407

 

أركان العقود وشرائطها

5

 

 

محلّ العقد

 

 

409

 

 

 

 

 

 

 

الركن الرابع: المحلّ.

وقد مضى منّا ذكر أهمّ ما كنّا نقصد بحثه هنا ضمن بحث الركن الثالث في آخر البحث عن كفاية أو عدم كفاية حصول الملك للبائع بعد بيعه. وعليه فنحن نحذف هنا بحث الركن الرابع مكتفين بما مضى هناك(1).

ولنختم حديثنا عن فقه العقود بالبحث عن المقبوض بالعقد الفاسد.


(1) راجع الصفحة 193 فصاعداً.

411

فقه العقود

 

 

الفصل الثالث

المقبوض بالعقد الفاسد

 

 

1 ـ ما ورد في الفقه الوضعي.

2 ـ جواز التصرّف وعدمه.

3 ـ الضمان وعدمه.

4 ـ وجوب الردّ إلى المالك وعدمه.

5 ـ ضمان المنافع.

6 ـ المثل في المثلي والقيمة في القيمي.

 

 

 

 

413

 

 

 

 

 

 

 

ما ورد في الفقه الوضعي:

ورد في التقنين المصري الجديد: «إذا كان العقد باطلاً أو قابلاً للإبطال وتوافرت فيه أركان عقد آخر فانّ العقد يكون صحيحاً باعتباره العقد الذي توافرت أركانه إذا تبيّن انّ نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام العقد»(1).

وقال السنهوري: إنّه ورد في المشروع التمهيدي بعد هذا النص ما يلي: «لو انّهما كانا يعلمان ببطلان العقد الأوّل»(2) ثم حذفت هذه الفقرة في الصياغة النهائية للقانون ولكن السنهوري ينصّ رغم هذا الحذف: انّ المقصود من هذه المادة هو إرادتهما للعقد الثاني لو علما ببطلان التصرّف الأصلي لا إرادتهما له بالفعل(3).

أمّا مثال ذلك فيمثل بانّه لو تعهّد شخص تعهّداً لا رجوع فيه بجعل شخص


(1) راجع الوسيط الجزء 1، الفقرة 305.

(2) نفس المصدر تحت الخط.

(3) نفس المصدر الفقرة 307.

414

آخر وارثاً له فيكون التعهّد باطلاً لانّ الشريعة الإسلامية لا تعرف عقد إقامة الوارث ولكنّه يتحوّل إلى وصية صحيحة يجوز الرجوع فيها، وكذلك لو أوصى وصية لاحقة لوصية سابقة وكانت الوصية اللاحقة باطلة تحوّلت إلى عدول صحيح عن الوصية السابقة(1).

أقول: إنّ هذا التحوّل إلى عقد مستبطَن أركانه في العقد الأوّل بمجرّد إحراز انّه لو علم ببطلان الأوّل لقصد الثاني ليس ممضى في الشريعة الإسلامية، نعم لو كان العقد الأوّل مستبطناً للعقد الثاني وزيادة بان لم تكن الزيادة محصّصة فقد صحَّ العقد الثاني إلّا انّ هذا لا يعني التحوّل من عقد إلى عقد.

وعلى أيّة حال فلو بطل العقد فقد وقع الكلام في فقهنا الإسلامي عن عدّة أحكام بالنسبة لما وقع عليه العقد الباطل:

 

جواز التصرّف وعدمه:

الأوّل: في جواز التصرّف وعدمه في ذاك المال فقد يقال بجوازه باعتبار انّ مالكه راض بتصرّفه فيه في مقابل تصرّفه هو في ما أخذه من المال.

واعترض عليه المحقّق النائيني(رحمه الله) بانّ هذا الرضا بالتصرّف في تلك العين انّما هو رضا معاملي وهو غير ممضى شرعاً حسب الفرض وليس رضاً مالكياً، من دون فرق في ذلك بين فرض جهله بفساد المعاملة أو علمه به فما يمكن ان يقال من أنّه مع فرض الجهل يصحّ القول بانّ رضاه بالتصرّف ليس رضا بالتصرّف في ملكه وانّما هو يعتقد بخروج العين من ملكه ومبنياً على ذلك رضى بالتصرّف


(1) راجع نفس المصدر، الفقرة 306.

415

ولكن مع فرض العلم يكون راضياً بالتصرّف في ملكه رغم علمه بالفساد، فرضاه ليس مقيداً بتصرّف المشتري فيما انتقل إليه شرعاً بل هو رضا بتصرّف المشتري في ملكه هو وهذا يجوّز التصرّف بلا إشكال.

أقول: ما يمكن ان يقال بهذا البيان من التفصيل بين فرض العلم وفرض الجهل يبطله المحقّق النائيني (رحمه الله) بانّه حتى في فرض العلم يكون رضاه بتصرّف المشتري في هذا المال مبنياً على فرض مالكيته له ولو تشريعاً أو عرفاً أو في صفحة اعتبار المتعاقدين وليس رضا بتصرّف المشتري في ما يملكه البائع نفسه، نعم لو عرفنا صدفة من الخارج بالرضا بذلك جاز التصرّف طبعاً وهذا غير داخل في محل الكلام(1).

