427

للصلوات اليومية الواجبة آداب مندوبة ينبغي للمصلّي مراعاتها والمحافظة عليها، ولا إثم عليه لو تركها. وهذه الآداب على قسمين:

أحدهما ينبغي أن يؤدّى قبل البدء بالصلاة.

والآخر ينبغي أن يؤدّى بعد الانتهاء منها.

والأول هو الأذان والإقامة، والثاني هو التعقيب، وسنتكلّم عنهما تباعاً.

 

الأذان والإقامة

 

(58) الأذان في اللغة: الإعلام. وفي الشريعة: أذكار معيّنة تشير إلى دخول وقت الصلاة، أو يمهَّد بها لإقامة الصلاة.

فهناك أذان للإعلام بدخول الوقت، ويسمّى بالأذان الإعلامي، وهو مستحبّ عند دخول وقت الصلاة، سواء كان المؤذّن يريد أن يصلّي فعلا، أوْ لا.

وهناك أذان لإقامة الصلاة، وهو مستحبّ ممّن يريد إقامة الصلاة فعلا، سواء كان يقيمها في أوّل الوقت، أو في وسطه، أو في آخره.

(59) وللإقامة في اللغة العديد من المعاني:

428

منها: الرواج، يقال: أقام السوق إذا جعلها رائجة.

ومنها: الظهور، يقال: أقام الدين إذا نصره وأظهره على أعدائه.

والمراد بالإقامة هنا: أذكار معيّنة تقال قبل الصلاة مباشرةً، منها: « قد قامت الصلاة »، أي أنّ المواظبين على الصلاة تهيّؤوا للشروع فيها.

صورة الأذان والإقامة:

(60) يتألف الأذان من ثمانية عشر جزءاً، وهذه صورته بكامل أجزائه:

« الله أكبر » أربع مرّات.

« أشهد أن لا إله إلّا الله » مرّتين.

« أشهد أنّ محمّداً رسول الله » مرّتين.

« حيّ على الصلاة » مرّتين.

« حيّ على الفلاح » مرّتين.

« حيّ على خير العمل » مرّتين.

« الله أكبر » مرّتين.

« لا إله إلّا الله » مرّتين.

ويسوغ الاقتصار على مرّة واحدة لكلّ جملة من هذه الجمل إذا كان المصلّي مستعجلا.

(61) وأجزاء الإقامة تقترب من أجزاء الأذان كثيراً، وصورتها كما يلي:

« الله أكبر » مرّتين.

« أشهد أن لا إله إلّا الله » مرّتين.

« أشهد أنّ محمّداً رسول الله » مرّتين.

« حيّ على الصلاة » مرّتين.

429

« حيّ على الفلاح » مرّيتن.

« حيّ على خير العمل » مرّتين.

« قد قامت الصلاة » مرّتين.

« الله أكبر » مرّتين.

« لا إله إلّا الله » مرّةً واحدة (1).

وصورة الأذان والإقامة محدّدة شرعاً ضمن ما ذكرناه، فلا يجوز أن يؤتى بشيء آخر من الكلام فيها على أساس أنّه جزء منها. وأمّا التكلّم بكلام أو جملة بدون أن يقصد المؤذّن أو المقيم جعله جزءاً من أذانه وإقامته فهو جائز. ومن ذلك قوله ـ بعد الشهادة الثانية لمحمّد بالرسالة ـ: « أشْهَدُ أنَّ عَليّاً وليُّ الله » فإنّ ذلك جائز إذا لم يقصد به كونه جزءاً من الأذان والإقامة، وإنّما أراد به الإعلان عن حقيقة من حقائق الإسلام، وهي ولاية عليّ عليه الصلاة والسلام.

شروط الأذان والإقامة:

يشترط في الأذان للصلاة والإقامة ما يلي:

(62) أوّلا: نية القربة؛ لأنّهما عبادتان.

(63) ثانياً: تقديم الأذان على الإقامة، فلو قدّم الإقامة على الأذان صحّت الإقامة ولم يصحّ الأذان (2).

(64) ثالثاً: الالتزام بتسلسل الأجزاء على النحو المحدّد في صورتي


(1) ويستحبّ مرّتين.
(2) بإمكانه أن يتدارك الترتيب بأن يقيم بعد الأذان مرّةً ثانيةً ويفترض الإقامة الاُولى كأنّها لاغية، أمّا لو لم يفعل ذلك ودخل في الصلاة فكأنّه صلّى بإقامة وحدها.
430

الأذان والإقامة، فيقدّم التكبير على الشهادة بالتوحيد، وتقدّم هذه على الشهادة بالرسالة،ويقدّم كلّ ذلك على « حيّ على الصلاة »... إلى آخره، ومن عكس ولو نسياناً أعاد، فلو كان قد بدأ بالشهادة ثمّ كبّر ـ مثلا ـ أعاد الشهادة، وهكذا.

