543

تكبيرة الإحرام

 

(68) وهي قول: « الله أكبر »، وبها تُفتح الصلاة، فإنّها تبدأ بتكبيرة الإحرام. وفي الحديث: « وتحريمها (أي الصلاة) التكبير، وتحليلها التسليم »(1).

والمعنى: أنّ المصلّي متى كبَّر للصلاة فقد دخل فيها وصار من المصلّين، وحرم عليه كلّ ما يحرم على المصلّي من أشياء حتّى يخرج منها بالتسليم، ومن أجل ذلك كانت تكبيرة الإحرام أوّل أجزاء الصلاة دون النيّة، إذ بمجرد النية لا تبدأ الصلاة، ولا يحرم ما يحرم على المصلّي.

الصيغة:

(69) وللتكبيرة صيغة عربية محدّدة، كما ذكرنا قبل لحظة، ولا يجزي عنها قول: الله الأكبر، أو الخالق أكبر، أو الله العظيم أكبر. كما لا يجزي عنها أيضاً


(1) وسائل الشيعة 4: 715، الباب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام، ذيل الحديث 10.
544

ما يعادلها في أيّ لغة اُخرى.

ومن جهل هذا التكبير فعليه أن يتعلّمه، وإن ضاق الوقت عن التعلّم تلقّنه المصلّي من غيره، فإن تعذّر التلقين أتى بها على النحو الممكن له.

وإذا لم يتيسّر للأجنبي عن اللغة العربية أن يأتي بها على أي نحو أمكنه أن يُحرِمَ بما يعادلها في لغته.

(70) ويجب أن يكون تكبير الإحرام مستقلاًّ بمعناه، لا صلة له بما قبله من كلام وذكر ودعاء، ولا يلحق به بعده مايتمّمه ويكمّله، فلا يجوز أن يأتي المصلّي بتكبير الإحرام في ضمن قوله مثلا: (قال الملائكة واُولوا العلم الله أكبر)، ولا في ضمن قوله مثلا: (الله أكبر من كلّ شيء).

(71) وكما يجب أن يؤدّى تكبير الإحرام مستقلاًّ في معناه كذلك يجب أن يؤدّى مستقلاًّ في لفظه، بمعنى أنّ من تكلّم قبل التكبير بأيّ شيء فعليه أن يقف على الحرف الأخير الذي قبل همزة الله أكبر؛ لأنّه لو تحرّك لاُدمجت همزة كلمة الجلالة بما قبلها، أو وقعت على غير الاُصول والقواعد العربية.

(72) والأخرس وغيره ممّن عجز عن النطق لسبب طارىً يعقد قلبه بتكبيرة الإحرام مع الإشارة بالإصبع وتحريك اللسان إن استطاع إليه سبيلا.

الشروط:

(73) يجب أن يكون تكبير الإحرام في حال القيام، بل لابدّ من القيام أوّلا قبل التكبير، كمقدمة وتمهيد للعلم بأنّه قد حصل بكامله في هذه الحال، وكلّما وجب القيام وجبت فيه خصائص معيّنة، كالسكون والاستقرار والانتصاب والاعتدال، كما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في الفقرة (151).

545

العدد:

(74) والواجب في تكبير الإحرام مرّة واحدة. ويستحبّ أن يُزاد قبله « الله أكبر » ستّ مرّات أو أربع مرّات أو مرّتين، وفي سائر الأحوال فإنّ على المصلّي أن ينوي في التكبير الأخير تكبيرة الإحرام الواجبة التي بها يتمّ الدخول في الصلاة (1).

(75) ويستحبّ للمصلّي أن يرفع يديه حال تكبير الإحرام إلى اُذنه، أو حيال وجهه موجّهاً باطنهما إلى القبلة، وأن يضمّ أصابعه مجموعة.

الخَلل:

(76) من ترك تكبيرة الإحرام فلا صلاة له، سواء كان عامداً في تركه وعالماً بوجوبها، أو ناسياً ذاهلا عنها، أو جاهلا بوجوبها.

وكذلك مَن ترك القيام حال التكبيرة فكبّر للإحرام جالساً، ومن كبّر قائماً ولكن بدون استقرار أو انتصاب في القيام فصلاته صحيحة إن كان ذلك منه لنسيان، أو لتخيّل أنّ هذه الاُمور غير واجبة في القيام، وأمّا إذا أخلّ بها وتهاون عامداً عالماً بطلت صلاته.

ومن كبّر للإحرام ثمّ كبّر كذلك ثانيةً فقد زاد في صلاته، فإن كان عامداً في الزيادة فصلاته باطلة، وإن كانت سهواً أو جهلا وتخيّلا أنّ ذلك لايضرّ فصلاته صحيحة.

 


(1) الظاهر أنّ أوّل تكبيرة صحيحة تصبح هي تكبيرة الإحرام ـ أي: يتمّ بها الدخول في الصلاة ـ فلو بطلت الاُولى تصبح الثانية هي تكبيرة الإحرام، وهكذا.
546

الشكّ:

(77) إذا شكّ قبل الدخول في القراءة الواجبة ـ سورة الفاتحة ـ في أنّه هل كبّر تكبير الإحرام؟ أتى به، وإذا شكّ في ذلك بعد الدخول في القراءة الواجبة يمضي ولا يلتفت.

وإذا علم بأنّه كبّر وشكّ في صحّة التكبير يمضي ولايلتفت إلى شكّه، سواء حصل له هذا الشكّ بعد الدخول في الفاتحة، أو قبل ذلك.

 

القراءة في الركعة الاُولى والثانية

 

نعني بالقراءة: ما يجب قراءته في الصلاة من القرآن الكريم. وقد جاء في الحديث: « لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب »(1).

الواجب من القراءة:

(78) والواجب من القراءة على المصلّي بعد أن يكبّر تكبيرة الإحرام أن يقرأ الفاتحة وسورةً كاملةً بعدها (2)، وذلك في الركعة الاُولى، كما يجب أن يقرأ نفس الشيء في الركعة الثانية عند إكماله للركعة الاُولى، ونهوضه منتصباً


(1) مستدرك الوسائل 4: 158، الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 5 و 8 . وورد في الوسائل (4: 732، الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 1) عن محمّد ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته؟ قال(عليه السلام): «لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها».
(2) تكميل السورة يكون أحوط وجوباً.
547

للركعة الثانية.

