7

الفصل الأوّل

 

 

 

 

 

حجّة الإسلام

وجوبها وشروطها وأقسامها

 

 

 

 

 

 

8

 

 

 

قال الله تعالى: ﴿... وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾(1).

صدق الله العليّ العظيم

وقال الإمام الباقر(عليه السلام): « بُني الإسلام على خمس: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والولاية، ولم يُنادَ بشيء كما نودي بالولاية ... »(2).صدق مولانا الباقر(عليه السلام)

إنّ ترك الحجّ معصية كبيرة، وإنكار وجوبه إنكار ضروريّ من ضروريّات الدين، وهي الاُمور التي يؤدّي إنكارها عادة إلى إنكار الشريعة الإسلاميّة، فيكون كفراً.

1 ـ حجّة الإسلام هي الحجّة التي تجب في العمر مرّة واحدة على كلّ إنسان تتوفّر فيه شرائط معيّنة يأتي استعراضها إن شاء الله.

ومازاد على المرّة فهو مستحبّ، ولا يصبح واجباً إلّا بسبب طارئ، كالنذر أو اليمين أو إفساد الإنسان لحجّ سابق: بأن جامع



(1) سورة آل عمران، الآية: 97.

(2) اُصول الكافي 2: 18، باب دعائم الإسلام، الحديث 3، بحسب طبعة الآخونديّ.

9

امرأته عالماً عامداً قبل الوقوف بالمزدلفة، فتجب عليه ـ مضافاً إلى إكمال حجّه والتكفير عن جماعه ـ إعادة الحجّ من عام قابل.

ولا يجوز التسويف والمماطلة في حجّة الإسلام تكاسلاً أو حرصاً على ربح تجارة أو نحو ذلك من شؤون الدنيا، وإذا لم يحجّ في السنة الاُولى، حرم التسويف عليه في السنين اللاحقة، وبقيت حجّة الإسلام واجبة عليه مادام قد استطاع لها في السنة الاُولى ولم يحجّ.

2 ـ ولا تجب عليه المبادرة في السنة التي تحتّم عليه الحجّ بالالتحاق مع أوّل طائرة أو قافلة متّجهة إلى الحجّ مادام واثقاً في العادة بعدم كون التأخير إلى موعد لاحق موجباً لحرمانه، ولم يخش فوات الحجّ عليه.

ولو أخّر ففاته الحجّ كان الحجّ ثابتاً عليه، ولابدّ من أدائه في سنة لاحقة.

3 ـ وإذا كان السفر متوقّفاً على تهيئة مقدّمات وإعداد ترتيبات رسميّة أو غيرها من الحصول على جواز سفر ونحو ذلك، وجب عليه تحصيلها على نحو يثق معه بإدراك الحجّ ما لم ينصدم بحرج في ذلك.

4 ـ والشروط التي متى توفّرت وجب الحجّ هي: أن يكون بالغاً، عاقلاً، حرّاً، مستطيعاً.

5 ـ والاستطاعة تتكوّن من العناصر الآتية:

10

أوّلاً: الإمكانيّة الماليّة لنفقات سفر الحجّ ذهاباً وإياباً لمن يريد الرجوع إلى بلده، وذهاباً لمن لايريد الرجوع.

ثانياً: الأمن والسلامة على نفسه وماله وعرضه في الطريق وعند ممارسة أعمال الحجّ.

ثالثاً: تمكّنه بعد الإنفاق على الحجّ من استئناف الوضع المعاشيّ الطبيعيّ، من دون الوقوع في حرج بسبب الحجّ وما أنفق عليه.

فلو كان الحجّ يوجب وقوعه في الحرج من استئناف وضعه المعاشيّ الطبيعيّ، لم يجب عليه، ولكن لو أنفق على حجّه بدفع نفقات الحجّ بشكل لايمكنه استرجاعها، فابتلى بفقدان كفاية الرجوع إلى وضعه المعاشيّ سواء حجّ أو لا، اعتبر حجّه حجّة الإسلام؛ لأنّه لن يزيد عليه فعل الحجّ حرجاً جديداً.

رابعاً: أن لايكون ملزماً شرعاً بصرف المال في واجب أهمّ من الحجّ ممّا يعيقه عن الحجّ ويفوقه أهمّيّة شرعاً، كما لو كان لديه مريض لو تركه للحجّ لمات، ولكن لو عصى وترك الواجب الأهمّ، صحّ حجّه، واعتبر حجّة الإسلام.

