122

 

الفصل الثاني عشر

في بيع الثمار والخضر والزرع

(مسألة: 1) لا يجوز بيع ثمرة النخل والشجر قبل ظهورها عاماً واحداً بلا ضميمة(1)، ويجوز بيعها عامين فما زاد وعاماً واحداً مع الضميمة على الأقوى، وأمّا بعد ظهورها: فإن بدا صلاحها أو كان البيع في عامين أو مع الضميمة جاز بيعها بلا إشكال(2)، أمّا مع انتفاء الثلاثة فالأقوى الجواز مع الكراهة.



(1) الأقوى الجواز بعنوان إيجار الشجر؛ لعدد من روايات ب 1 من بيع الثمار في الوسائل(1).

(2) وكذلك لا إشكال مع انتفاء الثلاثة إن باع نفس الثمر غير الناضج بحيث كان تسليمه تسليماً للمبيع حتّى ولو لم ينضج بعد ذلك(2).


(1) (2) توضيح الكلام في هاتين المسألتين باختصار ما يلي:

نتكلّم تارةً في بيعها قبل الظهور، واُخرى في بيعها بعد الظهور وقبل بدوّ الصلاح:

أمّا ما قبل الظهور:

فالكلام فيه تارةً نوقعه بمقتضى القاعدة، واُخرى بمقتضى النصوص:

أمّا الكلام فيه بمقتضى القاعدة، فالعيب الموجود فيه أنّه بيعٌ للمعدوم، وذلك عقلائيّاً أمر باطل في التخريجات المألوفة في الأوساط المتشرّعيّة الإسلاميّة التي تقول: إنّ البيع يجب أن يقع على العين في وعاء الخارج، أو في وعاء الذمّة.

إلّا أنّ لحلّ الإشكال في المقام تخريجين مقبولين عقلائيّاً:

123

الأوّل: بيعه على شكل بيع السلّم أو السلف، أي: في ذمّة البائع مقيّداً بأن يكون من هذه النخيل أو الأشجار.

والثاني: أن يُؤجّر النخيل أو الأشجار كي تكون منافعُها ـ وهي ثِمارها ـ للمشتري.

فإن فعل الأوّل، ثمّ ضربتها آفة سماويّة فلم تثمر، أصبح ذلك بحكم قاعدة (تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه)، فيسترجع المشتري ثمنه الذي دفعه إلى البائع.

وإن فعل الثاني، فإن كان استئجاره للنخيل والأشجار بمعنى استئجاره لأجل منفعة الثمار، ثمّ ضربتها آفة سماويّة فلم تثمر، انكشف أنّ العين المستأجرة لم تكن لها منفعة، فتكون الإجارة باطلة، أو كانت لها منفعة فتلفت قبل القبض، فتكون الإجارة منفسخة. وعلى كلّ تقدير، يسترجع المشتري ثمنه من صاحب الأشجار.

وإن كان استئجاره لها لمطلق منافعها، كالاستفادة من ظلالها ومن ثمارها ومن التنزّه فيها، فالإيجار صحيح، ولا عيب فيه.

وإن كان استئجاره لها بمعنىً تكون ثمارها جزءاً، ومنافعها الاُخرى جزءاً آخر في مقابل الثمن، أي: بشكل شموليّ، لا بشكل الإطلاق، كان حكم الإيجار بالقياس إلى منفعة الثمار لدى ضرب آفة سماويّة أوجبت عدم الإثمار حكم الفرض الأوّل من البطلان أو الانفساخ، وبالقياس إلى باقي المنافع حكم الفرض الثاني، أعني: صحّة الإيجار.

وأمّا الكلام فيه بمقتضى النصوص الخاصّة، فصحيح عليّ بن جعفر صريح في بطلان التخريج الأوّل، وهو بيع السلم، وليس مختصّاً بالبيع لسنة واحدة: «قال: سألته عن السلم في النخل قبل أن يطلع، قال: لا يصلح السلم في النخل...» قال: «وسألته عن السلم في النخل، قال: لا يصلح، وإن اشترى منك هذا النخل فلا بأس، أي: كيلاً مسمّىً

124

بعينه»، الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 1 من بيع الثمار، ح 18 ـ 20، ص 216.

ولعلّه يمكن الجمع بين هذه الرواية وروايات الجواز في نفس الباب بحمل روايات الجواز على إيجار الأشجار، كما هو ظاهر جملة من تلك الروايات بقرينة تعبيرها ببيع النخل أو الحائط، ولكن بعضها وردت بعنوان بيع الثمار، فلعلّها تحمل جميعاً على معنى إيجار الأشجار. ولو كان هذا الجمع مقطوعاً به بلحاظ كلّ الروايات، لأفتينا ببطلان السلم في المقام، ولكن بما أنّ هذا الجمع ليس مقطوعاً به في ما ورد بعنوان تجويز بيع الثمار نتنزّل من الفتوى إلى الاحتياط، فالأحوط وجوباً ترك العمل بهذا التخريج الأوّل، أعني: بيع السلف حتّى ولو كان لسنتين أو أكثر فضلاً عمّا لو كان لعام واحد. وأمّا بيع المعدوم، فلكونه غير عقلائيّ فالأحوط وجوباً تركه برغم أنّه يحتمل استفادة جوازه من بعض الروايات ولو لخصوص عامين فصاعداً.

وأمّا إيجار الأشجار، فإن كان بمعنى إيجاره لمطلق المنافع ولو الاستظلال أو التنزّه، فقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة صحّته، ولم نرَ نصّاً يمنع عن ذلك، وإن كان بمعنى إيجاره للاستفادة من الأثمار ولو بمعنى كون ذلك جزءاً في مقابل الثمن بشكل شموليّ، فلا إشكال في جوازه في فرضين:

الأوّل: أن تؤجّر لسنتين أو أكثر، فإنّ هذا مورد النصوص في نفس الباب الذي أشرنا إليه، فلو أصابته آفة سماويّة في كلّ تلك السنين فلم تثمر، فمقتضى القاعدة البطلان أو الانفساخ، ورجع المشتري بثمنه الذي أعطاه للبائع.

والثاني: أن تؤجّر مع ضمّ ضميمة إلى الثم`رة حتّى إذا لم تتحقّق الثمرة، اكتفى المشتري بالضميمة، وقد دلّت على ذلك موثّقة سماعة. ب 3 من نفس تلك الأبواب، ح 1، ص 219.

