226

 

دخول كلمة (كلّ) على التثنية أو الجمع:

واعلم أنّ التثنية أيضاً حالها حال العدد من حيث الأقسام الثلاثة، فإن قيل: (اقرأ كلّ الكتابين) فحاله حال قولنا: (اقرأ كلّ العشرة). وإن قيل: (اقرأ كلّ كتابين) فحاله حال قولنا: (اقرأ كلّ عشرة). وإن قيل: (اقرأ كلّ واحد من الكتابين) فحاله حال قولنا: (اقرأ كلّ واحد من العشرة).

نعم، هنا فرق بين التثنية والعشرة، وهو: أنّ استيعاب الأجزاء المستفاد من كلمة (كلّ) الداخل على (العشرة) كقولك: (قرأت كلّ العشرة) يكون بالنظر إلى كلّ واحد واحد من العشرة، في قبال قولك: (قرأت العشرة إلّا واحداً منها)، لا بالنظر إلى أجزاء كلّ واحد منها، ولكن لو قيل مثلا: (قرأت كلّ الكتابين) حصل الاستيعاب حتّى بالنظر إلى أجزاء كلّ واحد؛ لأنّ هذا الكلام لا يكون في قبال قولك: (قرأت الكتابين إلّا واحداً منهما)؛ لعدم صحّة استثناء الواحد من الاثنين حتّى يؤكّد عدم هذا الاستثناء بكلمة (كلّ)، بل هو في قبال قولك: (قرأت الكتابين إلّا بعضاً من أحدهما)، أو: (إلّا بعضاً منهما).

ويظهر بالنظر إلى جميع ما ذكرناه حال الجمع أيضاً(1).

 



(1) بفرق أنّ (أكرم كلّ العلماء) قد يعدّ لام الجماعة فيه تأكيداً لكلمة (كلّ)، فالمدخول في الحقيقة هو (عالم) وليس (علماء) أي: دخل على كلمة (عالم) هيئة الجمع المحلّى باللام وكلمة (كلّ).

227

 

أداة العموم

الجهة الرابعة: في أداة العموم.

 

دلالة كلمة (كلّ) ونحوها على العموم:

لا إشكال من أحد في أنّ كلمة (كلّ) ونحوها كـ (جميع) من أدوات العموم إلّا من بعض السابقين، حيث استشكل في ذلك، بل قيل: إنّه حقيقة في الخصوص. ولا نعتني بهذا القول ولا بالبحث عنه.

والذي يكون هنا جديراً بالبحث هو: أنّه هل نحتاج في استفادة العموم من كلمة (كلّ) ونحوه إلى إجراء مقدّمات الحكمة في مدخوله أو لا؟

ذهب المحقّق الخراسانيّ(قدس سره) إلى أنّ وضع (كلّ) ونحوه ثبوتاً يلائم مع الاحتياج إلى إجراء مقدّمات الحكمة في المدخول وعدمه، بمعنى أنّه يمكن وضعه بنحو نحتاج إليها مع وجوده في الكلام، ويمكن وضعه بنحو لا نحتاج إليها معه.

توضيح ذلك: أنّ اسم الجنس وضع للطبيعة المهملة، وأعني بذلك: الجامع بين المطلق والمقيّد، فإن اُريد المقيّد فلابدّ من الإتيان بقرينة تدلّ على القيد، وإن اُريد المطلق فلابدّ أيضاً من الإتيان بقرينة تدلّ على الإطلاق، سواء كانت قرينة خاصّة أو كانت قرينة عامّة وهي مقدّمات الحكمة؛ لأنّ المفروض أنّ تلك الكلمة بنفسها لا تدلّ على ما اُريد من المقيّد أو المطلق، لكونها موضوعة للجامع بينهما.

ثُمّ كلمة (كلّ) من الممكن أن يضعها الواضع لاستيعاب ما اُريد من مدخولها، ومن الممكن أن يضعها لاستيعاب تمام ما يصلح مدخولها للانطباق عليه، فإن

228

وضعها على النحو الأوّل فلا محالة نحتاج إلى إجراء مقدّمات الحكمة في مدخولها؛ إذ المفروض أنّ كلمة (كلّ) إنّما تدلّ على استيعاب ما اُريد من مدخولها، ومدخولها إنّما هو اسم الجنس وهو غير دالّ بنفسه إلّا على الطبيعة المهملة، ولا يدلّ على ما اُريد من إطلاق أو تقييد، فلابدّ من تعيين كون المراد هو المطلق بمقدّمات الحكمة حتّى يثبت استيعاب (كلّ) لجميع أفراد هذا المطلق.

وإن وضعها على النحو الثاني فلا حاجة إلى إجراء مقدّمات الحكمة في المدخول؛ لأنّها بنفسها تدلّ على استيعاب تمام الأفراد التي يصلح المدخول للانطباق عليها.

هذا ما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) بحسب مقام الثبوت، وأمّا بحسب مقام الإثبات فاستظهَرَ الثاني، أعني: عدم الاحتياج إلى إجراء مقدّمات الحكمة في المدخول(1).

ولكنّ المحقّق النائينيّ(قدس سره) ذهب إلى أنّ استيعاب كلمة (كلّ) لكلّ الأفراد يتوقّف على إجراء مقدّمات الحكمة في المدخول(2).

وذهب السيّد الاُستاذ دامت بركاته(3) والمحقّق الإصفهانيّ(قدس سره)(4) إلى عدم



(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 334 بحسب الطبعة المعروفة بطبعة المشكينيّ.

(2) راجع فوائد الاُصول، ج 1 ـ 2، ص 518 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وأجود التقريرات، ج 1، ص 450 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

(3) راجع أجود التقريرات الطبعة السابقة الذكر، ج 1، ص 440 ـ 441، تحت الخطّ، وكذلك ص 451، تحت الخطّ، وكذلك راجع المحاضرات، ج 5، ص 159 بحسب الطبعة الثالثة لدار الهادي للمطبوعات بقم.

(4) راجع نهاية الدراية، ج 2، ص 446 ـ 448 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام).

229

الاحتياج إلى ذلك كما استظهره المحقّق الخراسانيّ، وزادا عليه: أنّه لا يمكن ثبوتاً توقّف استفادة استيعاب تمام الأفراد من كلمة (كلّ) على إطلاق المدخول.