خامساً: أن لايكون ملزماً شرعاً بأداء دين حالّ مطالب به موجب لعدم امتلاك مصاريف الحجّ، ولكنّه لو عصى وترك أداء الدين وحجّ، فحجّه يعتبر حجّة الإسلام.

11

6 ـ ولا يقصد بالإمكانيّة الماليّة ما يوجب بيع ما يحتاجه الإنسان في حياته حاجة ماسّة، كدار السكنى والأثاث اللازم فيها.

وكما تحصل الإمكانيّة الماليّة بوجود مال في يده فعلاً كذلك تحصل بوجود مال له في ذمّة آخر دَيناً إذا كان الدين حالّاً ، وكان بإمكانه استيفاؤه.

7 ـ ولايعتبر العجز من شراء الهدايا مسوّغاً لترك الحجّ؛ فإنّ القدرة على ذلك لاتعدّ في ضمن الاستطاعة.

8 ـ إذا كانت الإمكانيّة الماليّة متمثّلة في مَهر حصلت عليه المرأة في الزواج، وجب الحجّ إن كان المهر وافياً بنفقات الحجّ مع استثناء ماتفرض العادة المتّبعة صرفه في شؤون الحياة الزوجيّة ممّا يسبّب العدول به إلى الحجّ الحرج.

وكذلك الحال فيما تحصل عليه الزوجة من نقود، كهدايا عقيب زواجها وما لاتحتاجه حاجة ماسّة من الحليّ والزينة، كالذي لولاه لابتليت بتعيير المجتمع إيّاها.

وإذا كانت الإمكانيّة الماليّة متمثّلة في سلعة أو عقار لم يتيسّر بيعه بالثمن المعقول، وأمكن بيعه بثمن مجحف بحال البائع، لاتتحقّق الاستطاعة بذلك.

وإذا كانت الإمكانيّة الماليّة متمثّلة في مبلغ اقترضه الإنسان، ولايزال مديناً به، تحقّقت بذلك الاستطاعة إذا كان واثقاً من عدم

12

وقوعه في الحرج عند وفاء الدين، نعم لم يكن يجب عليه الاستقراض منذ البدء، فالموظّف الذي يتاح له أن يأخذ سلفة بقدر راتبين أو أكثر لأجل الحجّ لايجب عليه الاستلاف، ولكن لو استلف وحجّ به صحّ، وكان حجّة الإسلام.

وإذا كانت متمثّلة في دَين على شخص مماطل يتوقّف استنقاذه منه على الرجوع إلى المحاكم العرفيّة، يجب استحصاله مالم يلزم منه الحرج والمشقّة الشديدة على الدائن.

وإذا كانت متمثّلة في مال مع حاجة الإنسان إلى صرف ذلك المال في الزواج أو شراء دار للسكنى ونحو ذلك، يجب صرف المال في الحجّ مالم يلزم من تعطيل الحاجة الاُخرى حرج ومشقّة شديدة.

وإذا كانت متمثّلة في دَين مؤجّل له في ذمّة آخر، وكان بإمكانه خصمه بمبلغ حالّ بسعر معقول يفي بنفقات الحجّ، وجب خصم الدَين بمبلغ أقلّ يدفع فعلاً إذا كان التسعير معقولاً (1).

وإذا كانت متمثّلة في حقّ شرعيّ، فإن كان ممّا يملكه الشخص بالقبض كالزكاة للفقير، وجب عليه الحجّ حينما ملك منها مايفي



(1) كنّا نستشكل قبل ذلك في هذا الخصم، إلّا أن يخصمه بمتاع، ثُمّ إذا شاء باع المتاع، ولكن رفعنا أخيراً اليد عن هذا الإشكال؛ لنصوص تامّة السند موجودة في الوسائل 18 بحسب طبعة آل البيت، باب 4 من أحكام العقود، وباب 32 من الدين والقرض، وباب 7 من الصلح، الحديث 1.

13

بنفقات الحجّ، وكان واثقاً من عدم تعسّر الحياة عليه بعد ذلك لو أنفق هذا المبلغ في الحجّ.

