188

السيّد الشهيد، وعادا معه أيضاً.

حين اعتُقل السيّد الشهيد اتّصل أحد المؤمنين(...) هاتفيّاً بأحد المسؤولين في الجمهوريّة الإسلاميّة، وأطلعه على قضيّة اعتقال السيّد الشهيد، والأوضاع المتأزّمة والخطيرة التي تحيط به، وما يتهدّد شهيدنا الغالي من أخطار، وقد أعلنت إذاعة الجمهوريّة الإسلاميّة (القسم الفارسيّ) خبر اعتقال السيّد الشهيد، وشهيدُنا العظيم مازال في الطريق متّجهاً إلى بغداد.

 

كيف بدأ الاحتجاز؟

 

قد ذكرنا سابقاً: لم يكن الإفراج عن السيّد الشهيد قد حصل باختيار السلطة وإرادتها، أو أنّ الحسابات قد صفّيت معه، بل الضرورة والظروف المعقّدة أجبرتهم على امتصاص جزء من غضب الجماهير المسلمة الثائرة حتّى حين، وذلك بالإفراج عن سيّدنا الشهيد الصدر.

ولنترك السلطة والإجراءات التي تعتزم اتّخاذها ضدّ شهيدنا العظيم؛ لنتعرّف انطباعات السيّد الشهيد عن هذا الموضوع، وما لمسه منهم في مديريّة الأمن العامّة:

قال لي(رحمه الله): كنت واثقاً بأنّ السلطة تعتزم إعدامي، وكانت مجريات التحقيق تدلّ على ذلك، وخاصّةً التأكيد على نوع وحجم الصلة والعلاقة بالسيّد الخمينيّ دام ظلّه، وتفسيرهم لها تفسيراً

189

سياسيّاً، أو (تآمراً) للإطاحة بالسلطة البعثيّة العميلة، ومن الطبيعيّ ـ في قوانين البعث ـ أن ينال الإعدام كلّ من يُتّهم بهذه التهمة.

قال المجرم البّراك مخاطباً السيّد الشهيد: لو كان أحد غيرك ـ ومهما كان ـ لنفّذنا فيه عقوبة الإعدام، ولكن لاعتبارات خاصّة تتريّث القيادة في اتّخاذ قرار الإعدام.

هذا الكلام أو نظيره سمعه السيّد الشهيد منهم مرّات عديدة خلال فترة اعتقاله في شهر رجب، ولم يكن يخفى على شهيدنا العظيم مغزاه، إذن فالإعدام هو القرار الذي كانت تفكّر به السلطة؛ لحسم الثورة وقائدها العظيم.

ولم يكن السيّد الشهيد (رحمه الله) يخشى هذا المصير، وهذه هي النقطة المهمّة، فالسيّد الشهيد(رحمه الله) كان يتمنّى الاستشهاد في سبيل الله، بسبب قناعته بأنّ أهمّ عنصر لنجاح الثورة الإسلاميّة في العراق هو أن يراق دمه الزكيّ؛ لتبقى الشعلة التي تنير الطريق، ويؤجّج الحماس في نفوس العراقيّين للإطاحة بسلطة البعث العفلقيّة، وهو القائل: «إنّ العراق بحاجة إلى دم كدمي».

وعلى هذا الأساس صمّم السيّد الشهيد على أن يبدأ مرحلة جديدة من التعامل مع السلطة تناسب المرحلة الجديدة للثورة، وهذا ما حدث، وأحسّت به السلطة خلال اعتقاله واستجوابه في شهر رجب.

فمثلاً: حين جاء مدير أمن النجف الأشرف مع أكثر من أربع مئة من أزلامه وأعوانه لاعتقال شهيدنا العظيم، واجهه السيّد الشهيد

190

مواجهة عنيفة. وفي مديريّة الأمن كان يرفض ويمتنع من الإجابة عن بعض الأسئلة على رغم إصرار البرّاك مدير الأمن العامّ وتهديده له بالإعدام إذا لم يقنع (القيادة السياسيّة) بإجابة وافية وكاملة عنها. وكان شهيدنا المظلوم يقول: «كنت قد هيّأتُ نفسي للاستشهاد، فلااُبالي أوقع الموت علىّ أم وقعت على الموت».

بعد الإفراج عن السيّد الشهيد إثر التظاهرات الاحتجاجيّة التي خرجت في النجف والكاظميّة والثورة والخالص وغيرها أخبرته بأنّ المؤمنين حين علموا باعتقالكم خرجوا في تظاهرات احتجاجاً على اعتقالكم، واستطاعت السلطة أن تعتقل عدداً منهم، وتزجّهم في السجون... فتأثّر السيّد الشهيد كثيراً، فأمر أحد الأشخاص القريبين منه أن يتّصل هاتفيّاً بمدير الأمن العامّ، ويبلغه: أنّ السيّد الصدر يطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين دون استثناء، وإلاّ فالسيّد الصدر سوف يغلق داره، ويمتنع عن العودة إلى حياته الاعتياديّة احتجاجاً على ذلك. بعد هذا الاتّصال طلب البرّاك فترة قصيرة ليبلغ (القيادة) بالموضوع، وبعد ذلك سيبلغ السيّد الصدر بالجواب، وقال: أنا أتوقّع خيراً إن شاء الله.