وقد أفاد المحقّق النائينيّ(رحمه الله)(1) في وجه توقّف استفادة العموم من كلمة (كلّ) على إجراء مقدّمات الحكمة في المدخول: أنّ كلمة (كلّ) إنّما تدلّ على استيعاب المدخول لا على تعيين المدخول، ولذا لا مانع من قِبَل هذه الكلمة عن دخولها على أيّ مدخول(2)، فتراها تدخل على المدخول المقيّد على حدّ دخولها على المفهوم المطلق، فلا فرق من ناحية (كلّ) بين قولنا: (أكرم كلّ إنسان)، وقولنا: (أكرم كلّ إنسان عالم)، وقولنا: (أكرم كلّ إنسان عالم عادل) ونحو ذلك، فمهما اُريد تقييد المدخول وتحصيصه إلى أيّ درجة شئنا فكلمة (كلّ) لا تأبى عن ذلك.

واسم الجنس موضوع للطبيعة المهملة الجامعة بين المطلق والمقيّد، فتارةً يقصد به الطبيعة الموجودة في ضمن المطلق، واُخرى الطبيعة الموجودة في ضمن المقيّد، وكلمة (كلّ) كما عرفت غير معيّنة للمدخول فهي لا تعيّن كون مدخولها الطبيعة المطلقة أو المقيّدة؛ لعدم إبائها عن الدخول على كلّ من المطلق والمقيّد، فلابدّ من إثبات كون المدخول هو المطلق بمقدّمات الحكمة كي تدلّ كلمة كلّ على استيعاب أفراد هذا المطلق.

وقد علّق السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ على هذا التقريب بأنّ عدم دلالة كلمة



(1) راجع فوائد الاُصول، ج 1 ـ 2، ص 518 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وأجود التقريرات، ج 1، ص 450 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

(2) هذا الاستشهاد غير موجود في عبارة التقريرات وإنّما ذكر ذلك هنا كتوجيه فنّيّ لكلام المحقّق النائينيّ(قدس سره).

230

(كلّ) على تعيين المدخول ممنوع، بل هي تعيّن المدخول وتدلّ على أنّه هو المطلق واللابشرط القسميّ لا المقيّد، فلا حاجة إلى مقدّمات الحكمة.

وبكلمة اُخرى: إنّ كون المدخول مطلقاً تارةً يستفاد من عدم القرينة على القيد، واُخرى من القرينة على عدمه، وما نحن فيه من قبيل الثاني لا الأوّل، ولولا ذلك لما أمكن التصريح بالعموم أصلا مع أنّه واضح البطلان، بل لا يحتمل ثبوتاً عدم إغناء كلمة (كلّ) عن مقدّمات الحكمة وتوقّف استفادة العموم والاستيعاب منها على جريان مقدّمات الحكمة في المدخول الدالّة على استيعابه؛ إذ مع فرض إحراز الاستيعاب في الرتبة السابقة تلغو كلمة (كلّ). هذا ما أفاده السيّد الاُستاذ دامت بركاته.

وقد لوّح المحقّق الإصفهانيّ(قدس سره) إلى تقريب آخر لإبطال الاحتياج إلى إجراء مقدّمات الحكمة في المدخول، وهو: أنّه لو فرض استيعاب المدخول بجريان مقدّمات الحكمة في الرتبة السابقة على الأداة فالاستيعاب بعد ذلك بالأداة مرّة ثانية ـ بأن يصير المدخول المستوعب مستوعباً ـ محال؛ لاستحالة قبول المماثل للمماثل كما يستحيل قبول المقابل للمقابل(1).

أقول: إنّ كلاًّ من كلام المحقّق الإصفهانيّ(قدس سره) مع كلام السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ مع أصل التقريب الذي أفاده المحقّق النائينيّ(رحمه الله) لا يخلو عن إشكال.

أمّا كلام المحقّق الإصفهانيّ(قدس سره) فيرد عليه:

أوّلا: أنّ الإطلاق ـ على ما هو الحقّ المحقَّق ـ ليس عبارة عن الاستيعاب كالعموم حتّى يقال: إنّ المستوعَب لا يُستوعَب في طول كونه مستوعَباً، بل هو



(1) راجع نهاية الدراية، ج 2، ص 447 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام).

231

عبارة عن تعرية الخصوصيّات الفرديّة ولحاظ الطبيعة معرّاة عن تلك الخصوصيّات،فالتكثّر يلغى في الإطلاق ويلحظ في العموم، بمعنى أنّه في العموم يرى جميع الأفراد من حيث هي أفراد، وفي الإطلاق يرى ذات الطبيعة بلا نظر إلى الأفراد من حيث هي، فكم فرق بينهما.

وثانياً: أ نّا لو سلّمنا أنّ الإطلاق أيضاً عبارة عن الاستيعاب، فالمستوعَب في الرتبة السابقة على الأداة هو ذات المدخول، والمستوعَب الثاني هو الأداة؛ لأنّ كلمة (كلّ) تفيد المفهوم الاسميّ المستوعب، وليست حرفاً حتّى تدلّ على استيعاب المدخول حتّى يلزم استيعاب المستوعَب.

وأمّا كلام السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ ففي الحقيقة ينحلّ إلى كلامين:

أحدهما: تعيين كلمة (كلّ) إثباتاً واستظهاراً لمدخولها وإفادة كون مدخولها مطلقاً وإلّا لما أمكن التصريح بالعموم، في حين أنّه لا شكّ في إمكان التصريح بالعموم لدى العرف ويكون ذلك بمثل كلمة (كلّ).

وثانيهما: دعوى أنّه لا محيص ثبوتاً من استغناء (كلّ) عن إجراء مقدّمات الحكمة في مدخوله وإلّا لزمت اللغويّة.

ولعلّ نظره في كلامه الثاني إلى الاستدلال على ما قرّره في كلامه الأوّل من دعوى تعيين كلمة (كلّ) لمدخولها وإفادة كونه مطلقاً.

