225

ناظراً إلى بيان القانون الأساسي في الاسلام، أي بيان من له منصب القضاء في الاسلام، لا بيان من قد يعطى له منصب القضاء من قبل من له منصب القضاء والولاية في الاسلام.

الملحق رقم (4)

قد تؤيد وثاقة اسحاق بن يعقوب بأن اسحاق بن يعقوب أخو محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) على ما ادعاه صاحب كتاب "قاموس الرجال"(1) مستشهداً على ذلك بما نقله عن كتاب "اكمال الدين" في ذيل التوقيع من قوله (عليه السلام) "والسلام عليك يا اسحاق بن يعقوب الكليني".

ولكن ما راجعته من نسخة كتاب "اكمال الدين (ط. دار الكتب الاسلامية/ طهران) ليس فيه كلمة "الكليني" وإنما العبارة هكذا "والسلام عليك يا اسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى"(2).

كما أن السيد الخوئي ـ دامت بركاته ـ في كتاب "معجم رجال الحديث"(3) لم يذكر توصيفاً للرجل بالكليني رغم نظره إلى كتاب "اكمال الدين".



(1) ج1 ص507.

(2) اكمال الدين وأتمام النعمة ص485.

(3) ج3 ص73.

226

وقد يستدل على وثاقة اسحاق بن يعقوب ببيان: أن الشيخ الطوسي (رحمه الله) شهد في كتاب "الغيبة" بأن التوقيعات إنما كانت ترد أيام الغيبة الصغرى على الثقات، فيقال: ان هذا يؤيد عدم احتمال الكذب في أصل التوقيع، فهذه الشهادة من قبل الشيخ الطوسي، تعني أن التوقيع في ذاك الزمان كانت له قدسيته الخاصة، فانتحال شخص لتوقيع ما إلى نفسه كذباً يعني خبثاً أعظم من مجرد خبث الكذب على الإمام، إذن فأمر اسحاق بن يعقوب يدور بين أن يكون في درجة عالية من الخبث أو أن يكون ثقة، لأن التوقيع لا يرد الا على الثقات، ولا يحتمل أن يكون انساناً عادياً غير خبيث وغير ثقة. وحينئذ فمن البعيد وقوع الكليني (رحمه الله) في الغفلة أو عدم التمييز لحال هذا الشخص الدائر أمره بين طرفي النقيض، أو قل عدم التفاته إلى خبثه رغم كونه في درجة عالية من الخبث. فإذا ثبت صدق أصل التوقيع ثبتت وثاقته، لأن التوقيع كان لا يرد إلا على الثقات، وإذا ثبتت وثاقته نفينا بذلك احتمال الكذب في الخصوصيات أيضاً.

الا أن هذا البيان غير صحيح، وتوضيحه: إني لم أر في كتاب "الغيبة" ما يمكن توهم دلالته على ذلك الا قوله:

"وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم

227

التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل"(1).

وهذا الكلام ـ وإن كان يتبادر إلى الذهن أن المقصود من ورود التوقيعات عليهم ورودها من الإمام (عليه السلام) إليهم ـ ولكن من يراجع باقي عبارة الشيخ يراها صريحة في أن المقصود ليس هو هذا، وإنما المقصود هو ورود التوقيعات الحاكية عن شأنهم والدالة على وثاقتهم، ذلك لأنه (رحمه الله) بعد هذه العبارة مباشرة يذكر بعض المصاديق لهذه العبارة بعنوان: "منهم، ومنهم…" وكل ما ذكره إنما هو من هذا القبيل لا من ذاك القبيل؛ أي ان التوقيعات واردة إلى غيرهم بشأنهم وعلى ثقاتهم لا إليهم. وإليك نص عبارة الشيخ في (الغيبة) بكاملها كي تلحظها:

قال (رحمه الله):

"وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل".

"منهم: أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي (رحمه الله)؛ أخبرنا أبو الحسن بن أبي جنيد القمي عن محمد بن الوليد عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن صالح بن أبي صالح قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شيء، فامتنعت من ذلك وكتبت



(1) الغيبة للشيخ الطوسي ص257 ط مطبعة النعمان في النجف الأشرف.

228

استطلع الرأي، فأتاني الجواب: بالري محمد بن جعفر الأسدي فليدفع إليه، فإنه من ثقاتنا".

"وروى محمد بن يعقوب الكليني "ره" عن أحمد بن يوسف الساسي قال: قال لي محمد بن الحسن الكاتب المروزي وجهت إلى حاجز الوشاء مائتي دينار، وكتبت إلى الغريم بذلك، فخرج الوصول وذكر أنه كان قبلي ألف دينار وأني وجهت إليه مائتي دينار، وقال: أن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري، فورد الخبر بوفاة حاجز رضي الله عنه بعد يومين أو ثلاثة فأعلمته بموته، فاغتم، فقلت: لا تغتم، فإن لك في التوقيع إليك دلالتين: إحداهما....

