15

 

 

 

 

 

 

أئمّة الدور الثاني والثالث

 

لمحة عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر(عليه السلام)

 

إنّ أواخر زمن الإمام السجّاد(عليه السلام) ـ بحسب التقسيم الثلاثيّ لاُستاذنا الشهيد الصدر(قدس سره)لأدوار الأئمّة(عليهم السلام) ـ واقعة بين نهاية الدور الأوّل، وهو تفادي صدمة الانحراف، وبين بداية الدور الثاني من تلك الأدوار، فتكون أوائل زمن الإمام الباقر(عليه السلام) شبه بداية تقريباً للدور الثاني من أدوارهم(عليهم السلام).

وقد تمكّن الإمام الباقر(عليه السلام) من تحقيق ما مهّد له إمامنا زين العابدين(عليه السلام): من بناء الكتلة الحقيقيّة للإسلام، ولدينا من المؤشّرات التأريخيّة ما يشهد لهذه الحقيقة، ولتوضيح ذلك نذكر قضيّتين متشابهتين لطاغوت من الطواغيت مع إمامينا: السجّاد

16

والباقر(عليهما السلام)، حيث عاصره إمامنا زين العابدين(عليه السلام) في أواخر أمره،وإمامنا الباقر(عليه السلام)في أوائل أمره، وهو هشام بن عبد الملك.

فقد روى المجلسيّ(رحمه الله) في البحار(1): أنّه حجّ هشام بن عبد الملك، فلم يقدر على الاستلام(2) من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه، وأطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين(عليه السلام)وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجّادة كأنّها ركبة عنز، فجعل يطوف، فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس حتّى يستلمه هيبة له، فقال شاميّ: من هذا يا أميرالمؤمنين؟ فقال: لا أعرفه، لئلاّ يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق ـ وكان حاضراً ـ: لكنّي أنا أعرفه، فقال الشاميّ: من هو يا أبا فراس؟ فأنشأ...:

يا سائلي أينَ حلّ الجودُ والكرمُ؟
عندي بيانٌ إذا طلاّبه قدموا
هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأتَه
والبيتُ يعرفُه والحلُّ والحرمُ
 


(1) بحار الأنوار 46: ص 124 ـ 128.
(2) أي: استلام الحجر الأسود.
17

هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كلّهمُ
هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلمُ
هذا الذي أحمدُ المختارُ والدهُ
صلّى عليهِ إلهي ما جرى القلمُ
لو يعلمُ الركنُ من قد جاء يلثمُه
لخرّ يلثمُ منهُ ما وطى القدمُ
هذا عليٌّ رسولُ اللهِ والدهُ
أمستْ بنورِ هداهُ تهتدي الاُممُ
هذا الذي عمُّه الطيّارُ جعفرُ
والمقتولُ حمزةُ ليثٌ حبُّه قسمُ
هذا ابنُ سيّدةِ النسوانِ فاطمة
وابنُ الوصيّ الذي في سيفهِ نقمُ
إذا رأتهُ قريشٌ قالَ قائلُها
إلى مكارمِ هذا ينتهي الكرمُ
يكاد يُمسكُه عرفانَ راحتهِ(1)
ركنُ الحطيمِ إذا ما جاء يستلمُ


(1) أي: لأجل معرفة كَفّه.
18

وليس قولُك: من هذا؟ بضائرهِ
العربُ تعرفُ من أنكرتَ والعجمُ
يُنمى(1) إلى ذروةِ العِزّ التي قصرتْ
عن نيلِها عَرَبُ الإسلامِ والعجمُ
يُغضي حياءً ويُغضى من مهابتِه
فما يُكلّمُ إلّا حينَ يبتسمُ
ينجابُ(۲) نور الدجى عن نورِ غرّتِه
كالشمسِ ينجابُ عن إشراقِها الظُلَمُ
بكفّهِ خيزرانٌ ريحُه عبِقٌ(۳)
من كفّ أروع(٤) في عرنينهِ(٥) شممُ(٦)
ما قالَ: «لا» قطُّ إلّا في تشهّدهِ
لولا التشهّدُ كانت لاؤهُ نعمُ
 