(65) رابعاً: التتابع بين الأذان والإقامة، وبينهما وبين الصلاة، وبين أجزاء كلٍّ منهما بعضها مع البعض الآخر، فلا يفصل بين أجزاء الأذان ولا بين أجزاء الإقامة.

(66) خامساً: دخول وقت الصلاة، ولا يسوغ قبله إلّا أذان الفجر، فإنّه يسوغ أن يقدّم عليه(1) إذا لم يكن فيه تغرير للآخرين، على أن يعاد حين الفجر (2).

(67) سادساً: أن يكون الأذان والإقامة بالعربية الفصحى.

(68) سابعاً: يشترط أن يكون الإنسان حال الإقامة على طهارة، ويقيم وهو واقف. وأمّا في الأذان فيستحبّ هذا وذاك، ويكره الكلام الاعتياديّ الذي لايتعلّق بالصلاة في أثناء الأذان أو في أثناء الإقامة، وتتضاعف الكراهة حين يقول المقيم: « قد قامت الصلاة ».

الصلاة التي يؤذّن لها ويقام:

(69) يستحبّ بكلّ توكيد لمن يؤدّي الصلوات الخمس اليومية الواجبة أن


(1) هذا ليس أذان إعلام دخول الوقت، والأحوط أن لا يعدَّ أذان الصلاة، فهو أذان تنبيه النائمين لكي يتهيّؤوا للصلاة.
(2) الإعادة تكون بسبب ما قلناه من أنّ الأذان قبل الفجر ليس هو أذان الصلاة، أو أنّ الأحوط أن لا يعدّ كذلك، أمّا لو ثبت كونه أذان الصلاة لم يبقَ مورد لإعادته.
431

يؤذّن ويقيم لكلّ فريضة منها، سواء أدّاها في الوقت أم في خارجه (قضاءً)، سليماً أم مريضاً، رجلا أم امرأة، حاضراً أو مسافراً.

ويتأكّد الاستحباب أكثر فأكثر بالنسبة إلى الرجال خاصّة، وبالإضافة إلى الإقامة، فإنّ التأكيد عليها شرعاً أكثر من التأكيد على الأذان.

(70) ولا أذان ولا إقامة للنوافل، ولا لغير الصلوات اليومية، كصلاة الآيات، وصلاة العيدين، وغيرها.

متى لا يتأكّد الأذان أو لا يراد؟

ويقلّ استحباب الأذان وتضعف أهمّيته في عدّة حالات:

(71) الاُولى: إذا سمع الإنسان أذان آخر أمكنه الاكتفاء به (1)، وإن أذّن فلا ضير عليه.

(72) الثانية: إذا كان على الإنسان صلوات عديدة فاتته وأراد أن يقضيها ويؤدّيها بصورة متتابعة في وقت واحد كان له أن يكتفي بأذان واحد لها جميعاً، ويقيم لكلّ صلاة إقامةً خاصّة، ولا ضير عليه لو كرّر الأذان لكلّ صلاة (2).

(73) الثالثة: إذا جمع الإنسان بين صلاتين ولا يزال وقتهما معاً موجوداً ـ كالذي يجمع بين الظهر والعصر بعد الزوال، أو بين المغرب والعشاء بعد الغروب ـ كان له أن يكتفي بأذان واحد للصلاتين معاً، ولو أذّن للثانية أيضاً


(1) وكذلك الحال في الإقامة.
(2) لا يبعد كون سقوط الأذان في الصلوات التالية بعد أن أذّن للاُولى عزيمة، فالأحوط أن لا يكرّر الأذان إلّا رجاءً لا بقصد الاستحباب.
432

فلا ضير عليه (1)، إلّا فيمن جمع بين الظهر والعصر في عرفات يوم عرفة، أو بين المغرب والعشاء في المشعر (المزدلفة) ليلة عيد الأضحى، فإنّ عليه في هذين المكانين إذا جمع بين الصلاتين أن لايؤذّن للصلاة الثانية اكتفاءً بأذان الصلاة الاُولى.

ومن الجدير بالمكلّف وجوباً إذا جمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر أن يحتاط ويتجنّب الأذان لصلاة العصر، مكتفياً بأذان صلاة الجمعة، كما في عرفات والمشعر.