اعلامه إياك أن المال ألف دينار، والثانية أمره إياك بمعاملة أبي الحسين الأسدي لعمله بموت حاجز".

"وبهذا الاسناد عن أبي جعفر محمد بن علي بن نوبخت، قال: عزمت على الحج وتأهبت فورد علي: نحن لذلك كارهون. فضاق صدري واغتممت، وكتبت: أنا مقيم بالسمع والطاعة، غير أني مغتم بتخلفي عن الحج. فوقع: لا يضيقن صدرك فإنك تحج من قابل. فلما كان من قابل استأذنت، فورد الجواب، فكتبت: اني عادلت محمد بن العباس، وأنا واثق بديانته وصيانته. فورد الجواب: الأسدي نعم العديل، فإن قدم

229

فلا تختر عليه. قال: فقدم الأسدي فعادلته".

"محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن محمد بن شاذان النيشابوري قال: اجتمعت عندي خمسمائة درهم ينقص عشرون درهماً، فلم أحب أن ينقص هذا المقدار، فوزنت من عندي عشرين درهماً ودفعتها إلى الأسدي ولم أكتب بخبر نقصانها وإني أتممتها من مالي، فورد الجواب: قد وصلت الخمسمائة التي لك فيها عشرون".

"ومات الأسدي على ظاهر العدالة، لم يتغير ولم يطعن عليه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة".

"ومنهم: أحمد بن اسحاق وجماعة، خرج التوقيع في مدحهم".

"وروى أحمد بن ادريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي محمد الرازي قال: كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر، فورد علينا رسول من قبل الرجل فقال: أحمد بن أسحاق الأشعري، وابراهيم بن محمد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات"(1).

انتهى كلام الشيخ (رحمه الله)، وهو كما ترى صريح فيما قلناه، ولا دلالة فيه على أن التوقيع لم يكن يرد إلا إلى الثقات.



(1) الغيبة للشيخ الطوسي ص257ـ258.

230

الملحق رقم (5)

وتحقيق الحال بشكل أوسع هو:

أن الاستدلال بهذه الرواية على اثبات الولاية المطلقة للفقيه، يمكن أن يكون بأحد وجوه:

الأول:

أن يتمسك باطلاق قوله "وأما الحوادث الواقعة فارجعو فيها إلى رواة أحاديثنا"؛ وذلك بملاحظة ان الحوادث على أقسام:

فمنها مثلاً: ما يكون الرجوع فيها إلى الرواة رجوعاً إلى الروايات، من قبيل حوادث تحدث للفقيه ويحتاج إلى استنباط الحكم فيها، فيرجع فيها إلى الرواة لأخذ الرواية لكي يستنبط هو حكم الحوادث منها.

ومنها: ما يكون الرجوع فيها إلى الرواة لأخذ الفتوى، وذلك حينما يكون الراوي فقيهاً وعارفاً بالأحكام، من قبيل حوادث يبتلي بها العامي ويريد أن يعرف حكمها التشريعي، وهو غير قادر على استنباطه من الروايات.

ومنها: ما يكون الرجوع فيها لأخذ الوظيفة التي تعين بالولاية، من قبيل حوادث اجتماعية أو فردية لا تحل إلا بإعمال الولاية.

ومنها: ما يكون الرجوع فيها لأجل تنفيذ الحكم الشرعي

231

بإعمال الولاية في التنفيذ.

ومقتضى اطلاق كلمة "الحوادث" شمولها لكل حادثة يعقل فيها الرجوع إلى شخص آخر، سواء كان من الحوادث التي يكون الرجوع فيها بالنحو الأول أو الثاني أو غيرهما. إذن فمقتضى الاطلاق الجاري في الموضوع هو الولاية المطلقة.

ويرد عليه: أن من المحتمل كون اللام في "الحوادث" للعهد، مشيراً به إلى حوادث ذكرها السائل في ضمن الأسئلة التي كتبها إلى الإمام (عليه السلام) ولم تصلنا الاسئلة. إذن فتصبح الرواية بالنسبة لنا من هذه الناحية مجملة.

الثاني:

أن يتمسك باطلاق كلمة الحجة في قوله "فإنهم حجتي عليكم" بأن يقال: ان مقتضى اطلاق ذلك كون الراوي لحديثهم حجة في كل ما يكون الإمام حجة فيه، وهذه عبارة عن الولاية المطلقة.

