55

 

الفصل الثالث

 

في شروط العوضين

وفيه مسائل:

(مسألة: 1) يشترط في المبيع أن يكون عيناً، سواء أكان موجوداً في الخارج أم في الذمّة، وسواء أكانت الذمّة ذمّة البائع أم غيره، كما إذا كان له مال في ذمّة غيره فيبيعه على شخص ثالث. كما يشترط فيه أن يكون مالا بحيث يتنافس عليه العقلاء، فلا يجوز بيع المنفعة كمنفعة الدار، ولا بيع العمل كخياطة الثوب، ولا بيع الحقّ(1) كحقّ الخيار، ولا بيع ما لا يكون مالا كالحشرات(2).

وأمّا الثمن فيشترط فيه أن يكون مالا، سواء أكان عيناً أم منفعةً أم عملا أم حقّاً. نعم، إذا كان الحقّ لا يقبل الانتقال كحقّ الشفعة، أو لا يقبل الانتقال إلى خصوص البائع كحقّ القسم الذي لا يقبل الانتقال إلى غير الضرّة، ففي جواز جعله ثمناً إشكال، وإن كان هو الأظهر(3)، فيسقط بمجرّد وقوع البيع من دون انتقال إلى المشتري.



(1) نفس الحقّ ليس ممّا يباع، ولكن حينما يكون الحقّ قابلاً للانتقال، ومتعلّقاً بالعين، أمكن نقله إلى المشتري ببيع العين، وذلك من قبيل الأرض المحجّرة، فبيعها يوجب انتقال حقّ التحجير إلى المشتري.

(2) أي: بعض الحشرات.

(3) نفس الحقّ لا يجعل ثمناً، فإنّ الحقّ كالملك، فكما لا يجعل الملك ثمناً، وإنّما المملوك يجعل ثمناً، كذلك الحال في الحقّ، فالصحيح ما أفاده اُستاذنا(رحمه الله) هنا من أنّ الحقّ: إن كان قابلاً للانتقال، صحّ جعل متعلّقه ثمناً، وإن لم يكن قابلاً للانتقال، ولكن كان قابلاً

56

(مسألة: 2) يشترط في كلٍّ من العوضين أن يكون معلوماً مقدارُه المتعارف تقديره به عند البيع من كيل أو وزن أو عدٍّ أو مساحة، فلا تكفي المشاهدة، ولا تقديره بغير المتعارف فيه عند البيع، كبيع المكيل بالوزن وبالعكس، وكبيع المعدود بالوزن أو الكيل وبالعكس، وإذا كان الشيء ممّا يباع في حال بالمشاهدة وفي حال اُخرى بالوزن أو الكيل، كالثمر يباع على الشجر بالمشاهدة، وفي المخازن بالوزن، والحطب محمولا على الدابّة بالمشاهدة، وبالمخزن بالوزن، واللبن المخيض يباع في السِقاء بالمشاهدة، وفي المخازن بالكيل، فصحّة بيعه مقدّراً أو مشاهداً تابعة للمتعارف، وكذا إذا كان يباع في حال بالكيل وفي اُخرى بالوزن، كالفحم يباع كثيراً في الأكياس الكبيرة بالكيل، وفي المخازن قليلا قليلا بالوزن، فإنّ المدار في التقدير ما يكون متعارفاً في تلك الحال التي بيع فيها كيلا، أو وزناً، أو عدّاً(1).

(مسألة: 3) يكفي في معرفة التقدير إخبار البائع بالقدر كيلا أو وزناً أو عدّاً، ولا فرق بين عدالة البائع وفسقه، والأحوط اعتبار حصول اطمئنان المشتري بإخباره، ولو تبيّن الخلاف بالنقيصة رجع المشتري على البائع بثمن النقيصة وكان له الخيار في الفسخ والإمضاء في الباقي، ولو تبيّنت الزيادة كانت الزيادة للبائع، وكان المشتري بالخيار بين الفسخ والإمضاء بتمام الثمن.



للإسقاط، صحّ جعل الإسقاط ثمناً، فيملك البائع على المشتري أن يسقط الحقّ، كما يصحّ وضع شيء على الإسقاط على نحو الجعالة.

(1) كلّ تقدير يكتفي فيه العقلاء، ولا يعدّ سفهاً أو تغريراً يكون كافياً في صحّة البيع، سواء كان متعارفاً أو لا، ويأتي نفس الكلام في الفروع الآتية المشابهة.

57

(مسألة: 4) الأحوط في مثل الثوب والأرض ونحوهما ممّا يكون تقديره بالمساحة دخيلا في زيادة القيمة معرفة مقداره، ولا يكتفى في بيعه بالمشاهدة.

(مسألة: 5) إذا اختلف البلدان في تقدير شيء بأن كان موزوناً في بلد ومعدوداً في آخر ومكيلا في ثالث فالظاهر أنّ المدار في التقدير اللازم العلم به في بلد المعاملة.

(مسألة: 6) قد يؤخذ الوزن شرطاً في المكيل أو المعدود أو الكيل شرطاً في الموزون، مثل أن يبيعه عشرة أمنان من الدبس بشرط أن يكون كيلها صاعاً فيتبيّن أنّ كيلها أكثر من ذلك لرقّة الدبس، أو يبيعه عشرة أذرع من قماش بشرط أن يكون وزنها ألف مثقال فيتبيّن أنّ وزنها تسعمئة لعدم إحكام النسج، أويبيعه عشرة أذرع من الكتّان بشرط أن يكون وزنه مئة مثقال فتبيّن أنّ وزنه مئتا مثقال لغلظة خيوطه، ونحو ذلك ممّا كان التقدير فيه ملحوظاً صفة كمال للمبيعلا مقوّماً له، والحكم أنّه مع التخلّف بالزيادة أو النقيصة يكون الخيار للمشتري لتخلّف الوصف، فإن أمضى العقد كان عليه تمام الثمن والزيادة للمشتري على كلّ حال.

(مسألة: 7) يشترط معرفة جنس العوضين وصفاتهما التي تختلف القيمة باختلافها، كالألوان والطعوم، والجودة والرداءة، والرِقّة والغِلظة، والثقل والخفّة، ونحو ذلك ممّا يوجب اختلاف القيمة، أمّا ما لا يوجب اختلاف القيمة منها فلا تجب معرفته وإن كان مرغوباً عند قوم وغير مرغوب عند آخرين، والمعرفة إمّا بالمشاهدة، أو بتوصيف البائع، أو الرؤية السابقة.

(مسألة: 8) يشترط أن يكون كلّ واحد من العوضين ملكاً(1) مثل أكثر البيوع الواقعة بين الناس، أو ما هو بمنزلته ؛ لاختصاصه بجهة من الجهات، مثل بيع



(1) وبإمكانه أن يبيع شيئاً في ذمّته.