وقبل أن نتعرّف جواب (القيادة) يجب أن نشير إلى أنّ عدداً من قوّات الإرهاب في النجف قد قُتلوا أو جُرحوا على أيدي المؤمنين المتظاهرين، فكان من الصعب على السلطة أن تغضّ النظر عن ذلك، فالتغاضي سيشجّع المؤمنين على أعمال أكثر جرأة وشجاعة هذا من جانب، ومن جانب آخر أنّ تهديد السيّد الصدر لهم بإغلاق داره

191

يشكّل خطورة اُخرى أعظم من سابقتها، خاصّة وإنّ الاُمور ما زالت غامضة ومجهولة عن حجم التحرّك الثوريّ في رجب؛ لذلك كان جواب مدير الأمن العامّ إيجابيّاً، فقد اتّصل هاتفيّاً، وأبلغ السيّد الشهيد: أنّ (القيادة) قرّرت الإفراج عن جميع المعتقلين.

أمّا الواقع فلم يكن كذلك: فالذي ظهر فيما بعد هو: أنّ السلطة العفلقيّة أرادت أن تناور كعادتها، ففي الوقت الذي (تقنع) السيّد الصدر بالعودة إلى حياته الطبيعيّة تقوم بالإفراج عن بعض المعتقلين ممّن اعتقلوا لمجرّد الظنّ والتهمة، أو ممّن ليست لهم علاقة بالتظاهرة الاحتجاجيّة؛ تحاشيّاً من نقمة جماهيريّة اُخرى، في حين تستمرّ السلطة في الوقت نفسه باعتقال آخرين، وبدأت الأخبار تتواتر عن عمليات اعتقال مكثّفة لأعداد كبيرة من المؤمنين، ومن وكلاء السيّد الشهيد، والعلماء الذين ساهموا أو اشتركوا في الوفود، وفي مقدّمة هؤلاء: سماحة الحجّة السيّد قاسم شبّر (رحمه الله)، وحجج الإسلام: الشيخ عفيف النابلسيّ، والشيخ حسن عبد الساتر، والسيّد المبرقع، وغيرهم، حيث كانت السلطة قد رصدتهم، وسجّلت أسماءهم في نقاط التفتيش بواسطة العملاء المحلّيّين في مناطقهم.

أحسّت السلطة بأنّ لعبتها انكشفت، ولم ينخدع السيّد الصدر بالوعود الكاذبة، فقرّر إغلاق الباب احتجاجاً على السلطة.

إضافة إلى ذلك فإنّ السلطة أوعزت إلى قوّاتها باعتقال كلّ داخل وخارج من وإلى منزل السيّد الشهيد، ومراقبة منزله والأزقّة المحيطة والقريبة منه، مراقبة دقيقة ومستمرّة ليلاً ونهاراً.

هذا الإجراء كشف عن جانب من مخطّط السلطة، فهي تنتظر

192

اللحظة المناسبة للقضاء على الثورة وتصفية مفجّرها السيّد الصدر، فقرّر(رحمه الله)الاحتجاج على ذلك بالاعتصام وعدم العودة إلى الحياة الطبيعيّة؛ ليعلم الشعب أنّ المواجهة مستمرّة بين المرجعيّة والسلطة الحاكمة.

 

التخطيط لمحاولة اغتيال السيّد الصدر(قدس سره)

 

حينما أصبح واضحاً للسلطة قرار السيّد الشهيد الاحتجاجيّ اتّصل مدير الأمن العامّ فاضل البرّاك، وقبله مساعده المجرم المعروف بــ (أبي أسماء) مدير الشعبة الخامسة، وطلبا من السيّد الصدر التخلّي عن قراره، وقالا: إذا كنّا لم نفرج عن عدد من المعتقلين، فإنّ ذلك يعود إلى أمرين.

الأوّل: أنّ هناك إجراءات روتينيّة تفرض التأخير قليلاً، والمسألة مجرّد وقت فقط.

والثاني: أنّ بعض هولاء (اعتدوا) على بعض قوى الأمن الداخليّ بالأسلحة والرمي، ومع ذلك فأنا شخصيّاً ـ والكلام للبرّاك ـ سأبذل كلّ جهدي من أجل الإفراج عن هؤلاء أيضاً، وقال: إنّ هدفنا هو: أن لاتسوء العلاقات، أو تتعكّر الأجواء.

أمّا الحقيقة فليست كذلك؛ إذ وصلت السيّد الشهيد معلومات موثّقة: أنّ السلطة إنّما أرادت أن يعود السيّد الصدر إلى حياته الطبيعيّة، فيذهب كعادته في كلّ يوم إلى الحرم الشريف وإلى مسجد الشيخ الطوسيّ للبحث؛ ليتاح للسلطة اغتياله في حادث شجار

193

يفتعل بين بعض المرتزقة المجرمين من قوى الأمن، في الوقت الذي يتّفق فيه وجود السيّد الشهيد بالقرب منهم، إمّا في سوق العمارة، أو في شارع الإمام زين العابدين(عليه السلام)، فيقوم أحدهم بإطلاق النار على صاحبه، ويكون ـ على حسب الخطّة ـ ضحيّةُ هذا الشجار السيّدَ الصدر(رحمه الله)، ثُمَّ يتمّ بعد ذلك إعدام المجرمين على أساس قتلهم للسيّد الصدر، وبذلك يتخلّصون من السيّد الشهيد دون أن يتحمّلوا مسؤوليّة أو تبعات إعدامه، والذي زاد الشكوك، وعزّز هذه المعلومات هو أنّ مساعد مدير الأمن المجرم أبو أسماء اتّصل هاتفيّاً مرّات عديدة، وطلب من السيّد أن يباشر الدراسة، وكانت الاتّصالات لهذا الغرض فقط.