ولو اقتصر على هذا المقدار من البيان فقد يورد عليه: بأن الاطلاق الموجب للسريان لا يجري في المحمول، و "الحجة" هنا محمول. نعم، لو جزمنا بعدم وجود قدر متيقن في مقام التخاطب، ودار الأمر بين الاطلاق والاهمال، فهم العرف من ذلك الاطلاق. لكننا لا نجزم بذلك، لأن هذا التوقيع جواب على أسئلة اسحاق بن يعقوب، ونحن غير مطلعين على سؤاله الذي أجاب الإمام عليه

232

بقوله: "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة احاديثنا؛ فأنهم حجتي عليكم" فلعل سؤاله كان بنحو يشكل قدراً متيقناً للجواب في مقام التخاطب، كما لو كان سؤاله عن حوادث معينة، وكان القدر المتيقن هو الحجية في تلك الحوادث وكل ما لا يحتمل الفرق بينه وبين تلك الحوادث.

الثالث:

أن يقال: ان الاطلاق في قوله: "فإنهم حجتي عليكم" يتم بقرينة التقابل بين ذلك وبين قوله "وأنا حجة الله"؛ فالذي يفهم من هذا التقابل عرفاً هو أنه حجة للإمام في كل ما كان الإمام (عليه السلام) حجة فيه لله، فتتم الولاية المطلقة.

وبالإمكان أن يقال: انه قصد بذلك أن العرف لا يرى هدفاً من وراء ذكر قوله "وأنا حجة الله" بعد قوله "فإنهم حجتي عليكم" إلا التقابل وبيان أن هذا حجة الإمام (عليه السلام) كما أن الإمام حجة لله، فهو حجة في كل ما كان الإمام حجة فيه. فيرد عليه: ان هنا هدفاً آخر عرفياً أيضاً، وهو: ان يكون قوله "وأنا حجة الله" بياناً لما يبرر حجية الراوي للإمام ويعطيه قيمة، فإن الإمام لو لم يكن هو حجة فكيف يعطي الحجية للراوي، وأي قيمة لهذه الحجية؟ فكأن الإمام (عليه السلام) يقول: أنا حجة الله، وبامكاني إعمال هذه الحجية بجعل حجة عليكم، فقد جعلت رواة الأحاديث عليكم.

233

وإن قصد بذلك أنه حتى مع فرض كون قوله "وأنا حجة الله" بصدد هذه الفائدة الثانية، يفهم العرف من هذا المقدار من التقابل ما ذكرناه من كونه حجة في كل ما كان الإمام حجة فيه، فعهدة ذلك على مدعيه، وأنا لا أرى أن العرف يفهم هكذا؛ فلو قال شخص لمن سأله: ممن اشتري دار زيد؟ فقال له: اشتر دار زيد من عمرو، فإنه وكيلي وأنا وكيل زيد… لم يفهم من ذلك كون عمرو وكيلاً لذاك الشخص في كل ما كان ذاك الشخص وكيلاً لزيد، والقدر المفهوم من هذا الكلام انما هو كونه وكيلاً عنه في بيع هذه الدار التي هي ملك لزيد، وأن المبرر لتوكيله لعمرو والموجب لنفوذه كونه وكيلاً لزيد، ولا يفهم من ذلك اطلاق.

الرابع:

أن يقال: ان الاطلاق بذاك المعنى، وإن لم يكن جارياً في المحمول بواسطة مقدمات الحكمة فحسب، ولكن حيث ان المحمول في نفسه له صلاحية الاطلاق، متى ما كانت المناسبات تقتضي الاطلاق يتم الاطلاق، ومتى ما لم توجد مناسبة خاصة من هذا القبيل لا يتم الإطلاق.

مثلاً: تارة نفترض أن زيداً في الحالة الاعتيادية يقول: اشتر داري من عمرو فإنه وكيلي، فهنا لا يفهم من ذلك الاطلاق وإن عمراً وكيله في كل شؤونه المالية، وإنما القدر المفهوم من الكلام كونه

234

وكيلاً له في بيع داره. أما إذا فرض أن زيداً على جناح السفر والغياب عن كل أمواله غياباً يطول خمسين سنة، فهو بحاجة ـ عادة ـ إلى وكيل في كل شؤونه المالية، فسأله أحد: ممن اشتري دارك؟ فقال: اشترها من عمرو فإنه وكيلي، فهنا يفهم العرف الاطلاق. وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن الإمام (عليه السلام) غائب غيبة قد تطول مدة طويلة لا يعرفها الا الله، ومن الطبيعي والمعقول افتراض أن يكون بحاجة إلى جعل حجة في كل ما هو حجة الله فيه، وتحتاج الأمة إلى مراجعته فيه. ففي جو من هذا القبيل إذا سئل عن حوادث معينة، فقال في الجواب: ارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله… كان المفهوم من ذلك عرفاً الحجية على الاطلاق، ومعنى كونه حجة للإمام (عليه السلام) أنه منصوب من قبله في كل ما يرجع فيه إليه.

الملحق رقم (6)

إن هناك اموراً ثلاثة يستفاد بعضها أو كلها من هذا الحديث الشريف:

الأول: حجية رواية الراوي الثقة.