وعلى أيّة حال فكلا كلاميه لا يخلو من نظر:

أمّا كلامه الثاني ـ وهو لزوم اللغويّة ـ فصحيح أنّه لا يرد عليه نفي اللغويّة بدعوى أنّ الفائدة هي التأكيد؛ لأنّ فرض الطوليّة بين إفادة الكلّ للعموم ومقدّمات الحكمة يبطل التأكيد، ولكنّه مع ذلك نمنع لزوم اللغويّة، سواء اُريد بها اللغويّة في

232

الوضع أو في الاستعمال:

إذ لو اُريد باللغويّة لغويّة الوضع ورد عليه:

أوّلا: أنّ العموم والإطلاق ليس مفادهما متّحداً حتّى يلزم لغويّة الوضع، فإنّ العموم هو الاستيعاب، ومقدّمات الحكمة لا تفيد الاستيعاب حتّى يقال: إنّ الاستيعاب المتوقّف على الاستيعاب لغو، بل تفيد نفي الخصوصيّات ولحاظ الطبيعة مجرّدة عنها. وهذا هو الإيراد الأوّل الذي أوردناه على المحقّق الإصفهانيّ(قدس سره) ويكفي داعياً إلى الوضع نفس كون معنى العموم غير معنى الإطلاق، وإن فرض عدم ثبوت نتيجة عمليّة بالنسبة للحكم الشرعيّ، فإنّ الفائدة المترقّبة من الوضع إنّما هي إفادة المعاني المختلفة سواء اختلفت بذلك النتيجة من حيث الحكم الشرعيّ أو لا.

وثانياً: أنّه لو سلّمنا كون مفاد كلّ منهما الاستيعاب، فالاستيعاب العموميّ وإن كان في طول الاستيعاب الحكميّ فلا يعقل تأكيده به، لكن إفادة كلمة (كلّ) لعرضيّة الاستيعاب وعدم كونه بدليّاً ليست في طول كون الاستيعاب الحكميّ عرضيّاً لا بدليّاً، فإن كان الكلام بحيث تستفاد العرضيّة منه مع قطع النظر عن كلمة (كلّ) كانت كلمة (كلّ) تأكيداً للعرضيّة، وإلّا كانت بياناً لها فلا يلغو الوضع. هذا بالنسبة للأداة التي تفيد خصوصيّة العرضيّة، وكذلك الكلام فيما لو فرضت إفادتها للخصوصيّة البدليّة، فإنّه أيضاً لا يلغو وضع الأداة؛ لأنّه يبيّن هذه الخصوصيّة أو يؤكّدها.

وإن اُريد باللغويّة لغويّة الاستعمال، ورد عليه:

أوّلا: ما عرفت من أنّ أداة العموم تفيد الخصوصيّة العرضيّة أو البدليّة تأكيداً أو بياناً.

وثانياً: أنّه مع قطع النظر عن ذلك ربّما يوجد هناك تفنّن في استعمال أداة

233

العموم في الكلام، كما لو اُريد بيان الحكم رأساً على الأفراد لا على الطبيعة المجرّدة التي هي مفاد الإطلاق، لنكتة أنّ ما اشتمل على ملاك الحكم هو نفس خصوصيّات الأفراد من حيث هي مثلا.

وأمّا كلامه الأوّل ـ وهو: أنّ كلمة (كلّ) تعيّن مدخولها وتدلّ على أنّه مطلق بمعنى اللابشرط القسميّ ـ فيرد عليه: أنّ هذا صِرف دعوى لا دليل عليها. وأمّا ما استدلّ به لذلك من فهم العرف التصريح بالعموم فلا يصلح دليلا على مدّعاه، وكلامه الثاني لو تمّ في نفسه لا يصلح أيضاً دليلا على ما في كلامه الأوّل من دعوى تعيين (كلّ) لمدخوله؛ فإنّ غاية ما يثبت بهما هي عدم صحّة توقّف العموم على ثبوت الإطلاق في الرتبة السابقة عليه، وهذا لا يستلزم كون كلمة (كلّ) دالّة على كون مدخولها مطلقاً بمعنى اللابشرط القسميّ إلّا بناءً على أنّ الطبيعة المهملة الجامعة بين المطلق والمقيّد لا تقبل الانطباق على الأفراد. فإن تمّ هذا المبنى صحّ أن يقال: إنّ كلمة (كلّ) بما أنّها تقتضي الانطباق على الأفراد تدلّ على أنّ مدخولها مطلق بهذا المعنى لا مهمل، لكن هذا المبنى غير صحيح لا عندنا ولا عند السيّد الاُستاذ.

هذا، مضافاً إلى أنّه لو بني على هذا المبنى الباطل ـ وهو عدم قابليّة انطباق الطبيعة المهملة على الأفراد ـ ورد إشكال آخر على ما مضى من دعواه لزوم اللغويّة في الأداة إذا احتاجت في إفادة العموم إلى مقدّمات الحكمة؛ إذ تكفي عندئذ فائدة لها أنّها تنفي احتمال الإهمال بالوضع.

والخلاصة: أنّه لا دليل على أنّ كلمة (كلّ) تجعل مدخولها مطلقاً، فليكتفى مثلا بادّعاء أنّ كلمة (كلّ) لا تحتاج في الاستيعاب إلى تعيين مدخولها في المطلق بمقدّمات الحكمة؛ لأنّها تستوعب أفراد ما يقبل المدخول ـ حتّى على إهماله ـ

234

الانطباق عليه، بدليل إمكانيّة التصريح بالعموم أو بدليل لزوم اللغويّة.

نعم، لو كانت كلمة (كلّ) حرفاً تجعل المدخول مستوعباً صحّ أن يقال: إنّها تدلّ على أنّ المدخول مطلق، بناءً على أنّ الإطلاق يفيد الاستيعاب كالعموم، لكنّها ليست حرفاً بل هو اسم يفيد المفهوم المستوعِب.

وأمّا ما أفاده المحقّق النائينيّ(رحمه الله) في مقام إثبات الاحتياج إلى إجراء مقدّمات الحكمة في المدخول: من أنّ كلمة (كلّ) تدلّ على استيعاب المدخول لا على تعيينه، فيستفاد منه الفراغ عن أنّها لو دلّت على استيعاب المدخول لا على تعيينه لا يستفاد منها العموم بدون إجراء مقدّمات الحكمة في المدخول. وهو المستفاد أيضاً من جواب السيّد الاُستاذ دامت بركاته؛ إذ أجاب بدعوى دلالتها على تعيين المدخول لا على صرف الاستيعاب.

