177

الطهارة

2

الوضوء

 

 

○   تمهيد.

○  الشروط.

○  الأجزاء.

○  وضوء الجبيرة.

○  في ما يجب الوضوء له ويستحبّ.

○  نواقض الوضوء.

○  الخلل والشكّ في الوضوء.

○  سنن الوضوء.

○  قضاء الحاجة وأحكامها.

 

 

179

تمهيد

 

(1) الوضوء: عبارة عن غسل الوجه واليدين، والمسح على مقدَّم الرأس وعلى القدمين، فهذه الغسلات الثلاث والمسحات الثلاث تسمّى في الشرع وضوءاً، ويطلق على الوجه واليدين ومقدَّم الرأس والقدمين أعضاء الوضوء.

وصورة الوضوء بإيجاز هي: أن تغسل وجهك بماء مطلق طاهر، ابتداءً من منابت الشعر إلى نهاية الذقن، ثمّ تغسل يدك اليمنى ابتداءً من المرفق إلى أطراف الأصابع، ثمّ تغسل يدك اليسرى كذلك، وتمسح بنفس الرطوبة التي خلّفها في باطن كفّك اليمنى مقدَّم رأسك ولو بإصبع واحدة، ثمّ تمسح ـ ولو بإصبع واحدة منها ـ أيضاً ظاهر قدمك اليمنى، ويكفي أن تضع باطن أحد أصابع كفّك اليمنى أو راحتها على أطراف أصابع قدمك اليمنى وتجرّها إلى نهاية قدمك، ثمّ تمسح برطوبة باطن كفّك اليسرى التي نشأت من الوضوء ظاهر قدمك اليسرى كذلك، وتحرص في كل ذلك على أن لا تتماهل إلى الدرجة التي تجفّ بسببها الرطوبة في أعضاء الوضوء قبل أن تُكمِلَ الوضوء.

ويعتبر الوضوء طهارةً شرعاً، والمتوضّئ متطهِّراً، والطهارة التي تحصل بالوضوء شرعاً تبقى مستمرّةً إلى أن يصدر من المتوضّئ شيء من البول أو الغائط، أو غير ذلك ممّا يسمّى شرعاً بالحدث، وسيأتي في فقرة لاحقة بيان تلك

180

الأشياء التي تنقض أثر الوضوء، وهي ما يعبّر عنها بنواقض الوضوء، وبموجباته أيضاً.

والوضوء عبادة، بمعنى أنّه لا يصحّ ولا يحقّق طهارةً شرعاً إلّا مع نيّة القربة. ونيّة القربة هي: أن تأتي بالفعل من أجل الله سبحانه وتعالى، ومثالها من يأتي بالفعل بداعي الطاعة لله: إمّا لأنّه تعالى أهل لأن يطاع ويعبد، أو التماساً لثوابه، أو خوفاً من عذابه، فالمتوضّئ لابدّ له أن يقصد بوضوئه أنّه يأتي به لأجل الله وامتثالا لأمره تعالى.

والوضوء في نفسه طاعة ومندوب في كلّ الأحوال والمواقع، وفي نفس الوقت هو واجب لغيره، حيث يجب للصلاة وأشياء اُخرى، على ما يأتي في بعض الفقرات المقبلة.

والوضوء لا يتمّ بدون ماء؛ لأنّ الماء هو الذي يتوضّأ به، فيُغسَل به الوجه واليدان، ويُمسَح به الرأس والقدمان، ولهذا يسمّى الوضوء بالطهارة المائية.

وللوضوء شروط وأجزاء ونواقض تفسده، وأيضاً له كماليات ومستحبّات، وغير ذلك على التفصيل الآتي:

181

(1) الشروط

 

شروط ماء الوضوء:

(2) هناك شروط للماء الذي يُتوضَّأ به، وهي:

أوّلا: أن يكون الماء مطلقاً، فلا يصحّ الوضوء بالماء المضاف كماء الورد.

ومن كان عنده إناءان: في أحدهما ماء مطلق وفي الآخر ماء الورد ـ مثلا ـ وكلاهما طاهر، ولكنّهما تشابها ولم يميِّز بينهما فله أن يتوضّأ أوّلا بأحدهما، ثمّ يكرّر الوضوء بالثاني، وبذلك يعلم بصحة الوضوء.

وثانياً: أن يكون طاهراً، فلا يصحّ الوضوء بالماء النجس.

وثالثاً: أن يكون مباحاً، فلا يصحّ أن تتوضّأ بماء لغيرك بدون موافقته.

وإذا وجد ماء في إناءين وعلم المكلّف الذي وجب عليه الوضوء أنّ أحدهما نجس والآخر طاهر من غير تعيين، أو أنّ أحدهما له والآخر لشخص لا يأذن باستعماله من غير تعيين أيضاً فابتعد عنهما معاً، ولو توضّأ من أحدهما لم يصحّ، إلّا إذا كان المكلّف على علم سابق بنجاسة أحدهما المعيّن المعلوم لديه بالخصوص، أو بأنّه لإنسان آخر، وعندئذ يبتعد عنه وحده، وله أن يستعمل الآخر فيما شاء.

ولا يشترط في ماء الوضوء ـ إذا كان طاهراً ـ أن يكون غير مستعمل في إزالة الخبث، ولا في الوضوء والغسل، كما تقدّم في الفقرة (27) من فصل أحكام الماء، فكلّ ماء مطلق مباح يصحّ به الوضوء.

(3) إذا كان الماء مباحاً والوعاء الذي يحويه مغصوباً فهل يصحّ الوضوء بهذا الماء؟

182

والجواب: إذا كان المتوضّئ يغترف من هذا الإناء ويتوضّأ به صحّ الوضوء، وأثم المتوضّئ، وأمّا إذا غمس وجهه في الإناء بقصد الوضوء ورأى العرف أنّ هذا الغمس بالذات هو تصرّف في نفس الإناء المغصوب فعندئذ يكون الوضوء باطلا.