والأمر الآخر هو: أنّ بعض شرطة الأمن سألوا خادم السيّد: متى سيباشر السيّد أبحاثه ودروسه؟ ولهذا السبب ـ أيضاً ـ تظاهروا بفكّ الحجز عن السيّد الشهيد في الشهر الأخير من الاحتجاز، فقد استهدفوا إعادة الكرّة لعلّهم يفلحون في اغتيال المرجع المظلوم بدل إعدامه بشكل مباشر.

 

الإبلاغ الرسميّ بالاحتجاز

 

بعد أن فشلت السلطة العميلة في محاولاتها الإجراميّة لاغتيال السيّد الشهيد أبلغتنا السلطة الاحتجاز، فقد اتّصل مساعد مدير الأمن العامّ المجرم (أبو أسماء) مدير الشعبة الخامسة، وأخبر: بأنّ السيّد محتجز، ولايحقّ له الخروج من المنزل.

194

وقد قامت السلطة المجرمة بقطع الماء والكهرباء والتلفون عن منزل السيّد الشهيد، وبقينا أيّاماً بهذه الحال».

انتهى ما أردت نقله هنا من الشيخ النعمانيّ (حفظه الله) بتغيير يسير.

وقبل أن أنتقل إلى ذكر الاعتقال الرابع أذكر هنا اتّصالاً هاتفيّاً لاُستاذنا الشهيد(قدس سره)في أيّام احتجازه في البيت: اتّصل بأحد الأشخاص في إيران، وقرأ عليه ما يكون كجواب عن برقيّة أرسلها السيّد الإمام الخمينيّ ـ دام ظلّه ـ إليه يستفسره عن حاله، وأكبر الظنّ أنّ الاُستاذ الشهيد قد سمع البرقيّة بتوسّط إذاعة إيران.

وعلى أيّة حال، فنصّ الجواب ما يلي:

«سماحة آية الله العظمى الإمام المجاهد السيّد الخمينيّ دام ظله: استمعت إلى برقيّتكم التي عبّرتم بها عن تفقّدكم الأبوىّ لي، وإنّي إذ لايتاح لي الجواب على البرقيّة ـ لأ نّي مودع في زاوية البيت، ولايمكن أن أرى أحداً أو يراني أحد ـ لايسعني إلاّ أن أسأل المولى ـ سبحانه وتعالى ـ أن يديم ظلّكم مناراً للإسلام، ويحفظ الدين الحنيف بمرجعيّتكم القائدة، أسأله تعالى أن يتقبّل منّا العناء في سبيله، وأن يوفّقنا للحفاظ على عقيدة الاُمّة الإسلاميّة العظيمة، وليس لحياة أىّ إنسان قيمة إلاّ بقدر ما يعطي لاُمّته من وجوده وحياته وفكره، وقد أعطيتم للمسلمين من وجودكم وحياتكم وفكركم ما سيظلّ به على مدى التأريخ مثلاً عظيماً لكلّ المجاهدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

195

 

الاعتقال الرابع

 

اعتقل (رحمه الله) بعد ظهر يوم السبت في الساعة الثانية والنصف يوم ( 19 / جمادى الاُولى 1400)، وجاء بعض الجلاوزة في ليلة الأربعاء بعد نصف الليل المصادف (23 / جمادى الاُولى 1400) إلى بيت أحد أبناء عمّ اُستاذنا الشهيد، وهو المرحوم الحجّة السيّد محمّد صادق الصدر(قدس سره) لغرض إحضاره في عمليّة دفن اُستاذنا الشهيد بعد إراءتهم لجثمانه الطاهر إيّاه، وقد واروه في مضجعه بحضور السيّد محمّد صادق(رحمه الله).

وإليك تفصيل الكلام عن استشهاده، وعن دوافع السلطة الجائرة إلى قتله:

 

 

 

197

 

 

 

استشهاده رضوان اللّه تعالى عليه

 

 

 

 

 

 

199

 

 

 

 

إنّ اُستاذنا الشهيد الصدر (رحمه الله) لو كان يكفّ عن خدمة المبدأ والعقيدة، ويصبو إلى الدعة والراحة والالتذاذ بالزعامة، لكان صدام يغفر له ما سلف منه من تأسيس حزب الدعوة الإسلاميّة، وتأليف الكتب المبدئيّة، وتربية علماء للإسلام، وما إلى ذلك من خدماته الجليلة، ولكن هيهات للمرجعيّة الصالحة أن تخضع لمتطلّبات الكفر، وتخضع لطاغوت الزمان. وكانت المؤشّرات لدى البعث الكافر في العراق، ولدى الاستكبار العالميّ تدلّ على أنّ الصدر لو ترك لكان خمينيّاً ثانياً في العالم الإسلاميّ، وهي كثيرة(1)، منها ما يلي:

 