فدليل المحقّق النائينيّ(رحمه الله) على مدّعاه ـ من الاحتياج إلى مقدّمات الحكمة ـ في الحقيقة مركّب من مقدّمتين:

الاُولى: دعوى أنّ كلمة (كلّ) إنّما تدلّ على استيعاب المدخول لا على تعيينه.

الثانية: دعوى أنّ عدم دلالة (كلّ) على تعيين المدخول مستلزم لعدم استفادة العموم منها بدون إجراء مقدّمات الحكمة في المدخول. وهذا هو الذي قلنا: إنّ المستفاد من جواب السيّد الاُستاذ تسليمه، فكأنّه ـ دامت بركاته ـ صدّق الكبرى وأورد الإشكال على الصغرى وهي المقدّمة الاُولى.

أقول: أمّا الكبرى ـ وهي دعوى استلزام دلالة (كلّ) على خصوص استيعاب مدخوله دون تعيينه لعدم استفادة العموم منه بدون إجراء مقدّمات الحكمة في مدخوله ـ: فلا تسمع إلّا بإثبات استحالة استفادة العموم منه عندئذ ثبوتاً أو عدم إمكان ذلك إثباتاً، فإن كان المراد عدم إمكانه إثباتاً فسيظهر ـ إن شاء الله ـ ما هو

235

التحقيق في ذلك عند بيان ما هو المختار عندنا، وإن كان المراد الاستحالة في مرحلة الثبوت فهي متوقّفة على القول بعدم قبول الطبيعة المهملة الجامعة بين المطلق والمقيّد للانطباق على الأفراد كما هي كذلك عند المحقّق النائينيّ(قدس سره)، وأمّا على ما هو الحقّ من أنّ الجامع بينهما قابل للانطباق عليها فمن الممكن ثبوتاً كون كلمة (كلّ) موضوعة لاستيعاب المعنى الاستعماليّ لمدخوله الذي هو الطبيعة المهملة، فتدلّ ـ لا محالة ـ على العموم مع فرض عدم تعيين مدخولها، أي: عدم إثبات أنّ مدخولها مطلق.

هذا مضافاً إلى أنّه لو قبلنا ذلك المبنى، أعني: عدم قابليّة الجامع بين المطلق والمقيّد للانطباق على الأفراد فأيضاً من الممكن ثبوتاً استفادة العموم من (كلّ) بدون إجراء مقدّمات الحكمة مع فرض أنّه لا يعيّن المدخول، وذلك بدعوى كون كلمة (كلّ) موضوعة لاستيعاب أفراد مطلق مدخوله.

وأمّا الصغرى ـ وهي دعوى عدم دلالة (كلّ) على تعيين المدخول ـ: فإن كان المراد دعوى استحالة دلالته على التعيين ثبوتاً فهذا صحيح. ويدلّ عليه: أنّ دلالة لفظ (كلّ) على تعيين المدخول علاوة على دلالته على استيعابه غير متصوّر، فإنّه يلزم استعمال اللفظ في معنيين أو تركّب المفهوم. نعم، يمكن ثبوتاً كونه دالّاً على استيعاب مطلق مدخوله كما ذكرناه في الإيراد الثاني الذي أوردناه على الكبرى، بناءً على كونها دعوى ثبوتيّة لا إثباتيّة، وأمّا دلالته على أنّ مدخوله مطلق مع دلالته على استيعاب هذا المطلق فغير ممكن.

ومن هنا انقدح إشكال آخر على السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ علاوة على ما سبق، حيث التزم في مقام الجواب عن المحقّق النائينيّ(قدس سره) بدلالة لفظ (كلّ) على كون مدخوله مطلقاً وبنحو اللابشرط القسميّ.

236

وإن كان المراد إنكار دلالته على تعيين المدخول إثباتاً بعد تسليم إمكان ذلك ثبوتاً، فغاية ما يمكن الاستدلال به على ذلك هي ما نراه وجداناً من أنّ كلمة (كلّ) لا تأبى عن الدخول على أيّ شيء، مطلقاً كان أو مقيّداً بأيّ درجة من درجات التقييد، فكما يقال: (أكرم كلّ شخص)، كذلك يقال: (أكرم كلّ شخص عالم)، أو (كلّ شخص عالم عادل) بلا مؤونة في هذا الكلام.

ويرد عليه: أنّ مَن يدّعي دلالة (كلّ) على تعيين المدخول يقول: إنّها تدلّ على أنّ ما ذكر في اللفظ بعدها ـ سواءً كان وسيع الدائرة أم ضيّقها ولو بقيد زائد بحسب اللفظ ـ يكون مطلقاً بالنسبة لسائر التقيّدات غير المذكورة في اللفظ. وهذا ـ كما ترى ـ لا ينافي عدم إباء كلمة (كلّ) عن الدخول على أيّ مدخول.

وأمّا بيان ما هو التحقيق عندنا في هذا المقام فنقول: إنّ الحقّ هو دلالة مثل كلمة (كلّ) على العموم بلا حاجة إلى إجراء مقدّمات الحكمة في المدخول، ولا نكتفي بالاستدلال بدعوى الفهم العرفيّ بل نزيد على ذلك ذكر برهانين:

البرهان الأوّل: أنّ مقدّمات الحكمة إنّما تدلّ على أنّ المراد الجدّيّ هو المطلق، أي: على أنّ موضوع الحكم في عالم الثبوت هو الطبيعة المطلقة بالإطلاق الذاتيّ، أعني: الطبيعة الملحوظة بحدودها الذاتيّة بلا قيد.

وأمّا المراد الاستعماليّ ـ وهو المعنى المستفاد بالوضع المستعمل فيه اللفظ ـ فدائماً يكون هو الطبيعة المهملة الموجودة في ضمن المطلق والمقيّد، وهي الطبيعة بحدودها الذاتيّة التي هي أيضاً نسمّيها بالمطلق الذاتيّ، ولا إشكال في أنّ (كلّ) دائماً يدلّ على الاستيعاب، أي: أنّه يستوعب أفراد مفهوم.