ولا يجب في صحة الوضوء أن يقع الماء المنفصل عن أعضاء المتوضّئ في مكان مباح.

(4) يصحّ الوضوء من الماء الموضوع في إناء الذهب والفضّة(1).

(5) لا يسوغ الوضوء بماء الآخرين إلّا مع الإذن منهم صراحةً أو بشاهد الحال، بأن كانت حالتهم تدلّ على الإذن، ومجرّد الشكّ في الرضا وعدمه غير كاف، أجل، يسوغ الشرب والوضوء من الأنهار والجداول والعيون الغزيرة النابعة، وما إليها ممّا جرت عليه عادة الناس مع عدم المنع والإنكار من أصحاب الماء؛ بل ليس لأصحاب هذا الماء منع الآخرين من ذلك.

وأيضاً يسوغ الوضوء بالماء الموقوف في المساجد والمدارس والأماكن العامة للوضوء وغيره من الانتفاعات، إلّا مع العلم بأنّ ماءها وقف خاصّ على المصلّين في المسجد، أو على طلاب المدرسة دون غيرهم، فإذا علم بذلك لم يصحّ الوضوء بماء المسجد من غير المصلّين فيه، ولا بماء المدرسة من غير طلبتها.

ونفترض أنّ إنساناً علم بأنّ هذا الماء لا يسوغ الوضوء به إلّا لمن صلّى في هذا المكان بالذات، وتوضّأ هو بهذا القصد والنية، ولكنّه لم يصلّ في ذلك المكان لسبب من الأسباب فهل يكون وضوؤه صحيحاً ؟



(1) يحرم الوضوء في إناء الذهب والفضّة، نعم لو كان يغترف مِن مائهما ويتوضّأ به صحّ وضوؤه، ولكنّه كان آثماً.

183

والجواب: كـلاّ، بل عليه أن يستأنف الوضوء في هذا الفرض.

(6) من توضّأ جاهلا أو ناسياً بماء متنجّس أو مضاف أو مغصوب بطل وضوؤه.

شروط المتوضّئ:

(7) وهناك شروط في المتوضّئ لا يصحّ الوضوء بدونها، وهي:

أوّلا: طهارة المواضع التي تغسل وتمسح في الوضوء، من الوجه و اليدين والرأس والقدمين، فلو توضّأ وشيء منها نجس لم يصحّ الوضوء، ولكنّ هذا لا يعني أنّه يجب عليه أن يطهّر وجهه ويديه ورأسه وقدميه منذ البداية، بل لو كانت يده اليسرى متنجّسةً ـ مثلا ـ فبدأ بالوضوء قبل تطهيرها فغسل وجهه ثمّ طهّرها وواصل وضوءه صحّ عمله، فالمقياس أن يكون كلّ واحد من مواضع الغسل والمسح طاهراً عندما يغسل أو يمسح.

وكذلك لا يعني ما ذكرناه أن يكون كلّ رأسه طاهراً، أو أن تكون قدمه كلّها طاهرةً حين الوضوء، بل يكفي أن يكون موضع من الرأس والقدمين طاهراً بالقدر الذي يُتاح له أن يمسح عليه، وسيأتي بيان المقدار الذي يجب مسحه.

ثانياً: أن يكون جسم المتوضّئ ـ وبتعبير أخصّ: المواضع التي يمسحها من جسمه ـ في مكان مباح غير مغصوب عند مسح الرأس والقدمين، ولا يشترط أن يكون كذلك عند غسل الوجه واليدين، فلو صادف غسل الوجه واليدين في مكان مغصوب ومسح الرأس والقدمين في مكان مجاور مباح صحّ الوضوء.

ولو انعكس الأمر بأن غسل الوجه واليدين في مكان مباح ومسح الرأس والقدمين في مكان مجاور مغصوب بطل الوضوء وفسد.

184

ثالثاً: أن يكون المتوضّئ في حالة صحّية على نحو لا يضرّ به الوضوء ضرراً خطيراً، فإذا كان الوضوء يضرّ به ضرراً خطيراً (وهو الضرر الذي يحرم على المكلّف أن يوقع نفسه فيه) وجب عليه التيمّم، ولو عصى وتوضّأ بطل وضوؤه، وإذا كان الوضوء يضرّ به ضرراً غير خطير بأن يُصاب بحمّىً يسيرة ـ مثلا ـ كان بإمكانه التيمّم، ولكن لو ترك التيمّم وتوضّأ صح وضوؤه ولا إثمعليه(1).

رابعاً: نيّة القربة وحقيقتها الداعي والباعث نحو الفعل ابتغاء مرضاة الله ومن أجله؛ لأنّ الوضوء عبادة، كما تقدّم في الفقرة (1)، وكلّ عبادة لا تصحّ بدون نية القربة، كما مرّ بنا في الفقرة (1) من فصل أحكام عامة للعبادات، كما مرّ في ذلك الفصل توضيح هذه النيّة والأحكام المتعلّقة بها، فلاحظ الفقرات (3) و (6) و (8) و (9) و (10) و (11) و (17) من ذلك الفصل.

وإيجاد الوضوء من أجل الله تعالى قد يكون على أساس أنّ الوضوء في نفسه طاعة ومستحبّ، وقد يكون على أساس أنّه واجب لغيره ممّا يريده الله تعالى، كالصلاة، فمن نوى بوضوئه الإتيان به من أجل الله على أحد هذين الأساسين صحّ وضوؤه.