وأمّا سهم الإمام فلاتتحقّق به الاستطاعة، ولايجب به الحجّ؛ لأنّه لايملكه.

9 ـ ولو بذل له شخص المال للحجّ بمقدار يفي بنفقاته، اعتبر بذلك مستطيعاً، ووجب عليه الحجّ.

ونعني بذلك: سقوط شرط تمكّنه بعد الإنفاق للحجّ على استئناف الوضع المعاشيّ الطبيعيّ أو أداء الدين أو نحو ذلك مادام البذل خاصّاً بالحجّ، فهذا الحجّ لا أثر له في الإنفاق أو أداء الدَين أو استئناف الوضع المعيشيّ بعد الحجّ؛ إذ لو لم يحجّ بقي ـ أيضاً ـ عاجزاً عن الإنفاق أو الأداء أو استئناف الوضع المعيشيّ بعد الحجّ.

وكذلك الحال لو لم يبذل له نفقة الحجّ، لكنّه ضمن أن يذهب به إلى الحجّ، فهذا ـ أيضاً ـ نوع من البذل.

ولو بذل له مالاً يفي بنفقات الحجّ، وخيّره بين الحجّ وزيارة عرفة مثلاً أو نحو ذلك ممّا يمنعه عن صرف المال في نفقة العيال أو الدَين أو استئناف الوضع المعيشيّ بعد الحجّ، فحكمه حكم البذل الذي ذكرناه.

أمّا لو وهب له نفقات الحجّ من دون تعيين شيء عليه، كما لو خيّره بين الحجّ وبين صرف المال في أيّ حاجة اُخرى، أو وهب له نفقات الحجّ من دون ذكر للحجّ أصلاً، فهذا لايلحق بالبذل، أي: إنّ الحجّ بهذا

14

المال لو كان يمنعه عن الإنفاق الواجب أو أداء الدين الحالّ الواجب أو الرجوع إلى الوضع المعيشيّ بعد الحجّ، لم يجب عليه الحجّ.

أمّا لو لم يكن عليه الإنفاق الواجب أو أداء الدين الواجب أو كان لديه من المال ما يفعل به ذلك أو يرجع به إلى وضعه المعيشيّ، وإنّما كانت نفقات الحجّ تعوزه، فوهب له الواهب نفقات الحجّ من دون شرط الحجّ عليه، فهنا يجب عليه القبول مادام واجداً لباقي شرائط الاستطاعة؛ فالهبة تلحق في خصوص هذا الفرض بالبذل.

10 ـ إذا كان له مال ذو أهمّيّة في البلد يخشى عليه من الضياع والتلف لو تركه وسافر، لم يجب عليه الحجّ، وعليه فمن كانت لديه تجارة يخشى ضياعها وتلفها بسفره، لايلزم بالسفر.

وإذا كان هناك في الطريق من يفرض عليه ضريبة ماليّة معتدّاً بها، فلو كانت تلك الضريبة شيئاً عرفيّاً مألوفاً كالمبالغ الرسميّة التي تأخذها السلطات، وجب دفعها إذا توقّف الحجّ على ذلك.

وأمّا إذا كان شيئاً غير عرفيّ من قبيل ما يفرضه اللصوص وقطّاع الطريق، فلايجب الحجّ؛ إذ لاأمن.

ولو كان الطريق المألوف غير مأمون، ولكنّ طريقاً أطول منه يتوفّر فيه الأمن والسلامة، وجب عليه الحجّ مع تمكّنه ماليّاً، وتعتبر الاستطاعة عند ذلك ثابتة.

وإذا كانت المرأة غير متمكّنة من اصطحاب مَحرم معها، ولكن

15

توفّرت لها القدرة على السفر المأمون من دونه، صحّ منها ذلك، ولايجب عليها اصطحاب المَحرم ولو أمكنها.

نعم، لو أصبح سفرها حقّاً غير مأمون إلّا بمَحرم، ولم تستطع الحصول على مَحرم إلّا ببذل مصرف الحجّ له، لاتكون مستطيعة إلّا بامتلاك مصرف المَحرم أيضاً.

11 ـ لو أنّ موظّفاً له راتب يمكّنه من السفر إلى الحجّ، ولكن لم يحصل على إجازة، ولو سافر والحال هذا يفقد عمله وراتبه وترتبك معيشته، لم يجب عليه الحجّ.