 

125

(مسألة: 2) بدوّ الصلاح في التمر احمراره أو اصفراره، وفي غيره انعقاده

 

أمّا إذا كان الإيجار لعام واحد وبلا ضمّ ضميمة، فالأقوى جواز ذلك أيضاً؛ لروايتي بريد والحلبيّ، وهما الاُولى والثانية من ب 1 من تلك الأبواب، ورواية عبدالله بن سنان المذكورة في الوسائل في ذيل الرواية الثانية، ورواية ربعيّ، وهي الرواية الرابعة من ذاك الباب.

فإذا أصابت الأشجار آفة سماويّة فلم تثمر، جاءت مسألة البطلان أو الانفساخ.

هذا تمام الكلام في بيع الثمر قبل الظهور.

وأمّا بيعه بعد الظهور وقبل بدوّ الصلاح، فإن كان معه ما بدا صلاحه ولو من باقي الأشجار، فلا إشكال في الصحّة؛ لروايات الباب الثاني من تلك الأبواب، كما لا إشكال في بيعه مع ضمّ الضميمة بعد أن صحّ الأمر في الإيجار قبل خروج الثمر نهائيّاً مع ضمّ ضميمة، وكذلك يرفع الإشكال ضمّ السنوات المتأخّرة؛ لرواية سليمان بن خالد: «قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): لا تشترِ النخل حولاً واحداً حتّى يطعم، وإن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل».

وأمّا إن لم يكن معه شيء من هذه الاُمور الثلاثة، فإن باع نفس الثمر غير الناضج بحيث كان تسليمه تسليماً للمبيع حتّى ولو لم ينضج بعد ذلك، فلا موجب لفساد المعاملة.

وإن لم يكن كذلك، دخل في النواهي الواردة في الروايات عن بيعها قبل الإنضاج.

وقد حملها المصنّف(رحمه الله) على الكراهة كما حملها الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) على الكراهة.

ولا غرابة في حمل الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) للنواهي على الكراهة، فإنّه(رحمه الله) استشهد لحملها على الكراهة بالروايات التي دلّت على الجواز في إيجار الأشجار ولو لسنة واحدة وبلا ضميمة قبل الإثمار، فكأنّه(رحمه الله) يتعدّى من فرض عدم الإثمار إلى فرض عدم النُضج بعدم احتمال الفرق، أو بالأولويّة.

أمّا السيّد الحكيم(رحمه الله) في المتن، فلم يكن من حقّه حمل النواهي على الكراهة؛ لأنّه صرّح في صدر المسألة بعدم جواز بيع ثمرة النخل والشجر لعام واحد بلا ضميمة قبل ظهورها.

ونحن بما أنّنا أفتينا بالجواز هناك، فمن حقّنا أيضاً حمل هذه النواهي على الكراهة.

126

بعد تناثر ورده(1).

(مسألة: 3) يعتبر في الضميمة المجوِّزة لبيع الثمر قبل بدوّ صلاحه أنتكون ممّا يجوز بيعها منفردة، وكونها مملوكةً للمالك، وكون الثمن لها وللمنضمِّعلى الإشاعة، ولا يعتبر فيها أن تكون متبوعةً على الأقوى، فيجوز كونها تابعة.

(مسألة: 4) يكفي في الضميمة في تمر النخل مثل السعف (والكرب) والشجر اليابس الذي في البستان.

(مسألة: 5) لو بيعت الثمرة قبل بدوّ صلاحها مع اُصولها جاز(2) بلاإشكال.

(مسألة: 6) إذا ظهر بعض ثمر البستان جاز بيع المتجدِّد في تلك السنة معه وإن لم يظهر، اتّحد الجنس أم اختلف، اتّحد البستان أم تكثّر على الأقوى.

(مسألة: 7) إذا كانت الشجرة تثمر في السنة الواحدة مرّتين ففي جريان حكم العامَين عليهما إشكال(3).



(1) كلّ هذه التعابير هي تعابير الروايات ـ راجع ب 1 من بيع الثمار من الوسائل،ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت ـ والمقياس العامّ ما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في تعليقه على منهاج الصالحين؛ إذ قال: «بدوّ الصلاح هو: أن تطعم الثمرة، أي: تتّخذ لها طعماً وإن لم تصبح صالحة للأكل فعلاً».

أقول: والتعبير بـ (حتّى يطعم) هوالوارد في الحديث 9 و 10 من ذاك الباب.

(2) مقصوده بذلك البيع الحقيقيّ لاُصول الشجر، لا إيجارها.

وكذلك يجوز كما أفاده اُستاذنا الشهيد في تعليقه على هذه المسألة بيع الثمرة على مالك الشجر، فلو كان قد اشترى الشجر من صاحب البستان شراءً حقيقيّاً من دون ثماره، فكانت الثمار باقية على ملك المالك الأصليّ، كان للبائع الأصليّ أن يبيع ثماره على المالك الجديد للشجر ولو لم يبدُ صلاحه.

(3) لا ينبغي الإشكال في عدم احتمال الفهم العرفيّ للفرق.

127

(مسألة: 8) إذا باع الثمرة سنةً أو سنتين أو أكثر ثمّ باع اُصولها على شخص آخر لم يبطل بيع الثمرة، بل تنتقل الاُصول إلى المشتري مسلوبة المنفعة في المدّة المعيّنة، وله الخيار في الفسخ مع الجهل، ولا يبطل بيع الثمرة بموت بائعها، بل تنتقل الاُصول إلى ورثة البائع بموته مسلوبة المنفعة، وكذا لا يبطل بيعها بموت المشتري، بل تنتقل إلى ورثته.

(مسألة: 9) إذا اشترى ثمرةً فتلفت قبل قبضها انفسخ العقد وكانت الخسارة من مال البائع، كما تقدّم ذلك في أحكام القبض، وتقدّم أيضاًإلحاق السرقة ونحوها بالتلف وحكم ما لو كان التلف من البائع والمشتريوالأجنبيّ.