وعلى هذا فمن نوى الوضوء لصلاة الظهر ـ مثلا ـ قربةً إلى الله تعالى صحّ وضوؤه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون وضوؤه بعد دخول وقت الصلاة أو قبل دخوله.

ومن نوى الوضوء لكونه طاعةً لله ومستحبّاً في نفسه صحّ منه، ولا فرق في


(1) متى ما كان الضرر ممّا يهتمّ به عقلائيّاً ويُتّقى منه فالأحوط وجوباً ترك الوضوء في تلك الحالة والانتقال إلى التيمّم.
185

ذلك أيضاً بين أن يكون وضوؤه قبل دخول وقت الصلاة أو بعد دخوله.

(8) لا يجب في نيّة القربة قصد الوجوب أو الاستحباب، فلو توضّأ من أجل الله تعالى وتقرّباً إليه لعلمه بأنّ هذا ممّا يرضيه صحّ وضوؤه، ولا حاجة به إلى أن يعيّن الوجوب أو الاستحباب.

(9) يجب استمرار هذه النية والبقاء عليها حتّى الانتهاء والفراغ من الوضوء بالكامل، ولا يمنع عن الاستمرار فيها أن يسرح ذهن المتوضّئ في اُمور اُخرى ما دامت النية في أعماق نفسه ثابتةً على نحو لو سأله شخص ماذا تصنع لأجاب أنّي أتوضّأ من أجل الله تعالى.

(10) من وجب عليه التيمّم ـ لأنّ الوقت لا يتّسع للوضوء والصلاة معاً لكن يتّسع لها مع التيمّم ـ ومع ذلك عصى وتوضّأ فهل يصحّ منه هذا الوضوء ؟

والجواب: أنّ هذا الوضوء صحيح، إلّا في حالة واحدة، وهي: أن يتوضّأ على أساس أنّه يدّعي أنّ الصلاة التي ضاق وقتها تفرض عليه الوضوء، ولا تسمح له بالتيمّم، مع أنّه يعلم بأنّها تستوجب شرعاً التيمّم لا الوضوء، ففي هذه الحالة يقع الوضوء باطلا. وأمّا إذا توضّأ من أجل تلك الصلاة التي ضاق وقتها وهو يجهل أنّها تستوجب التيمّم، أو توضّأ من أجل كونه مستحبّاً في نفسه، أو من أجل غاية اُخرى ـ كقراءة القرآن مثلا ـ فالوضوء صحيح.

(11) لو كان عند المكلّف قليلٌ من الماء لا يكفي إلّا لوضوئه فقط ولكن أجحف به العطش شربه وتيمّم، ولو صبر على شدّة العطش وتوضّأ صح منه الوضوء.

(12) الرياء مضرّ بنية القربة، وهو: أن يتوضّأ لا من أجل الله فقط، بل من أجله تعالى ومن أجل كسب مرضاة الناس وإعجابهم، فيكون الوضوء باطلا.

186

ولا يضرّ بنية القربة العُجْب ـ وهو أن يشعر المكلّف بعد أن يتوضّأ لله بالزهو لذلك ـ فإنّه لا يبطل الوضوء وإن أحبط ثوابه.

وأمّا قصد النظافة والتبريد ورفع الكسل وما إلى ذلك ممّا هو من فوائد الوضوء وثماره التابعة له فلا يضرّ إطلاقاً ما دام تابعاً للباعث على طاعة الله، وما دام السبب الرئيسي الداعي إلى الوضوء هو الإخلاص له سبحانه وتعالى(1).

(13) من دخل مكاناً مغصوباً بلا إرادة منه واختيار، ثمّ عجز عن الخروج منه صحّ وضوؤه في ذلك المكان.

(14) ومن دخل مكاناً مغصوباً بلا إرادة منه ثمّ تمكّن من الخروج وجب عليه أن يعجّل بالخروج بلا إبطاء، وإذا تسنّى له الوضوء حال الخروج فتوضّأ وهو يمشي في طريقه للخروج صح وضوؤه، شريطة أن لا يستدعي ذلك منه المكث المعتدّ به بحيث يتنافى مع التعجيل الواجب.

ومثله في الحكم: إن دخل المكان المغصوب بإرادته واختياره ثمّ ندم واستغفر.

شروط الوضوء:

إذا تكاملت شروط الماء وشروط المتوضّئ جاء دور شروط الوضوء نفسه، وهي ثلاثة:

أوّلا: (15) المباشرة، والمراد بها هنا: أن يزاول ويمارس المتوضّئ بنفسه أفعال الوضوء بالكامل، ولا يسوغ له أن يستنيب غيره في شيء من ذلك إلّا مع


(1) وبتعبير أدّق: لو كان الداعي الإلهي كافياً في تحريكه نحو الوضوء بحيث لو لم يكن ذلك الداعي الشخصي موجوداً لتوضّأ أيضاً صحّ وضوؤه.
187

العجز والاضطرار، وليس من الاستنابة غير السائغة أن يمسك غيره إبريق الماء بيده ويصبّ الماء منه في كفّ المتوضّئ فيغسل المتوضّئ به وجهه ويتوضّأ، أو يقرّب المتوضّئ وجهه أو ذراعه من فوهة الإبريق حتى يغمره الماء بالكامل، فإنّ هذا جائز، ويعتبر الغير هنا بمثابة اُنبوب الماء.

وإذا اضطرّ المتوضّئ إلى أن يُوضّئَه غيره لمرض ونحوه فيجب أن ينوي، فيغسل الغير وجهه ويديه، ثمّ يمسح رأسه وقدميه بكفّ المريض نفسه(1).