متى لا يراد الأذان والإقامة معاً؟

(74) وإذا اُقيمت صلاة جماعة كفاها أذان واحد وإقامة واحدة من الإمام أو من أحد المأمومين، ولا يطلب من الآخرين حينئذ أن يؤذّنوا أو يقيموا.

(75) ولا يتأكّد الأذان والإقامة إذا دخل الإنسان مكاناً تقام فيه صلاة جماعة مشروعة قد اُذّن لها واُقيم وأراد أن يصلّي بدون التحاق بهم، سواء كان دخوله في أثناء صلاة تلك الجماعة، أو بعد انتهائها وقبل تفرّق المصلّين فإنّ له أن يكتفي بأذان صلاة الجماعة وإقامتها ما دامت هيئة الجماعة وآثارها لم تزل قائمة، سواء أصلّى إماماً، أم مأموماً، أم منفرداً.

ولو أراد أن يؤذّن ويقيم فلا ضير عليه ما لم يخالف بذلك الآداب تجاه صلاة الجماعة، وإن كان الأجدر به احتياطاً استحباباً أن لا يؤذّن في هذه الحالة على الإطلاق.

 


(1) لا يبعد كون السقوط عزيمة، فالأحوط أن لا يكرّر الأذان إلّا بنيّة الرجاء، لا بنيّة الاستحباب.
433

إذا صلّى بدون أذان وإقامة:

(76) إذا صلّى المكلّف بدون أذان وإقامة صحّت صلاته ولا شيء عليه. وإذا بدأ بصلاته ناسياً الأذان والإقامة وتذكّرهما أثناء الصلاة فليس عليه أن يقطع صلاته من أجل ذلك.

ولكن من المؤكّد أنّه يسوغ له ذلك إذا كان قد تذكّر قبل الركوع من الركعة الاُولى، وكذلك الحال إذا كان ناسياً للإقامة فقط.

بل يمكن تعميم هذا الحكم لما بعد الركوع أيضاً، فإذا نسي الأذان والإقامة أو الإقامة فقط وتذكّر بعد الركوع أمكنه حفاظاً على هذين الأدبين الشرعيّين أن يقطع الصلاة ويؤذّن ويقيم، أو يقيم فقط ثمّ يصلّي.

 

التعقيب

 

(77) يستحبّ التعقيب بعد الصلاة، وهو ذكر ودعاء وثناء على الله بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، ومنه تسبيح سيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهو: الله أكبر (34) مرّة، والحمد لله (33) مرّة، وسبحان الله (33) مرّة.

وقد جاء في الحديث عن الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: « ما من مؤمن يؤدّي فريضةً من فرائض الله إلّا كان له عند أدائها دعوة مستجابة »(1).

ويستحبّ أيضاً في التعقيب قراءة فاتحة الكتاب، وآية الكرسي.

وجاء بسند صحيح عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: « أقلّ ما يجزيك من الدعاء بعد الفريضة أن تقول: اللهمّ إنّي أسألك من كلّ خير أحاط به علمُك، وأعوذ بك من كلّ شر أحاط به علمك، اللهمّ إنّي أسألك عافيتك في اُموري كلّها، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة »(2).

 


(1) وسائل الشيعة 4: 1016، الباب 1 من أبواب التعقيب، الحديث 12.
(2) وسائل الشيعة 4: 1043، الباب 24 من أبواب التعقيب، الحديث 1.
435

أحكام عامّة للصلوات اليوميّة

2

من ناحية الوقت

 

 

 

437

(78) لا يسوغ المباشرة في الصلاة قبل دخول وقتها المؤقّت لها، ولا يكفي احتمال دخول الوقت أو الظنّ بذلك، فلو صلّى وهو غير متأكّد من دخول الوقت فلا يمكنه الاكتفاء بهذه الصلاة ما دام لا يعلم بأنّها قد وقعت بعد دخول الوقت، بل ينتظر إلى أن يتأكّد من دخول الوقت فيصلّي.

(79) ويحصل التأكّد شرعاً من دخول الوقت بالاُمور التالية:

أوّلا: المعرفة المباشرة.

ثانياً: شهادة البيّنة العادلة.

ثالثاً: أذان المؤذّن الثقة العارف.

رابعاً: شهادة الثقة العارف.

(80) وإذا صلّى متأكّداً من دخول الوقت وحلوله لأحد الاُمور السابقة ثمّ تبيّن له وانكشف أنّ الوقت لم يكن قد دخل فماذا يصنع ؟

الجواب: إن كانت الصلاة قد وقعت بتمامها خارج الوقت وقبل دخوله فهي لغو تماماً كأنّه لم يصلّ، وإن دخل الوقت قبل تمام الصلاة ولو قبل التسليم أو في أثنائه وقبل الإنتهاء منه فصلاته صحيحة.