(مسألة: 10) يجوز لبائع الثمرة أن يستثني ثمرة شجرات أو نخلات بعينها، وأن يستثني حصّةً مشاعةً كالربع والخمس، وأن يستثني مقداراً معيّناً كمنٍّ ووزنة، لكن في الصورتين الأخيرتين لو خاست الثمرة وزّع النقص على المستثنى والمستثنى منه على النسبة، وطريق معرفته تخمين الفائت(1) بالثلث أو الربع مثلا، ثمّ تنسب الأرطال إلى المجموع ويسقط منها بالنسبة، فإن كان الفائت الثلث يسقط منها الثلث، وإن كان الربع يسقط الربع، وهكذا.

(مسألة: 11) يجوز بيع ثمرة النخل وغيره في اُصولها بالنقود وبغيرها، كالأمتعة والحيوان والطعام، وبالمنافع والأعمال وغيرها كغيره من أفراد البيع. نعم، لا تجوز المزابنة، وهي بيع ثمرة النخل تمراً كانت أو رطباً أو بسراً أو غيرها



(1) إن كان المستثنى حصّة مشاعة، فلهما حقّ التعيين بالدقّة، ولا ينحصر الأمر بالتخمين، وإن كان المستثنى مقداراً معيّناً كمنّ ووزنة، فتخريج النسبة لا يمكن إلّا بالتخمين، وعندئذ لا بدّ من المصالحة بينهما على ما يقتضيه التخمين.

128

بالتمر دون الرطب والبسر(1) أو غيرهما، سواء من ثمره، أم من غيره في الذمّة،أم معيَّناً في الخارج، وفي عموم المنع لثمر غير النخل إشكال، والأظهر الجواز، إلّا إذا كان بيعها بمقدار منها(2) فالأظهر عدم جوازه.

(مسألة: 12) يجوز أن يبيع ما اشتراه من الثمر بثمن زائد على ثمنه الذي اشتراه به، أو ناقص أو مساو، سواء أباعه قبل قبضه أم بعده.

(مسألة: 13) لا يجوز بيع الزرع قبل ظهوره(3)، ويجوز الصلح عليه(4)، كما يجوز بيعه تبعاً للأرض لو باعها معه، أمّا بعد ظهوره فيجوز بيعه مع أصله، بمعنى



(1) لا وجه لهذا التفصيل بعد فرض حمل الحديث الآتي في تعليقنا اللاحق على بيع ثمر النخل بمقدار من نفس ثمر النخل، فإنّ خصوصيّة التمر في مقابل الرطب والبسر ملغيّة عندئذ عرفاً.

(2) يبدو أنّه(رحمه الله) حمل النهي في مثل صحيح عبد الرحمن وموثّقه(1) على مورد النصّ، وهو النخل دون باقي الأشجار، وإنّما أفتى في باقي الأشجار بعدم جواز بيع ثمارها بمقدار منها بمقتضى القاعدة؛ للزوم وحدة الثمن والمثمن، لكن الظاهر أنّ معنى المحاقلة والمزابنة لغةً هو بيع ثمار الأشجار بشيء منها، وبيع حبّة الزرع بشيء منها، فالنهي أساساً منصبّ على ذلك، ومسألة لزوم وحدة الثمن والمثمن إنّما هي نكتة عقلائيّة لهذا النهي، وصحيح الوشّاء(2) واضح في الالتفات إلى هذه النكتة، ولهذا نتعدّى من المحاقلة ـ وهي في ثمر النخل ـ إلى مورد ثمار الأشجار وهي المزابنة، وبصحيح الوشّاء نقيّد إطلاق أحاديث النهي عن المحاقلة والمزابنة لو كان لها إطلاق لغير مورد اتّحاد الثمن والمثمن.

(3) الأحوط وجوباً تركه؛ لأنّه من بيع المعدوم.

(4) نفس الاحتياط الجاري في البيع جار في الصلح.


(1) الوسائل، ب 13 من بيع الثمار، ح 1 و 2.

(2) ب 12 من بيع الثمار من الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ح 2،ص 237 ـ 238.

129

بيع المقدار الظاهر مع اُصوله الثابتة، فإن شاء المشتري فصله، وإن شاء أبقاه(1)، فإن أبقاه حتّى يسنبل كان له السنبل، وعليه اُجرة الأرض(2)، وإن فصله قبل أن يسنبل فنمت الاُصول الثابتة في الأرض حتّى سنبل كان له أيضاً، وعليه اُجرة الأرض على الأحوط، ويجوز بيعه لا مع أصله، بل قصيلا إذا كان قد بلغ أوان قصله، أو قبل ذلك على أن يبقى حتّى يصير قصيلا، أو قبل ذلك(3)، فإن قطعه ونمت الاُصول حتّى صارت سنبلا كان السنبل للبائع، وإن لم يقطعه كان لصاحب الأرض قطعه، وله إبقاؤه والمطالبة بالاُجرة، فلو أبقاه فنما حتّى سنبل فالوجه اشتراك البائع والمشتري فيه، وفي كونهما على السويّة إشكال، والأحوط التصالح، وكذا الحال لو اشترى نخلا(4)، لكن هنا لو اشترى الجذع بشرط القلع فلم يقلعه ونما كان النماء للمشتري لا غير(5).

(مسألة: 14) يجوز بيع الزرع محصوداً، ولا يشترط معرفة مقداره بالكيل أو الوزن، بل تكفي فيه المشاهدة.



(1) إمّا بإذن من مالك الأرض أو بشرط عليه ولو ضمناً، وإلّا وجب عليه فصله.

(2) كأنّ مقصوده: «عليه اُجرة الأرض على الأحوط» بقرينة ما في السطر الآتي، وكأنّ الوجه في التنزّل إلى الاحتياط احتمال أن يكون شرط حقّ الإبقاء على صاحب الأرض أو إذن صاحب الأرض في الإبقاء إسقاطاً ضمنيّاً لحقّ الاُجرة.

(3) يبدو أنّ هذه الجملة أعني: كلمة (أو قبل ذلك) الثانية في نسختنا زائدة.

(4) كأنّ المقصود: أنّه لو اشترى نخلاً ثمّ حمل، كان الحمل للمشتري، كما دلّت على ذلك روايات ب 9 من بيع الثمار من الوسائل، وكما هو مقتضى القاعدة.