ثانياً: (16) الموالاة، بمعنى التتابع في أفعال الوضوء وعدم الفاصل بينها، بحيث لا يجفّ تمام الأعضاء السابقة في الجوّ المعتدل. ولا يضرّ جفاف العضو لحرارة الجوّ ولداء ترتفع فيه حرارة الجسم إلى الدرجة القصوى ـ مثلا ـ أو بسبب التجفيف، ولا ينفع وجود الرطوبة في أطراف لحية متعدّية على حدّ الوجه.

ثالثاً: (17) الترتيب بين أفعال الوضوء، والقصد منه: تقديم غسل الوجه على غسل اليد اليمنى، وتقديم هذه على اليسرى، وتقديم اليسرى على مسح الرأس، وتقديمه على مسح القدم اليمنى، وتقديم هذه على القدم اليسرى.

(18) ولو عاكس وخالف الترتيب سهواً أو عمداً أعاد على الترتيب مع الحرص على بقاء الموالاة، وإن استدعت إعادة الترتيب عدم الموالاة ونفيها استأنف الوضوء من جديد.

 


(1) ويجوز له أيضاً الانتقال إلى التيمّم إنْ أمكنه ذلك بدلاً من رفع اليد عن المباشرة بنفسه.
188

(2) الأجزاء

 

أجزاء الوضوء أربعة: غسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، ومسح القدمين. والتفصيل كما يلي:

غسل الوجه:

الواجب الأول من أجزاء الوضوء غسل الوجه.

(19) مقدار ما يغسل: بعد تحقّق نية القربة يجب غسل الوجه بإسالة الماء عليه، وحَدُّه طولا منابت شعر الرأس من مقدّمه إلى نهاية الذقن، وعرضاً ما دارت عليه الإصبع الوسطى والإبهام ـ أي ما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام من الوجه عندما تضعهما عل الجبهة مفتوحتين وتمسح بهما وجهك ـ وما زاد فليس بواجب، إلّا من باب الاطمئنان والتأكّد من وجود الواجب.

(20) ومن نبت الشعر على جبهته أو كان أصلع قدّر وقاس بالمثيل والنظير في حدّ وجهه طولا وعرضاً بلا صلع في الرأس ولا شعر على الجبهة، ومن صغر وجهه أو كبر أكثر من المعروف، أو طالت أصابعه أو قصرت عمّا هو مألوف يراعي الوسطى والإبهام المتلائمتين المتناسبتين مع وجهه(1).

 


(1) وتفسيره: أنّ من المعلوم أنّ كبر الوجه يتناسب طرداً مع طول الأصابع وسعة الكف، فإذا اتّفق في حالة اختلال هذا التناسب فكان الوجه كبيراً والكفّ صغيرة والأصابع قصيرة فلا يكفيه أن يغسل ما اشتملت عليه إصبعه الوسطى وإبهامه فقط، بل يجب عليه أن يغسل ←
189

(21) ولا يجب غسل ماتحت الشعر النابت في الوجه، بل يجب غسل الظاهر من الشعر فقط، من غير فرق بين الرجل والمرأة، وبين شعر اللحية وغيرها، شريطة أن يكون الشعر كثيفاً على نحو يغطّي المحلّ كالشارب والحاجب، ولو تفرّق الشعر وظهرت البشرة للعيان من خلاله وجب غسلها، كما يجب حينئذ غسل هذا الشعر المتفرّق أيضاً.

(22) ولا يجب فتح العينين وغسلهما عند غسل الوجه(1)، كما لا يجب غسل باطن الفم أو الأنف، ولا ماطال واسترسل من اللحية، ولا الشعر المتدلّي من الرأس على الوجه.

كيفية الغسل: يؤدّى الغسل بالكيفية التالية:

أوّلا: (23) أوّلا: يجب الابتداء في غسل الوجه من أعلاه إلى أسفله، فلو ابتدأ من الأسفل أو الوسط لم يصحّ الوضوء، ولا يعني ذلك التدقيق على نحو يغسل كامل جبهته ثمّ ينتقل منها إلى منطقة العينين من وجهه وهكذا فإنّ هذا تدقيق غير لازم، فلو أسال ماءً على جبهته فأصاب الجزء الأيمن من جبهته وعينه اليمنى، ثمّ أسال كفّاً آخر من الماء على الجزء الأيسر من جبهته وما تحته صحّ وضوؤه.

ثانياً: (24) يجب إيصال الماء إلى الوجه بقصد الوضوء: إمّا بإسالة الماء عليه بالكفّ وإمرار المتوضّئ يده على وجهه لإيصال الماء إلى كامل الوجه،



ما كانت إصبعاه تشتملان عليه لو كانت أصابعه وكفّه اعتيادية ومتناسبة مع كبر وجهه.(منه (رحمه الله)).
(1) الأحوط وجوباً غسل مطبق العينين وظَهرهما معاً.
190

وإمّا بوضع الوجه تحت اُنبوب من الماء مبتدئاً من الأعلى إلى الأسفل، وإمّا بغمسه في ماء حوض وغيره مع مراعاة الابتداء من الأعلى إلى الأسفل، ففي كلّ هذه الحالات إذا كان حين إيصال الماء إلى وجهه قاصداً الوضوء بذلك صحّ منه.

وأمّا إذا كان الماء قد وصل إلى وجهه بدون قصد الوضوء وأراد بعد ذلك أن يقصد الوضوء بما على وجهه من ماء فلا يصحّ.

ومثال ذلك: أن يسقط ماء المطر أو الشلاّل أو الميزاب على وجه إنسان ويجري عليه، فحين يرى الماء على وجهه يقصد به الوضوء فهذا باطل؛ لأنّ وصول الماء إلى وجهه لم يكن بقصد الوضوء.