ولا تكون السورة كاملةً إلّا إذا بدأها الإنسان بالبسملة ـ والبسملة هي: بسم الله الرحمن الرحيم ـ كلّ ما كانت مبدوءةً بها في المصحف الشريف، فالبسملة تعتبر الجزء الأول والآية الاُولى من كلّ سورة، باستثناء سورة التوبة.

(79) وفاتحة الكتاب لا غنىً لصلاة عنها، وأمّا السورة التي بعدها فتجب، إلّا في الحالات التالية:

أوّلا: أن تكون الصلاة من النوافل اليومية، أو ما يشبهها من الصلوات المستحبة الاُخرى، فلا تجب فيها السورة وإن كان الأفضل قراءتها، ولا فرق في عدم الوجوب بين النافلة التي أصبحت بنذر ونحوه واجبةً والنافلة التي ظلّت مستحبّة.

ثانياً: أن يكون الإنسان ممّن يشقّ عليه أن يقرأ السورة ويضيق بذلك من أجل مرض مثلا، أو لاستعجاله في شأن من شؤونه التي تهمّه، فيسوغ له والحالة هذه أن يقتصر على الفاتحة.

ثالثاً: إذا ضاق وقته عن الفاتحة والسورة معاً فيترك السورة من أجل أن يضمن وقوع الصلاة بكاملها في الوقت، أو وقوع أكبر قدر ممكن منها في وقتها.

وهناك حالة اُخرى تأتي الإشارة إليها في أحكام صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى.

شروط السورة الواجبة:

تَرَكَ الشارع الأقدس للمصلّي اختيار السورة التي يقرأها بعد الفاتحة، ولكن مع أخذ الشروط والملاحظات الآتية بعين الاعتبار:

548

(80) أوّلا: يسوغ للمصلّي أن يختار مايشاء من السور الطوال والقصار، ولكن بشرط أن لايفوت الوقت مع السورة الطويلة، وإن عاكس وخالف واختارها في الوقت الضيّق بطلت صلاته (1)، وإن اختار عن غفلة وذهول سورةً طويلةً لا يتّسع الوقت لها ثمّ انتبه وأفاق من غفلته في الأثناء وجب عليه أن يعدل إلى سورة يسعها الوقت، وإن استمرّت غفلته إلى ما بعد الفراغ بطلت صلاته (2).

(81) ثانياً: لا يسوغ للمصلّي أن يختار إحدى سور العزائم الأربع التي تقدم ذكرها في الفقرة (45) من فصل الغسل، وإنّما لا يسوغ له ذلك لأنّ هذه السورة فيها آيات توجب السجود وتجعل المصلّي يواجه محذوراً، وهو أن يسجد من أجل تلك الآيات في نفس الصلاة.

فإذا اختار ـ على الرغم من ذلك ـ قراءتها وقرأ الآية التي توجب السجود وجب عليه أن يسجد ويعيد صلاته، ولكن إذا لم يسجد كان آثماً وصحّت صلاته.

ومن ذهل عن المحذور الذي قلناه وقرأ إحدى العزائم في صلاته، ثّم انتبه إلى سهوه وغفلته فماذا يصنع؟

الجواب: إن تذكّر وانتبه قبل أن يقرأ آية السجدة عدل عن سورة العزيمة إلى غيرها وصحّت صلاته، وكذلك تصحّ لو تذكّر بعد أن قرأ آية السجدة وبعد أن سجد من أجلها في أثناء الصلاة سهواً عن المحذور؛ لأنّ مثل هذه الزيادة غير المقصودة لا تبطل الصلاة.

وقد تسأل: وماذا يصنع المصلّي إذا استمع إلى آية السجدة وهو يصلّي؟

والجواب: أنّه إذا سمعها صدفةً من غير قصد وإصغاء يمضي في صلاته


(1) على الأحوط.
(2) على الأحوط.
549

ولا شيء عليه، وإذا استمع لها وأصغى أومأ إلى السجود برأسه وأتمّ الصلاة وصحّت صلاته.

وما ذكرناه حول سور العزائم يختصّ بصلاة الفريضة. أمّا قراءتها في النافلة فجائزه ولا محذور فيها، ويسجد عند قراءة آية السجدة ثمّ يقوم ويواصل صلاته.

(82) ثالثاً: يجب تعيين السورة عند الشروع في البسملة، فإذا بسمل بدون أن يعيّن السورة التي يريد قراءتها لم تُجزِهِ هذه البسملة، وإذا بسمل لواحدة بعينها ثمّ عدل عنها إلى غيرها فعليه أن يبسمل للمعدول إليها، وإذا بسمل للسورة التي سيقع عليها اختياره بعد البسملة فلا بأس، وإذا بسمل لمعينة ثمّ غابت عن ذاكرته فكأنّه لم يبسمل اطلاقاً، وعليه أن يستأنف التعيين والبسملة من جديد.

وإذا كان من عادته أن يقرأ سورةً معيّنةً كسورة الإخلاص ـ مثلا ـ فبسمل جرياً على هذه العادة كان ذلك تعييناً، ولو لم يحضر في ذهنه اسم سورة الإخلاص في تلك اللحظة.

(83) رابعاً: كما يملك المصلّي في البدء اختيار السورة التي يقرأها بعد الفاتحة كذلك الحال بعد أن يختار سورة، فإنّ له أن يعدل عنها إلى سورة اُخرى، إلّا في الحالات التالية:

أوّلا: إذا بلغ ثلثي السورة فلا يسوغ له حينئذ العدول عنها إلى اُخرى.

ثانياً: إذا اختار في البدء سورة الإخلاص أو الكافرون وبدأ بقراءتها فلا يسوغ له العدول عنها حتّى من إحداهما إلى الاُخرى، ولو لم يبلغ الثلثين.

ثالثاً: إذا اختار في الركعة الاُولى من صلاة الجمعة أو ظهر الجمعة سورة الجمعة، أو اختار في الركعة الثانية منها سورة المنافقين وبدأ بقراءتها فلا يسوغ له العدول عنها إلى غيرها.