58

وليِّ الزكاة بعض أعيان الزكاة، وشرائه العلف لها، وعليه فلا يجوز بيع ما ليس كذلك، مثل بيع السمك في الماء، والطير في الهواء، وشجر البيداء قبل أن يُصطاد أو يُحاز.

(مسألة: 9) يشترط أن يكون كلّ من العوضين طلقاً، يعني لا يكون موضوع حقٍّ لغير البائع، فلا يجوز بيع العين المرهونة(1)، نعم لو أذن الراهن(2)، أو أجاز، أو فكّ الرهن، صحّ. وكذا لا يجوز بيع الوقف إلّا في موارد(3):



(1) إنّما يمنع حقّ الغير عن صحّة البيع إذا كان منافياً للبيع، أمّا حقّ الرهن فليس كذلك، فبإمكانه بيع العين المرهونة بدون إذن المرتهن وإن كانت تبقى تحت حقّ المرتهن إلى أن ينفكّ عن الرهن. نعم، لو لم يكن المشتري مطّلعاً على ذلك، كان له حقّ خيار الفسخ.

(2) كلمة «الراهن» إمّا خطأ في النسخة، أو سهو من قلم الماتن، والمقصود هو (المرتهن).

(3) ومنها ـ كما أفاد اُستاذنا الشهيد ـ: وقوع اختلاف شديد بين الموقوف عليهم بنحو يحتمل أداؤه إلى تلف النفوس والأموال، فيسوغ البيع ولو لم يشترط الواقف ذلك(1).


(1) لمكاتبة عليّ بن مهزيار. الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 6 من الوقوف والصدقات، ح 6، ص 188.

ومنها: ما ورد في المتن، وهو: أن تخرب العين الموقوفة بحيث لا يمكن الانتفاع بها مع بقاء العين كالحيوان المذبوح، والجذع البالي، والحصير المخرَق.

والدليل على جواز البيع في هذا الفرض أنّ وقف الواقف يشمل العين والماليّة، فمقتضى (أنّ الوقوف على ما يقفها أهلها) أن تبقى الماليّة على الوقفيّة لنفس الجهة، فتباع العين وتبدّل بعين اُخرى بقدر الإمكان.

59

منها: أن يخرب بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، كالحيوان المذبوح، والجذع البالي، والحصير المخرق.

ومنها: أن يخرب على نحو يسقط عن الانتفاع المعتدِّ به مع كونه ذا منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم عرفاً.

ومنها: ما إذا اشترط الواقف بيعه عند حدوث أمر من قلّة المنفعة، أو كثرة الخراج، أو كون بيعه أنفع، أو لاختلاف بين أرباب الوقف، أو احتياجهم إلى عوضه، أو نحو ذلك.

ومنها: ما لو لاحظ الواقف في قوام الوقف عنواناً خاصّاً في العين الموقوفة،



ومنها: ما ورد في المتن أيضاً، وهو: أن تخرب العين على نحو تسقط عن الانتفاع المعتدّ به مع كونها ذات منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم عرفاً، فإن لحقت المنفعة عرفاً بالمعدوم، التحق هذا الفرع بالفرع السابق.

ومنها: ما ورد في المتن أيضاً، وهو: ما إذا اشترط الواقف بيعه عند حدوث أمر: من قلّة المنفعة، أو كثرة الخراج، أو كون بيعه أنفع، أو لاختلاف بين أرباب الوقف، أو احتياجهم إلى عوضه، أو نحو ذلك. وهذا على طبق القاعدة؛ لأنّ الوقوف حسب ما يوقفها أهلها.

ومنها: ما ورد في المتن أيضاً، وهو: ما إذا طرأ ما يستوجب أن يؤدّي بقاؤه إلى الخراب المسقط له عن المنفعة المعتدّ بها عرفاً، واللازم تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء، والدليل على ذلك أنّ المنفعة شملت العين والماليّة، ومقتضى (أنّ الوقوف على ما يقفها أهلها) حفظهما معاً، وهذا ما لا يمكن، فمقتضى تلك القاعدة الحفاظ على أحدهما، فيجوز بيع العين قبل خرابها في آخر أزمنة إمكان بقائها حفاظاً على الماليّة.

ومنها: ما إذا اشترط الواقف جواز تبديله، وهذا على وفق القاعدة؛ لأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها؛ ولصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج الوارد في الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 10 من الوقوف والصدقات، ح 3، ص 199 ـ 200.

60

مثل كونها بستاناً أو داراً أو حمّاماً، فيزول ذلك العنوان، فإنّه يجوز البيع حينئذ(1)وإن كانت الفائدة باقيةً بحالها أو أكثر.

ومنها: ما إذا طرأ ما يستوجب أن يؤدّي بقاؤه إلى الخراب المسقط له عن المنفعة المعتدِّ بها عرفاً، واللازم تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء.

(مسألة: 10) ما ذكرناه من جواز البيع في الصور المذكورة لا يجري في المساجد، فإنّها لا يجوز بيعها على كلّ حال. نعم، يجري في مثل الخانات الموقوفة للمسافرين، وكتب العلم، والمدارس، والرباطات الموقوفة على الجهات الخاصّة.

(مسألة: 11) إذا جاز بيع الوقف فالأحوط مراجعة الحاكم الشرعيّ(2)والاستئذان منه في البيع، كما أنّ الأحوط أن يشتري بثمنه ملكاً ويوقف على النهج الذي كان عليه الوقف الأوّل. نعم، لو خرب بعض الوقف جاز بيع ذلك البعض وصرف ثمنه في مصلحة المقدار العامر، أو في وقف آخر إذا كان موقوفاً على نهج وقف الخراب. وإذا خرب الوقف ولم يمكن الانتفاع به وأمكن بيع بعضه وتعمير الباقي بثمنه جاز، بل وجب على الوليّ بيع بعضه ولم يجزْ بيع جميعه.

(مسألة: 12) لا يجوز بيع الأمة إذا كانت ذات ولد لسيّدها ولو كان حملا غير مولود، وكذا لا يجوز نقلها بسائر النواقل، وإذا مات ولدها جاز بيعها، كمايجوز



(1) هذا ليس من موارد بيع الوقف؛ لأنّ الوقف يبطل بزوال ذاك العنوان، وترجع العين إلى الواقف، أو ورثته.

(2) ولوكان للعين الموقوفة متولٍّ شرعيّ معيّن في صيغة الوقف، فالأحوط الجمع بين توليته ومراجعة الحاكم الشرعيّ، فيتصدّى المتولّي للبيع مع مراجعة الحاكم الشرعيّ، ولو لم يكن له متولٍّ خاصّ، فإن كانت موقوفة على أشخاص، تولّوا البيع بمراجعة الحاكم، ولو كانت موقوفة وقفاً عامّاً، تصدّى الحاكم الشرعيّ لبيعها.

61

بيعها في ثمن رقبتها مع إعسار المولى، وفي هذه المسألة فروع كثيرة لمنتعرّض لها لقلّة الابتلاء.