الثاني: حجية فتوى الفقيه الثقة.

الثالث: ولاية الفقيه الثقة ونفوذ حكمه.

235

وحكم الفقيه على قسمين:

1 ـ الحكم الذي له سمة الكاشفية عن واقع وراء هذا الحكم، من قبيل حكم الفقيه بالهلال، او قضائه في صالح أحد المترافعين، ولا يهدف انشاءً جديداً للحكم.

2 ـ الحكم الذي يهدف انشاءً جديداً للحكم على أساس إعمال الولاية، من قبيل ما لو حكم باتخاذ موقف معين لا على أساس اقتناعه الكامل بأن هذا الموقف هو الواجب في هذه الظروف في قبال سائر المواقف، بل على أساس إيمانه بضرورة تحديد موقف المجتمع في صورة معينة توحيداً للكلمة ورصاً للصفوف مثلاً.

ولنصطلح على القسم الأول بالحكم الكاشف، وعلى القسم الثاني بالحكم الولايتي.

ولا إشكال في دلالة هذا الحديث على حجية رواية الثقة، بل هي المقدار المتيقن من هذا الحديث الشريف، والمستفاد صريحاً من قوله (عليه السلام): "العمري ثقتي، فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول" وقوله، (عليه السلام): "العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك عني فعني يقولان".

ولكن هل يدل على حجية الفتوى ونفوذ حكم الحاكم بكلا قسميه أم لا ؟

236

قد يتبادر إلى الذهن أن هاتين الفقرتين لا تدلان على شيء من ذلك؛ أما الحكم فلأنه ليس نقلاً عن الإمام كي يشمله الاداء في قوله "ما أدى إليك عني" أو "ما أديا إليك عني". وأما الفتوى فلأنها ـ وإن رجعت بوجه من الوجوه إلى نقل رأي الامام لكنها نقل عن حدس، وليست ـ كالرواية ـ نقلا عن حس. وهاتان الفقرتان لو لم تضم إليهما نكتة اخرى، تنصرفان بطبعهما إلى النقل عن حس.

ولكن رغم ذلك، قد يمكن التمسك بهذا الحديث لاثبات نفوذ حكم الحاكم وحجية الفتوى على المقلد بأحد وجوه ثلاثة:

الأول: التمسك باطلاق قوله "فاسمع له وأطعه" أو "فاسمع لهما وأطعهما"، إذ يقضي باطلاقه وجوب السماع والاطاعة في كل شيء، سواء الرواية أو الفتوى أو الحكم.

ولكن يرد عليه:

أولاً: أن تفريع هذه الجملة بالفاء على جملة "ما أدى إليك عني فعني يؤدي" يكون ـ على أقل تقدير ـ محتمل القرينية على كون المقصود هو السماع والاطاعة في دائرة ما يصدق عليه أنه اداء عن الإمام ونقل عنه.

وثانياً: انه لو أريد التمسك باطلاق متعلق الأمر في "اسمع"

237

و "أطع" فقد تحقق في علم الأصول أن الاطلاق الشمولي لا يجري في متعلق الأمر، وإنما يجري في متعلق متعلق الأمر. فمثلاً لو قيل "أكرم العالم" دل على وجوب إكرام كل عالم، ولكن لم يدل على وجوب كل أنحاء الاكرام بنحو الشمول والاستغراق، وإنما يكون اطلاق المتعلق بدلياً. ولو أريد التمسك بالاطلاق الجاري في المتعلق المحذوف، أي: اسمع له وأطعه في كل شيء، فقد ثبت أيضاً في علم الأصول أن الاطلاق شأنه هو منح الكلمة شمولها واستغراقها بعد تعينها، لا تعيين الكلمة المحذوفة فيما هو مطلق.

ولو أريد التمسك بأن حذف المتعلق يفيد الاطلاق والشمول، فأيضاً أثبتنا في علم الأصول أن هذه القاعدة غير مقبولة عندنا الا عند عدم وجوب مقدار متيقن عند الخطاب مع كون المورد مورداً لا يناسب الاهمال، فيتعين الاطلاق. وفيما نحن فيه المقدار المتيقن هو الرواية، ذلك على أساس صراحة الجملة السابقة، وهي "ما ادى إليك عني فعني يؤدي" في حجية الرواية.