(84) وهذه الحالات التي لا يسوغ فيها العدول لا تشمل المضطرّ إلى

550

العدول، كما إذا بدأ بالسورة ونسي بعضها، أو ضاق الوقت عن إتمامها ففي مثل ذلك يسوغ له العدول مهما كان نوع السورة التي بدأ بها ومقدار ما قرأ منها.

وكذلك لا تشمل من يصلّي صلاة النافلة فإنّ له العدول كيفما أحبّ، ولا تشمل أيضاً من نوى في صلاة الجمعة أو ظهرها أن يقرأ سورة الجمعة في الركعة الاُولى والمنافقين في الركعة الثانية، ولكنّه غفل وبدأ بسورة اُخرى. فإنّه يجوز له ـ على أيّ حال ـ العدول حينئذ إلى سورة الجمعة والمنافقين كما نوى أوّلا.

وإذا نوى سورةً كسورة القدر ـ مثلا ـ عندما بسمل ولكن سبق لسانه إلى قراءة الإخلاص دون أن يكون قاصداً لسورة الإخلاص حقّاً فلا يضرّه أن يبقى على نيّته الاُولى ويقرأ سورة القدر، ولا يعتبر ذلك عدولا من سورة الإخلاص، بل لا يكتفي بما قرأه؛ لأنّه بدأ بها بدون قصد.

شروط القراءة:

يشترط في القراءة ما يلي:

(85) أوّلا: أن تكون السورة بعد إكمال قراءة فاتحة الكتاب، فلا يسوغ تقديمها عليها.

(86) ثانياً: أن تكون القراءة صحيحة، وذلك يحصل بمراعاة الفقرات الآتية:

(87) ـ أ ـ أن يعتمد في معرفة النصّ القرآني على ما هو مكتوب في المصحف الشريف، أو على قراءة مشهورة متلقّاة من صدر الإسلام وعصر

551

الأئمّة (عليهم السلام) ويدخل في ذلك القراءات السبع المشهورة(1).

وعلى هذا الأساس يسوغ للمصلّي أن يقرأ « مالك يوم الدين » أو « ملك يوم الدين »، وأن يقرأ « صراط الّذين » أو « سراط الّذين » بالصاد أو بالسين، ويسوغ له في « كُفواً » من سورة الإخلاص أن يقرأ بضمّ الفاء وبسكونها مع الهمزة أو الواو، أي « كُفُواً » و « كُفْواً » و « كُفُؤاً » و « كُفْءاً »، وهكذا؛ لأنّ هذه الترتيبات كلّها جاءت في القراءات المشهورة المقبولة.

وأمّا إذا لم تكن القراءة مشهورةً في صدر الإسلام فلا يسوغ الاعتماد عليها في تحديد النصّ القرآني، فهناك ـ مثلا ـ من قرأ « ملكَ يومَ الدين » وجعل « ملك » فعلا ماضياً مبنياً على الفتح، وهذا شاذّ لا يسوغ الاعتماد عليه في الصلاة.

ولا بأس أن يقرأ المصلّي في المصحف، أو يتلقّن القراءة ممّن يحسنها ويتقنها، فقد لا يكون الإنسان مستظهراً(2) للفاتحة ولسورة اُخرى في بداية شرح صدره للإسلام وعزمه على إقامة الصلاة، فيقرأ ذلك في المصحف، أو يقرأ عليه شخص آخر النصّ الشريف آيةً آيةً وهو يكرّرها.

وإذا لم يتيسّر له شيء من ذلك وكان يحسن قراءة الفاتحة وبعض السورة ووقت الفريضة لا يتّسع لتعلّم سورة بالكامل قرأ ما يحسن، وإذا أحسن بعض الفاتحة والحالة كذلك قرأ هذا البعض، وكان جديراً احتياطاً وجوباً بأن يعوّض عمّا فات من الفاتحة بما يحسن من آي الذكر الحكيم بقدر ما فات من الفاتحة،


(1) القراءات السبع المشهورة هي قراءات: عبد الله بن عامر، وعبد الله بن كثير، وعاصم، وأبي عمرو بن العلاء، وحمزة بن زيّات، ونافع، والكسائي.(منه (رحمه الله)).
(2) استظهار الفاتحة معناه حفظها.(منه (رحمه الله)).
552

ويقاس ما فاته بالمقدار، لا بعدد الآيات، فلا يعوّض عن الآية الطويلة نسبيّاً بآية أقصر منها.

وإن لم يحسن شيئاً من الفاتحة وغيرها من السور كان جديراً احتياطاً ووجوباً بأن يكبّر ويهلّل ويسبّح بقدر الفاتحة ريثما يتعلّمها.

(88) ـ ب ـ أن يحافظ في القراءة على حركات الإعراب، وما هو مقرّر لكلّ حرف في اللغة العربيّة من ضمٍّ أو فتح أو كسر أو سكون، ويستثنى من ذلك الحرف الأخير من الآية، أو من الجملة المستقلّة التي يصحّ الوقوف عندها في القراءة، إذا كان هذا الحرف الأخير في كلمة معربة وعليه فتحة أو ضمّة أو كسرة، فإنّه يجوز للمصلّي إذا وقف عليه أن ينطق به مضموماً أو مكسوراً مثلا، كما يجوز له أن يسكّنه، فيقول مثلا: « الحمد لله ربّ العالمينْ » بدلا عن « الحمد لله رب العالمينَ »، وإذا لم يقف عليه وقرأه مع الآية التي بعده بنفس واحد جاز له أيضاً كِلا الأمرين.

(89) ـ ج ـ إخراج المصلّي الحروف من مخارجها على نحو يعتبر العرب راءه راءً وضاده ضاداً وذاله ذالا، وهكذا.

(90) ـ د ـ قد تكون الكلمة مبدوءةً بالهمزة، ككلمة « الله »، وكلمة « إيّاك »، فإذا اُريد النطق بها بصورة ابتدائيّة وجب النطق بالهمزة، وأمّا إذا كانت قبلها كلمة تنتهي بحرف متحرّك أي: مضموم أو مكسور ـ مثلا ـ واُريد قراءة الكلمتين درجاً ـ أي: مع إبراز ما في الحرف الأخير من حركة ـ فتحذف الهمزة في الكلمة الثانية إذا كانت همزة وصل، ويحافظ عليها إذا كانت همزة قطع.