أقول: إنّه مع العلم ببطلان العقد ان فرضنا رضاه بتصرّف المشترى في العين فلا محالة هو رضا بتصرّف المشتري في ملكه أي ملك البائع وامّا البناء على مالكية المشتري تشريعاً أو عرفاً أو في عالم اعتبار المتعامِلَين فلو كان دخيلاً في رضاه فانّما هو حيثية تعليلية وحتى لو كان تخلّف الحيثية التعليلية موجباً للبطلان فالحيثية التعليلية هنا لم تتخلّف فالملكية التشريعية أو العرفية أو في صفحة المتعاملين حاصلة بالفعل فإذا كان الرضا بالتصرّف فعلياً فلم لا يجوز التصرّف من قبل المشتري في العين؟!

نعم أصل شبهة جواز التصرّف لا تأتي في ما إذا كان النقص في الرضا كما في بيع المكره أو في أهلية صاحبه كما في الصغير ففي هذين الفرضين لا إشكال في حرمة التصرّف لانّ نفس ما جعل العقد معيباً جعل رضاه بتصرّف المشتري في المال معيباً.

 


(1) راجع منية الطالب 1: 116، وتقرير الشيخ الآملي 1: 296.

416

وعلى أيّة حال فالأولى في دفع الشبهة ان يقال: إنّ رضاه ليس رضا بالتصرّف في ماله وانّما هو رضا بنفس المعاملة ولو الباطلة، وتسليم المال إليه يكون من باب إحساسه بكونه ملزماً بذلك شرعاً لو اعتقد صحّة العقد أو عرفاً أو بلحاظ عالَم المتعاملين أو استطراقاً إلى تحصيل الثمن، نعم قد يتّفق علمنا برضاه لكنّه خارج عن محل البحث.

 

الضمان وعدمه:

والثاني الضمان وعدمه فقد يستدل على الضمان بروايات خاصّة واُخرى بمقتضى القواعد.

مقتضى الروايات الخاصّة:

امّا الروايات الخاصّة فهي الروايات الواردة في كون ثمن ولد الجارية المسروقة لصاحبها(1) حيث يستدل الشيخ (رحمه الله) بها على أنّه لو كان ضامناً للنماء وهو الولد فهو ضامن للأصل بطريق أولى(2)، ويقول المحقّق النائيني (رحمه الله): انّه ليس بطريق أولى لانّنا لا نحسّ بالأولويّة في المقام بل بالمساواة أو العينية، لانّ ضمان النماء فرع ضمان الأصل وبعين نماء الأصل كما انّ النماء تابع للأصل(3).

والشيخ (رحمه الله) أصبح في المقام بصدد دفع إشكال على هذا الاستدلال وهو: انّ ضمان الولد في المقام لعلّه انّما كان لأجل الإتلاف فلا تدلّ هذه الروايات على


(1) راجع الوسائل 14: 591 ـ 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(2) راجع المكاسب 1: 101، بحسب طبعة الشهيدي.

(3) راجع تقرير الشيخ الآملي 1: 297 و 298، ومنية الطالب 1: 117.

417

ضمان اليد، وأجاب على ذلك بانّ المقام ليس من قبيل الإتلاف لانّ المشتري لم يستوف النماء ولم يملكه بل هو حرّ، فهو من قبيل احداث النماء غير قابل للملك فهو كالتالف لا كالمتلَف.

والشيخ النائيني (رحمه الله) حاول تعميق مطلب الشيخ الانصاري (قدس سره) حيث قد يقال عليه: إنّ عدم استيفاء المشتري للولد لكونه حراً لا يعني عدم الإتلاف فانّ الإتلاف قد يكون بالاستيفاء كمَن سكن دار غيره غصباً مثلاً فقد استوفى منفعة الدار، وقد يكون بالتسبيب كمَن قفل على باب دار غيره ومنع صاحبه من سكنى الدار فقد اتلف عليه المنفعة من غير استيفاء، وما نحن فيه من قبيل الثاني فالمشتري وإن لم يستوف الولد لانّه لم يملكه ولكنّه اتلفه على مولى الامة بالتسبيب فأجاب الشيخ النائيني (رحمه الله) على ذلك بانّ المقام ليس من الاستيفاء ولا من الإتلاف بالتسبيب، امّا الأوّل فلانّه لم يملك الولد ولم يستوفه، وامّا الثاني فلانّ المولى لم يكن مالكاً لهذا الولد ثمّ اتلفه المشتري كما في منفعة الدار المقفولة بل حكم عليه الشارع ابتداءً بالحرية فهو كالتلف السماوي فالضمان في المقام ليس إلّا ضمان يد، فضمانه للمنفعة هنا يكون بسبب يده على العين الموجبة لضمان العين ولضمان المنفعة تبعاً لضمان العين(1).