(1) ومن جملتها: نصّ رسالة هاتفيّة اُرسلت إلينا لغرض إيصالها إلى السيّد الإمام دام ظلّه، فكتبناها، وأوصلناها إلى السيّد الإمام، والنصّ الواصل إلينا هو باللّغة الفارسيّة حيث ترجمت فى النجف الأشرف، وقرئت علينا باللّغة الفارسيّة هاتفيّاً، فشكّلنا وفداً من أبناء اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) فى إيران لزيارة السيّد الإمام دام ظلّه؛ لإبلاغ النصّ الفارسىّ إليه مع تهانى وتبريكات اُستاذنا الشهيد بمناسبة انتصار الثورة الإسلاميّة. وكان الوفد مؤتلفاً منّى، ومن السيّد نورالدين الإشكوري، والسيّد محمّدباقر المهريّ، وإليكم النصّ الفارسىّ:

بسمه تعالى

حضرت آية الله العظمى الإمام المجاهد الخمينى دام ظلّه

اين نامه را به حضرت عالى در يكى از حسّاسترين لحظات تاريخ اسلام مينويسم تا بدين وسيله اعتماد واعتزاز بى نهايت خود را نسبت بپيروزيهاى غرور آفرين ملّت مسلمان ايران اظهار كنم.

پيروزيهاى پى در پى وچشمگيرى كه با رهبرى خردمندانه آن حضرت صورت گرفت وبرنامه نجات بخش اسلامى را بجاى دو تمدّن وايديئولوجى متقابل شرق وغرب به

200

1 ـ إفتاؤه بحرمة الانتماء إلى حزب البعث العميل.

2 ـ إفتاؤه بالكفاح المسلح ضدّ حزب البعث الكافر.

3 ـ دعمه للثورة الإسلاميّة في إيران، ولقيادة الإمام الخمينيّ ـ دام ظلّه ـ بكلّ ما اُوتي من قوّة، وأكتفي هنا بذكر بعض الأرقام من دعمه للثورة الإسلاميّة، ولقائدها الفذّ العظيم، وهي: رسالتان وبرقيّة، أرسل الاُولى إلى الشعب الإيرانيّ المسلم قبل انتصار الثورة الإسلاميّة، حينما كان الإمام الخمينيّ ـ دام ظلّه ـ في باريس، وأرسل الثانية بعد انتصار الثورة الإسلاميّة المباركة إلى طلاّبه الأعزّاء الذين هاجروا إلى إيران، وأرسل البرقيّة إلى العرب الساكنين في إيران.

 


بشريّت عرضه داشت.

پيروزى شكوهمندى كه با همّت عظيم ملّت مسلمان ايران به رهبرى حكيمانه آن حضرت تحقّق پيدا كرد واين سرزمين اسلامى را از لوث شبح طاغوت روز پاك كرد وشرافت وكرامت ملّت مسلمان ايران را كه جريحه دار شده بود از نو احياء وزنده كرد.

پيروزى تاريخى بزرگى كه با سعى ومجاهدت روحانيّت بيدار وآزاد اسلام به رهبرى آن حضرت صورت گرفت وبا همبستگى وهمفكرى تمام نيروهاى فكرى وروحانى وعملى جامعه روحانيّت بثمر رسيد كه در باب خود در تاريخ مجاهدات جامعه روحانيّت شيعه كم نظير است وهمين وحدت ويكپارچگى وهمبستگى بود كه اين پيروزى بزرگ اسلامى را براى جامعه مسلمان ايران تضمين نمود.

ودر اين هنگام كه با اميد ودعاى فراوان از درگاه الهى چشم براه مراحل بعدى پيروزى اين نهضت عظيم اسلامى هستيم همه وجود وامكانات خود را در خدمت آن وجود بزرگ ونهضت مقدّس اسلامى ميگذاريم واز خداوند متعال خواستاريم كه در عمر وعزّت آن حضرت بيافزايد وآرزوهاى ديرينه وبزرگ ما را در سايه مرجعيّت ورهبرى آن حضرت محقّق بفرمايد إن شاء الله.

محمّدباقر صدر

201

وإليك نصّ الرسالتين والبرقيّة:

الرسالة الاُولى: وهي موجّهة إلى الشعب الإيرانيّ قبل الانتصار:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمّد خير خلقه وعلى الهداة الميامين من آله الطاهرين.

وبعد: فإنّنا في النجف الأشرف إذ نعيش مع الشعب الإيرانيّ بكلِّ قلوبنا، ونشاركه آلامه وآماله، نؤمن أنّ تأريخ هذا الشعب العظيم أثبت أنّه كان ولايزال شعباً أبيّاً شجاعاً، وقادراً على التضحية والصمود من أجل القضيّة التي يؤمن بها، ويجد فيها هدفه وكرامته. ونحن إذا لاحظنا مسيرة هذا الشعب النضاليّة خلال الفترة المنظورة من هذا القرن، وجدنا أنّه خاض فيها بكلّ بطولة وإيمان عدداً من المعارك الباسلة في سبيل الحفاظ على كرامته، وتحقيق ما آمن به من طموحات خيّرة، وأهداف عالية، فمن قضيّة (التبغ) التي استطاع فيها هذا الشعب العظيم أن يكسر الطوق الذي أراد حكّامه ومخدوموهم المستعمرون أن يطوّقوا به وجوده، إلى قضايا (المشروطة) التي قاوم فيها الشرفاء الأحرار من أبناء هذا البلد الكريم ألوان التحكّم والاستبداد، في وقت كان العالم الإسلاميّ فيه غارقاً في أشكال مؤلمة من هذا الاستبداد، إلى الممارسات الفعليّة لهذا الشعب المكافح التي قدّم من خلالها حجماً عظيماً من التضحيات، ولايزال يقدّم، وهو يزداد يوماً بعد يوم إيماناً وصموداً وتأكيداً على روحه النضاليّة.