ومثال الأوّل: أن تقرأ « بسم الله الرحمن الرحيم »، فإنّ همزة « الله » تحذف هنا، وكذلك همزة « الرحمن »، وهمزة « الرحيم »، أو أن تقرأ « وإيّاك نستعين اهدنا الصراط المستقيم » فإنّ همزة « إهدنا » وهمزة « الصراط » وهمزة

553

« المستقيم » تحذف جميعاً.

ومثال الثاني: أن تقرأ « مالك يوم الدين إيّاك نعبد وإيّاك نستعين » فإنّ همزة « إيّاك » همزة القطع فلا تحذف.

ومثال آخر: « صراط الذين أنعمت عليهم » فإنّ همزة « أنعمت عليهم » لا تحذف.

(91) ـ هـ ـ يدخل على الكلمة الألف واللام، فتقول: « الحمد » و « الرحمن » و « الرحيم »، وهكذا، وفي حالات معيّنة يتوجّب على القارئ أن لا يتلفّظ باللام، ويسمّى ذلك إدغاماً، لِـلاّم، فكأنّ الألف ترتبط مباشرةً بالحرف الأول من الكلمة مع تشديده، وتلك الحالات هي فيما إذا كانت الكلمة التي دخلت عليها الألف واللام مبدوءةً بالتاء، أو الثاء، أو الدال، أو الذال، أو الراء، أو الزاي، أو السين، أو الشين، أو الصاد، أو الضاد، أو الطاء، أو الظاء، أو النون. وإذا كانت الكلمة التي دخلت عليها الألف واللام مبدوءة باللام كاسم الجلالة « الله » فالإدغام سوف يسقط اللام الاُولى عند التلفّظ، ولكنّه يشدّد اللام الثانية، وبذلك يكون النطق بلامين؛ لأنّ التشديد عوض عمّا سقط بالإدغام، وفي غير ذلك يجب النطق باللام.

وعلى هذا الأساس لاتنطق باللام حين تقرأ « الله »، « الرحمن »، « الرحيم »، « الصراط »، « الضالّين »، وتنطق بها حين تقرأ « الحمد »، « العالمين »، « المستقيم ».

(92) وكلّ من كان جاهلا بالقراءة الصحيحة، أو عاجزاً عن الإعراب، أو عن النطق بالكلمة وحروفها كما يجب ـ كالذي في لسانه ثقل أو ينطق الراء غيناً أو الأجنبي عن اللغة ـ يجب عليه أن يتعلّم ويحاول ما أمكن، فإن لم يتيسّر له رغم المحاولة فهو معذور تصحّ الصلاة منه بميسوره ومقدوره، وقد يرجَّح له أن

554

يقتدي فيها بغيره لكي يكتفي بقراءة الإمام، ولكن لا يجب عليه ذلك.

(93) ومثله تماماً ـ حتّى في عدم وجوب الاقتداء ـ الجاهل القابل للتعلّم والتفهّم ولكن ضاق عليه الوقت بحيث لا يمكنه الآن وفي هذه الساعة أن يجمع بين التعلّم والصلاة على الوجه المطلوب فيصلّيها كما يستطيع، ويتعلّم لغيرها.

(94) أمّا الجاهل القادر على التعلّم قبل وقت الصلاة والعالم بوجوب هذا التعلم ومع ذلك تهاون وأهمل ـ أمّا هذا المنتبه المقصّر ـ فيجب عليه أن يقتدي بغيره في الصلاة إن أمكن، وإذا ترك الاقتداء مع الإمكان وصلّى منفرداً بطلت صلاته. وإذا تماهل وضاق وقت الصلاة ولم يتيسّر له الاقتداء وجب عليه أن يصلّي ويقرأ كما يتيسّر له، وتصحّ الصلاة منه، ولكنّه يعتبر آثماً لتهاونه.

(95) وإذا شكّ المصلي وهو يصلّي في حركة الإعراب لكلمة من الكلمات وأنّها رفع أو نصب مثلا، أو شكّ في مخرج حروفها وأنّه من هنا أو من هناك فهل له أن يقرأ بالوجهين على سبيل الاحتياط ؟

الجواب: إذا كان كلّ من القراءتين اللّتينِ حصل التردّد بينهما لا يخرج الكلمة عن وصفها ذكراً ساغ له أن يقرأ بالوجهين، ولا شيء عليه، وإلّا قرأ بوجه واحد؛ وحاول أن يتأكّد بعد ذلك، فإن كان ما قرأه صحيحاً فذاك هو المطلوب، وإلّا أعاد الصلاة.

ثالثاً: (96) على المصلّي أن ينطق بكلّ كلمة من كلمات الصلاة بالمألوف والمعروف، فلا يقطع أوصالها إلى أجزاء وحروف ويقول ـ مثلا ـ: « بس م اللـ ... هـ »، فإن فعل شيئاً من ذلك ساهياً مضطرباً بطلت الكلمة وحدها وأعادها صحيحة، وكذلك إذا بدأ بالكلمة ثمّ انقطع صوته لسعال ونحوه، وإن تعمّد قاصداً منذ بداية نطقه بتلك الكلمة أن يفعل ذلك وفعل بطلت صلاته من الأساس،

555

أمّا إذا تعمّد قطع الكلمة في الأثناء فعليه أن يعيد النطق بالكلمة على الاُصول وتصحّ الصلاة، والجارّ والمجرور ومتعلّقه، والمضاف والمضاف إليه، والصفة والموصوف، والفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر كلّ ذلك وما إليه بمنزلة الكلمة الواحدة، والحكم هو الحكم.

وكذلك على المصلّي أن يقرأ آيات الفاتحة والسورة الاُخرى حسب تسلسلها في المصحف، فلا يقدّم الآية الثانية على الاُولى مثلا، وبصورة متتابعة، أي لا يسكت بين آية وآية، أو بين جملتينِ في داخل آية واحدة بالقدر الذي تعتبر إحداهما مفصولةً عن الاُخرى في العرف، ولا يُبطل السكوت الناشئ من سعال ونحوه، وإن كان طويلا إذا وقع بين جملتين أو آيتين.

(97) رابعاً: يجب على المصلّي أن يقرأ جهراً أحياناً، وإخفاتاً أحياناً اُخرى، وقبل تعيين هذه الأحيان وتلك يجب أن نوضّح معنى الجهر والاخفات، وذلك كما يلي:

القراءة قد تكون بصوت منخفض لا يسمعه من هو إلى جانبك، وقد تكون بصوت عال يسمعه من هو إلى جانبك، بل قد يسمعه البعيد عنك أيضاً، هذا من ناحية درجة ارتفاع الصوت، (أي درجة سماع الآخرين له).