(5) كأنّه(رحمه الله) يقايس بين شراء الجذع بشرط القلع ولم يقلعه، وشراء القصيل ولم يقصله، ليبيّن الفرق بينهما، فيقول: لو اشترى القصيل ولم يقصله حتّى سنبل، كان السنبل للبائع؛ لأنّه غير القصيل، أمّا لو اشترى الجذع بشرط القلع ونما الجذع، فالنامي هو عين ما اشتراه، فهو له لا غير. هذا خير ما استطعنا أن نوجّه به العبارة.

130

(مسألة: 15) لا يجوز المحاقلة، وهي بيع سنبل الحنطة أو الشعير بالحنطة(1)، سواء أكانت منه، أو في الذمّة، أم موضوعةً على الأرض، وكذا بالشعير على الأحوط، والأظهر جواز بيع الزرع قبل أن يسنبل بالحنطة فضلا عن الشعير، وكذا بيع سنبل غير الحنطة والشعير من الحبوب بحبٍّ من جنسه في الذمّة، أو موضوعة على الأرض، ولا يجوز بحبٍّ منه.

(مسألة: 16) الخضر كالخيار والباذنجان والبطّيخ لا يجوز بيعها قبل ظهورها(2)، ويجوز بعد ظهورها مع المشاهدة لقطةً واحدةً أو لقطات، والمرجع في تعيين اللقطة عرف الزراع، ولو كانت الخضرة مستورةً كالشلغم والجزر ونحوهما لم يجزْ بيعها(3). نعم، يجوز الصلح عليها على الأظهر، ولو كان ورقه



(1) حرمة المحاقلة أو المزابنة تشمل مطلق بيع حبوب الأشجار والزروع بحبّ منها المستبطن لنكتة وحدة الثمن والمثمن، ولا إشكال في البيع بحبوب اُخرى على وجه الأرض.

(2) على الأحوط؛ لأنّه إمّا أن يرجع إلى بيع المعدوم، أو إلى بيع السلف الذي مضى الإشكال فيه في ذيل التعليقين على المسألة (1) من الفصل الثاني عشر في بيع الثمار والخضر والزرع.

(3) هذا إمّا لأجل الجهالة والغرر ونحو ذلك، أو لموثّق سماعة: «سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات، أو أربع خرطات؟ فقال: إذا رأيت الورق في شجره فاشترِ منه ما شئت من خرطة»(1).

والكلّ محلّ نظر(2)، فالظاهر الجواز.


(1) الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من بيع الثمار، ح 2، ص 221.

(2) أمّا الجهالة، فلا يعتنى بها عرفاً في مثل المقام، وأمّا الموثّق، فقيد رؤية الورق فيهلعلّه كان للتأكّد من وجود الورق، لا لعنوان عدم الظهور الثابت في الشلغم والجزر المستورينتحت الأرض.

131

بارزاً وأصله مستوراً كالبصل جاز بيعه(1) والصلح عليه.

(مسألة: 17) إذا كانت الخضرة ممّا يُجزّ كالكراث والنعناع واللفت ونحوها يجوز بيعها بعد ظهورها جزّةً وجزّات، ولا يجوز بيعها قبل ظهورها(2)، والمرجع في تعيين الجزّة عرف الزراع، كما سبق، وكذا الحكم فيما يخرط كورق الحنّاء والتوت فإنّه يجوز بيعه بعد ظهوره خرطةً وخرطات.

(مسألة: 18) إذا كان نخل أو شجر أو زرع مشتركاً بين اثنين جاز أن يتقبّل أحدهما حصّة صاحبه بعد خرصها بمقدار معيّن فيتقبّلها بذلك المقدار، فإذا خرص حصّة صاحبه بوزنة ـ مثلا ـ جاز أن يتقبّلها بتلك الوزنة، زادت عليها في الواقع أو نقصت عنها أو ساوتها، والظاهر عدم الفرق بين كون الشركاء اثنين أو أكثر، وكون المقدار المتقبَّل به منها وفي الذمّة. نعم، إذا كان منها فتلفت الثمرة فلا ضمان على المستقبل، بخلاف ما لو كان في الذمّة فإنّه باق على ضمانه، والظاهر أنّه معاملة مستقلّة لا بيع ولا صلح(3)، ويكفي فيها كلّ لفظ دالٍّ على المقصود، بل تجري فيها المعاطاة كما في غيرها من العقود.

(مسألة: 19) إذا مرّ الإنسان بشيء من النخل أو الشجر أو الزرع جاز أن يأكل من ثمره بلا إفساد للثمر أو الأغصان أو الشجر أو غيرها، والظاهر جواز الأكل



(1) هذا ظاهر في أنّ نظره(رحمه الله) كان إلى موثّق سماعة، لا إلى الجهالة أو الغرر، فاقتصر على شرط بروز الورق؛ لأنّ موثّق سماعة لم يذكر إلّا عبارة: «إذا رأيت الورق»، ولكن قد عرفت منّا النظر في أصل الإشكال.

(2) على الأحوط؛ لما مضى في التعليق الأوّل على المسألة السابقة.

(3) ويمكن أن يكون تصالحا على تعيين المقدار، كما يمكن ضمّه إلى تصالح آخر على استبداله بما يماثله في الذمّة.

132

وإن كان قاصداً له من أوّل الأمر. نعم، لو كان لمقصده طريقان فرجّح العبور من الطريق الذي يمرّ بالشجر لأجل الأكل ففي جواز الأكل حينئذ إشكال(1)، وأشكل منه ما لو لم يكن له مقصد إلّا الأكل(2)، وكذا إذا كان للبستان جدار أو حائط، أو علم بكراهة المالك(3)، وإذا حمل معه شيئاً حرم ما حمل، ولم يحرم ما أكل.

(مسألة: 20) يستثنى من حرمة المزابنة بيع العَرية(4)، وهي النخلة الواحدة لشخص في دار غيره أو بستانه ويشقّ عليه دخوله عليها، فيبيعها منه بخرصها تمراً من غيرها، أو كلّيّاً في الذمّة، ويجوز له حينئذ إعطاؤه من تمرها.



(1) الظاهر الجواز(1).

(2) الظاهر عدم الجواز.

(3) على الأحوط(2).

(4) أصل دخول ذلك في المزابنة غير واضح، أو واضح العدم.


(1) لإطلاق الروايات. راجع الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 8 منبيع الثمار.