والسيد الخوئي ذكر انّه ربما يستظهر من كلام الشيخ الانصاري (رحمه الله) انّه يعتقد انّ محل البحث في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده انّما هو ضمان


(1) راجع منية الطالب 1: 117 ـ 118، إلّا انّه يظهر فيه انّ مثال منع مالك الدار عن سكناها بمثل القفل مثال لضمان اليد امّا تقرير الشيخ الآملي 2: 297 ـ 299، فبيانه لا يفي بالمطلب إلّا انّه يظهر منه ان مثال منع مالك الدار عن سكناها بمثل القفل مثال للإتلاف بالتسبيب.

418

اليد دون ضمان الإتلاف، وإلّا لما كان داع لدفع الدخل المقدر ببيان أنّ حرية الولد من قبيل التلف لا من قبيل الإتلاف واعتَرَضَ عليه بانّه لا وجه لتخصيص البحث بضمان اليد فانّ السبب في الحاجة إلى هذا البحث هو شبهة انّ صاحب المال هو الذي سلّط المشتري على المال بضمان المسمّى والتسليط قد أبطل ضمان المثل ولم يسلم له ضمان المسمّى لفساد العقد، وهذه الشبهة كما ترد على ضمان اليد كذلك ترد على ضمان الإتلاف(1).

أقول: قد لا يكون مقصود الشيخ (رحمه الله) اختصاص البحث بضمان اليد بل يكون مقصوده: انّ مفاد هذه الأحاديث أخصّ من المدّعى لانّها انّما دلّت على ضمان الإتلاف وضمان الإتلاف أوضح في ارتكاز العقلاء من ضمان اليد، خاصّة إذا كان إتلاف المنفعة بالاستيفاء لا بالتسبيب فلا يتعدّى منه إلى ضمان اليد، ولعلّه لهذا اقتصر الشيخ الانصاري في المقام على توضيح عدم الاستيفاء، ولم يذكر ما أضافه الشيخ النائيني من عدم التسبيب.

إلّا انّ الذي يؤيد كلام السيد الخوئي في المقام من أنّ الشيخ كان يرى اختصاص البحث بضمان اليد في مورد التلف دون ضمان الإتلاف انّه ذكر نظير كلامه هنا في بحث قاعدة ما لا يضمن أيضاً حيث خصّص هناك في مسألة ضمان منافع العين المبيعة بالبيع الفاسد البحث بالمنافع غير المستوفاة(2).

وعلى أيّة حال فقد اعترض السيد الخوئي على الاستدلال بهذه الروايات بانّ الكلام في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد انّما هو في ما إذا كان هناك تسليط


(1) راجع مصباح الفقاهة 3: 86.

(2) راجع المكاسب 1: 103، بحسب طبعة الشهيدي.

419

من قبل المالك على المال حيث تأتي شبهة انّ التسليط رفع الضمان، امّا في مورد هذه الروايات فالتسليط انّما كان من قبل السارق، ومن الواضح انّ هذا التسليط لا يوجب رفع الضمان ويثبت في ذلك الضمان حتى فيما لا يضمن بصحيحه كالهبة(1).

مقتضى القواعد العامّة:

وأمّا إثبات الضمان بمقتضى القواعد فعمدة ما يذكر في ذلك وجوه ثلاثة:

الأوّل ـ قاعدة اليد:

والمقصود بذلك إمّا هو الحديث النبوي: على اليد ما أخذت حتى تؤدّي(2)أو القاعدة التي عليها سيرة العقلاء وارتكازهم.

وقد أورد على الأوّل بضعفه سنداً وبعدم شموله للمنافع دلالة لانّ المنافع لا تؤخذ ولا تأتي تحت اليد وكذلك الأعمال المضمونة في الإجازة الفاسدة(3).

وأجاب الآخوند (رحمه الله) على إشكال خروج المنافع بانّ ضمان المنفعة لا نثبته بتطبيق رواية على اليد على المنفعة بل نثبته بتطبيقها على العين فضمان العين يعني ضمانها بمالها من شؤون ومنافعها من شؤونها، وبما انّ اليد قد ثبتت على العين فقد


(1) راجع مصباح الفقاهة 3: 90 والمحاضرات 2: 146.

(2) راجع سنن البيهقي 6: 9، كتاب العارية، وكنز العمال 5: 257، ومسند أحمد 5: 8، وصحيح الترمذي بشرح ابن العربي 6: 21، وسنن أبي داود السجستاني 3: 296، باب تضمين العارية، وفي محكي رواية البيهقي: «حتى تؤديه».

(3) الإشكال بعدم الشمول للمنافع والأعمال ورد في المكاسب 1: 103، بحسب طبعة الشهيدي، وإشكال ضعف السند أبطله الشيخ بالانجبار واقرّه السيد الخوئي في المحاضرات 2: 151، ومصباح الفقاهة 3: 87 ـ 88، باعتبار عدم إيمانه بمبنى الانجبار.

420

ثبت بحكم رواية على اليد ضمان منافعها لانّه داخل في ضمان العين وليس ضماناً آخر(1).

واعترض عليه الشيخ الاصفهاني (رحمه الله)(2) بانّه في مثل الإجارة ليست العين مضمونة ونحن نتكلّم في ضمان المنفعة فيها وعندئذ لا يمكن تفسير ضمان المنفعة بضمان العين لانّ المفروض عدم ضمانها.