ومن ناحية اُخرى نلاحظ أنّ القراءة قد يبرز فيها جرس الصوت وقد يختفي؛ حتّى ولو كان الصوت عالياً مسموعاً للآخرين.

ومثاله: المبحوح صوته فإنّه قد يصرخ ويسمع الآخرون صراخه، ولكنّ هذا الصراخ يختلف عن كلام الإنسان غير المبحوح إذا أراد أن يتحدث إلى غيره بصورة اعتيادية، ومردّ اختلافهما إلى أنّ جرس الصوت ـ أو ما يسمّى لدى الفقهاء بجوهر الصوت ـ مختف في الكلام المبحوح، وبارز في كلام غيره.

وعلى هذا الأساس فالإخفات بالقراءة مرتبط بتوفّر أمرين:

556

أحدهما: أن لا يكون جوهر الصوت بارزاً.

والآخر: أن لا يكون الصوت عالياً كصوت المبحوح حين يريد أن يرفع صوته، فإنّه ليس إخفاتاً وإن كان جوهر الصوت غير بارز فيه، فكلّما توفّر هذان الأمران فالقراءة إخفات (1).

وإن كان جرس الصوت وجوهره بارزاً فالقراءة جهر، وإذا كان الإنسان مبحوحاً(2) فالجهر بالنسبة إليه أن يرفع صوته، كما يصنع الإنسان المعافى إذا أراد أن يجهر بقراءته.

وبعد أن أوضحنا معنى الجهر والإخفات نذكر مواضع وجوبهما:

فالرجل يجب عليه أن يجهر بقراءة الفاتحة والسورة في صلاة الصبح، وفي الركعة الاُولى والثانية من صلاة المغرب والعشاء، ويجب عليه أن يخفت بقراءة الفاتحة والسورة في الركعة الاُولى والثانية من صلاة الظهر والعصر، ويستثنى من وجوب الإخفات هذا البسملة، فإنّه يستحبّ الجهر بها في كلّصلاة.

وكذلك تستثنى القراءة في صلاة الظهر يوم الجمعة فإنّه يجوز فيها الجهر والإخفات معاً، وأمّا صلاة الجمعة فيجب فيها على الإمام أن يجهر بالقراءة.

وأمّا المرأة فيجب عليها الاخفات في الحالة التي يجب فيها ذلك على


(1) الأمر الأوّل واجب قطعاً على من كان المطلوب منه الإخفات، والثاني واجب احتياطاً.
(2) أمّا إذا كان سالماً فالأحوط وجوباً في موارد الجهر أو الإخفات أن لا يكتفي بتصنّع صوت المبحوح، بل يبرز جوهر الصوت إن وجب الجهر، ويلتزم بالأمرين الماضيين في المتن لشرح الإخفات إن وجب الإخفات.
557

الرجل، وأمّا في الحالات التي يجب فيها الجهر على الرجل فهي مخيّرة بين الجهر والإخفات.

(98) وعلى أيّ حال فلا يجوز للمصلّي ـ وكذلك المصلّية ـ في جميع الحالات أن يفرّط بالجهر فيصيح ويصرخ في قراءته، كما لا يجوز له بحال أن يبالغ في الإخفات، فلا يسمع نفسه لشدّة خفاء الصوت وانخفاضه، فإنّ ذلك همهمة وليس من القراءة بشيء.

وأمّا غير الفاتحة والسورة من الأقوال التي يردّدها المصلّي ـ كالتكبير وأذكار الركوع والسجود والتشهّد والتسليم ـ فهو فيها بالخيار، إن شاء جهر، وإن شاء أخفت.

(99) خامساً: كما يجب على المصلّي أن يكبّر تكبيرة الإحرام وهو قائم كذلك يجب أن يواصل قيامه حال قراءة الفاتحة والسورة إلى أن يفرغ منها، ويجب أن يكون في قيامه مستقرّاً غير مضطرب عند القراءة، فإذا أراد حال قيامه أن يتحرّك يميناً أو شمالا مع الحفاظ على الاستقبال، أو أن يتقدّم خطوةً أو يتأخّر كذلك إذا أراد شيئاً من ذلك فليَدَعْ القراءة، ويتحرّك، ثمّ يعود إلى الاستقرار، ويقرأ في هذه الحال.

الخلل:

(100) إذا لم يأتِ بالقراءة أو بشيء منها، أو خالف وعاكس شروطها وواجباتها فصلّى بدون فاتحة الكتاب، أو بدون سورة، أو قرأ جالساً، أو ملحوناً، أو مضطرباً ومتحركاً يمنةً ويسرةً، أو جهر حيث يجب الإخفات، أو أخفت حيث يجب الجهر، إلى غير ذلك إذا صلّى هكذا عامداً ملتفتاً إلى أنّ ذلك لا يجوز فصلاته باطلة.

558

وإذا كان ناسياً أو غير منتبه إلى أنّ ذلك لا يجوز فصلاته صحيحة، فإن انتبه إلى الحال بعد الفراغ من الصلاة فلا شيء عليه، وكذلك إذا انتبه أثناء الصلاة بعد أن ركع في الركعة التي لم يأتِ بقراءتها على الوجه المطلوب.

وإن انتبه إلى الحال قبل الركوع من تلك الركعة وجب عليه أن يتدارك ويقرأ على الوجه المطلوب، إلّا إذا كان قد فاته الاستقرار أو الجهر حيث يجب الجهر، أو الاخفات حيث يجب الإخفات(1) فإنّه لاتجب عليه إعادة القراءة التي قرأها غير مستقرٍّ في قيامه، أو قرأها إخفاتاً وهي تراد منه جهراً، أو بالعكس ما دام قد صدر منه ذلك نسياناً أو جهلا بالحكم.

وإذا انتبه المكلّف قبل الصلاة للجهر والإخفات ولكنّه لم يدرِ هل المطلوب منه في هذه الفريضة خصوص الجهر أو الإخفات، ثمّ أدّاها جهراً أو أدّاها إخفاتاً راجياً أن تكون عند الله كما أتى بها وبعد الصلاة تبيّن له العكس؟ فصلاته صحيحة ولا شيء عليه.