(81) من صلّى دون أن يتأكّد من دخول الوقت، وباشر الصلاة وهو ذاهل

438

غافل عن الوقت ومراعاته، ثمّ تبيّن له أنّ الوقت كان قد دخل قبل أن يقيم الصلاة فصلاته صحيحة، وإن انكشف له أنّ الوقت كان قد دخل وهو في أثناء الصلاة أو بعد إكمالها فصلاته باطلة.

(82) وإذا صلّى وبعد الفراغ من الصلاة شكّ في أنّها هل وقعت بعد دخول الوقت أو قبل ذلك ؟ فلا يجوز الاكتفاء بها (1)، وبخاصّة إذا كان لا يزال دخول الوقت غير معلوم حتّى تلك اللحظة.

(83) وإذا لم يبقَ من وقت الصلاة إلّا فترة قصيرة تساوي ما يتطلّبه الإتيان بالصلاة من زمن فلا يسوغ للمكلّف التماهل، بل لابدّ من المبادرة؛ لكي تقع الصلاة بكاملها في الوقت.

ولكن إذا تماهل أو غفل عن الصلاة حتّى لم يبقَ من الوقت إلّا ما يفي بركعة واحدة فقط ـ كدقيقة مثلا على افتراض أنّ كلّ ركعة تستغرق دقيقةً من الزمن ـ ففي هذه الحالة يجب على المكلّف أيضاً المبادرة إلى الصلاة.

وأمّا إذا لم يبقَ من الوقت إلّا نصف دقيقة وكان لا يكفي للإتيان بركعة ولو مخفّفة بدون سورة عقيب الفاتحة فقد فاتت الصلاة، وتحوّلت من الأداء إلى القضاء، بمعنى أنّه يجب عليه بعد ذلك أن يقضيها في أيّ وقت شاء.

(84) وقد يعجز الإنسان في بداية الوقت عن الإتيان بالصلاة على الوجه الكامل الواجب شرعاً، كمن عجز عن القيام في الصلاة، أو عن طهارة بدنه ـ ويسمّى أمثال هذا بأهل الأعذار ـ فهل يسوغ لهؤلاء أن يبادروا إلى الصلاة في أوّل وقتها بالصورة الناقصة؛ وذلك بالصلاة في حالة الجلوس أو مع النجاسة، أو يجب عليهم أن يصبروا وينتظروا إلى آخر الوقت، فإن ارتفع العذر وتجدّدت



(1) مقصوده (رحمه الله) فرض الشك في زمان دخول الوقت، لا فرض الشك في زمان إيقاع الصلاة.

439

القدرة على الصلاة كاملةً أتوا بها، وإلّا أدّوا الصلاة بصورتها الناقصة ؟

الجواب: أنّ أهل الأعذار يسوغ لهم أن يبادروا إلى الصلاة في أوّل وقتها أيّاً كان عذرهم، حتّى مع الأمل وعدم اليأس من ارتفاع العذر، وإذا زال العذر بعد الصلاة وقبل مضي وقتها فلا تجب الإعادة، إلّا إذا كان المصلّي قد أخلّ بسبب عذره بواجب مهمٍّ(1) ـ ركن ـ لا يعذر فيه حتى مَن جهل به، ويأتي تحديد ما هو من هذا القبيل من واجبات الصلاة.

(85) ويسوغ للإنسان إذا حلّ وقت الفريضة، أو كانت عليه صلاة فائتة لم يكن قد أدّاها في وقتها أن يصلّي النوافل والمستحبّات قبل أن يؤدّي الصلاة الواجبة ما دام على يقين من تمكّنه من أداء الصلاة الواجبة بعد ذلك على النحو المطلوب شرعاً.

وعلى العموم يستحبّ التعجيل بصلاة الفريضة والمبادرة إليها في أوّل وقتها، فإنّ أفضل أوقاتها هو أوّل الوقت، أو بعد الوقت بالقدر الذي تؤدّى فيه نافلتها إذا كان لها نافلة قبلها، ثمّ الوقت الأقرب فالأقرب إلى أوّل وقتها، وهكذا.



(1) بل تجب لدى الإخلال بالواجب مطلقاً، إلّا إذا كان قد ثبت له في وقت الصلاة بقطع أو بأمارة شرعيّة أنّ العذر يستمرّ إلى آخر الوقت.

441

أحكام عامّة للصلوات اليوميّة

3

من ناحية العدد

 

 

○  الحاضر والحضر.

○  السفر الشرعي.

