155

صدقت يرحمك اللّه، أردت أن أعظك فوعظتني»(1).

كما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل اللّه»(2).

وعنه(عليه السلام) أيضاً: «من كسل عن طهوره وصلاته، فليس فيه خير لأمر آخرته، ومن كسل عن ما يصلح به أمر معيشته، فليس فيه خير لأمر دنياه»(3).

وعنه(عليه السلام) أيضاً، عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): «ملعون من ألقى كَلَّهُ على الناس»(4).

وعن معلّى بن خنيس، عن أبيه أنّه قال: «سأل أبو عبداللّه(عليه السلام) عن رجل وأنا عنده، فقيل له: أصابته الحاجة. قال: فما يصنع اليوم؟ قيل: في البيت يعبد ربّه. قال: فمن أين قوته؟ قيل: من عند بعض


(1) الكافي، ج5، ص73، باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة؟عهم؟ في التعرض للرزق من کتاب المعيشة، ح1.

(2) المصدر السابق، ص88، باب من کدّ علی عیاله من کتاب المعيشة، ح1.

(3) المصدر السابق، ص85، باب کراهية الکسل من کتاب المعيشة، ح3.

(4) المصدر السابق، ص72، باب الاستعانة بالدنيا علی الآخرة من کتاب المعيشة، ح7.

156

إخوانه. فقال أبو عبداللّه(عليه السلام): واللّه لَلذي يقوّته أشدّ عبادة منه»(1).

فإذا جمعنا بين القسمين نفهم أنّ طلب الرزق بحدود معقولة ضروري، وعليه يعتمد الرزق، ما عدا الرزق المحتوم، فمن لم يطلب لا يحصل على الرزق، ولكن المطلوب هو الإجمال في طلبه، والاهتمامُ الزائد لا يُكْثِر الرزق، كما تشهد لهذا الجمع الطائفة الثالثة من الروايات.

القسم الثالث: وهي الروايات التي تصرّح بعنوان الإجمال في طلب الرزق، أي: أن يكون بحدود معقولة، وأن لا يكون عن طريق حرام، وأنّ الحرام لا يزيد الرزق، فعن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام الباقر(عليه السلام)، قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع: «إنّ روح الأمين نفث في روعي: أنّه لا تموت نَفْس حتّى تستكمل رزقها، فاتّقوا اللّه(عز وجل)، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية اللّه؛ فإنّ اللّه تبارك وتعالى قسّم الأرزاق بين خلقه حلالاً، ولم يقسّمها حراماً، فمن اتّقى اللّه وصبر، أتاه اللّه برزقه من حلّه، ومن هتك حجاب الستر وعجّل، فأخذه من غير حلّه،


(1) الكافي، ج5، ص78، باب الحث علی الطلب والتعرض للرزق من کتاب المعيشة، ح4.

157

قصَّ به من رزق الحلال، وحوسب عليه يوم القيامة»(1).

وممّا ورد أيضاً بهذا الصدد ما يرويه ابن فضّال عن أحدهم، عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيّع، ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئِن إليها، ولكن انزل نفسك من ذلك بمنزلة المنصف المتعفّف، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف، وتكسب ما لابدّ منه، إنّ الذين اعطوا المال ولم يشكروا، لا مال لهم»(2).

وفي رواية أُخرى: «قلت لأبي عبداللّه الصادق(عليه السلام): أيُّ شيء على الرجل في طلب الرزق؟ فقال: إذا فتحت بابك وبسطت بساطك، فقد قضيت ما عليك»(3).

وعن الطيّار أنّه سأله الإمام الباقر(عليه السلام) «أيُّ شيء تعالج؟ وأيّ شيء تصنع؟ فقلت: ما أنا في شيء. قال: فخذ بيتاً، واكنس فِناه، ورشّهُ، وابسط فيه بساطاً، فإذا فعلت ذلك فقد قضيت ما وجب


(1) المصدر السابق، ص80، باب الإجمال في الطلب من کتاب المعيشة، ح1.

(2) المصدر السابق، ص81، ح8.

(3) المصدر السابق، ص79، باب الإبلاء في طلب الرزق من کتاب المعيشة، ح1.

158

عليك. قال: فقدمت، ففعلت، فرزقت»(1).