أقول: من الممكن تفسير كلام الشيخ الآخوند (رحمه الله) بانّ اليد على العين هي التي تقتضي كل شُعَب ضمانها من تدارك تلفها لو تلفت وتدارك أوصافها لو تلفت الأوصاف وتدارك منافعها كذلك، وفي باب الإجارة تكون بعض هذه الشُعَب غير مضمونة وهي شعبة تدارك تلفها أو تلف أوصافها ولكن المنافع تبقى مضمونة لا باليد على المنافع حتى يقال باختصاص الجديد بالأعيان، بل باليد على العين فالمانع الذي منع عن تأثير اليد للضمان انّما منع عن بعض شُعَب الضمان لا عن تمامها.

وأمّا السيد الخوئي فقد ذكر في المحاضرات: انّ إشكال عدم صدق الأخذ وعدم دخول المنافع تحت اليد محلول بانّ دخول كل شيء تحت اليد بحسبه ودخول المنافع تحت اليد يكون بتبع دخول العين تحتها ولكن مع ذلك لا يشمل حديث على اليد المنافع وذلك لانّ كلمة حتى تؤدّي تختص بالعين دون المنفعة لانّ المنفعة غير قابلة لان تؤدّى بنفسها(3).

 


(1) تعليقة الآخوند على المكاسب: 31.

(2) في تعليقته على المكاسب 1: 79.

(3) المحاضرات 2: 151، ومصباح الفقاهة 3: 128، ثم ذكر في المحاضرات في الصفحة 184، عدم صدق عنوان أخذ المال على الاستيلاء على المنافع وهذا كما ترى يناقض ما ذكره هنا من صدق الأخذ على المنافع ونفس هذا التناقض موجود أيضاً في مصباح الفقاهة الجزء 3، بين ما في الصفحة 128 وما في الصفحة 140.

421

أقول: إن قصد بهذا الكـلام انّ المنفعة لا تؤدّى إلّا بواسطة أداء العين قلنا:لا فرق في ذلك بين الأخذ والأداء ولا وجه لافتراض انّ الأخذ يمكن ان يشمل بإطلاقه أخذ المنفعة لانّها تؤخذ ولو بواسطة أخذ العين ولكن الأداء لا يشمل بإطلاقه أداء المنفعة بواسطة أداء العين.

ولكن من المحتمل أن يكون مقصود السيد الخوئي بذلك: أنّ رواية على اليد تدلّ على أنّ اليد حينما تأخذ شيئاً يكون ذلك الشيء مضموناً عليه ما دام لم يؤدّه، ومعنى كونه مضموناً هي القضية الشرطية وهي انّه لو تلف لكان تداركه عليه والغاية لهذا الضمان هي أداء ذلك الشيء، والعين يمكن أداؤها بعد زمان لو لم تتلف وبذلك تحصل الغاية وينتهي الضمان، وأمّا المنفعة فهي باعتبار تصرمّها لا يمكن أداء المقدار الذي فات منها بمرور الزمان فلا تحصل الغاية بشأنها وتكون ذلك قرينة على خروج المنفعة من الإطلاق.

وهذا المعنى اتقن من المعنى الأوّل وهو المستفاد من المصباح(1) وإن كانت عبارة المحاضرات أظهر في المعنى الأوّل بقرينة عطفه للأعمال على المنافع وبقرينة تعبيره بعدم إمكان أداء المنفعة بنفسها ممّا يوحي إلى إمكان الأداء بالمعنى الذي يتم ضمن أداء العين لا بنفسها.

وأمّا تفسير قاعدة اليد على أساس السيرة والارتكاز فهو متّحد مع التفسير الثاني من تفسيري قاعدة الإقدام التي سنبحثها الآن.

والثاني ـ قاعدة الإقدام وهي أيضاً تفسّر بتفسيرين:

التفسير الأوّل ـ افتراض كون الإقدام على الضمان هو المقتضي للضمان


(1) مصباح الفقاهة 3: 128.

422

وبما انّ العقد كان صحيحه مشتملاً على الضمان وقد أقدم عليه العاقد اذن فحتىمع فرض البطلان يكون نفس إقدامه هذا كافياً في الضمان.

وقد أورد عليه الشيخ الانصاري (رحمه الله) على ذلك باُمور(1):

1 ـ انّ الإقدام كان على ضمان المسمّى ولم يتم وضمان المثل بحاجة إلى دليل آخر ولم يكن إقدام على جامع الضمان إلّا ضمن إقدامه على الفصل وهو خصوص المسمّى.

2 ـ انّه قد يثبت الإقدام من دون ثبوت الضمان كما في مورد التلف قبل القبض.

3 ـ انّه قد يثبت الضمان من دون الإقدام كما لو قال بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا اجرة.

وعبّر المحقّق الاصفهاني (رحمه الله)(2) عن هذا النقض بانّه لو قلنا في ذلك بالضمان انتقض كون الدليل هو الإقدام إذ لا إقدام في المقام ولو قلنا بعدم الضمان انتقضت قاعدة ما يضمن.