○  تفصيلات وتطبيقات للشروط العامّة.

 

 

443

(86) تقدّم أنّ عدد الركعات اليومية الواجبة سبع عشرة ركعةً ضمن خمس صلوات، وأنّ عدد الركعات اليومية المستحبّة أربع وثلاثون ركعةً ضمن ثماني عشرة صلاة.

وهذا العدد إنّما يجب على المكلّف الحاضر، وهو غير المسافر، والحاضر من كان متواجداً في بلدته ووطنه، فكلّ من كان في وطنه وبلدته وجب عليه أن يؤدّي الصلوات بأعدادها المتقدّمة، فيصلي الظهر والعصر والعشاء أربعاً، وتسمّى بالصلاة التامة، ويسمّى التكليف بإيقاع تلك الصلوات أربع ركعات: التكليف بالتمام، فإذا سافر سفراً شرعياً تناقص العدد المذكور من الركعات، وانخفضت الصلوات اليومية الواجبة التي كانت تتأ لّف من أربع ركعات وأصبحت ركعتين بدلا عن أربع، وسقط عدد من نوافل الصلوات اليومية.

وعلى هذا الأساس تكون صلاة الظهر من المسافر ركعتين كصلاة الصبح، وكذلك العصر والعشاء، وتسمّى صلاه القصر؛ لقوله تعالى: ﴿وَإذا ضَرَبْتُمْ في الأ رْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾(1).

 


(1) النساء: 101.
444

ومعنى قصر الصلاة هنا: ترك شيء منها، كما تقول: قصر من ثوبه أو من شعره. ويختصّ هذ القصر بالفرائض الرباعية اليومية، كما عرفت. وأمّا صلاة المغرب وصلاة الصبح فهما ثابتتان لا تتغيّران في السفر.

وفي ما يلي نتحدّث:

أوّلا: عن الحاضر الذي تجب عليه الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات، فنعيّن من هو الحاضر ؟ وكيف يكون الإنسان حاضراً ؟

وثانياً: نتحدّث عن المسافر والسفر الشرعي الذي يوجب القصر وشروطه.

وثالثاً: عن تفاصيل ما ينشأ بسبب السفر الشرعي من أحكام بشأن قصر الصلاة.

445

الحاضر والحضر

 

(87) الحضر حالة مقابلة للسفر، ونريد به: التواجد في الوطن، فكلّ من تواجد في وطنه فهو مكلّف في صلاته بالتمام على ما تقدم.

ونقصد بالوطن: البلدة، أو القرية، أو الموضع الذي يخصّ الإنسان بأحد الأوجه التالية:

أقسام الوطن:

(88) أوّلا: البلدة التي هي وطنه تأريخياً، أي مسكن أبويه وعائلته، وتكون هي مسقط رأسه عادةً، وحينما يراد أن ينسب إلى بلدة عرفاً ينسب إليها فإنّ هذه البلدة تعتبر وطناً له شرعاً، ويجب عليه إذا صلّى فيها أن يصلّي الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات، سواء كان ساكناً فيها فعلا، أو منتقلا إلى بلد آخر مادام يقدر أو يحتمل أنّه سيرجع بعد ذلك ـ إذا اُتيح له ـ إلى سكناها (1).

ومثال ذلك: إنسان بصريّ يسكن بحكم وظيفته في غير البصرة، ولكنّه يحتمل أنّه سيقرّر الرجوع إلى البصرة إذا اُعفي من الوظيفة، أو أنهى مدّة الخدمة، فهذا تُعتبر البصرة وطناً له.

وأمّا إذا كان قد قرّر عدم الرجوع إلى البصرة واستيطان بغداد بدلا عنها


(1) من باب رجوع من طرأ له الخروج من مسكنه إلى مسكنه، أمّا لو فرض أنّ مسكنه السابق أصبح عنده في عرض باقي البلاد كالموظّف الذي ستنتهي وظيفته في البلد الثاني وسينتقل إلى المكان الذي تنقل وظيفته الجديدة إليه ويحتمل أنّ الوظيفة الجديدة ستكون في المسكن السابق فهذا لا يصدق عرفاً على مسكنه القديم أنّه لا زال وطناً له لمجرّد احتماله الرجوع إليه، والخلاصة: أنّ المسألة عرفيّة.
446

في حالات من ذلك القبيل فلا تعود البصرة وطناً له وإن كانت بلد آبائه، أو كان له أملاك فيها، فإذا سافر إليها يوماً أو أكثر صلّى كما يصلّي المسافر الغريب تماماً.

(89) ثانياً: البلدة التي يتّخذها وطناً له ومقاماً مدى الحياة.