فهذه الروايات من ناحية قد تشير إلى المبدأ الاقتصادي الذي يقول: إنّ الشيء الرئيس في تقسيم الرزق هو العمل، وقد تشير من ناحية أُخرى إلى المفهوم الذي بيّناه، وهو: أنّه لابدّ من طلب الرزق، وأنّ مَن لم يطلبه يُحرَم منه، ولكن هذا الطلب له حدود، وأنّ الطلب الذي يخرج من هذه الحدود لا يضيف إلى رزق الإنسان رزقاً.

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.


(1) الکافي، ج5، ص79، باب الإبلاء في طلب الرزق من کتاب المعيشة، ح2.

159

 

مصادر البحث

1. القرآن الکريم.

2. الاحتجاج؛ الطبرسي، أحمد بن علي(588ق)؛ إيران، مشهد، نشر المرتضی، الطبعة الأولی، 1403ق.

3. اعتقادات الإمامية؛ ابن بابويه، محمد بن علي(381ق)؛ إیران، قم، المؤتمرة للشيخ المفيد، الطبعة الثانية، 1414ق.

4. الإيقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة، الحرّ العاملي، محمد بن الحسن(1104ق)؛ إیران، طهران، دلیل ما، الطبعة الأولی، 1422ق.

5. بحار الأنوار؛ المجلسي، محمد¬باقر (1110هـ)؛ لبنان، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 1403هـ.

6. البرهان في تفسير القرآن؛ البحراني، هاشم بن سلیمان(1107ق)؛ إيران، قم، مؤسسة البعثة، الطبعة الأولی، 1415ق.

 

160

7. بشارة المصطفی لشيعة المرتضی؛ الطبري العاملي، عماد الدين(553ق)؛ العراق، النجف الأشرف، المکتبة الحيدرية، الطبعة الثانية، 1383ق.

8. تفسير العياشي؛ العياشي، محمد بن مسعود(320ق)؛ إيران، طهران،‌ مکتبة العلمية الإسلامية، الطبعة الأولی، 1380ق.

9. تفسير القرآن الکریم الشهير بتفسير المنار؛ محمد الرشيد، رضا(1354ق)؛ لبنان، بیروت، دار المعرفة، الطبعة الأولی، 1414ق.

10. تفسير القمي، القمي، علي بن إبراهيم، إیران، قم، دار الکتاب، الطبعة الثالثة، 1363ش.

11. تفسير نور الثقلين؛ الحويزي، عبد علي بن جمعه(1112ق)؛ إيران، قم، إسماعيليان، الطبعة الرابعة، 1415ق.

12. الجامع لأحکام القرآن؛ القرطبي، محمد بن أحمد(671ق)؛ إيران، طهران، ناصر خسرو، الطبعة الأولی، 1384ش.

13. روضة الواعضين وبصيرة المتعظين؛ الفتال النيشابوري، محمد ابن أحمد(508ق)؛ إيران، قم، انتشارات الرضي، الطبعة الأولی، 1375ش.

14. علل الشرائع؛ ابن بابويه، محمد بن علي(381ق)؛ إيران، قم،

161

المکتبة الداوري، الطبعة الأوّل، 1385ش.

15. الغيبة؛ الطوسي، محمد بن الحسن(460ق)؛ إيران، قم، دار المعارف الإسلامية، الطبعة الأولی، 1411ق.

16. الکافي؛ الکليني، محمد بن يعقوب(329ق)؛ إيران، طهران، دار الکتب الإسلامية، الطبعة الرابعة، 1407ق.

17. کمال الدين وتمام النعمة؛ ابن بابويه، محمد بن علي(381ق)؛ إيران، طهران، إسلامية، الطبعة الثانية، 1395ق.

18. لسان العرب؛ ابن منظور، محمد بن مکرم(711ق)؛ لبنان، بیروت، دار الفکر _ دار الصادر، الطبعة الثالثة، 1414ق.

19. الميزان في تفسير القرآن؛ الطباطبائي، محمد حسين(1402ق)؛ لبنان، بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ج2، ص1390ق.

20. نهج البلاغة؛ الشريف الرضي، محمد بن حسین(406)، تحقيق: صبحی الصالح؛ إیران، قم، الهجرة، الطبعة الأوّل، 1414ق.

21. وسائل الشيعة؛ الحرّ العاملي، محمد بن حسن(1104ق)؛ إيران، قم، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام)، الطبعة الأولی، 1409ق.