202

بين هذه الملاحم النضاليّة يبدوعمق الشخصيّة المذهبيّة للفرد الإيرانيّ المسلم، والدور العظيم الذي يؤدّيه مفهومه الدينيّ، وتمسّكه العميق بعقيدته ورسالته ومرجعيّته في مجالات هذا النضال الشريف. وفي كلّ هذه الملاحم نلاحظ: أنّ الروح الدينيّة كانت هي المعين الذي لا ينضب للحركة، وأنّ الشعارات الإسلاميّة العظيمة كانت هي الشعارات المطروحة على الساحة، وأنّ المرجعيّة الرشيدة كانت هي الزعامة التي تلتفّ حولها جماهير الشعب المؤمنة، وتستلهمها في صمودها وجهادها، ولاتوجد هويّة لشعب أصدق انطباقاً عليه وتجسيداً لمضمونه من الهويّة التي يتجلّى بها في ساحة الجهاد والبذل والعطاء، ولم يعبّر شعب عن حرّيّته النضاليّة تعبيراً أوضح وأجلى بما عبّر به الشعب الإيرانيّ المسلم عن هويّته الإسلاميّة، في كلّ ما خاضه من معارك شريفة كانت التعبئة لكلّ واحد منها تتّسم باسم الإسلام، وكانت المشاعر والقلوب تتجمّع على أساسه، وكانت القوى الروحيّة والمرجعيّة الصالحة هي التي تتقدّم المسيرة في نضاله الشريف. ولئن كان الشعب الإيرانيّ قد عبّر عن هويّته النضاليّة الأصليّة باستمرار، فإنّ نهضته الحيّة المعاصرة لهي التعبير الأروع عن تلك الهويّة النضاليّة المؤمنة، التي عبّر بها الشعب الإيرانيّ عن نفسه ولايزال، وهي من أعظم ذخائر الإسلام وطاقاته التي يملكها في التأريخ الإسلاميّ الحديث.

وتشير هذه الهويّة النضاليّة في خلال التجارب الجهاديّة التي مارسها ولايزال يمارسها شعب إيران المسلم إلى عدد من الحقائق

203

تبدو واضحةً كلّ الوضوح، ومن الضروريّ أن تشكّل إطاراً أساسيّاً ثابتاً لرؤية هذا الشعب لطريقه.

ومن تلك الحقائق الثابتة: أنّ الشعب الإيرانيّ كان يحقّق نجاحه في نضاله بقدر التحامه مع قيادته الروحيّة ومرجعيّته الدينيّة الرشيدة التحاماً كاملاً. واستطاع هكذا أن يحوّل الشعارات التي نادى بها إلى حقيقة. وما من مرّة غفل فيها هذا الشعب المجاهد عن هذه الحقيقة أو استغفل بشأنها إلاّ وواجه الضياع والتآمر، فالمرجعيّة الدينيّة الرشيدة والقيادة الروحيّة هي الحصن الواقي من كثير من ألوان الضياع والانحراف.

ومن تلك الحقائق: أنّ القيادات الروحيّة كانت تقوم بدورها هذا وتنجزه إنجازاً جيّداً، بقدر ما يسودها من التلاحم والتعاضد والوقوف جنباً إلى جنب. وما من مرّة استطاع الشعب الإيرانيّ المسلم أن يحقّق نصراً إلاّ وكان للتلاحم والتعاضد المذكور دور كبير في إمكانيّة تحقيق هذا النصر.

ومن تلك الحقائق أيضاً: أنّ المبارزة الشريفة لكي تضمن وصولها إلى هدفها الإسلاميّ لا بدّ أن تتوفّر في ظلّها نظرة تفصيليّة واعية وشاملة لرسالة الإسلام ومفاهيمها وتشريعاتها في مختلف مجالات الحياة الاجتماعيّة.

وبقدر ما تتوفّر من أساس فكريّ ورصيد عقائديّ للمبارزة ـ هذه النظرة التفصيليّة التي تميّز المعالم الفكريّة للهويّة النضاليّة ـ تكتسب المبارزة القدرة أكثر فأكثر على ممارسة التغيير، وتحقيق

204

أهدافها الإسلاميّة، وحماية شخصيّتها العقائديّة من تسلّل الآخرين.