ومثال ذلك: البغدادي يبلغ سنّ التقاعد، فيقرّر الهجرة إلى النجف ومجاورة قبر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مدى الحياة، فتعتبر النجف وطناً له باتّخاذه لها كذلك، وهو مكلف فيها بالتمام. وكما تكون وطناً له كذلك تكون وطناً لمن هو تابع له في حياته وسكناه، سواء اتّخذ التابع قراراً مماثلا بحكم تبعيّته كالزوجة بالنسبة إلى زوجها، أو كان دون السنّ والرشد الذي يؤهّله لاتخاذ مثل هذا القرار، كالأطفال والصبيان الذين يعيشون في كنف والدِهم.

(90) ثالثاً: البلدة التي يتّخذها مقرّاً له مدّةً مؤقّتةً من الزمن، ولكنّها طويلة نسبياً على نحو لا يعتبر تواجده فيها سفراً، كالتلميذ الجامعي الذي يتّخذ بغداد ـ مثلا ـ مقرّاً له مدّة أربع سنوات من أجل دراسته، فإنّ بغداد تعتبر بمثابة الوطن له، فيتمّ فيها صلاته خلال تلك المدّة التي قرّر فيها سكنى بغداد، وكذلك بالنسبة إلى مَن هو تابع له على ما تقدّم.

(91) رابعاً: من لا وطن له ـ بالمعنى المتقدّم في الحالات الثلاثة السابقة ـ إذا قرّر أن يتخذ له بيتاً في بلد ويسكن فيه أصبح ذلك البلد بمثابة الوطن بالنسبة إليه ـ وبالنسبة إلى من هو تابع له كما تقدّم ـ يتمّ فيه صلاته.

ومثاله: الموظّف الإداريّ الحلّي الأصل وقد أعرض عن سكنى الحلّة نهائياً، وهو الآن يسكن في أيّ بلد تفرض عليه وظيفته سكناها وهو لايعرف المدّة التي يقضيها في ذلك البلد، فقد ينقل بعد سنة وقد ينقل بعد مدّة أقلّ أو أكثر فهذا الشخص يعتبر ممّن لاوطن له؛ لأنّ وطنه الأصلي ـ وهو الحلّة ـ أعرض عنه فلم يعد وطناً له، ولم يتّخذ وطناً جديداً لسكناه مدى الحياة أو سنين عديدةً يستطيع أن يتحكّم في ظروفه، فهذا يعتبر البلد الذي فيه بيته وسكناه بمثابة الوطن له.

447

فالتواجد في الوطن بأحد هذه الأوجه والأنحاء يوجب التكليف بالتمام.

فإذا خرج وسافر من وطنه وجب عليه القصر، ولكن بشروط، وضمن تفصيلات تجدها في ما يأتي:

(92) ومن الجدير الإشارة إلى أنّ بالإمكان أن يكون لدى الإنسان وطنان، نذكر لذلك الصور التالية:

الاُولى: أن يتّخذ الشامي القاهرة مقرّاً له مدّة خمس سنوات للدراسة، ثمّ يعود بعد ذلك إلى بلده، فهذا له وطنان: أحدهما الشام، والآخر القاهرة.

الثانية: أن يتّخذ تاجر في بيروت مسكناً صيفياً له في « جباع » أو « كيفون » يسكنه خمسة أشهر في السنة، ويسكن في بيروت باقي شهور السنة، فيكون كلّ منهما وطناً له، ومتى وجد في أحدهما وأراد أن يصلّي فتكليفه التمام، حتّى ولو صلّى في كيفون شتاءً وفي بيروت صيفاً (1).

الثالثة: أن يكون له بلدان، يقيم في هذا البلد أيّاماً وفي ذلك البلد أيّاماً، كإنسان له زوجتان في بلدين يمكث عند هذه اُسبوعاً وعند تلك اُسبوعاً ما دام حيّاً، أو إلى أمد بعيد.

(93) وإذا كان للإنسان وطن على أحد الأوجه الأربعة المتقدّمة، ثمّ تردّد في مواصلة استيطانه وأخذ يفكّر في تركه فلايخرج عن كونه وطناً بمجرّد التردّد والتفكير.



(1) لو كانت الأيّام التي يقضيها في هذه البلاد المختلفة متساوية تساوياً عرفيّاً كما لو كان يسكن في جباع أو كيفون ستة أشهر، وفي بيروت ستة أشهر ولو تقريباً، فلا إشكال في المقام، وكذلك لو فرضنا مثلاً أنّه يسكن في كلّ من جباع وكيفون وبيروت ما يقارب أربعة أشهر، فتكون له أوطان ثلاثة.