(مسألة: 13) لا يجوز بيع الأرض الخراجيّة (وهي الأرض المفتوحة عنوة العامرة حين الفتح)، فإنّها ملك للمسلمين مَن وجد ومَن يوجد، ولا فرق بين أن تكون فيها آثار مملوكة للبائع من بناء أو شجر أو غيرهما، وأن لا تكون، بل الظاهر عدم جواز التصرّف فيها إلّا بإذن الحاكم الشرعيّ، إلّا أن تكون تحت سلطة سلطان المدّعي للخلافة العامّة، فيكفي الاستئذان منه، بل في كفاية الاستئذان من الحاكم الشرعيّ حينئذ إشكال(1). ولو ماتت الأرض العامرة حين الفتح فالظاهر أنّها لا تملك بالإحياء، بل هي باقية على ملك المسلمين. أمّا الأرض الميّتة في زمان الفتح فهي ملك للإمام (عليه السلام)، وإذا أحياها أحد ملكها بالإحياء، مسلماً كان المحيي أو كافراً(2)، وليس عليه دفع العوض(3)، وإذا تركها حتّى ماتت فهي على ملكه، فإذا ترك زرعها جاز لغيره زرعها بلا إذن منه ويعطيه خراجها(4)، وإذا أحياها السلطان المدّعي للخلافة على أن تكون للمسلمين لحقها حكم الأرض الخراجيّة(5).



(1) الظاهر كفاية الاستئذان من الحاكم الشرعيّ، ومع تعذّر الاستئذان من الحاكم الشرعيّ يكون الاستئذان من السلطان المذكور احتياطيّاً؛ لأنّ أرض الخراج محلّلة للشيعة في عصر الغيبة في ظلّ الحكومات الجائرة.

(2) بل تبقى الأرض ملكاً للإمام، وللمحيي حقّ الاختصاص.

(3) إلّا إذا طالب الإمام بذلك، وقد ثبت التحليل للمؤمنين.

(4) إذا كان موت الأرض وخرابها بإهمال صاحبها الأوّل، جاز للثاني إحياؤها، وكانت له كما كانت للأوّل، وليس للأوّل عليه شيء، وإذا لم يكن خرابها كذلك، لم يجز للثاني التصرّف في الأرض بدون إذن الأوّل لدى إمكان معرفة صاحب الأرض.

(5) لا أرى وجهاً للحوقها حكم الأرض الخراجيّة.

62

(مسألة: 14) في تعيين أرض الخراج إشكال، وقد ذكر العلماء والمؤرِّخون مواضع كثيرةً منها. وإذا شكّ في أرض أنّها ميّتة أو عامرة حين الفتح يعمل على أنّها ميّتة، فيجوز إحياؤها وتملّكها إن كانت حيّة، كما يجوز بيعها وغيره من التصرّفات الموقوفة على الملك.

(مسألة: 15) يشترط في كلٍّ من العوضين أن يكون مقدوراً على تسليمه، فلا يجوز بيع الجَمل الشارد(1)، أو الطير الطائر، أو السمك المرسل في الماء ولا فرق بين العلم بالحال والجهل بها. ولو باع العين المغصوبة وكان المشتري قادراً على أخذها من الغاصب صحّ، كما أنّه يصحّ بيعها على الغاصب أيضاً وإن كان البائع لا يقدر على أخذها منه ثمّ الدفع إليه، وإذا كان المبيع ممّالايستحقّ المشتري أخذه كما لو باع من ينعتق على المشتري صحّ وإن لم يقدر على تسليمه.

(مسألة: 16) لو علم بالقدرة على التسليم فباع فانكشف الخلاف بطل، ولو علم العجز عنه فانكشف الخلاف فالظاهر الصحّة.

(مسألة: 17) لو انتفت القدرة على التسليم في زمان استحقاقه لكن علم بحصولها بعده فإن كانت المدّة يسيرةً صحّ، وإذا كانت طويلةً لا يتسامح بها: فإن كانت مضبوطةً مثل سنة أو أكثر فالظاهر الصحّة مع علم المشتري بها، وكذا مع جهله بها لكن يثبت الخيار للمشتري، وإن كانت غير مضبوطة فالظاهر البطلان، كما لو باعه دابّةً غائبةً يعلم بحضورها لكن لا يعلم زمانه(2).



(1) كلّ ماكان يجوز جعل الثمن بإزائه ابتداءً يجوز جعله بإزاء المجموع منه ومن غير المقدور على تسليمه ممّا يحتمل قدرة المشتري على تسلّمه، كقدرته على تحصيل الجمل الشارد مثلاً.

(2) إذا كان بشكل تصبح المعاملة سفهيّة، أو غرريّة لا يقدم عليها العقلاء.

63

(مسألة: 18) إذا كان العاقد هو المالك فالاعتبار بقدرته، وإن كان وكيلا في إجراء الصيغة فقط فالاعتبار بقدرة المالك، وإن كان وكيلا في المعاملة كعامل المضاربة فالاعتبار بقدرته أو قدرة المالك فيكفي قدرة أحدهما على التسليم في صحّة المعاملة، فإذا لم يقدرا معاً بطل البيع.

(مسألة: 19) يجوز بيع العبد الآبق مع الضميمة إذا كانت ذات قيمة معتدٍّبها.

64

 

الفصل الرابع

في الخيارات

وفيه مسائل:

(مسألة: 1) الخيار حقّ يقتضي السلطنة على فسخ العقد برفع مضمونه، وهو أقسام:

 

الأوّل: ما يسمّى خيار المجلس:

يعني مجلس البيع، فإنّه إذا وقع البيع كان لكلٍّ من البائع والمشتري الخيار في الفسخ في المجلس ما لم يفترقا، فإذا افترقا ولو بخطوة لزم البيع وانتفى الخيار، ولو كان المباشر للعقد الوكيل كان الخيار للمالك(1)، فإن كان الوكيل وكيلا في



(1) تارةً نفترض: أنّ المالك هو حاضر مجلس العقد حضور تدَخّل وبما هو طرف للمعاملة، والوكيل إنّما هو وكيل في مجرّد إجراء العقد، وهنا يثبت الحكم الذي أفاده في المتن، أي: أنّ الخيار للمالك، فلو كان مع ذلك الوكيل وكيلاً في تمام المعاملة وشؤونها، أمكنه الفسخ عن المالك، وإن كان وكيلاً في إجراء العقد فقط، لم يمكنه ذلك.

واُخرى يفترض: أنّه لا حضور للمالك حضور تدَخّل، وأنّ الوكيل ليس إلّا وكيلاً في إجراء العقد، فهنا يتمّ الحكم الذي أفاده اُستاذنا الشهيد في تعليقه على المتن في هذا المورد من أنّه لا خيار للمالك، ولا للوكيل.