الشكّ:

(101) إذا قرأ الفاتحة والسورة أو شيئاً من ذلك وشكّ في أنّه هل قرأ على الوجه الصحيح، أوْ لا؟ مضى ولم يلتفت إلى شكّه، وإذا قرأ الآية الثانية من الفاتحة ـ مثلا ـ وشكّ أنه هل قرأ الآية الاُولى قبل ذلك، أوْ لا؟ مضى ولم يلتفت إلى شكّه. وكذلك أيضاً إذا وجد نفسه يقرأ آخر الآية وشكّ أنّه هل قرأ أوّلها أوْ لا؟

 


(1) بل وكذلك القيام، كما سيأتي من المصنف (رحمه الله) في بحث الخلل في البند (37).
559

وإذا وجد نفسه يقرأ سورة الإخلاص ـ مثلا ـ وشكّ أنّه هل قرأ فاتحة الكتاب أوْ لا؟ فالأحسن احتياطاً ووجوباً أن يقرأ فاتحة الكتاب.

وإذا وجد الإنسان نفسه ساكتاً وهو يعلم أنّه كبّر تكبيرة الإحرام فيشكّ هل قرأ الفاتحة والسورة، أوْ لا؟ وجب عليه أن يقرأ. وإذا كان يعلم في هذه الحالة أنّه قرأ فاتحة الكتاب ولكنّه يشكّ في أنّه هل قرأ السورة الاُخرى أيضاً؟ وجب عليه أن يقرأها. وإذا شكّ في شيء ممّا تقدّم بعد أن يكون قد ركع فيمضي ولا يلتفت إلى شكّه.

الآداب:

(102) تستحبّ الاستعاذة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ـ مثلا ـ قبل البدء بالقراءة في الركعة الاُولى.

وتستحبّ أيضاً سكتة قصيرة بين الفاتحة والسورة التي بعدها، وأن يقول بعد الفراغ من الفاتحة « الحمد لله رب العالمين » وأن يقول بعد قراءة سورة الإخلاص: « كذلك الله ربي ».

ويرجّح للمصلّي استحباباً أن لا يترك قراءة سورة الإخلاص يوماً كاملا، فيقرأ بها مرّةً واحدةً في كلّ يوم على الأقلّ.

كما يرجّح لمن يصلّي صلاة الفريضة أن لا يقرأ بعد فاتحة الكتاب سورتين كاملتين، ولكن لا بأس عليه إذا فعل ذلك (1).

 


(1) الأحوط وجوباً ترك القِران بين سورتين، بل وترك بعض السورة أيضاً بعد إكمال السورة الاُولى.
560

الركوع

 

يجب على المصلّي بعد الفراغ من القراءة أن يركع، والركوع واجب في كلّ ركعة من الفرائض والنوافل، فلا ركعة بلا ركوع.

ونعني بالركوع: الانحناء المقصود خضوعاً لله تعالى، فلو انحنى لالتقاط شيء من الأرض ـ مثلا ـ ونحو ذلك لم يكن ذلك ركوعاً، ويجب على هذا المنحني أن يقوم منتصباً مرّةً ثانيةً ويركع. وللركوع واجبات، وهي كما يلي:

(103) أوّلا: أن يكون الركوع في حالة القيام؛ وذلك أنّ الانحناء قد يقع من القائم الواقف، وقد يقع من الجالس، ويسمّى الأول بالركوع القيامي؛ لأنّه ركوع القائم، ويسمّى الثاني بالركوع الجلوسي؛ لأنّه ركوع الجالس، والواجب في الصلاة هو الركوع القيامي، فلو أنّ المصلّي فرغ من قراءته فجلس وانحنى جالساً لم تصحّ صلاته.

(104) ثانياً: أن يكون ركوع هذا الراكع عقيب قيام منتصب فيركع عن قيام، ومعنى ذلك: أنّ الإنسان تارةً يكون قائماً منتصباً فينحني ويركع، واُخرى يكون جالساً فينهض مقوّساً ظهره حتّى يصل إلى حالة الراكع فيثبّت نفسه، وفي كلٍّ من هاتين الحالتين يعتبر الركوع ركوعاً قيامياً؛ لأنّه ركوع صادر منه وهو قائم على قدميه لا جالس، ولكنّه في الحالة الاُولى يعتبر ركوعاً عن قيام؛ لأنّه كان قائماً منتصباً ثمّ ركع. وفي الحالة الثانية يعتبر ركوعاً عن جلوس؛ لأنّه كان جالساً فنهض مقوّساً إلى أن صار بمثابة الراكع، والواجب هو أن يكون الركوع عن قيام.

561

وقد عرفت أنّ القيام حال القراءة واجب، فإذا فرغ من القراءة وهو قائم ركع ليكون ركوعه عن قيام، وأمّا إذا جلس بعد الفراغ من القراءة غفلةً أو لالتقاط شيء فإنّ عليه أن يعود قائماً، ثمّ يركع عن قيام، ولا يكفيه أن ينهض متقوّساً إلى مستوى الراكع.

(105) ثالثاً: أن يكون الإنحناء بقدر يمكن معه لأطراف أصابع المصلّي أن تصل إلى ركبتيه، وإذا كانت اليد طويلةً طولا غير مألوف أو قصيرةً كذلك فيجب عليه أن ينحني بقدر ما ينحني غيره ممّن تكون يده مألوفةً ومتعارفة.

(106) رابعاً: أن يكون الركوع مرّةً واحدةً في كلّ ركعة، فلو ركع ركوعين في ركعة واحدة بطلت صلاته. ويستثنى من ذلك صلاة الآيات التي تشتمل كلّ ركعة منها على خمسة ركوعات، كما تقدّم في فصل أنواع الصلاة الفقرة (194).

(107) خامساً: الذكر، وهو أن يقول في ركوعه وهو مستقرّ غير متمايل ولا مضطرب: « سبحان ربّي العظيم وبحمده » مرّةً واحدةً أو أكثر، أو يقول: « سبحان الله »، أو « الحمد لله »، أو « لا إله إلّا الله »، أو « الله أكبر » وما أشبه ثلاث مرّات أو أكثر، ويكتفى من المريض بواحدة.