الثاني: اثبات الاطلاق في الجواب بقرينة السؤال، إذ جاء في السؤال "من أعامل؟ وعمن آخذ؟ وقول من أقبل"؟ وهذا مطلق يشمل الرواية والفتوى والحكم. وهذا الاطلاق مستفاد: اما عن طريق حذف المتعلق، أي "من أعامل؟ وعمن آخذ؛ كلاً من الرواية والفتوى والحكم؟" وليس هنا مقدار متيقن يخل بالاطلاق

238

المستفاد من حذف المتعلق، أو عن طريق أن المناسبات العرفية هنا تقتضي اطلاق المحذوف، فإن المحذوف يعين بالمناسبات والقرائن، وهي تقتضي الاطلاق، لأن السؤال صدر من أحد أتباع الإمام (عليه السلام) بلحاظ حالات لا يلقى فيها الإمام. والمناسب طبعاً لمقام من هذا القبيل هو السؤال عمن يرجع إليه في كل ما يرجع فيه إلى الإمام، بلا فرق بين ما يرجع فيه إليه (عليه السلام) بوصفه مبيناً لحكم الله ابتداءً، وما يرجع فيه إليه بوصفه ولي الأمر. أو عن طريق التمسك باطلاق كلمة "القول" في جملة "قول من أقبل؟". فإذا ثبت اطلاق السؤال عرفنا أن الجواب أيضاً مطلق كي يكون مطابقاً للسؤال.

بل جاء في بعض نقول الرواية "أمر من نمتثل"؟ فقد روى الشيخ (رحمه الله) في كتاب "الغيبة" عن جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى(1) عن أبي علي محمد بن همام الاسكافي، قال:



(1) من هنا إلى آخر السند كلهم معتبرون؛ يبقى أننا لا نعرف الجماعة الذين يروي الشيخ (ره) بواسطتهم عن هارون بن موسى، ولكن الظاهر أن نقل الشيخ عن جماعة عن هارون يورث الاطمئنان بصدور الحديث عن هارون، وعدم وجود تساهل في النقل. خصوصاً ان المظنون أن هذه الرواية أخذها الشيخ من أصل أو كتاب لهارون لا شفهاً، حيث ان الشيخ (ره) يقول في ترجمة هارون "روى جميع الأصول والمصنفات… أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا".

كما أن المظنون هو أن أحد الجماعة الناقلين للشيخ عن هارون هو المفيد

239

حدثنا عبد الله بن أحمد بن اسحاق بن سعد القمي، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي، أنا أغيب وأشهد، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقول، وما أداه إليكم فعني يؤديه. فلما مضى أبو الحسن (عليه السلام) وصلت إلى أبي محمد ابنه العسكري (عليه السلام) ذات يوم، فقلت له مثل قولي لأبيه، فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي، وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعني يقوله: وما أدى إليكم فعني يؤديه(1).



(رحمه الله)؛ بيان ذلك: أن الجماعة الذين نقلوا للشيخ عن جعفر بن محمد بن قولويه، هم ـ بتصريح الشيخ ـ عبارة عن (المفيد، والحسين بن عبيد الله، وأحمد بن عبدون وغيرهم) وعين التعبير ذكره الشيخ عن الجماعة الذين نقلوا له عن أبي غالب الزراري، وقد مضى هنا قبل هذه الرواية توقيع اسحاق بن يعقوب، نقله الشيخ عن ابن قولويه وأبي غالب الزراري وهارون بن موسى، نقله عنهم جميعاً في عرض واحد بواسطة جماعة.

إذن كان الجماعة الناقلون عن ابن قولويه والزراري عين الجماعة الناقلين عن هارون، وقد عرفت ان كل روايات ابن قولويه والزراري واصلة إلى الشيخ عن طريق جماعة، منهم المفيد.

(1) الغيبة للشيخ الطوسي (ره) (فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء، فأما السفراء الممدوحون..) ص215.

240

ودلالة كلمة "أمر" على النظر إلى الحكم أقوى وآكد من الاطلاق، لأن الأمر بمعناه الحقيقي لا يكون إلا في الحكم دون الرواية والفتوى.

الا أن هذا الوجه أيضاً قابل للمناقشة؛ إذ لنفترض ان السؤال يشمل السؤال عن الحكم، ولا يختص بنقل الرواية. ولكن ما المانع من أن يكون الجواب بقرينة قوله "ما أدى إليك عني فعني يؤدي" عبارة عن أنه خذ بما ينقله عني ؟! ولا يلزم من ذلك كون الجواب أقصر من السؤال، اذ لعله (عليه السلام) يريد أن يقول: أن العمري ـ على أساس كثرة تشرفه بخدمتي ـ بامكانه أن يوصل إليك من قبلي الأحكام الالهية التي أنقلها، ويوصل إليك في نفس الوقت أوامري التي أصدرها بوصفي ولي الأمر فيما تحتاج إلى ذلك.

الثالث: أن نتمسك بما جاء في الجواب من كلمة "أطع" لا بمعنى التمسك بالاطلاق كما مضى في الوجه الأول، بل ببيان أن اختصاص "أطع" بالرواية، أو بالرواية والفتوى غير عرفي، ذلك لأن الاطاعة بمعناها الحقيقي ينحصر مصداقها في الحكم، لأن الاطاعة فرع الأمر.