وثالثةً يفترض: أنّه لا حضور للمالك حضور تدَخّل، وأنّ الوكيل وكيل مطلق في تمام المعاملة وشؤونها، وهنا يأتي احتمال الحكم الموجود في المتن من أنّ للوكيل الفسخ عن المالك، ويأتي احتمال الحكم الموجود في تعليق اُستاذنا من منع الخيار، لا للمالك ولا

65

إجراء الصيغة فقط فليس له الفسخ عن المالك، ولو كان وكيلا في تمام المعاملة وشؤونها كان له الفسخ عن المالك، والمدار على اجتماع المباشرين وافتراقهما، لا المالكين، ولو فارقا المجلس مصطحبَين بقي الخيار لهما حتّى يفترقا، ولو كان الموجب والقابل واحداً وكالةً عن المالكَين أو ولايةً عليهما ففي ثبوت الخيار إشكال، بل الأظهر العدم.

(مسألة: 2) هذا الخيار يختصّ بالبيع ولا يجري في غيره من المعاوضات.

(مسألة: 3) يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في العقد، كما يسقط بإسقاطه بعد العقد.

 

الثاني: خيار الحيوان:

(مسألة: 4) كلّ من اشترى حيواناً إنساناً كان أو غيره ثبت له الخيار ثلاثة أيّام مبدؤها زمان العقد، وإذا كان العقد في أثناء النهار لفّق المنكسر من اليوم الرابع، والليلتان المتوسّطتان داخلتان في مدّة الخيار، وكذا الليلة الثالثة في صورة تلفيق المنكسر. وإذا لم يفترق المتبايعان حتّى مضت ثلاثة أيّام سقط خيار الحيوان وبقي خيار المجلس.

(مسألة: 5) يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في متن العقد، كما يسقط بإسقاطه بعده، وبالتصرّف في الحيوان تصرّفاً يدلّ على إمضاء العقد واختيار عدم الفسخ(1).



للوكيل، ونحن نحتاط بين الأمرين، فالأحوط للوكيل أن لا يفسخ، كما أنّ الأحوط للطرف المقابل أن يقبل الفسخ لو فسخ الوكيل.

(1) وكذلك لو تصرّف فيه تصرّفاً يصدق عليه أنّه أحدث بالحيوان حدثاً، وإذا كان المباع جارية، اعتبر النظر إلى ما كان يحرم عليه. واللمس بحكم الحدث شرعاً.

66

(مسألة: 6) لا يثبت هذا الخيار للبائع حتّى لو كان الثمن حيواناً(1).

(مسألة: 7) يختصّ هذا الخيار بالبيع ولا يثبت في غيره من المعاوضات.

(مسألة: 8) إذا تلف الحيوان قبل القبض أو بعده في مدّة الخيار كان تلفه من مال البائع، ورجع المشتري عليه بالثمن إذا كان دفعه إليه.

(مسألة: 9) إذا طرأ عيب في الحيوان من غير تفريط من المشتري لميمنع من الفسخ والردّ، وإن كان بتفريط منه سقط خياره.

 

الثالث: خيار الشرط :

والمراد به الخيار المجعول باشتراطه في العقد إمّا لكلٍّ من المتعاقدين، أو لأحدهما بعينه، أو لأجنبيّ.

(مسألة: 10) لا يتقدّر هذا الخيار بمدّة معيّنة، بل يجوز اشتراطه ما يشاء من مدّة قصيرة أو طويلة، متّصلة بالعقد أو منفصلة عنه. نعم، لا بدّ من تقديرها بقدر معيّن وتعيين مبدئها، فلا يجوز جعل الخيار بلا مدّة(2)، ولا جعله مدّةً غيرمحدودة قابلةً للزيادة والنقيصة مثل مجيء الحاجّ(3)، ولا جعله شهراً مردّداً بين الشهور(4)، وإلّا بطل العقد. نعم، إذا أطلق الشهر كان الظاهر منه المتّصل



(1) لا يبعد ثبوت الخيار للبائع حينما يكون الثمن حيواناً.

(2) إذا كان بمعنى جعله إلى الأبد، فإنّ هذا يرجع بروحه إلى كون البيع عقداً متزلزلاً كالهبة مثلاً.

(3) لا يبعد الجواز كما سيأتي منه الإفتاء بذلك في آخر المسألة (63) من هذا الفصل.

(4) إن كان الترديد بمعنى الترديد في لوح الواقع، بأن يرجع الأمر إلى الفرد المردّد صحّ ما في المتن، وإلّا فالظاهر الحكم بثبوت الخيار.

67

بالعقد، وكذا الحكم في غير الشهر من السنة، أو الاُسبوع، أو نحوهما.

(مسألة: 11) لا يجوز اشتراط الخيار في الإيقاعات كالطلاق والعتق، ولا في العقود الجائزة(1) كالوديعة والعارية، ويجوز اشتراطه في العقود اللازمة عدا النكاح(2)، وفي جواز اشتراطه في الصدقة وفي الهبة اللازمة وفي الضمان إشكال، وإن كان الأظهر الجواز في الأخير وعدم الجواز في الأوّلين(3).



(1) هذا الكلام صحيح في العقود الإذنيّة المتقوّم بقاؤها ببقاء الإذن، فإنّه عندئذ لا أثر للخيار، وذلك كالوديعة والعارية، وأمّا في مثل الهبة فهذا الشرط صحيح؛ لترتّب الأثر عليه، من قبيل استحقاق الفسخ فيما إذا سقط الجواز الحكميّ بإحداث الموهوب له تغييراً في العين الموهوبة.

(2) المفهوم من الشريعة الإسلاميّة أنّ بقاء النكاح وزواله ـ بقطع النظر عن تخلّف، أو عيب، أو نحو ذلك ـ يكون بيد الزوج، لا الزوجة، وأنّ طريق إزالته عندئذ إنّما هو الطلاق، فلا معنى إذن لشرط الخيار في النكاح.

نعم، ورد النصّ الصحيح بنفوذ خيار تخلّف الشرط في النكاح(1) فنفتي بذلك.

(3) شرط الخيار في الصدقة محلّ إشكال، وفي الهبة اللازمة جائز، وفي الضمان بقيد إمضاء المضمون عنه يجوز، ومن دون إمضائه لا يجوز.


(1) وهو صحيح الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في رجل يتزوّج المرأة، فيقول لها: أنا من بني فلان. فلا يكون كذلك. فقال: تفسخ النكاح، أو قال: تردّ». الوسائل، ج 21 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 16 من العيوب والتدليس، ح 1، ص 335.

والنصّ وإن اختصّ بالمرأة لدى تخلّف الرجل للشرط ولكن العرف يتعدّى إلى جانب الرجل لدى تخلّف المرأة للشرط بعدم احتمال الفرق، وذلك بنكتة أنّ الزوج أيضاً يتضرّر بترك الفسخ لدى تخلّف الشرط حتّى ولو طلّق؛ لأنّ الطلاق يعني إقرار العقد على حاله، فيكون عليه المهر، أو نصفه.