وعلى هذا فإمّا أن يدّعى أنّه يستوعب أفراد المعنى الاستعماليّ للمدخول بتمامها، أو يدّعى أنّه يستوعب من أفراد المدخول خصوص ما ينطبق عليه ما في

237

ذهن المتكلّم، أو يدّعى أنّه يستوعب أفراد المراد الجدّيّ، أي: أفراد ما هو موضوع للحكم الجدّيّ ثبوتاً.

فإن ادّعي الثالث لزم عدم دلالة (كلّ) على الاستيعاب عند عدم وجود حكم جدّيّ، كما لو قال سخريّةً: (أكرم كلّ بني اُميّة)، فلابدّ أن لا يكون (كلّ) في مثل هذا الكلام مستعملا فيما وضع له، وهذا واضح البطلان. وإن ادّعي الأوّل أو الثاني ثبت عدم احتياج كلمة (كلّ) إلى إجراء مقدّمات الحكمة في مدخوله؛ لأنّ مقدّمات الحكمة مربوطة بعالم المراد الجدّيّ؛ إذ هي تعيّن المراد الجدّيّ، وأداة العموم تستوعب أفراد المراد الاستعماليّ أو خصوص ما ينطبق عليه ما في ذهن المتكلّم فيستحيل احتياجها إلى مقدّمات الحكمة؛ إذ إنّ أداة العموم تسير في عالم ومقدّمات الحكمة تسير في عالم آخر وكلٌّ في فلك يسبحون.

ولا يخفى أنّ الاحتمال الثاني أيضاً غير صحيح؛ إذ لو كانت كلمة (كلّ) موضوعة لاستيعاب أفراد المدخول بمعنى خصوص ما ينطبق عليه ما في ذهن المتكلّم لزم عدم إمكان إحراز العموم في مورد إلّا نادراً، فإنّ معنى قوله: (أكرم كلّ عالم) بناءً على هذا الاحتمال هو: أكرم كلّ فرد من أفراد العالم ينطبق عليه ما في ذهنيّ، ونحن لا نعلم ما في ذهنه ولا أصل يعيّن ما في ذهنه إلّا في دائرة المعنى الاستعماليّ ـ وهي أصالة الحقيقة ـ وهذا يرتبط بالاحتمال الأوّل، أو في دائرة الإرادة الجدّيّة وهذا يرتبط بالاحتمال الثالث، وفي غير هاتين الدائرتين لا يوجد عند العقلاء أصلٌ يقول بأنّ المتكلّم في مقام بيان كلّ ما في ذهنه حتّى يستنتج من ذلك ـ بعد ضمّه إلى عدم ذكر القيد ـ أنّ ما في ذهنه هو الطبيعة المطلقة مثلا.

وعلى هذا فيتعيّن الاحتمال الأوّل، أعني: أنّ كلمة (كلّ) تستوعب أفراد المدلول الاستعماليّ من اللفظ الذي هو الطبيعة المهملة المحفوظة ضمن المطلق

238

والمقيّد على ما هو الحقّ من إمكان انطباقها على الأفراد.

وقد ظهر بهذا البيان: أنّ كلمة (كلّ) تدلّ على العموم بلا حاجة إلى مقدّمات الحكمة، ولكن ليس هذا برهاناً على الاستحالة الثبوتيّة للاحتياج إلى مقدّمات الحكمة وعدم معقوليّة ذلك؛ لإمكان فرض وضع كلمة (كلّ) لاستيعاب أفراد المراد الجدّيّ من المدخول، لكنّه ممنوع إثباتاً؛ لما ترى بالضرورة من أنّ كلمة (كلّ) تكون دالّة على ما وضعت له من الاستيعاب حتّى في فرض عدم ثبوت حكم جدّيّ كما مضى مثاله.

البرهان الثاني: أنّه لو فرض أنّ أداة العموم تدلّ على استيعاب أفراد ما اُريد صبّ الحكم الجدّيّ عليه فلا يرد البرهان الأوّل، قلنا: إنّنا كنّا في مثل (أكرم العالم) بحاجة إلى مقدّمات الحكمة لنفي وجود القيد للمدخول في المراد الجدّيّ، كي يثبت سريان الحكم بمعنى من المعاني على تمام أفراد المدخول، وأمّا في مثل (أكرم كلّ عالم) فما هو المقصود بقولكم: أداة العموم تدلّ على استيعاب أفراد ما اُريد من المدخول؟

فإن كان المقصود بذلك أخذ قيد ما اُريد من المدخول في المدلول الاستعماليّ لكلمة (كلّ) والموضوع له تلك الكلمة، فمن الواضح أنّ هذا لا يؤدّي إلى العموم المقصود بل يؤدّي إلى الإجمال؛ لأنّ أصالة التطابق بين المدلول الاستعماليّ والمدلول الجدّيّ ـ بمعنى نفي أيّ إضافة أو قيد عليه في عالم الجدّ ـ إنّما تجري بعد تعيين المدلول الاستعماليّ بحدوده، أمّا في المقام فقد أصبح المدلول الاستعماليّ مردّداً بين الأقلّ والأكثر؛ لأنّ قيد (ما اُريد من المدخول) دخل في المدلول الاستعماليّ لـ (كلّ)، فأصبح وزان قوله: (أكرم كلّ عالم) وزان ما لو صرّح بالأمر بإكرام كلّ مَن هو داخل في مراده الجدّيّ من كلمة عالم، ومن الواضح أنّه

239

لو صرّح بذلك أصبح الكلام مجملا ولم يمكن تعيين المراد الجدّيّ في المطلق بمقدّمات الحكمة.

وإن كان المقصود بذلك تعيين ما اُريد من المدخول ابتداءً ثُمّ صبّ كلمة (كلّ) عليه من دون أخذ ذلك في المدلول الاستعماليّ لكلمة (كلّ)، قلنا: مادام أنّ هذا ليس داخلا في المدلول الاستعماليّ لكلمة (كلّ) فالقيد كيف يحتمل وجوده حتّى ينفى بمقدّمات الحكمة كي تدلّ كلمة (كلّ) على العموم؟ فإمّا أن يفترض احتمال أخذه في معنى المدخول وهذا يعني احتمال التجوّز؛ لأنّ استعمال الكلمة الموضوعة للطبيعة في المقيّد مجاز، وهذا ينفى بأصالة الحقيقة بلا حاجة إلى مقدّمات الحكمة. وإمّا أن يفترض احتمال القيد بتقييد إضافيّ لم يشتمل عليه المدخول ولم يرد بالمدخول إلّا معناه الحقيقيّ، وهذا يعني أنّ كلمة (كلّ) لم تستوعب إذن أفراد ما اُريد من المدخول، فهذا القيد المحتمل منفيّ بالدلالة اللغويّة لكلمة (كلّ).