أمّا فيما فرضه اُستاذنا الشهيد(قدس سره) من الفرق بين مقدار السكن، فيسكن في جباع أو كيفون خمسة أشهر، وفي بيروت سبعة أشهر، فالأحوط وجوباً أن يجمع في البلد الذي يكون سكناه فيه أقلّ من سكناه في البلد الآخر، بين القصر والتمام لو لم ينو الإقامة.

448

(94) وقد تسأل ـ على ضوء ما ذكرناه ـ وتقول: إنّ العديد من عباد الله يهاجرون من أوطانهم إلى بلاد نائية طلباً للرزق والكسب الحلال، كالذين يقصدون بلاد أفريقيا وغيرها، ومنهم من يهاجر من أجل العلم وطلبه، كالّذين يقصدون النجف الأشرف ونحوها، وكلّ من اُولئك وهؤلاء يمكثون في مهجرهم أمداً غير قصير فهل يجري عليهم حكم الوطن فيقيمون الصلاة تامّةً كاملةً ولا يسوغ فيه القصر بحال من الأحوال ؟

والجواب: إذا أعرض المهاجر عن وطنه الأصيل عازماً على عدم العودة إليه رتّب آثار الوطن على مهجره ما دام مهاجراً، ويتمّ فيه الصلاة، ولا فرق في هذا الفرض بين أن يكون قد قرّر البقاء مدّةً طويلةً في مهجره أو سنةً مثلا؛ إذ يعتبر المهجر وطناً له من القسم الرابع.

وإن لم يكن المهاجر معرضاً عن وطنه الأصيل ومنصرفاً عنه تماماً فالموقف يرتبط بالمدّة التي يعزم المهاجر على قضائها في مهجره، فإن كانت مدّةً من قبيل أربع سنوات أو أكثر اعتبر المهجر وطناً له، وأتمّ فيه الصلاة، ويكون من القسم الثالث من الوطن.

وإن كانت المدّة قصيرةً ـ كما إذا كان عازماً على البقاء سنةً أو سنتين ـ لم يكن المهجر وطناً، بل كان حكمه حكم أيّ بلد أجنبي، فيعتبر مكلّفاً بالتمام إذا كان سفره عملا له، بالمعنى الذي يأتي في الفقرة (170) وما بعدها من هذا الفصل، وإلّا فحكمه القصر (1).



(1) قد يشكّ في مبلغ من البقاء هل هو كاف لصدق الوطن أو لا، فيجمع بين القصر والتمام، أو يرجع إلى مطلقات التمام، وليس التحديد بأربع سنين أو عدم كفاية سنتين منه (رحمه الله)إلّا مجرّد استظهار عرفي له.

449

السفر الشرعي

 

خصائص السفر الشرعي:

ونريد بالسفر الشرعي: السفر الذي يترتّب عليه قصر الصلاة، ولا يترتّب قصر الصلاة على السفر إلّا إذا توفّرت في السفر الخصائص التالية:

(95) أوّلا: أن لاتقلّ المسافة التي تطوى في السفر عن ثمانية فراسخ شرعية، وهي تساوي ثلاثة وأربعين كيلومتراً وخمس الكيلومتر الواحد (1). ولا فرق بين أن تُطوى هذه المسافة كلّها في اتّجاه واحد أو في اتّجاهين، حتّى ولو وقع بعضها في حالة رجوع المسافر إلى بلده (2).

فمن طوى نصف هذه المسافة في سفره من بلده ـ مثلا ـ وطوى نصفها الآخر في رجوعه إلى بلده يعتبر سفراً شرعيّاً؛ لأنّه أكمل المسافة المحدّدة.

كما لا فرق بين أن تطوى في بضع دقائق، أو عدّة ساعات، أو خلال يوم أو أكثر، تبعاً لدرجة سرعة وسائط النقل. ويبدأ تقدير المسافة من آخر البلد عرفاً،


(1) هذا التحديد ليس مسلّماً، فهناك بعض التحديدات الاُخرى، إلّا أنّ أثر الفرق من الناحية العمليّة في واقع حياتنا المعاش نادر وشبه المعدوم.
ولو اتّفق ذلك فالفقيه في الشبهة المفهوميّة يرجع إلى مطلقات التمام، والعامي ما لم يحرز أنّ نفس شبهته موجودة لدى الفقيه وأنّه أفتى بالتمام يحتاط بالجمع بين القصر والتمام.
(2) الظاهر اشتراط أن لا يقلّ الذهاب عن أربعة فراسخ، فكأنّ السفر الشرعي مشروط بعمق معيّن وهو مقدار أربعة فراسخ، وفي الأقلّ من ذلك لا يعتبر الشخص مسافراً ولو كان لدى إضافة مسافة الرجوع يصل مبلغ سيره إلى ثمانية فراسخ أو أكثر.
450

كبيراً كان أم صغيراً.