(1) أي: يُنسب.
(2) أي: ينكشف.
(3) عبِق به الطيب، أي: لزق به، ورجُل عبِق إذا تطيّب بأدنى طيب لم يذهب عنه أيّاماً.
(4) الأروع: من يعجبك بحسنه وجهارة منظره.
(5) أي: أنفه.
(6) الشمم: ارتفاع قصبة الأنف وحسنها واستواء أعلاها.
19

مشتقّة من رسولِ الله نبْعتُه
طابتْ عناصرُه والخيم(۱) والشيمُ
حمّالُ أثقالِ أقوام إذا فُدِحوا(۲)
حُلوُ الشمائلِ تحلو عندهُ نعمُ
إن قال قال بما يهوى جميعهم
وإن تكلّم يوماً زانه الكَلِمُ
هذا ابنُ فاطمة إن كنت جاهلَه
بجّدِه أنبياءُ الله قد خُتموا
اللهُ فضّله قِدماً وشرّفَه
جرى بذاك له في لوحه القلمُ
مَن جدُّه دان فضل الأنبياء له
وفضل اُمّته دانت لها الاُممُ
عمّ البريّةَ بالإحسان وانقشعت
عنها العماية(۳) والإملاق والظُلَمُ
كلتا يديه غياثٌ عمّ نفعهُما
يستوكفان(٤) ولا يعروهما عدمُ


(1) أي: السجيّة والطبيعة.
(2) في المناقب: فدحوا من فدحه الدين، أي: أثقله.
(3) أي: العمى.
(4) أي: يستقطران.
20

سهلُ الخليقة لا تخشى بوادرهُ(۱)
يزينه خصلتان: الحلم والكرمُ
لا يخلف الوعد ميموناً نقيبتُه(۲)
رحب الفناء أريبٌ(۳) حين يُعترمُ(٤)
من معشر حبُّهم دينٌ وبغضهُم
كفرٌ وقُربهمُ منجىً ومعتصمُ
يستدفع السوء والبلوى بحبّهم
ويستزاد به الإحسان والنعمُ
مقدّمٌ بعد ذكر الله ذكرهمُ
في كلّ فرض(٥) ومختومٌ به الكَلِمُ
إن عُدّ أهلُ التقى كانوا أئمّتهم
أو قيل: من خيرُ أهلِ الأرض؟ قيل: همُ
 


(1) جمع البادرة، وهي ما يبدو من حدّتك في الغضب من قول أو فعل.
(2) النقيبة: النفس والعقل والمشورة ونفاذ الرأي والطبيعة.
(3) الأريب: العاقل.
(4) مبنيّ على المجهول، من العرام بمعنى الشدّة، أي: عاقل إذا أصابته شدّة.
(5) أي: في كلّ صلاة. أشار بذلك إلى التشهّد فيها.
21

لا يستطيع جوادٌ بُعد غايتهم
ولا يدانيهمُ قومٌ وإن كرموا
همُ الغيوثُ إذا ما أزمةٌ(۱) أزمت(۲)
والاُسد اُسد الشرى(۳) والبأس محتدمُ(٤)
يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتَهم
خيم كريم(٥) وأيد بالندى(٦) هُضُم(۷)
لا يقبض العسرُ بسطاً من أكُفّهمُ
سيّان ذلك إن أثروا(۸) وإن عدموا
أيُّ القبائلِ ليست في رقابهمُ
لأوّلية هذا أو له نعم؟(۹)


(1) الأزمة: الشدّة.
(2) أي: لزمت.
(3) الشرى: مأسدةٌ يضرب بها المثل.
(4) احتدم عليه غيضاً: تحرّق، والنار التهبت، أي: الحرب ملتهبٌ.
(5) أي: لهم خيم، أي: طبيعة كريمة.
(6) الندى: المطر، ويستعار للعطاء الكثير.
(7) الهُضُم ككُتُب: جمع هضوم، يقال: يد هضوم، أي تجود: بما لديها.
(8) أثرى، أي: كثر ماله.
(9) الظاهر أنّ المقصود: لأوّلية عليّ بن الحسين، أو لعليّ بن الحسين(عليهما السلام).
22