ويكفي في توفير الاستقرار الواجب حال الذكر أن يتماسك ولو بالاستعانة بعصاً ونحوها.

ويشترط في الذكر الواجب في الركوع أن يكون بلغة عربية، وأن تؤدّى الحروف من مخارجها، وأن لا ينطق بها بصورة متقطعة تفكّك الكلمة أو الجملة، والأجدر بالمصلّي احتياطاً ووجوباً أن لا يخالف النهج المقرّر عربياً في الإعراب والبناء، ويجوز للراكع أن يجهر بالذكر، كما يجوز أن يخفت به.

562

(108) سادساً: أن يرفع رأسه من الركوع قائماً منتصباً ومطمئناً في قيامه وانتصابه.

في حالات العجز:

(109) إذا كان قادراً على الركوع ولكن بدون اطمئنان واستقرار وجب عليه ذلك، وإذا عجز عن الركوع ولكن يتمكّن من الإنحناء بدرجة أقلّ وجب عليه ذلك.

وإن لم يتمكّن من الإنحناء بجسمه حتّى قليلا اكتفى بالإيماء برأسه بدلا عن الركوع، هذا إذا لم يكن متمكنّاً من ركوع الجالس أيضاً، وإلّا كان الأجدر به وجوباً واحتياطاً أن يصلّي صلاة اُخرى أيضاً؛ يكبّر فيها ويقرأ قائماً، ثمّ يجلس ويركع ركوع الجالس (1).

الخلل:

(110) إذا ترك المصلّي الركوع في ركعة من ركعات صلاته بطلت صلاته، سواء كان عامداً في الترك عالماً بالحكم أو ناسياً أو جاهلا، وكذلك إذا ترك الواجب الأول من واجباته الستّة المتقدّمة بأن ركع وهو جالس، أو الواجب الثاني بأن ركع عن جلوس لا عن قيام، أو الواجب الثالث بأن لم يصل في الإنحناء إلى ما قرّرناه، وكذلك إذا أخلّ بالواجب الرابع بأن ركع ركوعين في ركعةواحدة.

(111) وأمّا إذا ترك الذكر في الركوع فهناك تفصيل، وهو: أنّه إن كان


(1) هذا الاحتياط ليس بواجب.
563

عامداً في الترك وملتفتاً إلى أنّ الذكر واجب بطلت صلاته، وإن كان ناسياً أو غير ملتفت إلى الحكم صحّت صلاته، ولا شيء عليه إذا التفت بعد رفع الرأس من الركوع (1).

(112) وإذا ذكر غير مطمئن ولا مستقرٍّ عامداً ملتفتاً إلى الحكم وقاصداً بهذا الذكر أن يؤدّي صلاته بطلت صلاته، وإذا لم يقصد بهذا الذكر أن يكون من صلاته لم تبطل صلاته، وعليه إعادته، وإذا كان ذلك سهواً منه أو لعدم الالتفات إلى الحكم الشرعي صحت صلاته، ولا تجب عليه إعادة الذكر؛ حتى ولو انتبه إلى الحال قبل رفع الرأس من الركوع (2). وكذلك الأمر إذا ذكر الراكع واضطرّه سبب قاهر للتحرّك والاضطراب ـ كالازدحام ـ فإنّ الذكر يقع صحيحاً ولا تجب عليه إعادته (3).

(113) وقد تقول: إنّ من ترك الركوع في ركعة من ركعات صلاته بطلت صلاته كما تقدم، ولكن ما هو حكم من تركه نسياناً وانتبه إلى ذلك في أثناء الصلاة ؟

والجواب: إذا ذهل المصلّي عن الركوع وهوى توّاً إلى السجود: فإن فطن بعد أن سجد السجدة الثانية بطلت صلاته، وعليه أن يعيد ويستأنف من جديد. وإن فطن قبل أن يأتي بالسجدة الثانية قام منتصباً وركع؛ وأتمّ الصلاة ولا إعادة عليه، سواء أكان قد دخل في السجدة الاُولى، أم لم يدخل، وإن كان قد دخل في السجدة الاُولى ألغى تلك السجدة من حسابه.



(1) الأحوط استحباباً أن يسجد سجدتَي السهو.

(2) الأحوط وجوباً في هذا الفرض إعادة الذكر.

(3) نفس الاحتياط الذي ذكرناه في التعليق السابق يأتي هنا.

564

الشكّ:

(114) إذا وجد المصلّي نفسه قائماً وشكّ في أنّه هل ركع وقام من ركوعه، أو لا يزال لم يركع؟ وجب عليه أن يركع، وإذا وجد نفسه راكعاً وشكّ في أنّه هل ذكر الذكر الواجب في ركوعه؟ وجب عليه أن يذكر.

(115) وإذا وجد نفسه في السجود وشكّ في أنّه هل ركع قبل ذلك، أوْ لا؟ مضى ولم يلتفت إلى شكّه، وأمّا إذا حصل له هذا الشكّ وهو يهوي قبل أن يسجد فعليه أن يقوم منتصباً ثمّ يركع.

(116) وإذا ركع ورفع رأسه من الركوع وشكّ هل أتى بالركوع على الوجه الصحيح، أوْ لا؟ مضى ولم يعتنِ بشكّه. وكذلك إذا أدّى الذكر الواجب في ركوعه، وبعد إكمال الذكر شكّ في أنّه هل نطق به صحيحاً، أم لا؟ فإنّه يمضي.

الآداب:

(117) يستحبّ للمصلّي حين يريد أن يركع أن يكبّر قبل هويّه إلى الركوع، ويرفع يديه حال التكبير إلى اُذنيه أو إلى جانبي وجهه.

كما يستحبّ له حال الركوع وضع كفّيه على ركبتيه ـ ولكنّ المستحبّ للمرأة أن تضع كفيّها على فخذيها ـ وردّ ركبتيه إلى الخلف، وتسوية ظهره، ومدّ عنقه موازياً لظهره، وأن يكون نظره بين قدميه، ويكرّر التسبيح ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر. وأن يقول عند القيام من الركوع: « سمع الله لمن حمده ».

 

السُجُود

 

(118) يجب على المصلّي بعد رفع الرأس من الركوع والوقوف قائماً

565

أن يسجد سجدتين، والسجود مرّتين واجب في كلّ ركعة من الفرائض والنوافل، فلا ركعة بدون سجدتين.