والخلاصة: أنّ إرادة المقيّد ـ لو لم يؤخذ قيد ما اُريد من المدخول في نفس معنى (كلّ) ـ يستحيل أن تجتمع مع إرادة المعنى الحقيقيّ من كلمة (كلّ) ومن مدخولها؛ لأنّ القيد لو دخل في المدخول لزم التجوّز في المدخول، ولو خرج من المدخول ففرض التقيّد بقيد خارجيّ هو بمعنى عدم استيعاب الكلّ لأفراد ما اُريد من المدخول.

وهذا البرهان الثاني يثبت استحالة احتياج كلمة (كلّ) في الدلالة على العموم إلى مقدّمات الحكمة.

وهناك تقريب ثالث للبرهان نذكره وفق مبنى الشيخ النائينيّ(رحمه الله) وليس على مبنانا.

240

وتوضيحه: أنّه(رحمه الله) ذهب إلى أنّ مقدّمات الحكمة تدلّ على أنّ الموضوع هو اللابشرط القسميّ لا المقيّد ولا اللابشرط المقسميّ الذي هو الموضوع له اللفظ، وعلى هذا نقول: إنّنا فرضنا أنّ أداة العموم تدلّ على استيعاب أفراد المراد الجدّيّ للمدخول وغضضنا النظر عن الجواب الثاني، لكنّا نقول: إنّنا إنّما نجري مقدّمات الحكمة مع انتفاء أداة العموم لإثبات كون المراد الجدّيّ هو المطلق لعدم إمكان الإهمال في تلك المرحلة، ولو أمكن لكنّا نقول بالإهمال فيها دون الإطلاق؛ لأنّه أخفّ مؤونة من الإطلاق، وأمّا مع ثبوت العموم فالإهمال في تلك المرحلة معقول؛ إذ من الممكن إرادة الطبيعة المهملة واستيعاب أفرادها بأداة العموم لما هو الحقّ من قابليّة انطباقها على الأفراد، وإذا كان الإهمال في تلك المرحلة معقولا أثبتناه بأصالة تطابق عالم الثبوت والإثبات من دون حاجة إلى إثبات الإطلاق بالمعنى الذي يقوله المحقّق النائينيّ ويفترضه مفاداً لمقدّمات الحكمة.

 

الكلام في دلالة لام الجماعة على العموم:

وممّا عدّ من أدوات العموم لام الجماعة.

وتحقيق البحث فيه يستدعي بسط الكلام في مقامين:

أحدهما: ما ينبغي ثبوتاً من كيفيّة تصوير دلالتها على العموم.

والثاني: في أنّ ما تصوّرناه ثبوتاً هل هو المفهوم إثباتاً من الكلام، أو ليست لام الجماعة أساساً من أدوات العموم.

أمّا المقام الأوّل ـ وهو كيف يمكن تصوير فرض دلالة لام الجماعة على العموم؟ ـ: فالتحقيق: أنّ تصوير دلالة لام الجماعة على العموم يكون على قسمين:

القسم الأوّل: أن يتصوّر ذلك بنحو يكون المستوعَب ـ بالفتح ـ أفراد نفس

241

المستوعِب ـ بالكسر ـ ويتصوّر ذلك بنحوين:

أحدهما: أن يكون المستوعِب ـ بالكسر ـ نفس الجمع، أي: (العلماء) مثلا في (أكرم العلماء)، وذلك يتصوّر بأربع صور:

الاُولى: أن تدلّ على استيعاب أفراد أقلّ مراتب الجمع، أي: على استيعاب كلّ ثلاثة ثلاثة من العلماء مثلا.

ويرد عليه: أنّ هذا خلاف مقتضى العموم، فإنّ مقتضاه استيعاب جميع الأفراد، وأفراد الجمع ليست منحصرة في كلّ ثلاثة، فإنّ الأربعة أيضاً جمع، وكذلك الخمسة وهكذا...

الثانية: أن تدلّ على استيعاب المفردات، أي: على استيعاب كلّ عالم عالم.

ويرد عليه: أنّ أفراد الجمع لا تكون أقلّ من ثلاثة.

الثالثة: أن تدلّ على كون المراد من الجمع المرتبة الأخيرة.

ويرد عليه: أنّ هذا ليس استيعاباً لأفراد الجمع بل تخصيص بفرد واحد، فإنّ المرتبة الأخيرة إنّما هي فرد من أفراد الجمع، غاية الأمر أنّها أعظم الأفراد، فيكون ذلك نظير أن يقال: إنّ عموم البياض عبارة عن كون المراد منه المرتبة الشديدة، وهذا واضح البطلان.

الرابعة: أن تدلّ على استيعاب جميع مراتب الجمع، أي: على استيعاب كلّ ثلاثة ثلاثة وكلّ أربعة أربعة... وهكذا.

وهذا هو الموافق لحقيقة الاستيعاب. نعم، بما أنّنا نقطع من الخارج بعدم وجوب إكرام كلّ واحد عدّة مرّات يحمل قوله: (أكرم العلماء) على التداخل بالنسبة للمكرّرات.

وهذه الصورة الرابعة بعد ضمّها إلى هذه المقدّمة الخارجيّة ترجع ـ من حيث النتيجة ـ إلى الصورة الثالثة وهي حمل الجمع على المرتبة الأخيرة.

242

ولعلّ هذا هو السرّ في أنّنا نفهم دفعة واحدة من الكلام الصورة الثالثة، أعني: أنّه ينصرف ذهننا من أوّل الأمر إلى المرتبة الأخيرة من الجمع.