68

(مسألة: 12) يجوز اشتراط الخيار للبائع في مدّة معيّنة متّصلة بالعقد أو منفصلة عنه على نحو يكون له الخيار في حال ردّ الثمن بنفسه مع وجوده أو ببدله مع تلفه، ويسمّى « بيع الخيار »، فإذا مضت مدّة الخيار لزم البيع وسقط الخيار وامتنع الفسخ، وإذا فسخ في المدّة من دون ردِّ الثمن أو بدله مع تلفه لا يصحّ الفسخ، وكذا لو فسخ قبل المدّة فلا يصحّ الفسخ إلّا في المدّة المعيّنة في حال ردّ الثمن أو ردّ بدله مع تلفه. ثمّ الفسخ إمّا أن يكون بإنشاء مستقلٍّ في حال الردّ مثل: فسختُ ونحوه، أو يكون بنفس الردّ على أن يكون إنشاء الفسخ بالفعل وهو الردّ، لا بقوله: فسختُ، ونحوه.

(مسألة: 13) المراد من ردّ الثمن إحضاره عند المشتري وتمكينه منه، فلو أحضره كذلك جاز له الفسخ وإن امتنع المشتري من قبضه.

(مسألة: 14) الظاهر أنّه يجوز اشتراط الفسخ في تمام المبيع بردّ بعض الثمن، كما يجوز اشتراط الفسخ في بعض المبيع بذلك.

(مسألة: 15) إذا تعذّر تمكين المشتري من الثمن لغيبة أو جنون أو نحوهما ممّا يرجع إلى قصور فيه فالظاهر أنّه يكفي في صحّة الفسخ تمكين وليّه ولو كان الحاكم الشرعيّ أو وكيله، فإذا أحضره كذلك جاز له الفسخ.

(مسألة: 16) نماء المبيع من زمان العقد إلى زمان الفسخ للمشتري، كما أنّ نماء الثمن للبائع.

(مسألة: 17) لا يجوز للمشتري فيما بين العقد إلى زمان مدّة الخيار التصرّف الناقل للعين من هبة أو بيع أو نحوهما، ولو تلف المبيع كان ضمانه على المشتري، ولا يسقط بذلك خيار البائع إلّا إذا كان المقصود من الخيار المشروط خصوص الخيار في حال وجود العين بحيث يكون الفسخ موجباً لرجوعها نفسها إلى البائع، لكن الغالب الأوّل.

69

(مسألة: 18) إذا كان الثمن المشروط ردّه ديناً في ذمّة البائع كما إذا كان للمشتري دين في ذمّة البائع فباعه بذلك الدين واشترط الخيار مشروطاً بردِّه كفىفي ردِّه إعطاء فرد منه، وإذا كان الثمن عيناً في يد البائع فالظاهر ثبوت الخيار في حال دفعها للمشتري(1)، وإذا كان الثمن كلّيّاً في ذمّة المشتري فدفع منه فرداً إلى البائع بعد وقوع البيع فالظاهر اشتراط صحّة الفسخ بردِّ ذلك الفرد مع وجوده، ولا يكفي فيها ردّ فرد آخر(2).

(مسألة: 19) لو اشترى الوليّ شيئاً للمولَّى عليه ببيع الخيار فارتفع حجره قبل انقضاء المدّة كان الفسخ مشروطاً بردِّ الثمن إليه، ولا يكفي الردّ على وليّه، ولواشترى أحد الوليَّين كالأب ببيع الخيار جاز الفسخ بالردِّ إلى الوليّ الآخر كالجدّ، إلّا أن يكون المشروط الردّ إلى خصوص الوليّ المباشر للشراء.

(مسألة: 20) إذا مات البائع قبل إعمال الخيار انتقل الخيار إلى ورثته، فلهم الفسخ بردّهم الثمن إلى المشتري ويشتركون في المبيع على حساب سهامهم، ولو امتنع بعضهم عن الفسخ لم يصحَّ للبعض الآخر الفسخ لا في تمام المبيع ولا في بعضه، ولو مات المشتري كان للبائع الفسخ بردِّ الثمن إلى ورثته.

(مسألة: 21) يجوز اشتراط الخيار في الفسخ للمشتري بردِّ المبيع إلى البائع، والظاهر منه ردّ نفس العين، فلا يكفي ردّ البدل حتّى مع تلفها إلّا أن تقوم قرينة على إرادة مايعمّ ردّ البدل عند التلف، كما يجوز أيضاً اشتراط الخيار لكلٍّ منهما



(1) ولوكان الشرط إرجاع ذاك المبلغ من الثمن ولو في ضمن فرد آخر، تحقّق الخيار بمجرّد إرجاع ذاك المبلغ ولو في ضمن فرد آخر.

(2) هنا أيضاً يمكن أن يكون الشرط إرجاع ذاك المبلغ ولو في ضمن فرد آخر، فينفذ الشرط بالشكل الذي اتّفقا عليه.

70

عند ردِّ ما انتقل إليه بنفسه أو ببدله عند تلفه.

(مسألة: 22) لا يجوز اشتراط الخيار في الفسخ بردِّ البدل مع وجود العين(1)، بلا فرق بين ردِّ الثمن وردِّ المثمن، وفي جواز اشتراطه بردِّ القيمة في المثليّ أو المثل في القيميّ مع التلف إشكال، وأنّ الأظهر أيضاً العدم(2).

(مسألة: 23) يسقط هذا الخيار بانقضاء المدّة المجعولة له مع عدم الردّ، وبإسقاطه بعد العقد.

 

الرابع: خيار الغبن:

(مسألة: 24) إذا باع بأقلّ من قيمة المثل ثبت له الخيار، وكذا إذا اشترى بأكثر من قيمة المثل، ولا يثبت هذا الخيار للمغبون إذا كان عالماً بالحال أو مقدماً على المعاملة على كلّ حال.

(مسألة: 25) يشترط في ثبوت الخيار للمغبون أن يكون التفاوت موجباً للغبن عرفاً بأن يكون مقداراً لا يتسامح به عند غالب الناس، فلو كان جزئيّاً غير معتدٍّ به لقلّته لم يوجب الخيار، وحدّه بعضهم بالثلث، وآخر بالربع، وثالث بالخمس، ولا يبعد اختلاف المعاملات في ذلك، فالمعاملات التجاريّة المبنيّة على المماكسة



(1) يجوز اشتراط الخيار في الفسخ بردّ المبلغ ولو في ضمن فرد آخر، غاية الأمر خروج ذلك عمّا يسمّى بروايات بيع الخيار(1).

(2) بل الأظهر ما ذكرناه من إمكان شرط الخيار بردّ المبلغ ولو في ضمن فرد آخر.


(1) وهي الروايات الواردة في الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 7 ـ 8 من أبواب الخيار، ص 18 ـ 20.