وأمّا إذا كان قد قصد الوضوء من البداية بوقوفه تحت المطر صحّ وضوؤه إذا جرى الماء على كامل وجهه، ولو لم يستعمل كفّه في غسل وجهه.

ومثال آخر: أن يغمس الإنسان وجهه أو رأسه في الماء بدون قصد الوضوء، ثمّ يقصد الوضوء بالماء الذي يغمر وجهه وهو في الماء، أو يقصد الوضوء حالة إخراج وجهه من الماء فهذا باطل؛ لأنّه لم يقصد الوضوء بإدخال وجهه إلى الماء، وأمّا إذا أدخل وجهه في الماء بقصد الوضوء ولاحظ الابتداء من الأعلى إلى الأسفل صحّ وضوؤه.

ثالثاً: (25) يجب أن يمسّ الماء وجه المتوضّئ بدون حاجز ومانع عن وصول الماء إلى محلّه، وعليه فإن كان على علم بعدم الحاجز والمانع فذاك هو المطلوب، وإلّا وجب أن يلاحظ المحلّ الذي يظنّ بوجود الحاجب فيه، أو يشكّ في ذلك، كأطراف العينين والحاجبين وغير ذلك، ولا يكفي مجرّد الظن بعدم الحاجز؛ بل عليه كلّما شكّ في وجوده أن يبحث ويفحص عنه حتّى يحصل له

191

العلم أو الاطمئنان بنفيه وعدمه، ويتأكّد هذا الحكم إذا أيقن بوجود شيء وشكّ في أنّه هل يحجب ويمنع، أوْ لا؟

(26) رابعاً: أن يكون الماء بدرجة تجعله يستولي على الوجه ويجري عليه ويتحرك، فإذا كان قليلا جدّاً واستعمله المتوضّئ كما يستعمل الدهن لمجرّد التدهين فلا يصحّ.

غسل اليدين:

الواجب الثاني من أجزاء الوضوء: غسل اليدين، اليمنى أوّلا، ثمّ اليسرى.

(27) مقدار مايغسل: وحدّ الغسل الواجب من اليد يبدأ بالمرفق وينتهي بأطراف الأصابع، والمرفق هو المفصل بين العضد والساعد.

ولو قطعت اليد ممّا دون المفصل وجب غسل ما بقي منها مهما كان مقداره وحجمه، ولو قطعت من المفصل بأن فصل الذراع (أي الساعد) نهائياً أو من فوق المفصل سقط الغسل.

(28) وكلّ مانبت على اليد من الشعر يجب غسله مع البشرة، رقيقاً كان أم غليظاً.

(29) والشقوق التي تحدث في ظهر الكفّ من أثر البرد يجب غسل جوفها وباطنها إن اتّسعت، وإن ضاقت فلا يجب، وأيضاً مع الشكّ في الضيق والاتسّاع الموجب للشكّ في وجوب غسل الجوف لا يجب الغسل.

(30) وإذا انقطع شيء من لحم اليدين بأحد الأسباب وجب غسل ما بقي وظهر منها، أمّا اللحم المقطوع فيجب غسله ما دام متّصلا باليد ولو بجلدة، وإلّا خرج عن حكم أعضاء الوضوء.

192

كيفية الغسل: وكيفية غسل اليدين هي كيفية غسل الوجه تماماً.

فأوّلا: (31) يجب الابتداء في الغسل من المرفق والانتهاء بأطراف الأصابع، ولا يسوغ الابتداء من الأصابع أو الوسط ثمّ الصعود إلى المفصل؛ لأنّه مخلّ بصدق الغسل من أعلى إلى أسفل.

وثانياً: (32) يجب أن يقصد الوضوء عند وصول الماء إلى العضو، لا بعد ذلك، فإذا أدخل يده في الماء وغمسها حتى المفصل بدون قصد الوضوء ثمّ حرّكها وأخرجها بقصد الوضوء لم يصحّ ذلك.

وثالثاً: (33) يجب التأكّد من عدم وجود المانع والحاجز عن وصول الماء إلى البشرة، وإذا ارتفع الوسخ على أعضاء الوضوء ولو يسيراً بحيث يحسّ به وجب رفعه وإزالته، وإلّا فلا أثر له في صحة الوضوء، كالعرق المتجمّد وذرّات من غبار لا تقع تحت الحواسّ. وأمّا الوسخ يكون تحت الظفر فلا تجب إزالته إلّا أن يعلو الوسخ البشرة التي يجب غسلها، مثل أن يقصّ المرء أظافره فيصير ما تحتها ظاهراً.

والقاعدة العامّة: أنّ كلّ ما هو ظاهر من البشرة يجب غسله دون ما هو مستتر منها بالباطن. ومع الشكّ في أنّ هذا الشيء بالذات هل هو من الظاهر أو الباطن ؟ لا يجب غسله في هذا الفرض، إلّا مع اليقين السابق بأنّه كان من الظاهر الذي يجب غسله ثمّ حدث الشكّ في تحوّله إلى الباطن فعندئذ يجب غسله.

ولا يجب إخراج الشوكة من أجل الوضوء إلّا إذا كانت ظاهرةً ومانعةً عن وصول الماء إلى محلّه.

ولا تجب إزالة ما قد يتجمّد على الجرح ويصبح تماماً كالجلد بعد أن يبرأ الجرح ويندمل.

193

(34) ورابعاً: يجب أن يكون الماء بدرجة يستولي معها على البشرة ويجري، ولا يكفي ما هو دون ذلك ممّا يشبه المسح والتدهين.