من يعرفِ اللهَ يعرف أوّليّةَ ذا
فالدينُ من بيتِ هذا ناله الاُممُ
بيوتُهم في قريش يستضاءُ بها
في النائباتِ وعندَ الحكمِ إن حكموا
فجدُّه من قريش في اُرومتها(۱)
محمّدٌ وعليٌّ بعده علمُ
بدرٌ له شاهدٌ والشِعبُ من اُحد
والخندقان(۲) ويوم الفتح قد علموا
وخيبرٌ وحُنينٌ يشهدانِ له
وفي قُريضةَ يومٌ صَيْلمٌ(۳) قتمُ(٤)
مواطنٌ(٥) قد علتْ في كلّ نائبة
على الصحابةِ لم أكتُم كما كتموا
 


أي: في أصلها.
(2) إشارة إلى غزوة الخندق: إمّا لكون الخندق محيطاً بطرفي المدينة، أو لانقسامه في الحفر بين المهاجرين والأنصار.
(3) الصيلم: الأمر الشديد والداهية.
(4) القتام: الغبار، وقتم الغبار قتوماً ارتفع. وهو كناية عن اشتداد القتال.
(5) أي: له مواطن، أو هذه مواطن.
23

فغضب هشام ومنع جائزته وقال: ألا قلت فينا مثلها؟ قال: هات جدّاً كجدّه، وأباً كأبيه، واُمّاً كاُمّه حتّى أقول فيكم مثلها، فحبسوه بعُسفان بين مكّة والمدينة، فبلغ ذلك عليّ بن الحسين(عليه السلام)، فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال: اعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به. فردّها وقال: يا ابن رسول الله، ما قلت الذي قلت إلّا غضباً لله ولرسوله، وما كنت لأرزأ عليه شيئاً(1).

فردّها إليه وقال: بحقّي عليك لمّا قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيّتك، فقبلها.

فجعل الفرزدق يهجو هشاماً وهو في الحبس، فكان ممّا هجاه به قوله:

أيحبسني بينَ المدينةِ والتي
إليها قلوب الناسِ يهوى مُنيبُها
يقلّب رأساً لم يكن رأسَ سيّد
وعيناً له حولاء باد عيوبُها

فأخبر هشام بذلك فأطلقه.

أقول: كان المنتظر أن يقتله الطاغية هشام، ولكن لاحَظ القوّة والمكانة الاجتماعيّة لعليّ بن الحسين(عليه السلام); وذلك ببركة عمل أئمّة الدور الأوّل بحسب تقسيم اُستاذنا الشهيد، فلم يجرأ هشام أن يرتكب هذه الجريمة.


(1) أي: ما كنت لاُصيب مالاً على ذلك.
24

هذه هي القضيّة الاُولى التي حدثت في أواخر زمان الإمام عليّ بن الحسين(عليهما السلام).

وأمّا القضيّة الثانية الواقعة في أوائل زمان الإمام محمّد بن عليّ الباقر(عليهما السلام). فقد روى الأربليّ في كشف الغمّة(1) عن الزهريّ «قال: حجّ هشام بن عبد الملك، فدخل المسجد الحرام متّكياً على يد سالم مولاه، ومحمّد بن عليّ بن الحسين(عليه السلام) في المسجد، فقال له سالم: يا أميرالمؤمنين، هذا محمّد بن عليّ بن الحسين.

قال: المفتون به أهل العراق؟

قال: نعم.

قال: اذهب إليه فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟

فقال له أبو جعفر(عليه السلام): يحشر الناس على مثل قرص نقيّ فيها أنهار متفجّرة يأكلون ويشربون حتّى يُفرغ من الحساب.

قال: فرأى هشام أنّه قد ظفر به، فقال: الله أكبر، اذهب إليه فقل له: ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ؟

فقال له أبو جعفر(عليه السلام): هم في النار أشغل ولم يشتغلوا أن قالوا:


(1) كشف الغمّة 2: 338.

25

﴿أَفيضُوا عَلَيْنا من الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ الله﴾(1)، فسكت هشام لا يرجع كلاماً».