ونعني بالسجود: وضع الجبهة على الأرض أو أخشابها ونباتها خضوعاً لله تعالى، على ما يأتي من التوضيح والتفصيل، وليس كلّ وضع سجوداً، بل الوضع المشتمل على الاعتماد والتركيز وإلقاء الثقل، لا مجرّد المماسّة (1).

وللسجود واجبات كما يلي:

(119) أوّلا: أن يضع المصلّي مقداراً من الجبهة على الأرض يحقّق السجود عرفاً، كمقدار عقد أحد أصابعه أو أقلّ من ذلك قليلا، فلا يكفي أن يضع جبهته على ما يشبه رأس الإبرة من أخشاب الأرض ونباتاتها، كما لا يجب أن يضع كامل جبهته ولا جزءً كبيراً منها على الأرض، بل يكفي ما ذكرناه.

ولو كان مقدار عقد الإصبع متفرّقاً ووضع جبهته عليه وهو متفرّق كفاه ذلك أيضاً، كحبّات المسبحة إذا سجد المصلّي عليها (2).

ومن كان على جبهته علّة لا يستطيع السجود عليها ولكنها لم تستغرق الجبهة بالكامل احتال بكلّ وسيلة ليقع الجزء السليم من جبهته على ما ينبغي أن يسجد عليه.

 


(1) بل وكذلك الحال في باقي أعضاء السجود، لا في خصوص الجبهة فحسب.
(2) بشرط صدق عنوان السجود على الأرض، كما في مثال حبّات السبحة الذي ورد في المتن.أمّا لو كان من قبيل انتشار شعر المرأة على جبهتها ـ مثلاً ـ ووصول خطوط من الجبهة على الأرض من خلال الشعرات فقد لا يصدق على ذلك هذا العنوان ولو كان المجموع بمقدار درهم أو طرف الأنملة فعندئذ يشكل الاجتزاء بذلك.
566

وإن استغرقت العلّة الجبهة بالكامل سجد علي أيّ جزء شاء من وجهه.

(120) ثانياً: أن يبسط الساجد باطن كفّيه على الأرض، وإن تعذّر الباطن بسطهما على الظاهر، وإن قطعت الكفّ فالأقرب إليها من الذراع (1)، ولا يكفي وضع رؤوس أصابع الكفّين على الأرض، ولا أن يضمّ باطن الأصابع إلى باطن الكفّ بحيث تكون مقبوضةً لا مبسوطة، ويكفي مسمّى وضع الكفّين على الأرض، أي وضعهما على الأرض ولو بصورة تقريبية، ولا يجب استيعابهما بالكامل.

(121) ثالثاً: أن يلصق ركبتيه بالأرض، ويكفي أن يلصق جزءً من الركبة بالأرض، ولا يجب الاستيعاب (2).

(122) رابعاً: أن يضع طَرَفَي إبهامي القدمين على الأرض، وتسمّى الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان بأعضاء السجود السبعة.

(123) خامساً: أن يذكر في سجوده وهو مطمئنّ مستقرّ فيقول:

« سبحانَ ربّيَ الأعلى وبحمده » مرّةً واحدةً أو أكثر، أو يقول: « سبحان الله » ثلاث مرّات أو أكثر، أو يقول نفس العدد من غير ذلك من ألوان الذكر المتقدّمة في الركوع في الفقرة (107)، ولا فرق بين الجهر والإخفات.

ويجب في حال الذكر أن تكون الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان جميعاً على النحو المقرّر آنفاً بصورة مطمئنة مستقرّة.

 


(1) هو مخيّر بين أن يضع الذراع عموديّاً على الأرض، أو يبسط كلّ الذراع اُفقيّاً على الأرض.
(2) عدم الاستيعاب الناتج من كون الركبة محدّبةً قهري، أمّا عدم الاستيعاب بمعنى أن يصلّي ـ مثلاً ـ على حافّة السطح فيكون نصف ركبته على الأرض ـ مثلاً ـ والباقي على الهواء فهذا خلاف الاحتياط الواجب.
567

(124) وإذا هوى إلى السجود وتحقّق منه ما يسمّى سجوداً، ولكن ارتفع رأسه فجأةً قبل الذكر أو بعده من غير قصد فماذا يصنع ؟

الجواب: إذا حدث ذلك في السجدة الاُولى اعتبرت السجدة الاُولى قد انتهت بهذا الارتفاع المفاجئ، فإن استطاع أن يحتفظ بتوازنه ويملك رأسه من السقوط ثانيةً جلس معتدلا ومطمئنّاً، وسجد ثانيةً واكتفى بذلك. وإن لم يملك رأسه، بل عادت الجبهة إلى الهوي والسجود ثانياً بدون قصد فعليه أن يرفع رأسه ويسجد مرّةً ثانيهً ويتمّ الصلاة.

وهكذا إذا حدث ذلك في السجدة الثانية فإنّ عليه أن يحتفظ بتوازنه، ويحول دون سقوط رأسه مرّةً اُخرى إن أمكنه ذلك، وإن لم يمكن وسقط رأسه ثانيةً رفع رأسه وواصل صلاته ولا شيء عليه.

(125) سادساً: أن يرفع رأسه من السجدة الاُولى معتدلا منتصباً في جلوسه ومطمئنّاً، ثمّ يهوي إلى السجدة الثانية عن هذا الاعتدال والانتصاب كما ركع عن قيام.

وعلى المصلّي أيضاً أن يجلس قليلا ومطمئنّاً بعد السجدة الثانية، حتّى ولو لم يكن لديه واجب معيّن من تشهّد وتسليم، كما في الركعة الاُولى والثالثة من الصلاة الرباعيّة.

(126) سابعاً: أن يكون موضع الجبهة مساوياً لموقفه وموضع قدميه من غير علوٍّ أو هبوط، إلّا أن يكون تفاوتاً يسيراً لا يزيد على أربع أصابع فقط. أمّا التساوي بين موضع بقيّة أعضاء السجود فليس بشرط، لا بين بعضها مع بعض، ولا بين شيء منها وموضع الجبهة، فيجوز انخفاض موضع الكفّين أو الركبتين وارتفاعهما أيضاً عن موضع الجبهة بأكثر من أربع أصابع، وكذا بين الكفّين والركبتين.