(2) لأنّ النهي عن ذلك أحد محتملات صحيحة عليّ بن يقطين. راجع الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 8 من بيع الثمار، ح 7، ص 228.

133

 

خاتمة

 

في الإقالة

وهي فسخ العقد من أحد المتعاملين بعد طلبه من الآخر، والظاهر جريانها في عامّة العقود اللازمة غير النكاح، وفي جريانها في الهبة اللازمة والضمان إشكال(1)، وتقع بكلّ لفظ يدلّ على المراد وإن لم يكن عربيّاً، بل تقع بالفعل، كما تقع بالقول، فإذا طلب أحدهما الفسخ من صاحبه فدفعه إليه كان فسخاً وإقالة، ووجب على الطالب إرجاع ما في يده إلى صاحبه.

(مسألة: 1) لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن أو المثمن أو نقصان، فلوأقال كذلك بطلت وبقي كلّ من العوضين على ملك مالكه، وإذا جعل له مالا في الذمّة أو في الخارج ليقيله بأن قال له: « أقلني ولك هذا المال » أو « أقلني ولك عليّ كذا » نظير الجعالة ففي الصحّة وجه، ولو أقال بشرط مال عين أو عمل كمالوقال للمستقيل: « أقلتك بشرط أن تعطيني كذا أو تخيط ثوبي » فقبل ففي الصحّة إشكال.



(1) لا مانع من جريانها في الهبة اللازمة. نعم، في جريانها في الصدقة إشكال؛ للمنع الوارد عن الرجوع في الصدقة(1).

وأمّا الضمان، فلا تصحّ فيه الإقالة، إلّا إذا وافق المضمون عنه.


(1) راجع الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 11 من الوقوف والصدقات،وج 9 بحسب تلك الطبعة، ب 24 من الصدقة.

134

(مسألة: 2) لا يجري في الإقالة فسخ أو إقالة.

(مسألة: 3) في قيام وارث المتعاقدين مقام المورِث في صحّة الإقالة إشكال وإن كان أقرب.

(مسألة: 4) تصحّ الإقالة في جميع ما وقع عليه العقد، وفي بعضه، ويتقسّط الثمن حينئذ على النسبة، وإذا تعدّد البائع أو المشتري تصحّ الإقالة بين أحدهما والطرف الآخر بالنسبة إلى حصّته، ولا يشترط رضا الآخر.

(مسألة: 5) تلف أحد العوضين أو كليهما لا يمنع من صحّة الإقالة، فإذا تقايلا رجع كلّ عوض إلى صاحبه الأوّل، فإن كان موجوداً أخذه، وإن كان تالفاً رجع بمثله إن كان مثليّاً، وبقيمته إن كان قيميّاً، وتتعيّن قيمة زمان التلف(1)، والخروج عن الملك ببيع أو هبة أو نحوهما بمنزلة التلف، وتلف البعض كتلف الكلِّ يستوجب الرجوع بالبدل عن البعض التالف، والعيب في يد المشتري يستوجب الرجوع عليه بالأرش.

والحمد لله ربِّ العالمين.



(1) بل الظاهر هو قيمة يوم الأداء على أساس إنكارنا للفرق بين المثليّ والقيميّ.

135

المعاملات

2

 

 

 

كتاب الشفعة

 

 

○  ما تثبت فيه الشفعة.

○  الشفيع.

○  الأخذ بالشفعة.

 

 

 

 

137

 

 

 

 

 

مسألة: إذا باع أحد الشريكين حصّته على ثالث كان لشريكه أخذ المبيع بالثمن المجعول له في البيع، ويسمّى هذا الحقّ بالشفعة.

 

فصل في ما تثبت فيه الشفعة:

(مسألة: 1) تثبت الشفعة في بيع ما لا ينقل إذا كان يقبل القسمة كالأرضين والدور والبساتين بلا إشكال، وهل تثبت فيما ينقل كالآلات والثياب والحيوان، وفيما لا ينقل إذا لا يقبل القسمة ؟ قولان، أقواهما الأوّل، فيما عدا السفينة والنهر والطريق والحمّام والرحى(1)، فإنّه لا تثبت فيها الشفعة.

(مسألة: 2) لا تثبت الشفعة بالجوار، فإذا باع أحد داره فليس لجاره الأخذ بالشفعة.

(مسألة: 3) إذا كانت داران مختصّة كلّ واحدة منهما بشخص وكانا مشتركين في طريقهما فبيعت إحدى الدارين مع الحصّة المشاعة من الطريق تثبت الشفعة لصاحب الدار الاُخرى، سواء أكانت الداران قبل ذلك مشتركتين وقسِّمتا أم لم تكونا كذلك. وإذا بيعت



(1) بل الأقوى فيها أيضاً الثبوت(1).

أمّا ما يُنقل ويقبل القسمة، فلا شفعة فيه.


(1) لأنّ الحديث الذي استثناها ضعيف بالنوفليّ. راجع الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 8 من الشفعة، ح 1، ص 404 ـ 405.

138

إحدى الدارين بلا ضمِّ حصّة الطريق إليها لم تثبت الشفعة للشريك في الطريق، وإذا بيعت الحصّة من الطريق وحدها تثبت الشفعة للشريك، وهل يختصّ الحكم المذكور بالدار، أو يعمّ غيرها من الأملاك المفروزة المشتركة في الطريق ؟ وجهان، أقواهما الأوّل(1).

(مسألة: 4) ألحق جماعة بالطريق: النهر والساقية والبئر، فإذا كانت الداران المختصّة كلّ منهما بشخص مشتركتين في نهر أو ساقية أو بئر فبيعت إحداهما مع الحصّة من النهر أو الساقية أو البئر كان لصاحب الدار الاُخرى الشفعة، وفيه إشكال، بل منع(2).

(مسألة: 5) إذا بيع المقسوم منضمّاً إلى حصّة من المشاع صفقةً واحدةً كان للشريك في المشاع الأخذ بالشفعة في الحصّة المشاعة بما تخصّها من الثمن بعد توزيعه، وليس له الأخذ في المقسوم.

(مسألة: 6) تختصّ الشفعة بالبيع، فإذا انتقل الجزء المشاع بالهبة المعوَّضة أو الصلح(3) أو غيرهما فلا شفعة للشريك.