وروى الكليني(رحمه الله) هذا الحديث بشكل أكثر تفصيلاً على لسان نافع غلام ابن عمر، حيث روى في روضة الكافي(2) عن أبي الربيع: «قال: حججنا مع أبي جعفر(عليه السلام)في السنة التي كان حجّ فيها هشام بن عبدالملك وكان معه نافع مولى عبدالله بن عمر بن الخطّاب(3)، فنظر نافع إلى أبي جعفر(عليه السلام) في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس، فقال نافع: يا أميرالمؤمنين، من هذا الذي قد تداكّ عليه الناس؟ فقال: هذا نبيّ أهل الكوفة، هذا محمّد بن عليّ، فقال: اشهد لآتينّه فلأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو ابن نبيّ أو وصيّ نبيّ، قال: فاذهب إليه وسله لعلّك تُخجله. فجاء نافع حتّى اتّكأ على الناس ثمّ أشرف على أبي جعفر(عليه السلام)فقال: يا محمّد بن عليّ، إنّي قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وقد عرفت حلالها وحرامها، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ أو ابن نبيّ، قال: فرفع أبو جعفر(عليه السلام) رأسه فقال: سل عمّا بدا لك.

 


(1) سورة 7 الأعراف، الآية: 50.

(2) الكافي 8: 120 ـ 122، الحديث 93.

(3) كأنّ المقصود: غلام ابن عمر.

26

فقال: أخبرني كم بين عيسى وبين محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) من سنة؟

قال: اُخبرك بقولي أو بقولك؟

قال: أخبرني بالقولين جميعاً.

قال: أمّا في قولي فخمس مئة سنة(1)، وأمّا في قولك فستّ مئة سنة. قال: فأخبرني عن قول الله عزّوجلّ لنبيّه: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾(2)، من الذي سأل محمّد(صلى الله عليه وآله)وكان بينه وبين عيسى خمس مئة سنة؟ قال: فتلا أبو جعفر(عليه السلام) هذه الآية: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾(3)، فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالى محمّداً(صلى الله عليه وآله)حيث أسرى به إلى بيت المقدّس: أن حشر الله ـ عزّ ذكره ـ الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين، ثمّ أمر جبرئيل(عليه السلام) فأذّن شفعاً وأقام شفعاً وقال في


(1) قال المجلسيّ: «هذا هو الذي دلّت عليه أكثر أخبارنا في قدر زمان الفترة، وقد روى الصدوق(رحمه الله)في كتابه (كمال الدين) عن أبيه، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعد بن أبي خلف، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: كان بين عيسى وبين محمّد(صلى الله عليه وآله)خمس مئة عام، وهذا هو الصحيح». مرآة العقول 25: 286.

(2) سورة 43 الزخرف، الآية: 45.

(3) سورة 17 الإسراء، الآية: 1.

27

أذانه: حيّ على خير العمل، ثمّ تقدّم محمّد(صلى الله عليه وآله)فصلّى بالقوم، فلمّا انصرف قال لهم: على ما تشهدون، وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّك رسول الله، أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا.

فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر. فأخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا﴾(1).

قال: إنّ الله تبارك وتعالى لمّا أهبط آدم إلى الأرض و(2)كانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً وكانت الأرض رتقاً لا تنبت شيئاً، فلمّا أن تاب الله ـ عزّ وجلّ ـ على آدم(عليه السلام) أمر السماء فتقطّرت بالغمام، ثمّ أمرها فأرخت عزاليها(3)، ثمّ أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهّقت(4) بالأنهار، فكان ذلك رتقها وهذا فتقها.

قال نافع: صدقت يا ابن رسول الله. فأخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّماوَاتُ﴾(5) أيّ أرض


(1) سورة 21 الأنبياء، الآية: 30.

(2) يحتمل أنّ حرف الواو في النسخة زائدة.

(3) العزالي: جمع العزلاء، وهو فم المزادة. والمزادة: ما يوضع فيه الزاد.

(4) أي: امتلأت، أو تفيّهت، أي: فتحت أفواهها. ولكن كان القياس تفوّهت. ويحتمل كونها تفتّقت فصُحّف.

(5) سورة 14 إبراهيم، الآية: 48.

28

تبدّل يومئذ؟

فقال أبو جعفر(عليه السلام): أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتّى يفرغ الله عزّ وجلّ من الحساب.

فقال نافع: إنّهم عن الأكل لمشغولون.

فقال أبو جعفر(عليه السلام): أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار؟

فقال نافع: بل إذ هم في النار.

قال: فوالله ما شغلهم; إذ دعوا بالطعام فاُطعِمُوا الزقّوم ودعوا بالشراب فسُقوا الحميم.