وهكذا نرى أنّ المبارزة الشريفة التي تقود الشعب الإيرانىّ المسلم في كفاحه تدعو اليوم ـ أكثر من أىّ يوم مضى ـ بعد أن وصلت إلى هذه المرحلة الدقيقة من مسيرتها، واكتسبت ولاء الاُمّة ـ كلّ الاُمّة ـ على الساحة، أقول: إنّها مدعوّة اليوم ـ أكثر من أىّ يوم مضى ـ إلى أن تنظر بعين إلى الحاجات الفعليّة لمسيرتها، وتنظر بعين اُخرى إلى حاجاتها المستقبليّة، وذلك بأن تحدّد معالم النظرة التفصيليّة من الآن فيما يتّصل بأيديولوجيّتها ورسالتها الإسلاميّة الشريفة، وكما أنّها مرتبطة في النظرة الاُولى إلى الحاجات الفعليّة للمسيرة وتقييمها وتحديد خطواتها بالمرجعيّة الدينيّة المجاهدة كذلك لابدّ أن ترتبط بالنظرة الثانية ـ وفي تحديد معالم أيديولوجيّة إسلاميّة كاملة ـ بالمرجعيّة الدينيّة الرشيدة التي قادت كفاح هذا الشعب منذ سنين؛ لأنّ المرجعيّة هي المصدر الشرعيّ والطبيعىّ للتعرّف على الإسلام وأحكامه ومفاهيمه.

كما نرى ـ أيضاً ـ أنّ المبارزة الشريفة قد حقّقت مكسباً كبيراً حينما أفهمت العالم كلّه بخطأ ما كان يتصوّره البعض: من أنّ الإسلام لايبرز للساحة إلاّ كمبارز للماركسيّة، وليس من همّه بعد ذلك أن يبارز الطبقة الاُخرى، فإنّ هذا التصوّر كان يستغلّه البعض في سبيل إسباغ طابع التخلّف والتبعيّة على المبارزة الإسلاميّة، وقد تمزّق هذا التصوّر من خلال المبارزة الشريفة التي برزت على الساحة الإيرانيّة باسم الإسلام، وبقوّة الإسلام، وبقيادة المرجعيّة الدينيّة

205

الرشيدة؛ لتقاوم كياناً أبعد ما يكون عن الماركسيّة والماركسيّين.

وقد أثبت ذلك: أنّ الإسلام له رسالته وأصالته في المبارزة، وأنّ الإسلام الذي يقاوم الماركسيّة هو نفسه الإسلام الذي يقاوم كلّ ألوان الظلم والطغيان، وأنّ على المبارزة الشريفة ـ وقد آمن الشعب الإيرانيّ بقيادته الإسلاميّة ـ أن تكون على مستوى هذه المرحلة، وأن تدرك بعمق ما يواجهها من عداء عظيم لتحقيق أهدافه الكبيرة في عمليّة التغيير؛ لأنّ بناء إيران إسلاميّاً ليس مجرّد تغيير في الشكل والأسماء، بل هو ـ إضافة إلى ذلك ـ تطهير للمحتوى من كلّ الجذور الفاسدة، وملء المضمون ملأً جديداً حيّاً تتدفّق فيه القيم القرآنيّة والإسلاميّة في مختلف مجالات الحياة.

ولاشكّ في أنّ البطولة الفريدة التي تحقّقت بها المبارزة في عمليّة مكافحة الواقع الفاسد وهدمه تؤكّد كفاءتها لإدراك هذه المسؤوليّات وعمقها الروحيّ والاجتماعيّ والتاريخيّ.

ونسأل المولى ـ سبحانه وتعالى ـ أن يرعى التضحيات العظيمة التي يقدّمها الشعب الإيرانىّ المجاهد بقيادة علمائه، ويجعل من الدماء الطاهرة التي أراقها السفّاكون على الساحة شموعاً تُضيء بالنور؛ لتخرج إيران من ظلمات الاستبداد والانحراف إلى تطبيق الإسلام الشامل في كلّ مجالات الحياة.

وليست القافلة الأخيرة من الضحايا في مدينة (مشهد) المقدّسة إلاّ حلقة جديدة من مجازر الطغاة.

تغمّد الله الشهداء بعظيم رحمته، وألحقهم بشهدائنا السابقين

206

والصدّيقين والصالحين، وحسن اُولئك رفيقاً، والعاقبة للمتّقين، وسيعلم الذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون(1).

محمّد باقر الصدر

الرسالة الثانية: وهي موجّهة بُعَيد الانتصار إلى طلاّبه الذين كانوا قد هاجروا إلى إيران، وإليك نصّ الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

أولادي وأعزائي، حفظكم الله بعينه التي لاتنام.

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

أكتب إليكم في هذه اللحظات العظيمة التي حقّق فيها الإسلام نصراً حاسماً وفريداً في تأريخنا الحديث على يد الشعب الإيرانيّ المسلم، وبقيادة الإمام الخمينيّ دام ظلّه، وتعاضد سائر القوى الخيّرة، والعلماء الأعلام، وإذا بالحلم يصبح حقيقة، وإذا بالأمل يتحقّق، وإذا بالأفكار تنطلق بركاناً على الظالمين؛ لتتجسّد، وتقيم دولة الحقّ والإسلام على الأرض، وإذا بالإسلام الذي حبسه الظالمون والمستعمرون في قُمقُم يكسر القمقم بسواعد إيرانيّة فتيّة لا ترهب الموت، ولم يثنِ عزيمتها إرهاب الطواغيت، ثُمَّ ينطلق من القمقم ليزلزل الأرض تحت أقدام كلّ الظالمين، ويبعث في نفوس المسلمين جميعاً ـ في مشارق الأرض ومغاربها ـ روحاً جديدة وأملاً جديداً.


(1) هذه الرسالة قرأها اُستاذنا الشهيد(قدس سره) في مكالمة هاتفيّة من النجف الأشرف إلى بيت السيّد الإمام ـ دام ظلّه ـ في باريس.