أما الرواية والفتوى فليستا الا نقلاً عن حس أو عن حدس؛ فالراوي بوصفه راوياً وكذا المفتي بوصفه مفتياً لا يطاع بالمعنى الحقيقي للكلمة. نعم، قد يحكم طبقاً لروايته وفتواه، فيصبح حاكماً ويطاع. إذن فتخصيص كلمة "أطع" بالفرد غير الحقيقي لمعنى الكلمة غير عرفي.

نعم، فاء التفريع التي فرع بها قوله: "فاسمع له وأطعه" على

241

قوله: "ما أدى إليك عني فعني يؤدي" محتملة للقرينية على كون السماع والاطاعة في دائرة صدق الاداء والنقل عن الإمام، ولكن بقرينة عدم صدق الاطاعة حقيقة في غير موارد الحكم نعرف أنه ليس النظر إلى خصوص موارد صدق الأداء والنقل عن حس على نفس ما يطاع، بل يشمل فرض كون النقل حدسياً، وفرض كون النقل هو المدرك والمصدر الذي اعتمد عليه الأمر في أمره، لأن الحاكم الشرعي في حكمه ـ إذا كان الحكم كاشفاً ـ يعتمد على ما يفهمه هو من رأي الإمام (عليه السلام) ولو عن حدس واجتهاد، وليس حكمه مباشرة نقلاً حسياً عن الإمام.

نعم، قد يقال: انه لم يثبت بهذا البيان نفوذ الحكم الولايتي (القسم الثاني من الحكم)؛ إذ ليس في ذاك المورد أداء ونقل عن المعصوم حتى بلحاظ مصدر الحكم، وإنما هو صرف إعمال الولاية لملء منطقة الفراغ.

ولكن لو ثبت نفوذ القسم الأول من الحكم فقد يتعدى إلى القسم الثاني، بدعوى عدم احتمال الفرق عرفاً بسبب هذا الفرق العقلي الدقيق، فببركة عدم احتمال الفرق عرفاً ينعقد في الدليل اللفظي الاطلاق.

يبقى اشكال واحد في المقام، وهو: أن هذا الحديث لو كان دالاً على ولاية الفقيه، فبم نفسر قول العمري (رحمه الله): "محرم عليكم

242

أن تسألوا عن ذلك. ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل ولا أحرم، ولكن عنه (عليه السلام) …" بينما من الواضح ـ بناءً على ولاية الفقيه ـ أن له أن يحرم بإعمال الولاية على أساس ما يراها من المصلحة؟

والجواب:

أولاً: أنه لعله (رحمه الله) قصد بالتحريم هنا في قوله "محرم عليكم…" التحريم الشرعي الالهي دون الحكم الفقيه، وهذا استعمال شائع في لغة المتشرعة.

وثانياً: أن حكم الفقيه يدور مدار المصلحة في المحكوم به وفي الحكم، ولعل العمري لم يكن يرى من المصلحة ان يحكم هو بالتحريم في وقت كان بامكانه أن يتشرف بخدمة الإمام الذي هو أعلم طبعاً بالمصالح والمفاسد، ويأخذ منه الحكم.

وثالثاً: أننا إذا فهمنا من هذا الحديث المروي عن الإمام (عليه السلام) ولاية الفقيه، كان فهمنا حجة، ولا يهمنا أن العمري (رحمه الله) لم يطبق الكبرى على هذا المورد ولو لأجل غفلة له ـ فرضاً ـ في المقام عن كبرى المطلب أو عن صغراه.

الملحق رقم (7)

ان قيل: ان الاطلاق هنا لا يتم، لأن متعلق الاطاعة محذوف

243

ومقدمات الحكمة لا تعين المحذوف، ووظيفتها إنما هي رفض القيد عما هو معين سلفاً.

فإنه يقال: ان الاطلاق هنا ثابت بملاك حذف المتعلق لعدم القدر المتيقن، وحذف المتعلق عند عدم القدر المتيقن يفيد الاطلاق على الخصوص، وإن اطاعة أولي الأمر معطوفة على اطاعة الله ورسوله.

وان اعترض علينا: بأن أمر الآية باطاعة ولي الأمر لا يوسع من دائرة ولايته ووجوب اطاعته حينما لم يثبت له بغض النظر عن الآية تلك الولاية الواسعة، إذ معنى الآية هو وجوب اطاعة كل من هو من أولي الأمر في حدود ما هو من أولي الأمر فيه.

فإنه يقال: ان الآية تصبح بهذا التفسير من سنخ القضية بشرط المحمول، وهو خلاف الظاهر.

ثم ان العلامة الطباطبائي (رحمه الله) في الميزان استفاد من اطلاق الآية الشريفة، وعدم تقييد الاطاعة بصورة ما إذا لم يأمروا بمعصية أو لم يعلم بخطئهم، أن المراد من أولي الأمر هم المعصومون (عليهم السلام).