ولو أنّ إنساناً يعمل عملاً حرّاً باُجور كنجّار وحدّاد، فمثل هذا يجب عليه الحجّ؛ لأ نّ الصنعة التي يتقنها تكفل له استئناف وضعه المعاشيّ بعد الرجوع.

وكذلك لو كان أحد عاطلاً عن العمل، ويستمدّ معيشته ممّا يرده بين حين وآخر من صلات وهبات فمثل هذا لو حصل على الإمكانيّة الماليّة للحجّ وجب عليه الحجّ؛ لأ نّ حجّه لايؤثّر بمدى إمكانيّة عيشه بعد الرجوع.

12 ـ وبالنسبة إلى العنصر الرابع في الاستطاعة: وهو عدم وجود مُعيق أهمّ شرعاً نقول:

أ ـ لايعتبر منع الزوج لزوجته عن الحجّ مُعيقاً، ولايجب عليها استئذان الزوج في السفر لحجّة الإسلام.

16

ب ـ ولايعتبر النذر مُعيقاً، فلو نذر أن يزور الحسين(عليه السلام) في كلّ يوم عرفة، ثُمّ حصلت له الإمكانيّة الماليّة للحجّ، وجب عليه الحجّ، وانحلّ نذره بلحاظ تلك السنة.

نعم، لو ترك الحجّ ولو عصياناً وجب عليه الوفاء بالنذر.

ج ـ وكذلك لايعتبر الأجير في عمل يتعارض مع أداء الحجّ معذوراً عنه من أجل وجوب التزامه بالإجارة، بل الإجارة تنحلّ في هذه الحالة، فلو آجر نفسه لخدمة شخص في بلده، ثُمّ حصل على الإمكانيّة الماليّة للسفر للحجّ، تعيّن عليه الحجّ، فلو حجّ بطل من الإجارة ما ينافي ذلك.

نعم، لو ترك الحجّ ولو عصياناً وجب عليه الوفاء بالإجارة.

د ـ ولايعتبر منع الوالد لولده عن الحجّ نظراً لصغر سنّه، أو لأ نّ الوالد أولى منه بالحجّ، أو لأيّ سبب آخر مسقطاً لوجوبه رعايةً لحقّ الوالد.

ولايجوز للولد إذا حصل على مال يكفيه للحجّ أن يترك الحجّ إيثاراً لأبيه بذلك المال على نفسه.

13 ـ إذا اكتملت لديه عناصر الاستطاعة، وحصل على المال الكافي قبل موسم الحجّ، لايجوز له تفويت الاستطاعة بصرف المال في حاجاته الخاصّة، إلّا إذا صرفه في حاجة ماسّة ضروريّة.

أمّا لو صرفه من دون حاجة ماسّة لم يعفه ذلك عن الحجّ، وكان عليه أداؤه.

17

14 ـ إذا اكتملت العناصر المذكورة، وتسامح الشخص فلم يحجّ، ثُمّ عجز عن الحجّ لمرض أو شيخوخة أو غير ذلك، وانقطع أمله في التمكّن فيما بعد، وجب عليه أن يستنيب شخصاً يحجّ عنه، وكذلك الحال إذا كان الإنسان موسراً ولم يتمكّن منذ البداية من مباشرة الحجّ، أو كانت المباشرة حرجاً عليه.

ووجوب الاستنابة فوريّ بمعنى حرمة التسويف كوجوب الحجّ.

15 ـ والحجّ ينقسم عموماً إلى إفراد وتمتّع، فحجّ التمتّع: عبادة واحدة مركّبة من عمرة وحجّة، وتكون العمرة قبل الحجّة، ويفصل بينهما فاصل زمنيّ يتحلّل فيه الإنسان من إحرام العمرة، ويتمتّع بما تحرم على المحرم ممارسته قبل أن يبدأ بالحجّة؛ ولأجل ذلك ناسب أن يطلق عليه اسم (حجّ التمتّع)، فالعمرة إذن جزء من حجّ التمتّع، وتسمّى بــ (عمرة التمتّع)، والحجّة هي الجزء الثاني.

وعلى خلاف ذلك حجّ الإفراد؛ فإنّه عبادة تعبّر عن الحجّة فقط، ولاتشتمل على عمرة، وإنّما تؤدّى العمرة كعبادة اُخرى مستقلّة، وتسمّى بــ (العمرة المفردة).