(مسألة: 7) إذا كانت العين بعضها ملكاً وبعضها وقفاً فبيع الملك لم يكن



(1) بل لا فرق بين الدار والأملاك الاُخرى المفروزة(1).

(2) إن كان المقصود نفي الشفعة في بيع الدار، فهو صحيح، وإن كان المقصود نفي الشفعة في النهر أو الساقية أو البئر، فهو غير صحيح(2).

(3) لا يبعد إلحاق الصلح ونحوه ممّا يكون أثره المعامليّ نفس أثر البيع بالبيع في حكم الشفعة، وإلّا أمكن الفرار دائماً من حقّ الشفعة بتبديل البيع بمثل الصلح أو الهبة المعوّضة.


(1) وتوهّم اختصاص الحكم بالدار ناتج من أنّ روايات منصور بن حازم ـ الواردة في ب 4 من الشفعة من الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت ـ واردة في الدار، ولكنّنا أساساً نؤمن بعدم حجّيّة تلك الروايات؛ لأنّها تدلّ أساساً على عدم اشتراط وحدة الشريك، وهذا ما أعرض عنه مشهور الأصحاب.

(2) فإنّنا إنّما نقول بالشفعة في الطريق بمقتضى القاعدة، لا بروايات منصور بن حازم، فإنّها ساقطة كما أشرنا إلى ذلك.

139

للموقوف عليهم الشفعة على الأقوى وإن كان الموقوف عليه واحداً، وإذا بيع الوقف في مورد يجوز بيعه ففي ثبوت الشفعة للشريك قولان، أقربهما ذلك.

(مسألة: 8) يشترط في ثبوت الشفعة أن تكون العين المبيعة مشتركةً بين اثنين، فإذا كانت مشتركةً بين ثلاثة فما زاد وباع أحدهم لم تكن لأحدهم شفعة. نعم، إذا باعوا جميعاً إلّا واحداً منهم كان للواحد الشفعة، وإذا كانت بين شريكين فباع أحدهما بعض حصّته ثبتت الشفعة للآخر.

 

فصل في الشفيع:

(مسألة: 1) يعتبر في الشفيع الإسلام إذا كان المشتري مسلماً، فلا شفعة للكافر على المسلم وإن اشترى من كافر، وتثبت للمسلم على الكافر، وللكافر على مثله.

(مسألة: 2) يشترط في الشفيع أن يكون قادراً على أداء الثمن، فلا تثبت للعاجز عنه وإن بذل الرهن أو وجد له ضامن، إلّا أن يرضى المشتري بذلك. نعم، إذا ادّعى غيبة الثمن اُجِّل ثلاثة أيّام، وإذا ادّعى أنّ الثمن في بلد آخر اُجِّل بمقدار وصول المال إليه وزيادة ثلاثة أيّام، فإن انتهى الأجل فلا شفعة، ويكفي في الثلاثةأيّام التلفيق، كما أنّ مبدأها زمان الأخذ بالشفعة، لا زمان البيع.

(مسألة: 3) إذا كان التأجيل ثلاثة أيّام أو إلى زمان نقل الثمن من البلد الآخر حيث يدّعي وجوده فيه يوجب الضرر على المشتري فالظاهر سقوط الشفعة(1).

(مسألة: 4) إذا كان الشريك غائباً عن بلد البيع وقت البيع جاز له الأخذ بالشفعة إذا حضر البلد وعلم بالبيع وإن كانت الغيبة طويلة، وإذا كان له وكيل مطلق في البلد أو في خصوص الأخذ بالشفعة جاز لذلك الوكيل الأخذ بالشفعة عنه.



(1) قال اُستاذنا الشهيد ـ ونِعْم ما قال ـ: «لا يخلو من إشكال. نعم، إذا كان البلد الآخر بعيداً على نحو يستوجب السفر إليه تأجيلاً غير متعارف فلا شفعة».

140

(مسألة: 5) تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيهاً أو صبيّاً أو مجنوناً، فيأخذ لهم الوليّ، بل إذا أخذ السفيه بإذن الوليّ صحّ، وكذا الصبيّ على احتمال قويّ.

(مسألة: 6) تثبت الشفعة للمفلَّس إذا رضي المشتري ببقاء الثمن في ذمّته، أو استدان الثمن من غيره، أو دفعه من ماله بإذن الغرماء.

(مسألة: 7) إذا أسقط الوليّ على الصبيّ أو المجنون أو السفيه حقّ الشفعة لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والرشد والعقل، وكذا إذا لم يكن الأخذ بها مصلحةً فلم يطالب، أمّا إذا ترك المطالبة بها مساهلةً منه في حقّهم فالظاهر أنّ لهم المطالبة بها بعد البلوغ والرشد.

(مسألة: 8) إذا كان المبيع مشتركاً بين الوليّ والموَلّى عليه فباع الوليّ عنه جاز له أن يأخذ بالشفعة على الأقوى(1)، وكذا إذا باع الوليّ عن نفسه فإنّه يجوز له أن يأخذ بالشفعة للمولّى عليه(2)، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكاً مع الموكِل(3).

 

فصل في الأخذ بالشفعة:

(مسألة: 1) الأخذ بالشفعة من الإنشائيّات المعتبر فيها الإيقاع، ويكون بالقول، مثل أن يقول: أخذت المبيع المذكور بثمنه، وبالفعل، مثل أن يدفع الثمن ويستقلّ بالمبيع.



(1) بيع الوليّ لحصّة المولّى عليه يكون غالباً قرينةً عرفيّةً على إسقاطه لحقّ نفسه في الشفعة. نعم، فيما لو لم تتمّ هذه القرينة كما لو باع حصّة المولّى عليه بثمن اعتقد أنّه أكثر من ثمن المثل بكثير، فلم يرده لنفسه، ثمّ تبيّن له عدمه، صحّ ما في المتن.

(2) هنا أيضاً قد يكون بيع الوليّ لحصّة نفسه قرينةً على إسقاط حقّ المولّى عليه، ولكن حينما تنتفي هذه القرينة كما لو كان غافلاً عن أنّ من صالح المولّى عليه جعل البيع له، ثمّ التفت إلى ذلك يصحّ ما في المتن.