مسح الرأس:

الواجب الثالث من أجزاء الوضوء: المسح على مقدَّم الرأس ببلّة وضوء الكفّ اليمنى، والتفصيل كما يأتي:

(35) موضع المسح: يجب أن يكون المسح على مقدّم الرأس، أي على ذلك الجزء من الرأس الذي يكون فوق الجبهة، ويمتدّ إلى اليافوخ، أي إلى منتهى الارتفاع في الرأس، ولا يجب أن يكون المسح على بشرة الرأس، فيجوز المسح أيضاً على الشعر النابت في ذلك الموضع شريطة أن لا يتجاوز طوله ومداه المكان الذي ينبت فيه شعر الرأس عادةً، وعليه فإذا طال شعر الرأس النابت في مقدّم الرأس وتجاوز الحدّ المذكور، ثمّ جمعه المتوضّئ على مقدّم الرأس وَمَسَحَه بقصد الوضوء فمَسْحُه هذا ليس بشيء، وكذلك لو طال شعره النابت في غير مقدّم الرأس فمدّه وغطّى به مقدّم رأسه ومسح عليه فإنّ مسحه هذا ليس بشيء أيضاً.

(36) الماسح: ويجب أن يكون المسح بالكفّ اليمنى بباطنها، لا بظاهرها، بالأصابع أو براحة الكف، ويكفي المسح بإصبع منها، ويستحبّ أن يكون بثلاث أصابع، وإذا تعذّر المسح بالأصابع تعيّن المسح بما بقي من الكف، أي براحة الكف، فإن تعذّر مَسَحَ بالذراع كيف اتّفق(1).

 


(1) إن لم يكن مقطوع الكفّ وكان قادراً على التيمّم ضمّ إلى ذلك التيمّم.
194

(37) كيفية المسح: ويكفي أن يمسح كيف شاء طولا وعرضاً، ومن أعلى إلى أسفل، وبالعكس. والشرط الأساسي في المسح أن يكون ببلّة اليد اليمنى الحاصلة عند فراغه من غسل وجهه ويديه في الوضوء، فلو فرغ من غسل وجهه ويديه فغمس يمناه من جديد في الماء، أو جفّفها ثمّ مسح بها رأسه وهي جافّة بطل وضوؤه، ولا فرق في ذلك بين أن تكون النداوة والرطوبة في الكفّ قليلةً أو كثيرةً بحيث إذا مسح بها يكون المسح أشبه بالغسل.

(38) وقد تسأل: إذا اختلطت بلّة اليمنى ببلّة ثانية من أعضاء الوضوء بطريق أو بآخر فهل يمنع ذلك من المسح ببلّة اليمنى على الرأس ؟

والجواب: إن كان البلل الدخيل قليلا لا يعتدّ به ولا يمنع من إسناد المسح عرفاً إلى الأصيل فلا بأس، وإلّا امتنع المسح ببلّة اليمنى، ولا فرق في ذلك بين أن يكون البلل الدخيل من اليد اليسرى أو من الوجه أو من غيرهما، وقد يكون الدخيل أحياناً من نفس الرأس فيما إذا مسحه وهو نديّ، والحكم هو ما عرفت.

(39) وقد تسأل: إذا جفّ ما على اليد اليمنى من رطوبة فهل يتعذّر عليه مواصلة الوضوء ؟

والجواب: أنّه يسمح للمتوضّئ في هذه الحالة بأن يأخذ من رطوبة اللحية أو العنفقة ـ وهي شعيرات بين الشفة السفلى والذقن ـ أو من الشارب والحاجبين، أو سائر أعضاء الوضوء، وإذا جفّت أعضاؤه بكاملها أعاد الوضوء.

نعم، لو كان كلّما كرّر الوضوء جفّت الأعضاء لحرٍّ أو مرض أو أيّ شيء آخر انتقل حكمه إلى التيمّم.

(40) ولا يصحّ المسح مع وجود حائل بين العضو الماسح والعضو الممسوح، حتّى ولو كان الحائل رقيقاً لا يمنع من وصول الرطوبة إلى البشرة.

195

مسح القدمين:

الواجب الرابع من أجزاء الوضوء: مسح ظاهر القدمين.

(41) موضع المسح: يجب مسح ظاهر القدمين من رؤوس الأصابع إلى المفصل(1) طولا، وفي وسط القدم نتوء واضح يسمّى في لغة الفقهاء بقبة القدم؛ لأنّه مرتفع، ويجب أن يمرّ المسح عليه(2)، فلا يكفي أن يبدأ المسح من رؤوس الأصابع، ويتطرّف فيمسح جانب اليمين أو اليسار من ظاهر القدم حتى ينتهي إلى المفصل(3). وأمّا في العرض فيكفي المسح بأيّ مقدار أراد المتوضّئ. أمّا شعر القدم فإن كان ضمن المألوف والمتعارف كفى المسح على القدم بما عليها من الشعر، وإذا كان خارجاً عن المتعارف فيجب المسح على البشرة، ولا يكفي المسح على الشعر.

ولو قطع بعض القدم مسح على الباقي، وإن قطعت القدم بالكامل سقط المسح.

(42) الماسح: يجب مسح الرجل اليمنى بالكفّ اليمنى بباطنها، ومسح الرجل اليسرى بالكفّ اليسرى بباطنها أيضاً، ولا فرق بين المسح بالأصابع أو براحة الكفّ.

(43) كيفية المسح: ويشترك مسح القدمين مع مسح الرأس في الشرط الأساس، وهو أن يكون المسح ببلّة الوضوء الموجودة في الكفّ. وحكم مسح القدمين من حيث الرطوبة أو الاختلاط برطوبة اُخرى أو الحائل هو عين الحكم


(1) المَفصل: ما بين الساق ومنتهى القدم.(منه (رحمه الله)).
(2) على الأحوط وجوباً.
(3) الظاهر كفاية المسح إلى قبّة القدم.
196

في مسح الرأس باليد اليمنى، انظر الفقرة (38) و (39) و (40).