وبينما كان يجب إيقاع عمرة التمتّع قبل حجّة التمتّع يجب هنا على الأحوط ـ فيما لو أراد الإتيان بالعمرة في أشهر الحجّ من نفس السنة ـ إيقاع العمرة المفردة بعد حجّ الإفراد، ولاترتبط صحّة حجّة الإفراد بالعمرة، في حين ترتبط صحّة حجّة التمتّع بعمرة التمتّع؛

18

فإنّهما يمثّلان عبادة واحدة، فلو بطلت عمرة التمتّع ولم يُعدها الحاجّ، بطلت بالتالي حجّة التمتّع أيضاً.

16 ـ والمقياس في وجوب التمتّع أو الإفراد هو: المقدار الفاصل بين وطنه والمسجد الحرام، فمن كان الفاصل بينه وبين المسجد الحرام أكثر من ستّة عشر فرسخاً، أو قل: ثمانية وأربعين ميلاً، فالواجب عليه في حجّة الإسلام هو التمتّع، وكذلك من كان على رأس هذا الفاصل، وأمّا من كان الفاصل بينه وبين المسجد الحرام أقلّ من ذلك، فالواجب عليه هو الإفراد.

وأمّا من كان يريد أن يحجّ حجّاً مستحبّاً فله اختيار أيّ الشكلين، سواءٌ كان قريباً أو بعيداً، وحجّ التمتّع أفضل.

17 ـ ومجمل أعمال عمرة التمتّع في حجّ التمتّع تتلخّص في الإحرام، والطواف حول البيت ( الكعبة ) وركعتي الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والتقصير على ما يأتي شرحه وتفصيله إن شاء الله.

وتختلف العمرة المفردة عن عمرة التمتّع في الأحكام التالية:

أوّلاً: بأ نّ العمرة المفردة تشتمل على طواف آخر حول البيت يسمّى بـ ( طواف النساء ) وصلاته، ويعتبر آخر أعمال العمرة المفردة، ويأتي شرحه إن شاء الله، في حين أنّه لايجب في عمرة التمتّع إلّا طواف واحد.

ثانياً: بأ نّ عمرة التمتّع لايخرج الإنسان عن الإحرام منها

19

وقيوده الشرعيّة إلّا بالتقصير، في حين أنّه يخرج في العمرة المفردة عن إحرامها بالتقصير أو الحلق، وسيأتي إن شاء الله معنى الحلق والتقصير.

ثالثاً: بأ نّ الإحرام لعمرة التمتّع لايجوز إلّا من أماكن معيّنة تسمّى المواقيت، وسيأتي استعراضها إن شاء الله، وأمّا العمرة المفردة فيجوز الإحرام لها من أدنى الحلّ في حالة عدم المرور على تلك المواقيت.

وأدنى الحلّ يعني: النقطة التي تنتهي فيها منطقة الحلّ، وتبدأ بعدها منطقة الحرم.

رابعاً: بأ نّ عمرة التمتّع بوصفها جزءاً من حجّة التمتّع لايمكن إنجازها بصورة مستقلّة؛ ولهذا من أراد أن يعتمر عمرة مستحبّة من دون حجّ عليه أن يأتي بعمرة مفردة، لابعمرة التمتّع.

خامساً: بأ نّ عمرة التمتّع لاتقع إلّا في أشهر الحجّ: وهي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، وتصح العمرة المفردة في جميع الشهور، وأفضلها العمرة المفردة في شهر رجب.

سادساً: بأ نّ الاستطاعة لمن كان يجب عليه حجّ التمتّع لاتكتمل إلّا بأن تكون متوفّرة بالنسبة إلى كلا جزئيه من عمرة التمتّع وحجّة التمتّع، فمن كان غير قادر على أحدهما لايجب عليه الآخر.

20

وأمّا لمن كان يجب عليه حجّ الإفراد فلكلّ من الحجّ والعمرة استطاعته، فمتى استطاع أن يأتي بالاثنين وجب ذلك مقدّماً للحجّ على العمرة على الأحوط، ومتى توفّرت الاستطاعة بالنسبة إلى أحدهما فقط، وجب أن يؤدّيه.