هذا. وتختلف هذه الصور من حيث الثمرة العمليّة إن قيل بأنّ الجمع بذاته ليس ظاهراً في الاستغراق بل هو ظاهر في المجموعيّة أو مجمل، بخلاف العموم المستفاد من لام الجماعة:

فعلى الصورة الاُولى يستفاد الاستغراق بالنظر إلى كلّ ثلاثة ثلاثة لا بالنظر إلى آحاد الثلاثة.

وعلى الصورة الثانية يستفاد الاستغراق بالنظر إلى كلّ فرد فرد.

وعلى الصورة الثالثة لا عموم أصلا حتّى يستفاد منه الاستغراق.

وعلى الصورة الرابعة بدون ضمّها إلى تلك المقدّمة الخارجيّة يستفاد الاستغراق بالنسبة لكلّ ثلاثة ثلاثة وكلّ أربعة أربعة... وهكذا، لا بالنسبة لكلّ فرد فرد من أفراد الثلاثة أو الأربعة أو باقي المراتب، ومع ضمّها إلى تلك المقدّمة الخارجيّة لا يستفاد الاستغراق أصلا.

ثانيهما: أن يكون المستوعِب ـ بالكسر ـ خصوص المادّة وهو العالم مثلا في (أكرم العلماء)، وذلك يمكن تصويره بعدّة طرق:

الأوّل: ما ذهب إليه المحقّق النائينيّ(قدس سره) من أنّ أداة العموم ـ وهي لام الجماعة ـ وصيغة الجمع طرأتا في عرض واحد على المادّة، فأفادت لام الجمع استغراق كلّ فرد فرد(1).

 


(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 446 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق

243

الثاني: أن يقال: إنّ أداة العموم مركّبة من لام الجماعة وصيغة الجمع التي طرأت على المادّة وأفادت استغراق كلّ فرد فرد، بناءً على أنّ مفاد أداة الجمع حرفيّ لا اسميّ.

وكلا هذين الطريقين من النحو الثاني يفيدان الصورة الثانية من الصور الأربع للنحو الأوّل.

الثالث: أن يقال: إنّ هيئة الجمع بناءً على أنّ مفادها حرفيّ لا اسميّ تجعل المادّة مستوعبة لأفرادها، فإن جيئت بهيئة الجمع واُريد المرتبة الاُولى من مراتب الجمع فالهيئة جعلت المادّة مستوعبة لثلاثة أفراد، وإن اُريد المرتبة الثانية فالهيئة جعلت المادّة مستوعبة لأربعة أفراد، وهكذا إلى أن نصل إلى المرتبة الأخيرة المنتجة لاستيعاب جميع الأفراد. واللام تعيّن كون المراد من الهيئة المرتبة الأخيرة فتفيد العموم، وأداة العموم في الحقيقة على هذا الاحتمال هي الهيئة لا اللام.

ويرد على جميع ما ذكرناه إلى الآن من الصور: أنّ كون المستوعَب ـ بالفتح ـ أفراد نفس المفهوم المستوعِب بالكسر ـ كما هو المستفاد من تعريف المحقّق الخراسانيّ(قدس سره) للعموم ـ محال؛ وذلك لأنّ كلّ عنوان من العناوين لا يمكن أن يُرى به إلّا ذات الطبيعة دون الأفراد؛ لأنّ المقدار الذي يحكي عنه العنوان هو نفس


السيّد الخوئيّ(رحمه الله)، وفوائد الاُصول، ج 1 ـ 2، ص 516 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم. والثاني صريح في إرادة الطريق الأوّل، ولكنّ الأوّل ينسجم أيضاً مع إرادة كون هيئة الجمع مع اللام موضوعة للعموم، بل هذا ما فهمه السيّد الخوئيّ(رحمه الله) من كلام اُستاذه على ما ورد في تعليقه على كلام اُستاذه تحت الخطّ في أجود التقريرات، فراجع.

244

الطبيعة دون الخصوصيّات الفرديّة، فما يقال: من أنّ الطبيعة قد تلحظ من حيث هي وقد تلحظ فانية في الأفراد، غير صحيح.

القسم الثاني: أن يتصوّر ذلك بنحو يكون المستوعِب ـ بالكسر ـ مفهوماً والمستوعَب ـ بالفتح ـ أفراد مفهوم آخر، وذلك بأن يقال: إنّ قوله: (أكرم العلماء) يكون كقوله: (أكرم كلّ عالم)، إلّا أنّ عمليّة العموم في قوله: (أكرم كلّ عالم) تمّت بدالّين: أحدهما كلمة (كلّ) الدالّة على المفهوم المستوعِب، والآخر كلمة (عالم) الدالّة على المفهوم المستوعَب أفراده. لكن عمليّة العموم فيما نحن فيه تكون بثلاثة دوالّ: دالّ على المفهوم المستوعِب، ودالّ على المفهوم المستوعَب أفراده، ودالّ على الاستيعاب، وذلك بأن يقال: بأنّ المستوعَب هو أفراد العالم الذي هو مفهوم المادّة، والمستوعِب هو مفهوم هيئة الجمع بناءً على أنّ هيئة التثنية والجمع تفيد المعنى الاسميّ لا الحرفيّ، وهذه الهيئة بنفسها لا تدلّ على استيعاب تمام أفراد العالم؛ لأنّ هيئة الجمع وإن كانت مستوعبة للأفراد لكن لم يتعيّن استيعابها لجميع الأفراد، فإنّ أقلّ الجمع ثلاثة، فاحتجنا إلى دالّ آخر يدلّ على استيعاب الهيئة وهو لام الجماعة، فلام الجماعة تدلّ على استيعاب هيئة الجمع لجميع أفراد مفهوم المادّة. وهذا القسم أفاد الصورة الثالثة من صور النحو الأوّل من القسم الأوّل.

ولا يبعد أن يكون هذا أوفق بفهم العرف من الصورة الاُولى في القسم الأوّل على فرض إمكانه؛ لأنّه في تلك الصور اقتضت الصناعة تعيّن الصورة الرابعة المخالفة في نفسها لفهم العرف، وإنّما أرجعناها من حيث النتيجة بضمّ مقدّمة خارجيّة إلى الصورة الثالثة المطابقة لفهم العرف، لكن هذا القسم ابتداءً يفيد تلك الصورة.