207

إنّ الواجب على كلّ واحد منكم، وعلى كلّ فرد قدّر له حظّه السعيد أن يعيش في كنف هذه التجربة الإسلاميّة الرائدة: أن يبذل كلّ طاقاته وكلّ ما لديه من إمكانات وخدمات، ويضع ذلك كلّه في خدمة التجربة، فلاتوقّف في البذل، والبناءُ يشاد لأجل الإسلام، ولاحدّ للبذل، والقضيّةُ ترتفع رايتها بقوّة الإسلام، وعمليّة البناء الجديد بحاجة إلى طاقات كلّ فرد مهما كانت ضئيلة.

ويجب أن يكون واضحاً أيضاً: أنّ مرجعيّة السيّد الخمينيّ ـ دام ظلّه ـ التي جسّدت آمال الإسلام في إيران اليوم لابدّ من الالتفاف حولها، والإخلاص لها، وحماية مصالحها، والذوبان في وجودها العظيم بقدر ذوبانها في هدفها العظيم، وليست المرجعيّة الصالحة شخصاً، وإنّما هي هدف وطريق، وكلّ مرجعيّة حقّقت ذلك الهدف والطريق فهي المرجعيّة الصالحة التي يجب العمل لها بكلّ إخلاص. والميدان المرجعىّ أو الساحة المرجعيّة في إيران يجب الابتعاد بها عن أىّ شيء من شأنه أن يضعف أو لايساهم في الحفاظ على المرجعيّة الرشيدة القائدة.

أخذ الله بيدكم، وأقرّ عيونكم بفرحة النصر، وحفظكم سنداً وذخراً. والسلام عليكم يا أحبّتي ورحمة الله وبركاته.

التوقيع: أبوكم

البرقيّة: وهي مرسلة إلى الشعب العربيّ في إيران، حينما بدت بدايات المخالفة من قبل بعضهم للوضع الإسلاميّ القائم بقيادة السيّد

208

الإمام دام ظلّه، وإليك نصّ البرقيّة:

بسم الله الرحمن الرحيم

شعبنا العربىّ المسلم العزيز في إيران المجاهد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فإنّي اُخاطبكم باسم الإسلام، وأدعوكم ـ وسائر شعوب إيران العظيمة ـ لتجسيد روح الاُخوّة الإسلاميّة التي ضربت في التأريخ مثلاً أعلى في التعاضد والتلاحم في مجتمع المتقين الذي لافضل فيه لمسلم على مسلم إلاّ بالتقوى، مجتمع عمّار بن ياسر، وسلمان الفارسىّ، وصهيب الروميّ، وبلال الحبشىّ، مجتمع القلوب العامرة بالفكر والإيمان، المتجاوزة كلّ حدود الأرض المفتوحة باسم السماء ورسالة السماء، فلتتوحّد القلوب، ولتنصهر كلّ الطاقات في إطار القيادة الحكيمة للإمام الخمينيّ دام ظلّه، وفي طريق بناء المجتمع الإسلاميّ العظيم الذي يحمل مشعل القرآن الكريم إلى العالم كلّه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمّد باقر الصدر

النجف الأشرف ( 16 رجب )

4 ـ نداءاته الثلاثة إلى الشعب العراقيّ المضطهد بصوته الشريف في ضمن شريط مسجّل، والتي أصدرها في أواخر حياته المباركة، وقد اُذيعت بصوته الشريف من إذاعة إيران بعد استشهاده(رحمه الله)، وإليك نصّها:

209

النداء الأوّل:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله الطاهرين وصحبه الميامين.

أيّها الشعب العراقيّ المسلم.

إنّي اُخاطبك أيّها الشعب الحرّ الأبيّ الكريم، وأنا أشدّ إيماناً بك، وبروحك الكبيرة، بتأريخك المجيد، وأكثرهم اعتزازاً بما طفحت به قلوب أبنائك البررة من مشاعر الحبّ والولاء والبنوّة للمرجعيّة؛ إذ تدفّقوا إلى أبيهم يؤكّدون ولاءهم للإسلام، بنفوس ملؤها الغيرة والحميّة والتقوى، يطلبون منّي أن أظلّ إلى جانبهم اُواسيهم وأعيش آلامهم عن قرب؛ لأنّها آلامي.

وإنّي أودّ أن اُؤكّد لك ـ يا شعب آبائي وأجدادي ـ أ نّي معك وفي أعماقك، ولن أتخلّى عنك في محنتك، وسأبذل آخر قطرة من دمي في سبيل الله من أجلك، وأودّ أن اُؤكّد للمسؤولين أنّ هذا الكبت الذي فرض بقوّة الحديد والنار على الشعب العراقىّ، فحرمه من أبسط حقوقه وحرّيّاته في ممارسة شعائره الدينيّة لايمكن أن يستمرّ، ولايمكن أن يعالج دائماً بالقوّة والقمع.

إنّ القوّة لو كانت علاجاً حاسماً دائماً، لبقي الفراعنة والجبابرة!

أسقطوا الأذان من الإذاعة فصبرنا!

وأسقطوا صلاة الجمعة من الإذاعة فصبرنا!

210

وطوّقوا شعائر الإمام الحسين(عليه السلام)، ومنعوا القسم الأعظم منها فصبرنا!