وعلى هذا الأساس قد تقع العمرة المفردة في عام وحجّ الإفراد في عام آخر، في حين أنّه لايجوز أن تقع عمرة التمتّع وحجّة التمتّع إلّا في عام واحد مع تقديم العمرة على الحجّ؛ لأنّهما جزءان مترابطان.

18 ـ ومجمل أعمال حجّة التمتّع تتلخّص فيما يلي:

1 ـ الإحرام.

2 ـ الوقوف في عرفات.

3 ـ الوقوف في المزدلفة.

4 ـ رمي جمرة العقبة.

5 ـ النحر أو الذبح.

6 ـ الحلق أو التقصير.

7 ـ الطواف.

8 ـ صلاة الطواف.

9 ـ السعي.

10 ـ طواف النساء.

21

11 ـ صلاة طواف النساء.

12 ـ المبيت في منى.

13 ـ رمي الجمار الثلاث في اليومين الحادي عشر والثاني عشر.

وسيأتي تفصيل هذه الأعمال واحداً بعد الآخر إن شاء الله.

والفوارق بين حجّة التمتّع وحجّة الإفراد تتمثّل فيما يلي:

أوّلاً: أنّ حجّة التمتّع ترتبط صحّتها بوقوع عمرة التمتّع قبلها ووقوعها صحيحة، ولاتتوقّف صحّة حجّ الإفراد على ذلك.

ثانياً: يكون الإحرام لحجّ التمتّع بمكّة، أمّا الإحرام لحجّ الإفراد فيكون من أحد المواقيت التي يحرم منها لعمرة التمتّع، والتي سيأتي تفصيلها إن شاء الله.

ثالثاً: يجب النحر أو الذبح في حجّ التمتّع كما مرّ بنا، ولايعتبر شيء من ذلك في حجّ الإفراد.

نعم، إذا صحب المؤدّي لحجّ الإفراد هدياً معه وقت الإحرام: بأن أحضر شاة مثلاً، وأعدّها ليسوقها معه في حجّه، وجب عليه أن يضحّي به يوم العيد، ويسمّى الحجّ عندئذ بــ (حجّ القران)؛ إذ أنّ الحاجّ يقرن معه الهدي.

رابعاً: لايجوز اختياراً تقديم الطواف والسعي على الوقوف بعرفات وبالمزدلفة ( المشعر ) في حجّ التمتّع، ويجوز ذلك في حجّ الإفراد.

23

الفصل الثاني

 

 

 

حجّ التمتّع

 

 

○ عمرة التمتّع.

○ أعمال الحجّ ( حجّ التمتّع ).

 

 

 

 

 

 

24

 

 

 

 

 

19 ـ حجّ التمتّع ـ كما عرفنا ـ مركّب من عبادتين: تسمّى اُولاهما بــ (العمرة) والثانية بــ (الحجّ)، وقد يطلق حجّ التمتّع على الجزء الثاني منهما.

وهو بكلا جزئيه ـ العمرة والحجّ ـ عبادة لاتقع صحيحة ما لم يتوفّر فيها أمران:

الأوّل: القصد إلى عنوانها منذ البدء فيها، بمعنى: أنّ المكلّف يجب عليه حين يبدأ بأوّل أعمال عمرة التمتّع ـ وهو الإحرام ـ أن يقصد بشروعه في تلك الأعمال أداء فريضة حجّ التمتّع بالبدء بعمرته، فإذا بدأ بالأعمال وأحرم من دون قصد لحجّ التمتّع أو للعمرة المفردة أو لحجّ الإفراد، بطل إحرامه.

الثاني: أن يقصد التقرّب إلى الله تعالى بأداء فريضة الحجّ والإتيان بأعماله.

25

الفصل الثاني

1

 

 

حجّ التمتّع

 

 

○ الواجب الأوّل: الإحرام.

○ الواجب الثاني: الطواف.

○ الواجب الثالث: صلاة الطواف.

○ الواجب الرابع: السعي.

○ الواجب الخامس: التقصير.

 

 

 

 

 

26

 

 

 

20 ـ وفي عمرة التمتّع واجبات خمسة رئيسيّة:

1 ـ الإحرام من أحد المواقيت التي سوف تعرف تفصيلها فيما بعد إن شاء الله.

2 ـ الطواف حول البيت، والبيت هو الكعبة الشريفة.

3 ـ صلاة الطواف.