ولكنا نقول:

أولاً: ان فرض ارادة المعصومين، وإن كان من ناحية الأمر بالإطاعة يجعل الآية بمنزلة ما إذا لم تقيد، ولكن عند دوران الأمر بين التقييد والتقيد لا تجري أصالة عدم التقييد، ولا يترجح التقيد على التقييد.

244

وثانياً: ان عدم لزوم اطاعته في المعصية وكذا فرض العلم بالخطأ على تفصيل في ذلك، لا يحتاج إلى مخصص خارجي، وإنما هو بالتخصيص؛ حيث أن قانون اتباع أمر شخص، أو نذر، أو يمين، أو شرط، أو عقد، أو نحو ذلك، حينما يصدر من مشرع له شريعة وأحكام انما يفهم العرف منه أنه في اطار تلك الأحكام، والجانب الطريقي من الولاية لا يشمل فرض العلم بالخطأ كما هو الحال في سائر الطرق.

وثالثاً: ان حمل أولي الأمر على المعصومين بالخصوص لئن أوجب التجنب عن التقييد في "أطيعوا" فهذا بنفسه تقييد لعنوان أولي الأمر؛ فإن أولي الأمر خارجاً ليسوا بمنحصرين في الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، إذ في أيام الغيبة لا إشكال في الحاجة إلى أولي الأمر غير الإمام، ولو لأجل الأمور الحسبية التي يمكن ممارستها حتى مع عدم بسط اليد.

فنحن وان كنا نتكلم في مصداق أولي الأمر في زماننا هل هو الفقيه أو من يتعين بالشورى أو غير ذلك، لكن أصل وجود أولي الأمر من قبل الاسلام في أيام الغيبة لا ينبغي انكاره، وإلا لكان هذا نقصاً في الاسلام. إذن فتخصيص أولي الأمر في الآية بالمعصومين خلاف الاطلاق، فهذا فرار عن التقييد بتقييد آخر. نعم، لولا الاشكال الأول والثاني لأمكن دعوى ان نتيجة هذا الاشكال الثالث هو إجمال الآية لتعارض الاطلاقين.

245

فإن قلت: انه قد فسر لفظ "أولي الأمر" الوارد في الآية الكريمة في بعض الروايات بالأئمة المعصومين (عليهم السلام)، كما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء قال: ذكرت لأبي عبد الله (عليه السلام) قولنا في الأوصياء أن طاعتهم مفترضة. قال: فقال نعم، هم الذين قال تعالى: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، وهم الذين قال الله عز وجل: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا(1). وسند الحديث تام.

وروى أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن القاسم بن محمد الجوهري عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الأوصياء طاعتهم مفترضة؟ قال: نعم، هم الذين قال الله عز وجل: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، وهم الذين قال الله عز وجل: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون(2). والسند الثاني فيه قاسم بن محمد الجوهري،



(1) أصول الكافي ج1 باب فرض طاعة الأئمة ح7 ص187.

(2) أصول الكافي ج1 باب فرض طاعة الأئمة ح16 ص189، وأما الآية الشريفة أعني آية: ﴿إنما وليكم الله ورسوله فهي في سورة المائدة: الآية 55.

246

ولم يثبت كونه هو قاسم بن محمد الذي روى عنه الأزدي والبجلي اللذان لا يرويان الا عن ثقة، ولكن السند الأول تام.

وجاء في رواية …… السند عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في آية: ﴿أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين(1).

قلنا: هذه الروايات كسائر الروايات الكثيرة المفسرة لبعض العناوين في القرآن كعنوان (الصادقين) وعنوان (الآيات) وعنوان (أهل الذكر) وعنوان (الذين يعلمون) وغير ذلك بالأئمة (عليهم السلام).

والظاهر أنه يقصد بذلك تطبيق الآيات على أبرز المصاديق، ولا يتقبل الفهم العرفي جعل تلك الأخبار قرينة على انحصار المصداق المقصود بالآيات الكريمة بهم (عليهم السلام)، فالعرف يرى أن الأولى من هذا الحمل هو أن نحمل الروايات الماضية على بيان أبرز مصاديق أولي الأمر أو بيان ما هو المصداق في وقت صدور الروايات، في قبال من جعل المصداق عبارة عن الخلفاء المنحرفين.

هذا، وروايات تطبيق أولي الأمر في الآية الشريفة على الأئمة (عليهم السلام) رغم عدم كون أكثرهم مبسوطي اليد ومسيطرين على البلاد تفيدنا في المقام لدفع تشكيك قد يبديه مشكك في المقام بأن يقول:



(1) أصول الكافي ج1 باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة ح1 ص286.