(44) والطريقة الصحيحة ـ بلا شكٍّ ـ في مسح القدمين هي وضع راحة الكفّ أو أصابعها على رؤوس أصابع القدم وجرّها شيئاً فشيئاً حتى المفصل(1)، فلو وضع كفّه على تمام ظهر القدم وجرّها فلا يقين بكفايته.



(1) ويصحّ العكس أيضاً بأن يبدأ بالمَفصل وينتهي إلى الأصابع. وعلى كلا التقديرين لا يترك الاحتياط بالمرور بقبّة القدم كما ذكره في المتن في البند (41).

197

(3) وضوء الجبيرة

 

(45) الجبيرة: ما يوضع على العضو الكسير ويجبر به، ويطلق الفقهاء هذا الاسم أيضاً على العصابة التي تعصّب بها الجروح والقروح، أي اللفّاف الذي تلفّ بها مواضع الجروح والقروح.

ووضوء الجبيرة هو الوضوء الذي تحلّ فيه الجبيرة على بشرة المتوضّئ محلّ البشرة، فيمسح عليها ـ مثلا ـ بدلا عن المسح على ما تخفيه من البشرة، وهذا الوضوء يصحّ ضمن شروط معينة، والتفصيل كالتالي:

الجريح والكسير والمقروح لهم أحكام بالنسبة إلى الوضوء تتّضح باستعراض الحالات التالية التي قد يواجهونها:

أوّلا: (46) إذا كان العضو المريض الذي يتضرّر بالماء من غير أعضاء الوضوء ولم يكن هناك ضرر من غسل أعضاء الوضوء وجب على المريض الوضوء بالطريقة الاعتيادية.

ثانياً: (47) إذا كان العضو المريض من غير أعضاء الوضوء وكان يتضرّر بغسل أعضاء الوضوء لكونه قريباً منها وجب على المريض التيمّم بدلا عن الوضوء.

ثالثاً: (48) إذا كانت الإصابة ـ الجرح أو الكسر أو القرح ـ في أحد أعضاء الوضوء وكان الموضع طاهراً ومكشوفاً وبالإمكان غسله بدون ضرر وجب على المريض الوضوء بالطريقة الاعتيادية.

رابعاً: (49) إذا كانت الإصابة في أحد أعضاء الوضوء وكان الموضع طاهراً ومعصّباً ـ أي عليه جبيرة ـ وبالإمكان غسله بدون ضرر إذا حلّت العصابة

198

عنه؛ ولكنّ العصابة لا يتيسّر حلّها للمكلف؛ لعدم وجود الطبيب المختصّ؛ لأنّها محكمة الشدّ ولا يتيسر حلّها إلّا للطبيب مثلا، ولا يتسرّب الماء إلى العضو بدون حلّها، وفي هذه الحالة يجب على المريض التيمّم إذا لم تكن الإصابة المعصّبة في الأعضاء المشتركة بين الوضوء والتيمّم(1)، وإلّا تيمّم وتوضّأ معاً، واكتفى بالمسح على العصابة التي عصّب بها الجرح أو القرح، أو الجبيرة التي جبر بها الكسر.

خامساً: (50) نفترض الحالة السابقة نفسها، ولكن مع إمكان إيصال الماء إلى العضو على الرغم من بقاء العصابة أو الجبيرة، وفي هذه الحالة يجب الوضوء وإيصال الماء إلى موضع الإصابة ولو بغمسه في الماء، مع مراعاة الترتيب والحفاظ على ابتداء غسل العضو من أعلى إلى أسفل.

سادساً: (51) إذا كانت الإصابة في أحد أعضاء الوضوء وكان بالإمكان حلّ العصابة وفكّها عن ذلك العضو وإسباغ الوضوء(2) بدون ضرر، ولكنّ المشكلة هي أنّه نجس بسبب الدم والقيح ـ مثلا ـ ولا يمكن تطهيره، والحكم هنا هو التيمّم، سواء كان الموضع المتنجّس من المواضع المشتركة بين الوضوء والتيمّم كالجبهة ـ مثلا ـ أو من المواضع التي يختصّ بها الوضوء كالأنف والخدّ والقدم.

سابعاً: (52) إذا كانت الإصابة في أحد أعضاء الوضوء وكان قيام المكلّف بما يتطلّبه الوضوء من فكّ العصابة وفصلها عن العضو المريض وتطهيره بالماء إذا كان نجساً، وإسباغ ماء الوضوء عليه مضرّاً به، أو كان شيء من ذلك مضرّاً به ومؤدّياً إلى تفاقم الجرح أو البطء في البرء، إذا كان الأمر كذلك وجب عليه أن


(1) الأعضاء المشتركة هي أعضاء التيمّم، وهي الجبهة والكفّان على ما يأتي في فصل التيمّم إن شاء الله تعالى.(منه (رحمه الله)).
(2) إسباغ الوض
199

يتوضّأ ويتفادى ما يضرّه، ونسمّي مثل هذا الوضوء بوضوء الجبيرة.

فإن كان الموضع معصّباً بعصابة أو محاطاً بجبيرة توضّأ ومسح على العصابة أو الجبيرة تفادياً للضرر.

وإذا كانت الإصابة مكشوفة اكتفى بغسل ماحولها، ويصحّ الوضوء حينئذ، ويكتفي به على أساس الاكتفاء بغسل ماحول الإصابة إذا كانت مكشوفةً، وعلى أساس أنّ مسح العصابة في الجرح المعصّب والكسر المجبور يعتبر بديلا شرعاً عن غسل نفس البشرة إذا كانت في موضع الغسل (الوجه واليدين)، وبديلا عن مسح نفس البشرة إذا كانت في موضع المسح (مقدّم الرأس والقدمين)، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الجرح وغيره ـ ممّا سبّب تلك الجبيرة ـ قد أحدثه المتوضّئ بنفسه عامداً آثماً، أو اُصيب به بدون إرادة واختيار.