4 ـ السعي بين الصفا والمروة، وهما: مكانان مرتفعان على مقربة من المسجد الحرام.

5 ـ التقصير: وهو أخذ شيء من الشعر أو الأظفار.

فإذا أتى المكلّف بهذه الأعمال الخمسة، خرج من إحرامه، وحلّت عليه الاُمور التي كانت قد حرمت عليه بسبب الإحرام، ولم يبق عليه إلّا أن يؤدّي وظائف الحجّ في وقتها المقرّر على ما سيأتي إن شاء الله. ويحرم عليه على الأحوط الخروج من مكّة إلّا لحاجة مهمّة.

فإذا كانت له حاجة مهمّة تقتضي الخروج كالذهاب إلى منى لترتيب اُمور الحجّاج أو الاشتراك في جلسة ضروريّة هامّة أو نحو ذلك، وجب أن يكون خروجه مع الوثوق بالرجوع وإدراك الحجّ؛

27

لأنّه مرتهن بالحجّ، فلو لم يثق بذلك لم يجز له الخروج.

وينبغي إلفات النظر إلى أنّه لو خرج من الحرم بعد عمرة التمتّع ورجع في غير الشهر الهلاليّ الذي اعتمر فيه فلابدّ لكي يصحّ حجّه تمتّعاً أن يعيد عمرة التمتّع ولو بالإتيان بعمرة مفردة وقلبها بعد إتمامها إلى عمرة التمتّع(1).

وفيما يأتي نذكر تفاصيل الأعمال الخمسة:



(1) وذلك لصحيح حمّاد بن عيسى الوارد في الوسائل 11 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، الباب 22 من أقسام الحجّ، الحديث 6، الصفحة: 303.

28

 

 

الواجب الأوّل: الإحرام

 

21 ـ الإحرام هو أوّل الأعمال التي يقوم بها المكلّف في عمرة التمتّع. ونيّـته عبارة عن فرض حجّ التمتّع على نفسه، كما أنّ نيّـته في العمرة المفردة عبارة عن فرض العمرة على نفسه، وفي حجّ الإفراد عبارة عن فرض الحجّ على نفسه.

والأحوط استحباباً أن يحرّم على نفسه في نيّـته هذه محرّمات الإحرام كما ورد في أدعية الإحرام: «أحرم لَكَ شَعْري وَبَشَري وَلَحْمي وَدَمي وَعِظامِي وَمُخِّي وَعَصَبي مِنَ النساءِ وَالثيابِ ...»(1).

ويتنجّز هذا الإحرام بما سيأتي إن شاء الله من التلبية.

والكلام في الإحرام يقع في نقاط:

 

1 ـ مواقيت الإحرام لعمرة التمتّع

22 ـ وعمرة التمتّع لها توقيت زمانيّ وتوقيت مكانيّ، فمن الناحية الزمانيّة لاتصحّ إلّا في الفترة التي تبدأ من أوّل شوّال،



(1) راجع الوسائل، باب 16 من الإحرام، الحديث 1 و 2.

29

وتستمرّ إلى اليوم التاسع من ذي الحجّة، وأمّا من الناحية المكانيّة فلابدّ أن يقع الإحرام في عمرة التمتّع في أماكن معيّنة تسمّى بــ (المواقيت)، فلايصح الإحرام من غيرها إلّا على تفصيل يأتي إن شاء الله.

وهذه المواقيت هي كما يلي:

أوّلاً: مسجد الشجرة، ولايبعد كون الميقات منطقة ذي الحليفة: وهي منطقة تقع قريباً من المدينة المنوّرة، وهو أبعد المواقيت من مكّة المكرّمة؛ لأ نّ المسافة بينهما على ما يقال: نحو أربع مئة وأربعة وستّين كيلو متراً، ويقدّر بُعده عن المدينة المنوّرة بسبعة كيلو مترات تقريباً(1).



(1) ولو أحرم من مكان جوّزنا الإحرام منه بالبراءة عن الضيق، كما لو أحرم من البيداء ولكنّا قد صحّحنا الإحرام منها بالبراءة عن كونه في مسجد الشجرة مثلاً، حصل له العلم الإجماليّ إمّا بوجوب إعادة الإحرام (أو قل: بحرمة دخوله في الحرم) وإمّا بحرمة محرّمات الإحرام عليه.