71

الشديدة يكفي في صدق الغبن فيها العشر، بل نصف العشر، والمعاملات العاديّة لا يكفي فيها ذلك، والمدار ما عرفت من عدم المسامحة الغالبيّة.

(مسألة: 26) الظاهر كون الخيار المذكور ثابتاً من حين العقد، لامنحين ظهور الغبن، فلو فسخ قبل ظهور الغبن صحّ فسخه مع ثبوت الغبن واقعاً.

(مسألة: 27) ليس للمغبون مطالبة الغابن بالتفاوت وترك الفسخ، ولوبذل له الغابن التفاوت لم يجب عليه القبول، بل يتخيّر بين فسخ البيع من أصله وإمضائه بتمام الثمن المسمّى، نعم، لو تصالحا على إسقاط الخيار بمال صحّ الصلح وسقط الخيار ووجب على الغابن دفع عوض المصالحة.

(مسألة: 28) يسقط الخيار المذكور باُمور:

الأوّل: إسقاطه بعد العقد وإن كان قبل ظهور الغبن، ولو أسقطه بزعم كون التفاوت عشرةً فتبيّن كونه مئةً: فإن كان التفاوت بالأقلّ ملحوظاً قيداً بطل الإسقاط، وإن كان ملحوظاً من قبيل الداعي كما هو الغالب صحّ، وكذا الحال لوصالحه عليه بمال.

الثاني: اشتراط سقوطه في متن العقد، وإذا اشترط سقوطه بزعم كونه عشرةً فتبيّن أنّه مئة جرى فيه التفصيل السابق.

الثالث: تصرّف المغبون بائعاً كان أو مشترياً فيما انتقل إليه تصرّفاً يدلّ على الالتزام بالعقد، هذا إذا كان بعد العلم بالغبن، أمّا لو كان قبله فالمشهور عدمالسقوط به، ولا يخلو من تأمّل، بل البناء على السقوط به لو كان دالّاً على الالتزام بالعقد لا يخلو من وجه. نعم، إذا لم يدلَّ على ذلك كما هو الغالب في التصرّف حال الجهل بالغبن فلا يسقط الخيار به ولو كان متلفاً للعين، أو مخرجاً لها عن الملك، أو مانعاً عن الاسترداد كالاستيلاد.

(مسألة: 29) إذا ظهر الغبن للبائع المغبون ففسخ البيع: فإن كان المبيع موجوداً

72

عند المشتري استردّه منه، وإن كان تالفاً بفعله أو بغير فعله رجع بمثله إن كان مثليّاً وبقيمته إن كان قيميّاً(1)، وإن وجده معيباً بفعله أو بغير فعله أخذه مع أرش العيب، وإن وجده خارجاً عن ملك المشتري بأن نقله إلى غيره بعقد لازم كالبيع والهبة المعوّضة أو لذي الرحم فالظاهر أنّه بحكم التالف فيرجع عليه بالمثل أو القيمة، وليس له إلزام المشتري بإرجاع العين(2) بشرائها أو استيهابها، بل لا يبعد ذلك لو نقلها بعقد جائز كالهبة والبيع بخيار، فلا يجب عليه الفسخ وإرجاع العين(3)، بل لو اتّفق رجوع العين إليه بإقالة أو شراء أو ميراث أو غير ذلك بعد دفع البدل من المثل أو القيمة لم يجب عليه دفعها إلى المغبون(4). نعم، لو كان رجوع العين إليه قبل دفع البدل وجب إرجاعها إليه، وأولى منه في ذلك لو كان رجوعها إليه قبل فسخ المغبون، بلا فرق بين أن يكون الرجوع بفسخ العقد السابق، أو أن يكون بعقد جديد، فإنّه يجب عليه دفع العين نفسها إلى الفاسخ المغبون، ولا يجتزي بدفع البدل من المثل أو القيمة، وإذا كانت العين باقيةً عند المشتري حين فسخ البائع المغبون لكنّه قد نقل منفعتها إلى غيره بعقد لازم كالإجارة اللازمة أو جائز كالإجارة المشروط فيها الخيار لم يجب عليه الفسخ أو الاستقالة مع إمكانها(5)،



(1) لو فرض صدفةً ظفر المشتري بالمثل، كان من حقّ البائع المطالبة بالمثل، ولو فرض عجزه عن أداء المثل، انتقل إلى قيمة يوم الأداء، وذلك على أساس أنّنا لا نؤمن بالفرق بين المثليّ والقيميّ.

(2) إن لم يكن إرجاع العين مستلزماً لحرج، أو ضرر زائد عليه، فالأحوط أن يسترجعه بشراء، أو استيهاب إذا أمره البائع بذلك.

(3) الأحوط الوجوب إذا أراد البائع ذلك.

(4) الأحوط وجوباً الدفع لو لم تطب نفس البائع بالبدل فعلاً.

(5) الأحوط الوجوب على النحو المتقدّم في العين.

73

بل يدفع العين وأرش النقصان الحاصل بكون العين مسلوبة المنفعة مدّة الإجارة.

(مسألة: 30) إذا فسخ البائع المغبون وكان المشتري قد تصرّف في المبيع تصرّفاً مغيِّراً له: فإمّا أن يكون بالنقيصة، أو بالزيادة، أو بالامتزاج بغيره: فإن كان بالنقيصة أخذ البائع المبيع من المشتري مع أرش النقيصة، وإن كان بالزيادة: فإمّا أن تكون الزيادة صفةً محضةً كطحن الحنطة وصياغة الفضّة وقصارة الثوب، وإمّا أن تكون صفةً مشوبةً بالعين كصبغ الثوب، وإمّا أن تكون عيناً غير قابلة للفصل كسمن الحيوان ونموّ الشجرة، أو قابلة للفصل كالثمرة والبناء والغرس والزرع، فإن كانت صفةً محضةً أو صفةً مشوبةً بالعين: فإن لم تكن لها ماليّة لعدم زيادة قيمة العين بها فالمبيع للبائع ولا شيء للمشتري، وكذا إن كانت لها ماليّة ولم تكن بفعل المشتري(1) كما إذا اشترى منه عصاً عوجاء فاعتدلت، أو خلاًّ قليل الحموضة فزادت حموضته. وإن كانت لها ماليّة وكانت بفعل المشتري كانت الصفة للمشتري وكان شريكاً مع الفاسخ بالقيمة(2)، وإن كانت الزيادة عيناً: فإن كانت غير قابلة للانفصال كسمن الحيوان ونموّ الشجرة فلا شيء للمشتري(3)



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في التعليق على هذا الكلام ـ ونِعْم ما أفاد ـ ما نصّه:

«كونها بفعله أو بغير فعله لا دخل له في ثبوت الشركة أو عدمها، والأقرب ثبوت الشركة في كلا الحالين، ولكنّها شركة في ماليّة العين، فيكون المشتري شريكاً في الماليّة بمقدار التفاوت بين قيمة العين الموصوفة وقيمة العين المجرّدة. والفرق بين الشركة الماليّة المقصودة في المقام والشركة العينيّة: أنّه لو زال الوصف بدون تعدٍّ وتفريط، وانخفضت بذلك ماليّة العين، لم يكن للمشتري شيء؛ لأنّه لا يملك إلّا ذلك الجزء من ماليّة العين الناشئ من اتّصافها بالوصف وقد زال، بخلاف ما إذا قيل بالشركة في العين؛ لأنّ العين لا تزال محفوظةً وإن انخفضت قيمتها».