(53) والعصابة أو الجبيرة قد تكون على عضو من الأعضاء التي تغسل في الوضوء (وهي الوجه واليدان)، وقد تكون على عضو من الأعضاء التي تمسح (وهي مقدّم الرأس والقدمان)، وقد تكون في الكفّ التي يجب أن يمسح بها.

ففي الحالة الاُولى يكون المسح على الجبيرة بديلا شرعاً عن غسل ما تستره من العضو المغسول.

وفي الحالة الثانية يكون المسح على الجبيرة بديلا شرعاً عن المسح على ما تستره من العضو الممسوح إذا لم يبقَ منه مكشوفاً القدر الكافي.

وفي الحالة الثالثة يمسح على الجبيرة عند غسل العضو ويمسح بها بعد ذلك بدلا عن المسح إذا لم يبقَ مقدار مكشوف يكفي المسح به.

ولكي تكون العصابة أو الجبيرة بديلا شرعاً عن البشرة يجب أن يتوافر فيها:

أوّلا: (54) الطهارة، والمهمّ في ذلك أن يكون ظاهرها طاهراً، ولا تضرّ

200

نجاسة ما هو داخل الجبيرة، وعلى هذا الأساس إذا كانت الجبيرة نجسةً أمكن الحصول على المطلوب بدون تبديلها؛ وذلك بأن يضع المتوضّئ خرقةً طاهرةً عليها وضعاً محكماً بحيث تعدّ جزءاً من الجبيرة ويمسح عليها برطوبة.

ثانياً: (55) أن لا تزيد العصابة أو الجبيرة على المألوف المعروف كمّاً وحجماً، والعادة الجارية بأن تكون العصابة أو الجبيرة أوسع من موضع الإصابة بقدر ما، فإذا تجاوزت ذلك وأشغلت حيّزاً أكبر ممّا هو مألوف لم يكفِ المسح عليها، بل يجب تصغيرها إن أمكن، وإلّا جرى حكم الحالة الرابعة المتقدّمة.

وما دامت في الحدود المألوفة فلا يجب تصغيرها وتقليمها، بل يجوز وضع شيء آخر عليها وإن لم تدعُ إليه الحاجة، شريطة أن يصبح كالجزء منها في نظر العرف.

ثالثاً: (56) أن لا تستوعب الجبيرة كلّ أعضاء الوضوء، وإلّا وجب الجمع بين وضوء الجبيرة والتيمّم.

رابعاً: (57) أن تكون مباحةً، فلا يصحّ المسح على العصابة أو الجبيرة المغصوبة.

(58) يأتي في فصول الصلاة: أنّ لباس المصلّي يجب أن لا يكون من الذهب والحرير المحض بالنسبة إلى الرجال، ولا من جلد حيوان إلّا إذا كان مأكول اللحم، ويأتي الشرح والتفصيل. ولا يشترط في الجبيرة من أجل الوضوء شيء من ذلك(1).

(59) وإذا كان في عضو واحد من أعضاء الوضوء جبيرتان أو أكثر وخلا


(1) كأنّه (رحمه الله) يقصد بذلك: أنّ هذه الجبيرة لا تضرّ بالوضوء، ولا يقصد به أنّها لو بقيت لوقت الصلاة وترك تبديلها لا عن ضرورة لم تضرَّ بالصلاة وإن كانت العبارة قد توهم ذلك.
201

بعض أجزاء هذا العضو من الجبيرة وجب غسل الخالي إذا كان ممّا يجب غسله، كالوجه، أو مسحه إذا كان ممّا يجب مسحه، كظاهر القدم.

(60) وإذا دعت الحاجة إلى وضع خرقة على الجرح المكشوف وتعصيبه وجب أوّلا غسل وتطهير أطراف الجرح، ثمّ وضع خرقة طاهرة عليه؛ لئلاّ يتعذّر عليه بعد ذلك غسل تلك الأطراف وتطهيرها.

حكم الحواجز الاُخرى:

(61) وكلّ حاجز أو مانع يحيط بالبشرة أو يلصق بها لا يجوز الاكتفاء بالمسح عليه، سوى ما تقدّم من العصابة التي تعصّب بها الجروح والقروح والجبيرة التي يجبر بها الكسر.

ونضيف الآن إلى عصابة الجريح والقريح وجبيرة الكسير حالةً واحدةً، وهي: إذا كان هذا الحاجز دواء لُطِخَ به موضع من أعضاء الوضوء للتداوي فإنّ العضو المريض إذا كان بحاجة إلى ذلك أمكن للشخص أن يتوضّأ ويمسح عليه.

(62) وعلى هذا الأساس إذا التصق بموضع من أعضاء الوضوء شيء من الأصباغ أو القير وتعذّرت إزالته وجب عليه أن يتيمّم، وإذا كان هذا في الأعضاء المشتركة بين الوضوء والتيمّم يتيمّم ويتوضّأ.

(63) وقد تلتصق عين النجاسة ببدن المتوضّئ فتشكّل حاجزاً عن وصول الماء إلى البشرة.

ومثال ذلك: ما إذا اختلط الدواء على الجرح بما يرشّح من دمه ويصيران شيئاً واحداً يتجمّد مع الزمن في مكان الجرح وتتعذّر إزالته بعد الشفاء، حيث تستدعي خروج الدم وحدوث جرح جديد، وحكم ذلك: أنّ هذا الحاجز إذا لم