والبراءة عن الضيق تعارض البراءة عن حرمة المحرّمات.

وكون الشكّ في الثاني ناشئاً عن الشكّ في الأوّل لايوجب حكومة البراءة عن الضيق على البراءة عن حرمة المحرّمات؛ لأنّ البراءة عن الضيق لاتحرز عدم الضيق حتّى يرتفع موضوع البراءة عن حرمة المحرّمات.

إلّا أنّ هذا لايخلق إشكالاً في خصوص المثال الذي ذكرناه؛ لأنّنا نقول أساساً بأنّ الميقات هو منطقة ذي الحليفة بكاملها.

30

ثانياً: وادي العقيق، وهذا الميقات له أجزاء ثلاثة: المسلخ: وهو اسم لأوّله، والغمرة: وهو اسم لوسطه، وذات عرق: وهو اسم لآخره. ويقدّر بُعد آخره عن مكّة المكرّمة بنحو أربعة وتسعين كيلو متراً على ما قيل، والأحوط وجوباً أن يحرم المكلّف قبل أن يصل إلى ذات عرق فيما إذا لم تمنعه عن ذلك تقيّة.

ثالثاً: قرن المنازل، ويقع في جبل مشرف على عرفات، ويقدّر بُعده عن مكّة المكرّمة بتسعين كيلو متراً ونيّف، والسائرون من الطائف إلى مكّة برّاً يمرّون بنقطة في الطريق العامّ محاذية لقرن المنازل قد شيّد عليها مسجد، ويجوز الإحرام من تلك النقطة.

رابعاً: يلملم: وهو جبل من جبال تهامة، ويقال: إنّ بُعده عن مكّة المكرّمة يقدّر بأربعة وتسعين كيلو متراً.

خامساً: الجحفة: وهي قرية كانت معمورة قديماً وخربت، وتبعد عن مكّة المكرّمة بمئتين وعشرين كيلو متراً على ما يقال.

هذه هي المواقيت الخمسة التي وقّتها رسول الله(صلى الله عليه وآله)للمسلمين، وتوضيح الحال بشأنها يتمّ خلال المسائل التالية:

23 ـ يصحّ لكلّ من يمرّ على واحد من المواقيت الإحرام منه، وإذا كان يمرّ في طريقه إلى مكّة على ميقاتين أحدهما بعد الآخر كمن يسافر من المدينة إلى مكّة مارّاً بذي الحليفة والجحفة، فلايجوز له أن يجتاز الميقات الأوّل من دون إحرام، ولكن لو اجتازه بلا إحرام وأحرم من الميقات الثاني، صحّ إحرامه.

31

24 ـ وما مرّ من عدم جواز تأخير المسافر من المدينة إلى مكّة إحرامه إلى الجحفة يستثنى منه المريض ومن ضعفت حالته الصحّية، فيجوز له لأجل الضرورة والمشقّة تأخير الإحرام إلى الجحفة.

25 ـ وكما يصحّ الإحرام من أحد المواقيت المذكورة كذلك يصحّ من المكان المحاذي لأحدها. والمحاذاة تتحقّق بأن يصل المسافر إلى مكان لو اتّجه فيه إلى مكّة المكرّمة لكان الميقات واقعاً من يمينه أو يساره مع كون الفاصل بينه وبين مكّة كالفاصل بين الميقات ومكّة.

وإذا كان يحاذي في طريقه ميقاتين لم يجز على الأحوط تأخير إحرامه عن المكان الأوّل للمحاذاة.

26 ـ لافرق في المحاذاة بين المحاذاة من بُعد أو من قرب، فيجوز لمن يمرّ بذي الحليفة أن يجعل ذا الحليفة عن يمينه أو يساره، ويُحرم من هناك قريباً منه.

27 ـ من يحاذي في طريقه الميقات، ويصل في سيره بعد المحاذاة إلى ميقات آخر، أشكل تأجيل الإحرام إلى حين الوصول إلى الميقات، ولكن لو فعل كفاه الإحرام من الميقات، واستغفر ربّه عمّا فعل.

28 ـ ذكر جماعة من الفقهاء: أنّ من مواقيت الإحرام لعمرة التمتّع أدنى الحلّ، وذلك لمن لم يمرّ بأحد المواقيت الأصليّة ولا