّه بإجازته دخل في ملك آخر وكل هذا لا ينافي أولويته بهذه الأموال بل هذا إعمال للأولوية، وإن شئت فسمّ هذه الأولوية بالملكية التقديرية وقل: إنّ الممنوع ارتكازاً انّما هو تعاصر الملكيات الفعلية للبدائل لا الملكيات التقديرية التي تكون حصيلة مجموعها ملكية فعلية واحدة لأحد البدائل فحسب وهذه الإجازات كلها معاصرة زمناً لكن تأثير كل واحدة منها موضوع لتأثير الاُخرى ومقدّم عليه رتبة حسب ترتيب المبادلات.

 

332

6 ـ روايات المضاربة مع مخالفة العامل للشرط(1) وكذلك روايات الاتجار بمال اليتيم(2) وقد سبق منّا الإشكال في أصل دلالتها على صحّة عقد الفضولي.

وأقول هنا: لو ناقشنا في دلالتها على الفضولي بدعوى خروجها عن مورد الفضولي رأساً اذن لا يبقى مجال لدلالتها على الكشف، ولو ناقشنا فيها بدعوى احتمال خصوصية في المورد كما مضى في روايات المضاربة باعتبار كون تقسيم الربح خلاف ا لقاعدة فقلنا: اذن يحتمل الاختصاص بالمورد أو كأن يقال في روايات الاتجار بمال اليتيم باحتمال كون تصحيح المعاملة المربحة لمجرّد إرفاق خاص باليتيم، فبالإمكان القول بالتعدّي في الكشف بدعوى عدم احتمال الفرق في دائرة العقود الفضولية الصحيحة بالكشف أحياناً والنقل اُخرى.

وعلى أيّة حال فوجه الاستدلال بهذه الروايات على الكشف هو نفس وجه الاستدلال برواية مسمع أبي سيّار باعتبار تعاقب تجارات عديدة على المال ويكون الجواب نفس الجواب باعتبار انّ الربح هنا ربح تجارة لا نماء.

وهناك بعض روايات اُخرى قد يستدل بها على الكشف نغض النظر عن بحثها لوضوح عدم تمامية الاستدلال بها(3).

والمتحصل من كل ما ذكرناه انّ الكشف غير ثابت بمقتضى القواعد ولكنه ثابت تعبّداً بصحيحة محمّد بن قيس وصحيحة أبي عبيدة الحذّاء السابقتين.


(1) راجع الوسائل 13: 181 ـ 183، الباب 1 من كتاب المضاربة.

(2) راجع الوسائل 6، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، و 12 الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، و 13، الباب 10 من كتاب المضاربة، والباب 92 من كتاب الوصايا.

(3) راجع كتاب البيع للسيد الإمام (رحمه الله) 2: 184 ـ 185.