(3) يعني وكيلاً مطلقاً، أي: حتّى في الأخذ بالشفعة. وهنا أيضاً تأتي نفس الملاحظة التي شرحناها في الوليّ في التعليقين السابقين.

141

(مسألة: 2) لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يدع الجميع.

(مسألة: 3) الشفيع يأخذ بقدر الثمن، لا بأكثر منه، ولا بالأقلّ، ولا يلزم أن يأخذ بعين الثمن، بل له أن يأخذ بمثله إن كان مثليّاً، وفي ثبوت الشفعة في الثمن القيميّ بأن يأخذ المبيع بقيمته قولان، أقواهما العدم(1).

(مسألة: 4) إذا غُرِّم المشتري شيئاً من اُجرة الدلاّل أو غيرها، أو تبرّع به للبائع من خلعة ونحوها لم يلزم الشفيع تداركه، وإذا حطّ البائع شيئاً من الثمن للمشتري لم يكن للشفيع تنقيصه.

(مسألة: 5) الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة، فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر، ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر، كجهله بالبيع، أو جهله باستحقاق الشفعة، أو توهّمه كثرة الثمن فبان قليلا، أو كون المشتري زيداً فبان عمراً، أو أنّه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس، أو أنّه واحد فبان اثنين أو العكس، أو أنّ المبيع النصف بمئة فتبيّن أنّه الربع بخمسين، أو كون الثمن ذهباً فبان فضّة، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحقٍّ يعجز عن أدائه، وكذا أمثال ذلك من الأعذار.

(مسألة: 6) المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة، فإذا كان مشغولا بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها، وإذا كان مشغولا بأكل أو شرب لم يجب قطعه، ولا يجب عليه الإسراع في المشي، ويجوز له إن كان غائباً انتظار الرفقة إذا كان الطريق مخوفاً، أو انتظار زوال الحرِّ أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره، وقضاء وطره من الحمّام إذا علم بالبيع وهو في الحمّام، وأمثال ذلك ممّا جرت العادة



(1) قد حقّقنا في محلّه عدم انقسام الأجناس إلى قسمين: مثليّ وقيميّ، فالصحيح في المقام أنّ من له حقّ الشفعة له أن يأخذ بحقّه، وأن يرجع إلى دفع القيمة يوم الأداء.

142

بفعله لمثله. نعم، يشكل مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكنتركه موجباً للطعن فيه، وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداءً، والأظهر السقوط(1).

(مسألة: 7) إذا كان غائباً عن بلد البيع وعلم بوقوعه وكان يتمكّن من الأخذ بالشفعة بالتوكيل فلم يبادر إليه سقطت الشفعة.

(مسألة: 8) لا بدّ في الأخذ بالشفعة من إحضار الثمن، ولا يكفي قول الشفيع: « أخذت بالشفعة » في انتقال المبيع إليه، فإذا قال ذلك وهرب أو ماطل أو عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري، لا أنّه ينتقل بالقول إلى ملك الشفيع وبالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري.

(مسألة: 9) إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط، بل جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأوّل بالثمن الأوّل فيبطل الثاني، ولا تجزي الإجازة منه في صحّته له، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه فيصحّ البيع الأوّل، وإذا زادت العقود على الاثنين: فإن أخذ بالسابق بطل اللاحق، وإن أخذ باللاحق صحّ السابق، وإن أخذ بالمتوسّط صحّ ما قبله وبطل ما بعده.

(مسألة: 10) إذا تصرّف المشتري بالمبيع بغير البيع من وقف، أو هبة لازمة أو غير لازمة، أو بجعله صداقاً، أو غير ذلك ممّا لا شفعة فيه كان للشفيع الأخذ بالشفعة بالنسبة إلى البيع، فتبطل التصرّفات اللاحقة له.

(مسألة: 11) الشفعة من الحقوق، فتسقط بالإسقاط، ويجوز تعويض المال بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها، لكن على الأوّل لا يسقط إلّا بالإسقاط، فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صحّ وكان آثماً ولم يستحقَّ المال المبذول، وعلى الثاني إذا أخذ بالشفعة لم يصحّ، والمشهور أنّه يصحّ الصلح عليه نفسه، فيسقط بذلك لا بالإسقاط،



(1) ما لم يصدق عنوان المماطلة والتسويف لا يسقط.

143

ولا يخلو من إشكال(1)، والظاهر أنّه لا إشكال في أنّه لا يقبل الانتقال إلى غير الشفيع.

(مسألة: 12) إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها(2)، خصوصاً إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.

(مسألة: 13) المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة، فإذا أخذ وكان جاهلا به لم يصحّ، لكنّ الصحّة لا تخلو من وجه إلّا أن يكون الجهل مانعاً من القدرة على تسليم الثمن.

(مسألة: 14) إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت، وإذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط وجاز له أخذ الباقي بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري، وإذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة: فإن كان التلف بفعل المشتري ضمنه، وإن كان بغير فعله ففيه إشكال، والأحوط الضمان(3).

(مسألة: 15) الشفعة تورَث كما يورث المال على الأقوى، وليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون، وإذا أسقط بعضهم حقّه: ففي سقوط حقّ الباقي أو بقائه فله أن يأخذ بمقدار حقّه أو استقلاله بالحقّ فله أن يأخذ بالجميع وجوه، أقواها الأوّل(4).

 



(1) بل الظاهر أنّه هو الصحيح.

(2) المقصود: أنّ من يريد أن يُعمل حقّ الشفعة لو باع نصيبه، فقد خرج عن كونه شريكاً، فلا شفعة له.

(3) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) ـ ونِعْم ما أفاد ـ: «أنّ الظاهر عدم الضمان، إلّا مع فرض احتفاظ المشتري بالمبيع تحت يده بوجه غير مشروع».

(4) الظاهر أنّ الشفعة لا تورث(1).


(1) لخبر طلحة بن زيد. الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 12 من الشفعة، ص 407.

144

(مسألة: 16) إذا أسقط الشفيع حقّه قبل البيع لم يسقط، وكذا إذا شهد على البيعأو بارك للمشتري، إلّا أن تقوم القرينة على إرادة الإسقاط بعد البيع(1).