قال: صدقت يا ابن رسول الله. ولقد بقيت مسألة واحدة.

قال: وماهي؟ قال: أخبرني عن الله ـ تبارك وتعالى ـ متى كان؟

قال: ويلك متى لم يكن حتّى اُخبرك متى كان، سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتّخذ صاحبة ولا ولداً.

ثمّ قال: يا نافع، أخبرني عمّا أسألك عنه.

قال: وما هو؟

قال: ما تقول في أصحاب النهروان؟ فإن قلت: إنّ أمير المؤمنين قتلهم بحقّ، فقد ارتددت(1)، وإن قلت: إنّه قتلهم باطلاً فقد كفرت.

 


(1) أي: ارتددت ورجعت عن مذهبك. أراد(عليه السلام) الاحتجاج عليه فيما كان يعتقده من رأي الخوارج.

29

قال: فولّى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقّاً حقّاً، فأتى هشاماً فقال له: ما صنعت؟

قال: دعني من كلامك هذا، والله أعلم الناس حقّاً حقّاً، وهو ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله) حقّاً».

وممّا يؤيّد تمكّن مولانا الباقر(عليه السلام) من بناء الكتلة الحقيقيّة للإسلام الحقيقيّ ـ وهو التشيّع ـ بمستوىً واسع ما مضى من قول هشام: «هذا نبيّ أهل الكوفة»; فإنّ هذا التصريح ونحوه يدلّ على مدى العمل الاجتماعيّ للإمام الباقر(عليه السلام) وتمكّنه من تربية ثلّة عقائديّة تؤمن بخطّ أهل البيت(عليهم السلام).

فصحيح أنّ التشيّع اُعطي من زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله) واُعلن على الملأ العامّ حينما قال: «ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا اللّهمّ بلى. قال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه»، بل طرحه رسول الله(صلى الله عليه وآله)على الملأ العامّ في بدء دعوته العلنيّة، فقد روى الطبرسيّ في تفسير مجمع البيان لدى تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ﴾(1)عن البراء بن عازب أنّه قال: لمّا نزلت الآية جمع رسول الله(صلى الله عليه وآله)بني عبد المطّلب وهم يومئذ أربعون رجلاً، فأمر عليّاً(عليه السلام)برِجل شاة فأدمها(2)، ثمّ قال: ادنوا بسم الله، فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتّى


(1) سورة 26 الشعراء، الآية: 214.

(2) أي: جعل فيها إداماً يؤكل أو جعلها إداماً يُؤكل.

30

صدروا، ثمّ دعا بقعب(1) من لبن فجرع منه جرعة، ثمّ قال: هلمّوا اشربوا بسم الله، فشربوا حتّى رووا، فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما سحركم به الرجل، فسكت(صلى الله عليه وآله) يومئذ ولم يتكلّم، ثمّ دعاهم من الغد إلى مثل ذلك من الطعام والشراب، ثمّ أنذرهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: يا بني عبد المطّلب، إنّي أنا النذير إليكم من الله ـ عزّ وجلّ ـ والبشير فأسلموا وأطيعوني تهتدوا، ثمّ قال: من يؤاخيني ويؤازرني ويكون وليّي ووصيّي بعدي وخليفتي في أهلي، ويقضي ديني؟ فسكت القوم، وقال عليّ(عليه السلام): أنا. فأعادها(صلى الله عليه وآله)ثلاثاً كلّ ذلك يسكت القوم ويقول عليّ(عليه السلام): أنا. فقال(صلى الله عليه وآله) في المرّة الثالثة: أنت. فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد اُمّر عليك.

قال الطبرسيّ(رحمه الله): أورده الثعلبي في تفسيره وروى عن أبي رافع هذه القصّة وأنّه جمعهم في الشعب، فصنع لهم رِجْلَ شاة فأكلوا حتّى تضلّعوا(2)، وسقاهم عُسّاً(3) فشربوا كلّهم حتّى رووا، ثمّ قال: إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين وأنتم عشيرتي ورهطي، وإنّ الله لم يبعث نبيّاً إلّا وجعل له من أهله أخاً ووزيراً ووارثاً ووصيّاً


(1) القَعْب: القدح الضخم الغليظ.

(2) أي: شبعوا.

(3) العُسّ: القدح أو الإناء الكبير.