4 ـ وكذلك يثبت الضمان من دون الإقدام في ما لو اشترط ضمان المبيع على البائع.

وأضاف السيّد الخوئي على إشكالات قاعدة الإقدام بانّه أساساً لا وجه لفرض الإقدام على الضمان موجباً للضمان فلو أقدم أحد على أن يكون مال فلان مضموناً عليه من دون ان يضع يده عليه أو يعقد عليه بعقد البيع أو غيره أفهل يكون ذلك موجباً لضمانه؟!(3).


(1) راجع المكاسب 1: 102 ـ 103، بحسب طبعة الشهيدي.

(2) راجع تعليقته على المكاسب 1: 77.

(3) راجع المحاضرات 2: 150، ومصباح الفقاهة 3: 96.

423

والتفسير الثاني ـ انّ مقتضى الضمان هي اليد والمانع عنه التسليط المجانيّ من قبل المالك وقاعدة الإقدام تفيد انّه لم يكن في المقام تسليط مجانيّ فانّ صاحب اليد قد دخل في الأمر مبنياً على الضمان فالإقدام العقدي كان على الضمان لا على عدم الضمان.

وبهذا التفسير أبطل السيد الخوئي عديداً من الإشكالات الماضية فمن الواضح انّه بناء على هذا التفسير ينحل الإشكال الأوّل والثاني وكذا الإشكال الأخير الذي أورده السيّد الخوئي ولا يبقى إلّا الإشكال الثالث والرابع.

أمّا الإشكال الثالث فيجاب عليه بانّنا نسلّم في البيع بلا ثمن أو الإجارة بلا اجرة بعدم الضمان ونرى انّهما ليسا بيعاً وإجارة بل هبة وعارية ولا ضمان فيهما(1).

ويمكن ان يستخلص من كلام الشيخ الاصفهاني (رحمه الله) أو يستوحى منه(2) انّ قوله بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا اجرة إمّا هبة وعارية فلا ضمان فيهما أو تناقض في الكلام فلم يقع عقد أصلاً لا صحيح ولا باطل لكي يفرض انّ الإقدام العقدي كان على عدم الضمان ومع ذلك ثبت الضمان لانّ في صحيحه ضمان.

وأمّا الإشكال الرابع وهو النقض بما لو اشترى شيئاً بشرط ضمان البائع للمبيع فقد أجاب عليه في المصباح(3) بانّ ضمان المسمّى موجود إلّا انّه شرط ضماناً على البائع من دون سبب وسواء قلنا بنفوذ الشرط أو فساده بلا إفساد أو مع إفساد فالإقدام على الضمان ثابت.

 


(1) راجع المحاضرات 2: 150، ومصباح الفقاهة 3: 97.

(2) راجع تعليقة الشيخ الاصفهاني على المكاسب 1: 77 ـ 78.

(3) مصباح الفقاهة 3: 97.

424

هذا وقد ذكر استاذنا الشهيد (رحمه الله): انّ المأخوذ بالبيع الفاسد يكون مضموناً بأقلّ الأمرين من المسمّى والمثل، فلو كان المثل أقل لم يضمن الزائد لانّ سبب ضمان الزيادة هو العقد وقد كان باطلاً، ولو كان المسمى هو الأقل فسبب ضمان المثل وهي اليد وإن كان موجوداً ولكن الذي يمنع عن ضمان الزيادة هدر صاحب المال لماله بمقدار الزيادة برضاه بالمبادلة بما هو أقل.

أقول: لعلّه ليس مقصوده (رحمه الله) بذلك دعوى هدر المالك لكرامة ماله بمقدار الزيادة بمجرّد التسليط الخارجي، إذ من الواضح انّه على تقدير جهله بالبطلان ليس هذا هدرا لكرامة ماله بل يكون من قبيل ما لو سلطني على مال بعنوان ردّ الأمانة بتخيل انّه مالي ثم انكشف انّه كان ماله بل مقصوده (رحمه الله) هو الهدر بالرضا بالمعاملة وإيقاعها على ماله، فهذا وإن لم يكن يرفع الحرمة التكليفية في التصرّف لانّه رضا معاملي كالرضا بدفع ثمن الزنا إلى الزانية أو ثمن الخمر إلى بائعها وأمثال ذلك لكنّه يرفع الضمان.

ولازم ذلك هو القول بعدم الضمان في مثل باب الزنا أو بيع الخمر ونحو ذلك للثمن لو تلف وان وجب عليه ردّ العين مع بقائها.

ولا بأس بالالتزام بهذا اللازم كما نرى انّ المحقّق في الشرائع ذكر في المشترى الجاهل بالغصب فيما إذا جاءه صاحب العين المشتراة التالفة وأخذ منه القيمة: انّه يرجع على البائع بمقدار ما دفع من القيمة اي انّه لو كان أقل من المسمّى لم يكن البائع ضامناً للزيادة(1).

نعم لو ندم على ما أوقعه من البيع الفاسد ومع ذلك دفع العين مجبوراً أو من


(1) راجع الجواهر 37: 179.