(2) بالمعنى الذي عرفته في التعليق السابق.

(3) هذا حكمه حكم الصفة المحضة، أو الصفة المشوبة بالعين الموجبة لزيادة القيمة.

74

أيضاً، وإن كانت قابلةً للانفصال كالصوف واللبن والشعر والثمر والبناء والزرع كانت الزيادة للمشتري، وحينئذ: فإن لم يلزم من فصل الزيادة ضرر على المشتري حال الفسخ، كان للبائع إلزام المشتري بفصلها كاللبن والثمر، وإن لزم الضرر على المشتري من فصلها، لم يكن للبائع إلزام المشتري به(1)، وإذا أراد المشتري فصلها، فليس للبائع منعه عنه، وإذا أراد المشتري فصل الزيادة بقلع الشجرة أو الزرع أو هدم البناء، فحدث من ذلك نقص على الأرض، تداركه، فعليه طمّ الحفر وتسوية الأرض ونحو ذلك، وإن كان بالامتزاج: فإمّا أن يكون امتزاجه بغير جنسه، وإمّا أن يكون بجنسه، فإن كان بغير جنسه: فإمّا أن يعدّ المبيع مستهلكاً عرفاً كامتزاج ماء الورد المبيع بالماء، فحكمه حكم التالف يضمنه المشتري ببدله من المثل أو القيمة، وإمّا أن لا يعدّ مستهلكاً، بل يعدّ موجوداً على نحو المزج، مثل خلط الخلّ بالعسل أو السكّر، فالظاهر الشركة في العين بنسبة الماليّة(2)، وإن كان خلطه بجنسه: فإن كان بمثله في الرداءة والجودة، كان شريكاً معه في العين بنسبة كمّيّة ماله، وإن كان خلطه بالأجود أو الأردأ، فالظاهر الشركة بينهما في العين أيضاً لكن بنسبة الماليّة(3)، فتكون حصّة المشتري أكثر في الأوّل وأقلّ في الثاني، وإن كان الأحوط التصالح.



(1) بل الظاهر أنّ له إلزام المشتري بذلك، ولكنّه يكون ضامناً للنقص الطارئ على مال المشتري بسببه؛ لاستناد النقص إليه عرفاً، ومع عدم إلزام البائع للمشتري بالفصل تكون عليه للمشتري قيمة المنفعة.

(2) يقوى احتمال صدق التالف، فيرجع إلى المثل أو القيمة. نعم، للبائع التنازل عن هذا التالف، ومطالبة المشتري بالشركة في العين بقدر ماليّة ماله.

(3) نقول هنا أيضاً: إنّ الأقرب صدق التلف بغير المساوي، والحكم هو ما تقدّم في حالة المزج بغير الجنس.

75

(مسألة: 31) إذا فسخ المشتري المغبون وكان قد تصرّف في البيع تصرّفاً غير مسقط لخياره لجهله بالغبن فتصرّفه أيضاً تارةً لا يكون مغيِّراً للعين، واُخرى يكون مغيِّراً لها بالنقيصة أو الزيادة أو بالمزج، وتأتي فيه الصور المتقدّمة، وتجري عليها أحكامها، وهكذا لو فسخ المشتري المغبون وكان البائع قد تصرّف في الثمن، أو فسخ البائع المغبون وكان هو قد تصرّف في الثمن تصرّفاً غير مسقط لخياره، فإنّ حكم تلف العين، ونقل المنفعة، ونقص العين وزيادتها، ومزجها بغيرها، وحكم سائر الصور التي ذكرناها هناك جار هنا على نهج واحد.

(مسألة: 32) الخيار في الغبن على الفور. نعم، لو أخّره جاهلا بالغبن أو بثبوت الخيار للمغبون، أو غافلا عنه، أو ناسياً له لم يسقط خياره، وكان له الفسخ إذا علم أو التفت ولو كان شاكّاً في الغبن أو شاكّاً في ثبوت الخيار للمغبون، فإن كان غافلا عن إمكان الفسخ له برجاء ثبوته له لم يسقط خياره، وإن كان ملتفتاً إلى ذلك ففي سقوط خياره إن لم يفسخ إشكال، وكذا الإشكال لو علم بالغبن فلم يرضَ به ولكنّه أخّر إنشاء الفسخ لانتظار حضور الغابن أو حضور من يستشيره في الفسخ وعدمه، ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة جهلا بالفوريّة. نعم، لوأخّره توانياً منه لاعتقاد جواز التراخي سقط خياره.

(مسألة: 33) الظاهر ثبوت خيار الغبن في كلّ معاملة مبنيّة على المماكسة، صلحاً كانت أو إجارةً أو غيرهما.

(مسألة: 34) إذا اشترى شيئين صفقةً بثمنين كعبد بعشرة وفرس بعشرة وكان مغبوناً في شراء الفرس جاز له الفسخ في الفرس، ويكون للبائع الخيار في بيع العبد.

(مسألة: 35) إذا تلف ما في يد الغابن بفعله أو بأمر سماويٍّ وكان قيميّاً ففسخ المغبون رجع عليه بقيمة التالف، وفي كونها قيمة زمان التلف أو زمان الفسخ أو

76

زمان الأداء وجوه، أقواها الأوّل(1)، ولو كان التلف بإتلاف المغبون لم يرجع عليه بشيء، ولو كان بإتلافِ أجنبيٍّ ففي رجوع المغبون بعد الفسخ على الغابن أو على الأجنبيّ أو يتخيّر في الرجوع على أحدهما وجوه، أقواها الأوّل، ويرجع الغابن على الأجنبيّ، وكذا الحكم لو تلف ما في يد المغبون ففسخ بعد التلف، فإنّه إن كان التلف بفعل الغابن لم يرجع على المغبون بشيء، وإن كان بآفة سماويّة أو بفعل المغبون أو بفعل أجنبيٍّ رجع على المغبون بقيمة يوم التلف(2)، ورجع المغبون على الأجنبيّ إن كان هو المتلف، وحكم تلف الوصف الموجب للأرش حكم تلف العين.

 

الخامس: خيار التأخير:

ويتحقّق فيما إذا باع سلعةً ولم يقبض الثمن ولم يسلِّم المبيع، فإنّه يلزم البيع ثلاثة أيّام، فإن جاء المشتري بالثمن فهو أحقّ بالسلعة، وإلّا فللبائع فسخ البيع(3)، ولو تلفت السلعة كانت من مال البائع، سواء أكان التلف في الثلاثة أم بعدها حال ثبوت الخيار وبعد سقوطه(4).