31

وخليفةً من أهله، فأيّكم يقوم فيبايعني على أنّه أخي ووارثي ووزيري ووصيّي، ويكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟ فسكت القوم، فقال: ليقومنّ قائمكم أو ليكوننّ من غيركم، ثمّ لتندَمُنّ، ثمّ أعاد الكلام ثلاث مرّات، فقام عليّ(عليه السلام)فبايعه فأجابه، ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): ادن منّي، فدنا منه ففتح فاه ومجّ في فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وثدييه، فقال أبولهب: بئس ما حبوت به ابن عمّك إن أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقاً، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله)ملأته حكماً وعلماً.

وللعلاّمة السيّد جعفر مرتضى العامليّ بحث طريف في كتابه: (الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم) بعنوان حديث الدار، وقد ذكر مصادر كثيرة للحديث، وأكثرها سُنّيّة، فراجع(1).

ولكن بناء الكتلة بشكل واسع بدا واضحاً في زمان الإمام الباقر(عليه السلام).

فقد روى في البحار عن المناقب عن حبّابة الوالبيّة قالت: «رأيت رجلاً بمكّة أصيلاً(2) في الملتزم، أو بين الباب والحجر على صعدة من الأرض... فلمّا انثال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات


(1) ج 3: 154.

(2) يعني وقت العصر.

32

ويستفتحون أبواب المشكلات، فلم يرم(1) حتّى أفتاهم في ألف مسألة...»(2).

وروى أيضاً فيه عن الكشّي، عن محمّد بن مسلم قال: «ما شجر في رأيي شيء قطّ إلّا سألت عنه أبا جعفر(عليه السلام) حتّى سألته عن ثلاثين ألف حديث، وسألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن ستّة عشر ألف حديث»(3).

 

 


(1) أي: لم يبرح المكان.

(2) بحار الأنوار 46، تأريخ الإمام الباقر، ب 5 معجزاته ومعاليه: 259، الحديث 60.

(3) المصدر السابق، ب 6 مكارم أخلاقه وسيره وسننه وعلمه وفضله: 292، الحديث 17.

33

 

 

لمحة عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام)

 

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾(1).

مناقبُ(۲) الصادقِ مشهورةٌ
ينقلُها عن صادق صادقُ
سما إلى نيلِ العُلى وادعاً(۳)
وكَلَّ عن إدراكهِ اللاحقُ
جرى إلى المجدِ كآبائهِ
كما جرى في الحلبةِ السابقُ
وفاقَ أهلَ الأرض في عصره
وهو على حالاتِه فائقُ
سماؤهُ بالجودِ هطّالةٌ(٤)
وسيبُه(٥) هامي الحيا دافقُ
وكلُّ ذي فضل بإفضالهِ
وفضلِه معترفٌ ناطقُ
مولاي إنّي فيكمُ مخلصٌ
إن شاب بالحبّ لكم ماذقُ(٦)
 


(1) سورة 9 التوبة، الآية: 119.
(2) راجع هذه الأبيات في كشف الغمّة 2: 429 ـ 430.
(3) أي: بالسكينة والدعة.
(4) الهطّال من المطر: النازل بشدّة.
(5) السيب: المطر الجاري والعطاء الكثير.
(6) أي: إن شاب البعض بحبّ مشوب وبلا إخلاص فإنّي لكم مخلص.
34

لكم مُوال وإلى بابِكم
اُنضي(۱) المطايا وبكم واثقُ
أرجو بكم نيلَ الأماني إذا
نجا مطيعٌ وهوى مارقُ

لا ريب في أنّ إمامنا الصادق(عليه السلام) تمكّن من مواصلة عمل إمامنا الباقر(عليه السلام) في نشر التشيّع وترسيخ أواصره وتوضيح معالمه ومفاهيمه وثقافته وإيصال مشروع أبيه(عليه السلام) إلى أعلى قممه، ولهذا نُسب مذهبنا إليه (سلام الله عليه)، فنحن نسمّى (جعفريّين)، وكان السبب في ذلك أنّه(عليه السلام)عاش زمن انتقال السلطة من بني اُميّة إلى بني العبّاس، واشتغال الطواغيت بعضهم ببعض، وضعف هؤلاء أو اُولئك في سلطتهم، فواصل العمل في هذا السبيل مستثمراً لهذه الفرصة.