ثانياً: (96) أن تكون هذه المسافة مقصودةً للمسافر بكاملها قصداً مستمرّاً إلى أن تطوى المسافة كاملة، فإذا سافر شخص بآخر وهو نائم أو مغمى عليه ولا يعلم عن السفر شيئاً فلا أثر شرعاً لهذا السفر بالنسبة للنائم أو المغمى عليه.

وكذلك إذا خرج الشخص من بلد قاصداً نقطةً تبعد نصف المسافة المحدّدة آنفاً، وحين وصلها تجدّدت له الرغبة في السير إلى نقطة اُخرى تبعد عن النقطة الاُولى بقدر نصف المسافة المحدّدة أيضاً فإنّه ما دامت المسافة بالكامل لم تكن مقصودةً له على هذا النحو، فلا أثر لسفره المذكور وإن طوى به فعلا المسافة بكاملها.

وكذلك أيضاً إذا خرج المسافر من بلده قاصداً المسافة المحدّدة بكاملها، ولكنّه بعد أن طوى نصفها تردّد وصار يقطع شيئاً فشيئاً من المسافة وهو متردّد في مواصلة السير فإنّ مثل هذا لا يقصِّر؛ حتى ولو أكمل المسافة في سيره المتردد هذا؛ لأنّ قصده للمسافة لم يستمر إلى النهاية. ونريد بالقصد معنى لايختص بحالات الرغبة والاختيار، وإنما هو الشعور المؤكد بأنّه سيطوي المسافة بكاملها، سواء كان هذا الشعور قائماً على اساس ارادته للسفر بملء اختياره، أو اكراه شخص له على ذلك، أو اضطراره لهذا السفر واستسلامه للأمر الواقع كما لو افلت زمام السفينة من يد البحّار وادرك أنّها ستطوي به المسافة المحددة قبل أن يتمكن من التحكم فيها.

ثالثاً: (97) أن تطوى هذه المسافة بصورة يعتبرها العرف سفراً ويقول الناس عمن طواها بأنه مسافر، وإما إذا طواها شخص ولم يطلق عليه أنّه مسافر عرفاً فلا أثر لها شرعاً، وذلك نظير من يبتعد عن بلده مائة متر ـ مثلا ـ ثمّ يدور

451

حوله على نحو تكون مسافة المحيط الذي يقطعه حول البلد () كيلومتراً ولكنه مع ذلك لا يعتبر مسافراً عرفاً ما دام يدور حول بلده على مقربة مائة متر« فالكورنيش » مثلا الذي يحيط بالبلد مهما كان محيطه واسعاً لا يعتبر قطعه وطيّه سفراً.

رابعاً: أن لا يحدث للمسافر قبل إكمال طيّ المسافة المحدّدة ـ أي قبل طيّ() كيلومتراً ـ أحد الاُمور التالية:

(98) الأول: المرور ببلده ووطنه، فإذا طوى المسافر ثلاثةً وأربعينكيلومتراً ـ مثلا ـ ولكنّه وصل في أثناء هذه المسافة وقبل إكمالها إلى نفس بلده الذي سافر منه أو إلى بلد آخر يعتبره وطناً له، كبلده الذي سافر منه (تقدم معنى الوطن في الفقرة « 87 » وما بعدها)، إذا اتّفق هذا فلا أثر لهذا السفر؛ لأنّه وقع في وسطه الحضر، وهو التواجد في الوطن.

ومثاله: أن يسافر الإنسان من النجف إلى الكوفة، ومنها إلى كربلاء مارّاً بالنجف.

ومثال آخر: أن يكون كلّ من النجف والكوفة وطناً للإنسان، ويعيش في كلٍّ منهما شطراً من حياته في السنة، فيسافر من النجف إلى الكفل مارّاً بالكوفة،ففي كلٍّ من هذين المثالين يكون المسافر قد طوى المسافة () كيلومتراً، ولكن مرّ في أثنائها بوطنه فلا يعتبر حينئذ مسافراً شرعاً، إلّا إذا طوى بعد مرورهبوطنه المسافة المحدّدة بكاملها.

(99) الثاني: التوقّف أثناء الطريق في مكان معيّن شهراً قبل إكمال المسافةالمحدّدة ()، فلو سافر نجفي قاصداً المسافة المحدّدة، وكانت بلدة الشامية