425

باب الاعتقاد بلزوم المعاملة فهنا يشكل تأ تّي كلام استاذنا الشهيد (رحمه الله) من ضمان أقل الأمرين لانّه حين التسليط لم يكن الرضا المعاملي موجوداً.

ثم انّ لازم كلام استاذنا الشهيد (رحمه الله) هو ان نفصّل في باب الضمان بين ما لو كان أحدهما قد تسلّم ما انتقل إليه بالعقد الفاسد ولم يتسلّم الآخر، وما لو كانا قد تسلّما معاً، فإن كان قد تسلّم أحدهما فقط ما انتقل إليه وتلف في يده قبل إظهار الآخر للندم ومطالبته بإرجاع المال فهو ضامن بأقل الأمرين كما قاله استاذنا (رحمه الله)، فإن كان المسمى أقل لا يعطيه إلّا المسمى لانّ صاحبه قد هدر ماله بمقدار الزيادة على المسمى وإن كان المثل أقل لا يعطيه إلّا المثل لان تبدّل الضمان إلى المسمّى انّما هو نتيجة العقد والمفروض بطلانه، امّا لو كانا قد تسلّما معاً وتلفا معاً قبل إظهار أحدهما الندم والمطالبة بإرجاع المال فالنتيجة هي نتيجة ضمان المسمّى دون المثل فانّ العوضين لو لم يكونا متساويين بحسب السعر السوقي فحتماً يكون أحدهما قد أعطى ماله بأكثر من ثمن المثل، والآخر قد أعطى ماله بأقل من ثمن المثل فمن أعطى ماله بأقلّ من ثمن المثل فقد هدر هو كرامة ماله بمقدار زيادة المثل على المسمّى فلا يستحقّ إلّا المسمى وقد أخذه، ومن أعطى ماله بأكثر من ثمن المثل فصاحبه قد هدر كرامة ماله بمقدار زيادة المسمى على المثل فليست لصاحبه المطالبة بإرجاع الزيادة، نعم لو تلف أحدهما دون الآخر كان لمَن تلف ماله حقّ التراجع قبل تلف الآخر واسترجاع الزيادة إن كان التالف أقلّ قيمة من الباقي.

والثالث ـ قاعدة لا ضرر ولا نطيل الكلام في كيفية الاستدلال بها في المقام إلّا انّنا نشير إلى انّ تطبيق هذه القاعدة في المقام ينبغي أن يكون بمعنى انّ حقّ الضمان ثابت هنا عقلائياً فيكون نفيه ضرراً فقاعدة لا ضرر لا تنتج في المقام شيئاً

426

أكثر ممّا يُنتجه الارتكاز العقلائي والذي يعبّر عنه في ما مضى في شرح الوجهين الأوّلين بقاعدة اليد أو قاعدة الإقدام، وانّما يكون أثر قاعدة لا ضرر أنّه لولاها لكان الاستدلال بالارتكاز أو السيرة العقلائيين متوقّفاً على كشف إمضاء الشريعة عن طريق سكوتها عن الردع، وقاعدة لا ضرر تقوم مقام كشف الإمضاء بعدم وصول الردع فلو أن أحداً لم يقبل دلالة عدم وصول الردع على الإمضاء إمّا لمنع كون السكوت دليلاً للإمضاء أو لمنع دلالة عدم وصول الردع على عدم صدور الردع تكفيه في المقام قاعدة لا ضرر.

وقد اتضح بكل ما ذكرناه انّ قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده لا تتمّ إلّا بمقدار تمامية اليد في التأثير فلا تجري القاعدة في مثل المسابقة الفاسدة وبكلمة اُخرى ليس المهم الحديث عن عنوان ما يضمن بصحيحه فانّه لم يرد في آية أو رواية، وانّما المهم البحث عن موارد تأثير اليد وعدمه فمثلاً في ما مضى من مسألة بيع الخمر يكون المقدار المفيد من البحث ما اشرنا إليه من أنّ البائع لا يضمن الثمن لانّ المشتري هو الذي هدر كرامة ماله بجعله في مقابل الخمر، ولا فائدة في البحث عن أنّ عدم ضمان البائع لثمن الخمر هل هو نقض على قاعدة ما يضمن لانّ البيع الصحيح فيه ضمان أو ليس نقضاً عليها لانّ بيع الخمر لو صحّ لم يضمن فيه الثمن بغير نفس الخمر !

وفي ختام الحديث عن قاعدة ما يضمن نشير إلى أنّه إذا كان أحدهما عالماً بالفساد والآخر جاهلاً به فقد يقال: لا ضمان على الجاهل لانّ المغرور يرجع إلى مَن غرّه بل حتى لو كانا جاهلين وكان أحدهما هو المحرّك للآخر والمؤثّر عليه في الدخول في هذه المعاملة فقد يتصوّر أيضاً دخول المورد في قاعدة رجوع المغرور إلى من غرّه.