وحاصروا المساجد وملأوها أمناً وعيوناً فصبرنا!

وقاموا بحملات الإكراه على الانتماء إلى حزبهم فصبرنا!

وقالوا: إنّها فترة انتقال يجب تجنيد الشعب فيها فصبرنا!

ولكن إلى متى؟! إلى متى تستمرّ فترة الانتقال؟! إذا كانت فترة عشرة سنين من الحكم لا تكفي لإيجاد الجوّ المناسب لكي يختار الشعب العراقىّ طريقه، فأىّ فترة تنتظرون لذلك؟! وإذا كانت فترة عشرة سنين من الحكم المطلق لم تتح لكم ـ أيّها المسؤولون ـ إقناع الناس بالانتماء إلى حزبكم إلاّ عن طريق الإكراه فماذا تأملون؟! وإذا كانت السلطة تريد أن تعرف الوجه الحقيقيّ للشعب العراقيّ، فلتجمّد أجهزتها القمعيّة اُسبوعاً واحداً فقط، ولتسمح للناس بأن يعبّروا خلال اُسبوع عمّا يريدون. إنّي اُطالب باسمكم جميعاً، اُطالب بإطلاق حريّة الشعائر الدينيّة، وشعائر الإمام أبي عبدالله الحسين(عليه السلام).

واُطالب باسمكم جميعاً: بإعادة الأذان، وصلاة الجمعة، والشعائر الإسلاميّة إلى الإذاعة.

واُطالب باسمكم جميعاً: بإيقاف حملات الإكراه على الانتساب إلى حزب البعث على كلّ المستويات.

واُطالب باسم كرامة الإنسان: بالإفراج عن المعتقلين بصورة تعسفيّة، وإيقاف الاعتقال الكيفىّ الذي يجري بصورة منفصلة عن القضاء.

211

وأخيراً، اُطالب باسمكم جميعاً، وباسم القيم التي تمثّلونها: بفسح المجال للشعب؛ ليمارس بصورة حقيقيّة حقّه في تسيير شؤون البلاد، وذلك عن طريق إجراء انتخاب حرّ ينبثق عنه مجلس يمثّل الاُمّة تمثيلاً صادقاً.

وإنّي أعلم أنّ هذه الطلبات سوف تكلّفني غالياً، وقد تكلّفني حياتي، ولكنّ هذه الطلبات ليست طلب فرد ليموت بموته، وإنّما هذه الطلبات هي مشاعر اُمّة وإرادة اُمّة، ولا يمكن أن تموت اُمّة تعيش في أعماقها روح محمّد وعلىّ، والصفوة من آل محمّد وأصحابه. وإذا لم تستجب السلطة لهذه الطلبات، فإنّي أدعو أبناء الشعب العراقىّ الأبىّ إلى المواصلة في حمل هذه الطلبات مهما كلّفه ذلك من ثمن؛ لأنّ هذا دفاع عن النفس، وعن الكرامة، وعن الإسلام رسالة الله الخالدة. والله ولىّ التوفيق.

محمّد باقر الصدر

(20 رجب 1399 هـ )

 

النداء الثاني:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله الطاهرين وصحبه الميامين.

يا شعبي العراقىّ العزيز.

يا جماهير العراق المسلمة التي غضبت لدينها وكرامتها،

212

ولحريّتها وعزّتها، ولكلِّ ما آمنت به من قيم ومثل، أيّها الشعب العظيم.

إنّك تتعرّض اليوم لمحنة هائلة على يد السفّاكين والجزّارين الذين هالهم غضب الشعب وتململ الجماهير، بعد أن قيّدوها بسلاسل من الحديد ومن الرعب والإرهاب، وخيّل للسفّاكين أنّهم بذلك انتزعوا من الجماهير شعورها بالعزّة والكرامة، وجرّدوها من صلتها بعقيدتها وبدينها وبمحمّدها العظيم؛ لكي يحولّوا هذه الملايين الشجاعة المؤمنة من أبناء العراق الأبىّ إلى دُمىً وآلات يحرّكونها كيف يشاؤون، ويزقّونها ولاء (عفلق) وأمثاله من عملاء التبشير والاستعمار، بدلاً عن ولاء محمّد وعلىّ صلوات الله عليهما.

ولكنّ الجماهير دائماً هي أقوى من الطغاة مهما تفرعَنَ الطغاة، وقد تصبر ولكنّها لا تستسلم، وهكذا فوجئ الطغاة بأن الشعب لايزال ينبض بالحياة، ولاتزال لديه القدرة على أن يقول كلمته، وهذا هو الذي جعلهم يبادرون إلى القيام بهذه الحملات الهائلة على عشرات الآلاف من المؤمنين والشرفاء من أبناء هذا البلد الكريم، حملات السجن والاعتقال والتعذيب والإعدام، وفي طليعتهم العلماء المجاهدون الذين يبلغني أنّهم يستشهدون الواحد بعد الآخر تحت سياط التعذيب!

وإنّي في الوقت الذي أدرك فيه عمق هذه المحنة التي تمرّ بك يا شعبي ـ يا شعب آبائي وأجدادي ـ اُؤمن بأنّ استشهاد هؤلاء العلماء، واستشهاد خيرة شبابك الطاهرين وأبنائك الغيارى تحت