 

ونحن نواصل هنا ـ باختصار ـ الحديث:

أوّلاً: عن نشر أحكام الإسلام الصحيح ومفاهيمه وثقافته على لسانه (سلام الله عليه).

وثانياً: عن سياسته تجاه أبي جعفر المنصور الدوانيقي.

وثالثاً: عن إبرازه لعظمة علم الأئمّة(عليهم السلام) وغزارته.

مكتفين في كلّ هذه المقامات الثلاثة بالنزر اليسير ممّا ورد في التأريخ:

 


(1) أي: اُهزِلُ، والنضوُ: البعير المهزول.
35

أوّلاً: نشره(عليه السلام) لأحكام الإسلام الصحيح ومفاهيمه وثقافته:

روى الأربليّ(رحمه الله) في كشف الغُمّة(1) عن المفيد: «...إنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا أربعة آلاف رجل...».

وأيضاً روى عن المفيد(رحمه الله): أنّ أباشاكر الديصاني وقف ذات يوم على مجلس أبي عبدالله(عليه السلام)فقال له: «إنّك لأحد النجوم الزواهر، وكان آباؤك بدوراً بواهر، واُمّهاتك عقيلات عباهر(2)، وعنصرك من أكبر العناصر، وإذا ذكر العلماء فعليك تثني الخناصر، فخبّرنا أيّها البحر الزاخر ما الدليل على حدوث العالم؟»(3).

فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): «إنّ أقرب الدليل على ذلك ما أذكره لك»، ثمّ دعا ببيضة فوضعها في راحته وقال: «هذا حصن ملموم داخله غرقئ(4) رقيق، يُطيف(5) به كالفضّة السائلة والذهبة المائعة أتشكّ في ذلك؟»، قال أبو شاكر: «لا شكّ فيه». قال أبو عبدالله: «ثمّ إنّه ينفلق عن صورة كالطاووس أدخله شيء غير ما عرفت؟»، «قال: لا».


(1) كشف الغمّة 2:379 ـ 380.
(2) العقيلة: كريمة الحيّ. وامرأة عبهرة: ممتلئة الجسم. والعرب تتمدّح بذلك; لدلالته على النعمة وخصب العيش.
(3) كشف الغمّة 2:391.
(4) الغرقئ: القشرة التي تحت القشر السميك من البيض.
(5) أي: محيط.
36

قال: «فهذا الدليل على حدوث العالم»(1)...

ثانياً: سياسته(عليه السلام) تجاه أبي جعفر المنصور الدوانيقيّ:

ونذكر هنا باختصار عدّة مواقف له(عليه السلام):

الموقف الأوّل: ابتعاده (سلام الله عليه) عن دنيا المنصور وزخارفه:

ونكتفي في ذلك بما رواه الأربليّ(رحمه الله) في كشف الغمّة(2) عن ابن حمدون: كتب المنصور إلى جعفر بن محمّد: «لِمَ لا تَغشانا كما يغشانا سائر الناس؟» فأجابه(عليه السلام): «ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنّئك، ولا تراها نقمة فنعزّيك بها، فما نصنع عندك؟» قال: فكتب إليه: «تصحبنا لتنصحنا»، فأجابه(عليه السلام): «من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك». فقال المنصور: «والله لقد ميّز عندي منازل الناس من يريد الدنيا ممّن يريد الآخرة، وإنّه ممّن يريد الآخرة لا الدنيا».

الموقف الثاني: إشارته إليه أنّه من الجبابرة:

روى في كشف الغمّة عن أحمد بن عمرو بن المقدام الرازي: وقع


(1) كأنّه إشارة إلى برهان كون التغيّر دليل الحدوث، وقد شرحنا ذلك في كتابنا (اُصول الدين).
(2) كشف الغمّة 2:427.
37

الذباب على المنصور فذبّه عنه، فعاد فذبّه عنه حتّى أضجره، فدخل عليه جعفر بن محمّد(عليه السلام)، فقال له المنصور: «يا أبا عبد الله، لِمَ خلق الله تعالى الذباب؟»، فقال: «ليذلّ به الجبابرة»(1).