427

والجواب ـ كما افيد في المقام ـ: انّ الجاهل ليس جاهلاً بالضمان كي تطبق عليه هذه القاعدة لرفع الضمان وانّما هو جاهل بالفساد وهو مقدّم بالفعل على الضمان.

نعم لو كان المسمّى أقل من المثل فهو جاهل بضمان الفارق فيرجع فيه إلى الغارّ وهذا تأييد لجزء من الرأي الذي نقلناه عن استاذنا الشهيد (رحمه الله) من ضمان أقل الأمرين.

هذا تمام الكلام في قاعدة ما يضمن.

وأمّا قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده فقد اتضح ما ينبغي أن يكون مدركاً لها من تضاعيف بحثنا عن اختها وهو هدر المالك لكرامة ماله بأحد وجهين:

إمّا بالتسليط الخارجي لصاحبه عليه وهو يختصّ بفرض العلم بالفساد في مثل الهبة بناء على كونه تمليكاً لا اجازة للتملّك بالحيازة، أمّا لو كان جاهلاً بالفساد فالتسليط الخارجي انّما وقع في نظره على ما هو مملوك لصاحبه، وكذلك في تسليم العين المؤجرة إلى المستأجر فانّه أيضاً لدى العلم بالفساد يكون قد سلطه على العين بلا ضمان، أمّا مع الجهل فانّما سلّطه على العين بتخيّل صحّة الإيجار والشرط الضمني الذي يقتضي تسليم العين وليس هذا من نوع التسليط المجاني الذي يرفع الضمان.

وإمّا بالتسليط المعاملي وإيقاعه للمعاملة راضياً بها وهذا ما يشمل فرض الجهل أيضاً.

ولا داعي للبحث عن أنّ العين المؤجرة هل هي غير مربوطة بالقاعدة لانّ الإجارة وقعت على المنفعة لا على العين أو مربوطة بها لانّ الشرط الضمني

428

يقتضي تسليم العين وهذا كاف في كون العين داخلة في المقبوض بالعقد، أو لانّ الإجارة عقد تقع على العين وإن كان مفادها تمليك المنفعة أقول: لا داعي لهذا البحث بعد أن كانت القاعدة لم ترد في آية أو رواية.

هذا. ولا نقبل القاعدة إلّا في مورد يكون قرار المتعاملين على عدم الضمان أو لم تكن هناك يد.

بعض النقوض على قاعدة ما لا يضمن:

وقد ذكرت في المقام فروع للنقض على قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ونحن نتعرّض لها أو لبعضها لا كنقض على القاعدة لانّ القاعدة ليست مفاد آية أو رواية وانّما نحن ندور مدار ما عرفته من الدليل من الهدر أو التسليط المجاني بل لكونها في نفسها فروعاً قابلة للتعرّض والبحث:

فمنها ـ ما لو استعار المحرم الصيد من المحل فتلف الصيد في يده أمّا لو أرسله فلا إشكال في الضمان على الأقل للإتلاف الذي يوجب الضمان حتى في صحيح العارية.

وذكر السيد الإمام (رحمه الله): إنّ فرض فساد العارية كي يمكن أن يكون المورد مصداقاً لما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده يمكن إثباته بوجهين(1):

الوجه الأوّل ـ انّ النهي قد تعلّق بالصيد لا بمعنى الاصطياد بل بمعنى ذات الحيوان وهو عين خارجية لا معنى لتعلّق النهي به حقيقة فتعلّق النهي به يدلّ على النهي عن جميع التصرّفات والتقلّبات الراجعة إليه من اصطياده وأكله وبيعه وشرائه وغير ذلك كي يكون بمنزلة تعلّق النهي بذات العين باعتبار انّه إذا حرمت


(1) راجع كتاب البيع 1: 302 ـ 304.

429

جميع تقلّبات العين فكأنّما العين حرمت بتمام حقيقتها، وتحريم التصرّفات العملية كالاصطياد والعين ظاهر في الممنوعية النفسية أي الحرمة التكليفية، وتحريم التصرّفات القانونية كالبيع والشراء ظاهر في الممنوعية الوضعية أعني البطلان وليست الحرمة التكليفية والوضعية معنيين مختلفين كي يقال: لا جامع بينهما بل هما معاً بمعنى المنع غاية الأمر انّ المنع إذا كان نفسياً كان مساوقاً للحرمة التكليفية، وإذا كان وضعياً كان مساوقاً للبطلان.

أقول: إنّ التصرّفات القانونية تقبل التحريم النفسي والتحريم الوضعي وهما وإن كانا بمعنى المنع لكنّهما على أي حال فردان من المنع ولا يستفاد من إطلاق المنع الجمع بينهما لانّ الإطلاق ليس جمعاً بين القيود، نعم لو تعلّق المنع ابتداء في اللفظ بالتصرّفات القانونية انصرف بمناسبات الحكم والموضوع إلى المنع التكليفي، أمّا لو تعلّق بما يشمل التصرّفات القانونية والتصرّفات العملية فالقدر المتيقن من ذلك المنع النفسي لانّ التصرّفات العملية لا تقبل إلّا المنع النفسي ولا ينصرف بلحاظ حصّة من متعلّقه إلى المنع الوضعي.