(مسألة: 17) إذا كانت العين مشتركةً بين حاضر وغائب وكانت حصّة الغائب بيد ثالث فباعها بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه والتصرّف فيه، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد اطّلاعه على البيع؟ إشكال وإن كان أقرب، فإذا حضر الغائب وصدّق فهو، وإن أنكر كان القول قوله بيمينه، فإذا حلف انتزع الحصّة من يد الشفيع، وكان له الاُجرة إن كانت ذات منفعة مستوفاة، أو مطلقاً على قول(2)، فإن دفعها إلى المالك رجع بها على مدّعي الوكالة.

(مسألة: 18) إذا كان الثمن مؤجّلا جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجّل، وفي وجوب إلزامه بالكفيل إشكال(3)، ويجوز أيضاً الأخذ بالثمن حالا إن رضي المشتري به(4).



(1) احتمال القرينيّة قد يكون موجوداً في المباركة للمشتري، ولكن وجوده في مجرّد الشهادة على البيع بعيد جدّاً.

(2) هذا القول ضعيف(1).

(3) الصحيح هو جواز إلزامه بالكفيل.

(4) الغالب هو: أنّ حقّ التأجيل إنّما يجعل للمشتري، لا للبائع، فإن كان كذلك، فلا داعي لا شتراط رضا المشتري بالتعجيل؛ إذ يجوز للشفيع أن يعطي برضاه لشريكه ما هو أغلى من الثمن الذي باعه على المشتري الأوّل بعنوان التبرّع والإحسان، لا بعنوان الاستحقاق، ولا علاقة للمشتري الأوّل بذلك، فكون الثمن النقديّ أغلى من الثمن المؤجّل لا يخلق مشكلة في المقام إن كان بعنوان الإحسان البحت.


(1) لأنّه ليس هو الذي فوّت الاستيفاء على المالك الغائب، وقد ذكرنا شرح الكلام في مثل ذلك في كتابنا في البيع المخطوط.

145

(مسألة: 19) المشهور أنّ الشفعة لا تسقط بالإقالة، فإذا تقايلا جاز للشفيع الأخذ بالشفعة فينكشف بطلان الإقالة، فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري، ونماء الثمن للبائع كما كان الحال قبلها كذلك، ولكنّه لا يخلو من إشكال(1).

(مسألة: 20) إذا كان للبائع خيار ردِّ العين فالظاهر ثبوته وسقوط الشفعة(2)، أ مّا ثبوت سائر الخيارات معها فمحلّ إشكال(3).

(مسألة: 21) إذا كانت العين معيبةً فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا أرش، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة: فإن كان عالماً به فلا شيء له، وإن كان جاهلا كان له



(1) الصحيح هو ما قاله المشهور.

(2) لو أعمل الشفيع شفعته قبل إرجاع البائع للعين، لم تبقَ عين لدى المشتري حتّى يمكن للبائع إعمال خيار ردّ العين، ولو أعمل البائع فسخ العقد قبل إعمال الشفيع شفعته، سقط حقّ الشفعة؛ لأنّ الخيار متعلّق بالعقد، فبإعماله قد أزال العقد.

(3) لا تنافي بين حقّ الشفعة وتلك الخيارات، فكلاهما يثبتان في عرض واحد، فإن أعمل البائع خياره وأزال العقد قبل إعمال الشفيع شفعته، ارتفع موضوع حقّ الشفعة، وإن فسخ البائع بعد إعمال الشفيع شفعته أو مقارناً لإعمال الشفيع شفعته، فبما أنّ حقّ الشفعة له تعلّق بالعين، تصبح العين ـ أعني: حصّة الشريك ـ ملكاً للشفيع، ويرجع الفاسخ إلى المثل أو القيمة.

أمّا لو كان ذو الخيار هو المشتري، ففسخه لا يعني رفع موضوع الشفعة، وإنّما فسخه تصرّف مترتّب على بيع البائع، فلو فسخ ثمّ أخذ الشريك بالشفعة، انكشف بطلان الفسخ؛ لأنّ إعمال الشفعة يُلغي كلّ ما يترتّب على العقد الذي أعمل الشفيع شفعته بلحاظه، ولو أعمل الشفيع شفعته ثمّ أعمل المشتري خياره، فإمّا أنّ خياره كان منوطاً ببقاء العين، كخيار العيب ـ مثلاً ـ أو لا، ففي الأوّل لا يبقى مجال لفسخه، وفي الثاني يرجع البائع على المشتري بالمثل أو القيمة.

146

الخيار في الردّ، وليس له اختيار الأرش(1)، وإذا كان المشتري جاهلا كان له الأرش، ولا خيار له في الردّ(2)، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة لم يبعد رجوعه على المشتري بالأرش(3) حتّى إذا كان قد أسقطه عن البائع، وإذا اتّفق اطّلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع فالظاهر أنّ له أخذ الأرش(4)، وعليه دفعه إلى الشفيع(5)، وإذا اطّلع الشفيع عليه دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش، ولا يبعد جواز مطالبة المشتري به(6).



(1) حقّ الردّ ثابت له بمقتضى القاعدة بسبب جهله؛ لأنّ رضاه في نظر العقلاء رضىً معيب، فبحكم العقلاء يكون له حقّ التراجع، وهذا الحقّ العقلائيّ ممضى بلا ضرر، وأمّا الأرش فلا دليل عليه.

(2) بل له خيار الفسخ قبل أخذ الشريك بالشفعة، فإن لم يفسخ حتّى أخذ الشريك بها، فقد ارتفع موضوع الخيار؛ لأنّ أصل المعاملة ابتعدت عنه، وإن فسخ ثمّ أخذ الشريك بها، كانت الشفعة كاشفة عن بطلان الفسخ؛ لأنّ الأخذ بالشفعة يبطل جميع التصرّفات الاعتباريّة المترتّبة على التصرّف الذي سلبه الشفيع عن شريكه.

(3) لم أعرف وجهاً مقبولاً لرجوعه على المشتري بالأرش.

(4) بعد أن عجز عن ردّ العين.

(5) أي: دفعه ولو ببدله، ولا يجب عليه دفعه بشخصه.

(6) لم أهتدِ إلى وجه مقبول لرجوعه على المشتري بالأرش كما أشرنا إلى ذلك في التعليق على قول المصنّف: «لم يبعد رجوعه على المشتري بالأرش» من هذه المسألة.