وترى النكتة الحكيمة المشتركة في هذين الموقفين أنّه برغم إظهاره(عليه السلام) للحقّ إتماماً للحجّة على المنصور لم يُعطِ المنصور ذريعة على نفسه، ففي الموقف الثاني لم يصرّح(عليه السلام) له بأنّك أنت ذاك الجبّار، ولا يدري المنصور أنّه(عليه السلام) مطّلع على قصّة الذباب معه حتّى يأخذ ذلك ذريعة عليه، وكذلك في الموقف الأوّل لم يذكر سلام الله عليه: (أنّ دنياك حرام عليك)، واكتفى بذكر: «أنّ من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك».

في حين أنّه(عليه السلام) حينما كان يتكلّم عن أهل الجور بعنوان أهل الجور كان يصرّح بحرمة المرافعة لأجل القضاء عندهم وبحرمة إعانتهم ولو ببناء مسجد.

فانظُرْ إلى قوله(عليه السلام): «أيّما مؤمن قدّم مؤمناً في خصومة إلى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم الله، فقد شركه في الإثم»(2).

وإلى قوله(عليه السلام): «أيّما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حقّ فدعاه


(1) المصدر السابق:370.

(2) الوسائل 27:11، الحديث 1.

38

إلى رجل من إخوانكم ليحكم بينه وبينه فأبى إلّا أن يرافعه إلى هؤلاء، كان بمنزلة الذين قال الله عزّ وجلّ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ﴾(1)»(2).

وإلى قوله(عليه السلام): «لا تعنهم على بناء مسجد»(3).

ومع الالتفات إلى نكتة عدم إعطاء الذريعة على نفسه (سلام الله عليه) في الموقفين الأوّلين يتّضح عدم التنافي بين هذين الموقفين والموقف الثالث التالي:

الموقف الثالث: اتّقاؤه(عليه السلام) من شرّه وتفادي غضبه بحكمة ورويّة حسنة:

من قبيل ما رواه في كشف الغُمّة تارة عن عبد الله بن الفضل بن الربيع، عن أبيه(4)، واُخرى عن نقلة الآثار مع تغيير في النقل(5).

وأنا آخذ صدر القصّة من النقل الأوّل وذيلها من النقل الثاني.

 


(1) سورة 4 النساء، الآية: 60.

(2) الوسائل 27، ب 1 من صفات القاضي: 12، الحديث 2.

(3) الوسائل 17، ب 42 ممّا يكتسب به: 180، الحديث 8.

(4) كشف الغمّة: 2:371.

(5) المصدر السابق: 381 ـ 382.

39

فصدرها ما يلي:

روى عبد الله بن الفضل بن الربيع عن أبيه: «قال: حجّ المنصور سنة سبع وأربعين ومئة، فقدم المدينة وقال للربيع ]بن يونس[: ابعث إلى جعفر بن محمّد من يأتينا به مُتْعَباً قتلني الله إن لم أقتله. فتغافل الربيع عنه لينساه، ثمّ أعاد ذكره للربيع وقال: ابعث من يأتينا به مُتْعَباً، فتغافل عنه، ثمّ أرسل إلى الربيع رسالة قبيحة أغلظ فيها وأمره أن يبعث من يحضر جعفراً ففعل.

فلمّا أتاه قال له الربيع: يا أبا عبد الله، اذكر الله، فإنّه قد أرسل إليك بما لا دافع له غير الله، فقال جعفر(عليه السلام): لا حول ولا قوّة إلّا بالله.

ثمّ إنّ الربيع أعلم المنصور بحضوره، فلمّا دخل جعفر عليه أوعده وأغلظ له وقال: أي عدوّ الله، اتّخذك أهل العراق إماماً يجبون إليك زكاة أموالهم وتُلحِدُ في سلطاني وتبغيه الغوائل، قتلني الله إن لم أقتلك...».

وذيل القصّة ـ وهو جواب الإمام(عليه السلام) ـ هو ما يلي بحسب النقل الثاني:

«فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): والله ما فعلت ولا أردت، فإن كان بلغك فمن كاذب، وإن كنت فعلتُ فقد ظُلم يوسف فغفر، وابتلي أيّوب فصبر، واُعطي سليمان فشكر، فهؤلاء أنبياء الله وإليهم يرجع نسبك.

فقال له المنصور: أجل ارتفع هاهنا فارتفع، فقال: إنّ فلان بن فلان