الوجه الثاني ـ انّ قوام الاستعارة بجواز الانتفاع وقد حرم الانتفاع هنا لكون المستعير محرّماً فتكون الاستعارة باطلة لا محالة.

أقول: إنّ قوام الاستعارة يكون بزوال حرمة الانتفاع من ناحية كونه تصرّفاً في مال الغير امّا الحرمة الطارئة بنذر أو احرام أو كونه مضرّاً بصحّة مزاجه وسلامته مثلاً فلا تنفى صحّة الاستعارة.

وعلى أيّ حال فلا يهمنا الأمر في صحّة الاستعارة هنا وفسادها لانّنا لا نتكلّم في هذا الفرع بلحاظ النقض على قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وانّما نتكلّم فيه بلحاظ أصل ثبوت الضمان وعدمه.

430

وقد ذكر الشيخ الانصاري (رحمه الله) وجهاً للضمان ونصّه ما يلي:

«إلّا ان يقال: إنّ وجه ضمانه بعد البناء على أنّه يجب على المحرم إرساله وأداء قيمته انّ المستقر عليه قهراً بعد العارية هي القيمة لا العين فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الإتلاف...»(1).

وذيل هذه العبارة صريح في أنّ الضمان يكون قبل الإتلاف بسبب نفس وجوب الإتلاف.

وقد أوردوا عليه بأنّه ليس أحد الموجبات للضمان هو وجوب الإتلاف بل هو نفس الإتلاف ووجوبه وجوب لأمر لو فعله لحصل الضمان أمّا لو لم يفعله وعصى الوجوب مثلاً فلا موجب للضمان فلو لم يرسل الصيد إلى أن خرج من الإحرام أرجع نفس العين إلى مالكها.

إلّا انّ الشيخ الاصفهاني (رحمه الله) احتمل في صدر عبارة الشيخ وهو قوله: «انّ المستقر عليه قهراً بعد العارية هي القيمة لا العين» معنى آخر معترفاً بانّه يناقض الذيل وهو دعوى انّ قاعدة احترام مال المسلم تقتضي دخول المالية في العهدة فشخص العين وإن لم تدخل في العهدة لوجوب إرسالها وامتناع أدائها لكن ماليتها دخلت في العهدة بدليل قاعدة احترام مال المسلم فيجب عليه تداركها لو تلفت.

ولا يقال: إنّ إسقاط احترام العين إسقاط لتلك الحصّة من المالية الثابتة ضمن العين لانّها تتلف بتلف العين ولا موجب للانتقال إلى حصّة اُخرى.

فانّه يقال: إنّ تلف المالية بتلف العين المأمور به شرعاً لا يعنى سقوطها عن


(1) المكاسب 1: 103، بحسب طبعة الشهيدي.

431

الاحترام فانّ احترام المالية يعني تداركها ولا يعني عدم تلفها فنجمع بين وجوب الإتلاف واحترام المال بما هو مال بضرورة إتلاف العين بالإرسال مع ضرورة تدارك المالية بدفع القيمة.

ثم أبطل (رحمه الله) هذا الوجه بانّ قاعدة احترام مال المسلم بعد تسليمها انّما تدلّ على وجوب تدارك المال بعد الإتلاف والتلف، ووجوب التدارك بعد الإتلاف في المقام لا كلام فيه حتى مع قطع النظر عن قاعدة الاحترام، وامّا وجوب التدارك بعد التلف فنفس التسليط الصادر من المالك الذي أسقط هذا الاحترام على تقدير صحّة العارية يكون هو المسقط له أيضاً على تقدير فساد العارية(1)، ولعلّ مقصوده (رحمه الله)من التعبير بانّ «قاعدة الاحترام بعد تسليمها...» إشارة إلى ما يقال من أنّ دليل حرمة مال المسلم كحرمة دمه لا يدلّ على أكثر من الحرمة التكليفية.

وذكر الشيخ النائيني (رحمه الله)(2): انّ المحرم يضمن الصيد بمجرّد أخذه من المحلّ لا لما قاله الشيخ الانصاري (رحمه الله) من أنّ وجوب الإتلاف أوجب الضمان فانّ الضمان انّما يكون نتيجة الإتلاف الفعلي لا نتيجة وجوب الإتلاف بل لانّه قد أتلفه بنفس أخذه من المحلّ، لانّ المستفاد من الأدلّة ليس وجوب الإرسال وجوباً تكليفياً فحسب بل خروجه من الملك وصيرورته حرّاً بمجرّد وقوعه تحت يد المحرم فأخذه إتلاف للملكية، ولا فرق في الإتلاف الموجب للضمان بين إتلاف العين كما لو أحرق الفراش مثلاً أو إتلاف ماليتها كما لو حوّل الخلّ خمراً أو إتلاف ملكيتها كما في ما نحن فيه.


(1) راجع تعليقة الشيخ الاصفهاني على المكاسب 1: 83.

(2) راجع تقرير الشيخ الآملي 1: 313 ـ 316، ومنية الطالب 1: 124 ـ 126.