(1) بل الظاهر هو قيمة يوم الأداء، وذلك على أساس إنكارنا للفرق بين المثليّ والقيميّ.

(2) بل بقيمة يوم الأداء، كما تقدّم في التعليق السابق.

(3) ظاهر الروايات بطلان البيع وانفساخه(1).

فلو فسخ البائع، فلا مشكلة في المقام؛ لأنّه قد انتهى حكم البيع على كلّ حال: إمّا بالفسخ، أو بالانفساخ، وإن أراد إمضاء البيع، فالأحوط التصالح بينهما.

(4) إن لم تتحقّق التخلية من قبل البائع، فهذه الفتوى صحيحة، وأمّا إن تحقّقت


(1) راجع الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 9 من الخيار، ص 21 ـ 22.

77

(مسألة: 36) الظاهر أنّ قبض بعض الثمن كَلاَ قبض، وكذا قبض بعض المبيع(1) وإن كان فيه وجوه.

(مسألة: 37) المراد بالثلاثة أيّام: الأيّام البيض، ويدخل فيها الليلتان المتوسّطتان دون غيرهما، ويجزي في اليوم الملفّق، كما تقدّم في مدّة خيار الحيوان.

(مسألة: 38) يشترط في ثبوت الخيار المذكور عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين، وإلّا فلا خيار(2).

(مسألة: 39) لا إشكال في ثبوت الخيار المذكور فيما لو كان المبيع شخصيّاً، وفي ثبوته إذا كان كلّيّاً في الذمّة قولان، فالأحوط وجوباً عدم الفسخ إلّا برضا الطرفين.

(مسألة: 40) يختصّ هذا الخيار في البيع، ولا يجري في غيره.

(مسألة: 41) ما يفسده المبيت مثل بعض الخضر والبقول واللحم في بعض الأوقات يثبت الخيار فيه عند دخول الليل(3)، فإذا فسخ جاز له أن يتصرّف في



التخلية من قبله، ولكن المشتري أبقاها عنده: فإن تلفت قبل انتهاء الثلاثة، فهي من مال المشتري، وإن تلفت بعد الثلاثة، فالأحوط التصالح بينهما(1).

(1) لا يبعد كونه مؤثّراً في تصحيح البيع، أو لزومه من هذه الناحية بذاك المقدار.

(2) ولا بطلان.

(3) المقياس في الأمر ليس هو دخول الليل، بل هو خوف فوات الثمن بتلف المبيع،


(1) لأنّه: إن قلنا بالبطلان، فهي من مال البائع، وإن لم نقل بالبطلان والمفروض تماميّة التخلية، فهي من مال المشتري.

78

المبيع كيف يشاء، ويختصّ هذا الحكم بالمبيع الشخصيّ.

(مسألة: 42) يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد الثلاثة(1)، وفي سقوطه بإسقاطه قبلها، وباشتراط سقوطه في ضمن العقد إشكال، والظاهر عدم سقوطه ببذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل فسخ البائع، ولا بمطالبة البائع للمشتري بالثمن. نعم، الظاهر سقوطه بأخذه الثمن منه بعنوان الجري على المعاملة، لا بعنوان العارية أو الوديعة، ويكفي ظهور الفعل في ذلك ولو بواسطة بعض القرائن.

(مسألة: 43) في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي قولان، أقواهما الأوّل(2).



وتوضيح ذلك: أنّه في المعاملات المبنيّة على النقد دون النسيئة يوجد شرط ضمنيّ عقلائيّ، وهو شرط الوثوق بعدم فوات الثمن قبل فساد المبيع بفترة يمكن للبائع فيها مع عدم هذا الوثوق فسخ البيع والاستفادة من ماله، فلو تخلّف هذا الشرط، تحقّق للبائع خيار تخلّف الشرط.

هذا كلّه فيما إذا كان تأخير الثمن باستمهال من المشتري لبعض الوقت، وإلّا فمجرّد التأخير بأكثر من مقدار يسمح له الارتكاز العرفيّ يوجب الخيار للبائع ولو لم يكن في البين خوف فساد المبيع، وهذا لا علاقة له بمحلّ البحث.

كما أنّ التأخير بأكثر من مقدار الاستمهال بما لا يتسامح به العرف يوجب الخيار حتّى مع عدم خوف فساد المبيع، وهذا أيضاً لا علاقة له بمحلّ البحث.

(1) في سقوطه ـ ولو بعد الثلاثة ـ إشكال، وبناءً على البطلان بعد الثلاثة، فالإسقاط بعد الثلاثة لا موضوع له.

(2) لو قلنا بالخيار، فعدم الفور أقوى، أمّا لو قلنا بالبطلان، فالأمر واضح.

79

 

السادس: خيار الرؤية:

ويتحقّق فيما لو رأى شيئاً ثمّ اشتراه فوجده على خلاف ما رآه، أو اشترى موصوفاً غير مشاهَد فوجده على خلاف الوصف، فإنّ للمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء.

(مسألة: 44) لا فرق في الوصف الذي يكون تخلّفه موجباً للخيار بين وصف الكمال الذي تزيد به الماليّة لعموم الرغبة فيه وغيره إذا اتّفق تعلّق غرض للمشتري به، سواء أكان على خلاف الرغبة العامّة مثل كون العبد اُمّيّاً لا كاتباً ولا قارئاً، أم كان مرغوباً فيه عند قوم ومرغوباً عنه عند قوم آخرين، مثل اشتراط كون القماش أصفر لا أسود.

(مسألة: 45) الخيار هنا بين الفسخ والردّ وبين ترك الفسخ وإمساك العين مجّاناً، وليس لذي الخيار المطالبة بالأرش لو ترك الفسخ، كما أنّه لا يسقط الخيار ببذل البائع الأرش، ولا بإبدال العين بعين اُخرى واجدة للوصف.

(مسألة: 46) كمايثبت الخيار للمشتري عند تخلّف الوصف يثبت للبائع عند تخلّف الوصف إذا كان قد رأى المبيع سابقاً فباعه بتخيّل أنّه على ما رآه(1) فتبيّن خلافه، أو باعه بوصف غيره فانكشف خلافه.

(مسألة: 47) المشهور أنّ هذا الخيار على الفور، وهو الأقرب(2).

(مسألة: 48) يسقط هذا الخيار بترك المبادرة(3) إلى الفسخ بعد الرؤية،



(1) لا دليل على ثبوت الخيار للبائع في هذا الفرض. نعم، إذا وجد الثمن على خلاف رؤية أو وصف سابقين، فلا يبعد عطفه على المشتري حينما يجد المبيع على خلاف رؤية أو وصف سابقين، فيثبت له الخيار.

(2) بل الأقرب عدم سقوط الخيار بعدم المبادرة.

(3) تقدّم أنّ الأقرب عدم السقوط بذلك.