247

ان عنوان أولي الأمر ينصرف إلى ولي الأمر مبسوط اليد (أي آخذ بزمام الحكم فعلاً)، ففي فرض عدم كون الفقيه مبسوط اليد لا يمكن تتميم اطلاق الولاية بالنسبة له بواسطة الآية الكريمة. أو يقول: لعل المقصود من أولي الأمر كل سلطان وقدرة سيطرته على البلاد ولو ظلماً وعدواناً، فنحن مأمورون باطاعته حفظاً لنظام المجتمع مثلاً. فتطبيق أولي الأمر في الروايات على الأئمة (عليهم السلام) لا يبقي أي مجال لشيء من هذه الشبهات.

الملحق رقم (8)

هل يكفي لنفوذ الحكم التجزّي في الاجتهاد أو لابد من الوصول إلى مرتبة الاجتهاد المطلق؟

الجواب: انه كثيراً ما يكون الوصول إلى مرتبة الاجتهاد المطلق دخيلاً في الوثوق بقدرته على اتخاذ موقف صحيح في حكمه من ناحية فقهية، وذلك لاحتمال وجود بحث أو نكتة يرتبطان بالباب الذي لم يصل فيه إلى مرتبة الاجتهاد المطلق، ويؤثران بشكل وآخر في كيفية فهم الحكم في المورد الذي اجتهد فيه. والانسان العامي لا يستطيع عادة أن يميز المورد الذي يمكن فيه الوثوق باجتهاد هذا المتجزّي، لعدم وجود بحث أو نكتة من هذا القبيل عن المورد الذي لا يمكن فيه ذلك، وهذا يوجب سلب

248

الوثوق عن كل موارد اجتهاده. ولا اشكال ـ كما لعله اتضح لك مما مضى ـ في اشتراط الوثوق بالمعنى المناسب من الوثوق للحكم، إما بصريح دليل نفوذ الحكم كما في رواية أحمد بن اسحاق المعللة بالوثاقة، وإما بانصراف اطلاقه كما في التوقيع الشريف، واما لعدم الاطلاق من باب أن دليل أي حكم من الأحكام لا يضمن صدق موضوعه كما هو الحال في الآية الشريفة.

يبقى الكلام في أنه لو اتفق في مورد ما حصول الاطلاع على أن الحكم في مورد اجتهاد هذا المتجزّي ليست له أي علاقة بنكتة أخرى في الموارد التي لم يصل فيها إلى درجة الاجتهاد، فهل ينفذ حكمه في دائرة اجتهاده أو لا؟ وهل ينفذ قضاؤه في الخصومات المرتبطة بدائرة اجتهاده أو لا؟

ان هذا يدور مدار أن نرى أنه هل يفهم من عنوان (رواة أحاديثنا) في التوقيع أو عنوان (روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا) في المقبولة الانحلال أو المجموعية.

ولا يبعد أن يقال: أن ذلك يختلف باختلاف المناسبات؛ فبالنسبة لحجية نقل الرواية تقتضي المناسبات الانحلال، فحجية نقل رواية لا تتوقف على كونه راوياً لكل الروايات أو المقدار المعتد به منها. وبالنسبة لحجية الفتوى والحكم تقتضي المناسبات المجموعية وعدم الانحلال، وذلك بنكتة ما ذكرناه من دخل اطلاق

249

الاجتهاد عادة وفي كثير من الموارد في الوثوق بالحكم والفتوى. فهذه النكتة توجب أن يفهم العرف من الدليل عدم الانحلال، أو ـ على الأقل ـ توجب عدم انعقاد الاطلاق بنحو الانحلال، فلا يصبح حكمه أو فتواه حجة في مورد عرفنا صدفة عدم علاقته بأي نكتة أخرى مرتبطة بباب آخر لم يصل فيه إلى مرتبة الاجتهاد.

وأما رواية أحمد بن اسحاق فهي واردة بشأن العمري وابنه، وهما من الرواة والفقهاء الاجلاء. ويحمل ذلك ـ طبعاً ـ على المثالية ويتعدى إلى غيرهما، ولكن التعدي إنما هو في حدود عدم احتمال الفرق عرفاً، أما بالنسبة للمتجزي فاحتمال الفرق موجود.

وقد اتضح بهذا العرض اشتراط الوصول إلى مرتبة الاجتهاد المطلق في نفوذ الحكم وفي حجية الفتوى معاً.

نعم، لا يشترط استنباطه بالفعل لكل حكم آخر في غير المورد الذي أريدت الاستفادة من حكمه أو فتواه، لأن كونه بالغاً مرتبة الاجتهاد المطلق كاف في حصول الوثوق المطلوب.

الملحق رقم (9)

وليس المعنى المرتكز اسلامياً وشيعياً في ذهن المتشرعة من وجوب اطاعة النبي أو الإمام على الاطلاق، بمعنى وجوب البيعة معه كي تجب اطاعته، بل يرى رأساً وجوب اطاعة المعصوم (عليهم السلام)