245

وعلى أيّة حال فقد عرفت استحالة القسم الأوّل، فالمتعيّن هو تصوير العموم بهذا القسم.

وأمّا المقام الثاني ـ وهو أنّه هل تدلّ لام الجماعة على العموم أو لا؟ ـ: فلدلالتها على العموم مسلكان:

أحدهما: دعوى أنّها تدلّ على العموم وضعاً، وهذا يناسب فرض كون المستوعَب كلّ جماعة جماعة لو قيل بإمكانه، كما يناسب فرض كون المستوعَب كلّ فرد فرد.

وثانيهما: أنّها تدلّ وضعاً على ما يلازم العموم وهو التعيين، فإنّ اللام تعيّن مدخولها، وبما أنّ شيئاً من مراتب الجمع غير معيّن سوى المرتبة الأخيرة، فإنّ المرتبة الاُولى تصدق على كلّ ثلاثة والمرتبة الثانية تصدق على كلّ أربعة وهكذا باقي المراتب، سوى المرتبة الأخيرة التي ليس لها إلّا مصداق واحد، فلا محالة تدلّ هذه اللام ـ الدالّة على التعيّن عند فرض عدم وجود عهد في البين ـ على أنّ المراد من هذا الجمع هو المرتبة الأخيرة، وبما أنّ المرتبة الأخيرة مستوعبة لكلّ فرد فرد فلا محالة يثبت العموم بهذا المعنى.

فهذا المسلك الثاني إنّما يناسب فرض كون المستوعَب كلّ فرد فرد، كما أنّه يناسب خصوص فرض كون الدالّ على العموم الهيئة بعد تعيّنها في المرتبة الأخيرة، لا نفس اللام، وإلّا لرجع إلى المسلك الأوّل. فهذا المسلك ـ بعد ضمّه إلى ما مضى من فرض كون مفاد هيئة الجمع اسميّاً لا حرفيّاً ـ ينتج خصوص القسم الثاني من القسمين المتصوّرين في المقام الأوّل.

ونقطة الانطلاق في المسلك الثاني عبارة عن أنّ اللام وضع للإشارة إلى المعيّن، فإن كان بيننا عهد ذكريّ أو ذهنيّ أو خارجيّ كفى ذلك إشباعاً لحالة اللام وهي الإشارة إلى المعيّن. وحينما لا يوجد عهد من هذا القبيل يقال: إنّه من

246

الطبيعيّ إشباع هذه الحالة في اللام بحملها على الإشارة إلى مرتبة معيّنة من الجمع، وليست هي إلّا المرتبة الأخيرة؛ لأنّ أيّ مرتبة اُخرى غيرها ذات مصاديق كثيرة، وهذا أمر يلازم العموم.

بينما على المسلك الأوّل لا نحتاج إلى تقدمة مقدّمة من هذا القبيل، وإنّما يدّعى ابتداءً وضع لام الجماعة للعموم.

ومن هنا أورد السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ على المسلك الأوّل: بأنّه يستلزم كون استعمال لام الجماعة في مقام معهوديّة جماعة خاصّة مجازاً، مع أنّنا نرى وجداناً عدم وجود أيّ مؤونة في استعمالها في ذاك المقام.

أقول: إنّ هذا المقدار من البيان للاعتراض على المسلك الأوّل قد يمكن لصاحب المسلك الأوّل أن يجيب عليه، بأن يدّعي أنّ اللام مشترك لفظيّ بين العموم والعهد، فحينما يستعمل في العهد لا يكون مجازاً، وحينما لا يوجد عهد بين المتكلّم والمخاطب يفهم منه العموم.

إلّا أنّنا نكمل الاعتراض على المسلك الأوّل ببيان ذوقيّ وليس فنّيّاً، وهو: أنّ الإنصاف أنّ احتمال الاشتراك اللفظيّ في وضع اللام بعيد غاية البعد، وليس هذا إلّا استبعاداً ذوقيّاً.

فلو أنّ صاحب المسلك الأوّل لم يقبل هذا الاستبعاد وأصرّ على دعوى الاشتراك اللفظيّ فنحن لا نملك دليلا فنّيّاً لإقناعه برأينا.

أمّا لو قبلنا هذا الاستبعاد الذوقيّ فقد بطل ـ لا محالة ـ قبول المسلك الأوّل، سواءً وصل استبعادنا هذا إلى حدّ الاطمئنان بعدم الاشتراك أو لا:

أمّا لو وصل الاستبعاد إلى حدّ الاطمئنان بعدم الاشتراك فقد تمّ كلام السيّد الاُستاذ: من أنّه لو كان اللام موضوعاً للعموم للزم الإحساس بمؤونة المجاز في موارد لام العهد، في حين أنّه ليس كذلك.

247

وأمّا لو لم يصل الاستبعاد إلى حدّ الاطمئنان فنفس الاستبعاد كاف في رفع اليد عن المسلك الأوّل؛ إذ المقصود منه هو إثبات دلالة لام الجماعة على العموم ابتداءً بالوضع، ومن المعلوم أنّه إن اُريد إثباته ببرهان عقليّ فغير ممكن، وإن اُريد إثباته بالاستظهار العرفيّ فنفس ما مضى من الاستبعاد يمنعنا عن هذا الاستظهار كما لا يخفى.

وأمّا المسلك الثاني فقد أورد عليه المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) بأنّه كما تكون المرتبة الأخيرة للجمع معيّنة كذلك المرتبة الاُولى أيضاً معيّنة، فلا ترجيح للمرتبة الأخيرة على المرتبة الاُولى(1).

أقول: كأنّه(رحمه الله) حمل التعيّن المدّعى لصاحب المسلك الثاني على التعيّن الماهويّ، وهذا التعيّن ثابت لكلّ مرتبة من المراتب، فالمرتبة الاُولى معيّنة في ثلاثة، والمرتبة الثانية معيّنة في أربعة وهكذا، ولكنّنا لا نظنّ بصاحب المسلك الثاني إرادة التعيّن الماهويّ، بل يقصد التعيّن الخارجيّ المخصوص بالمرتبة الأخيرة؛ لأنّ المرتبة الأخيرة ليس لها خارجاً إلّا مصداق واحد، في حين أنّ كلّ مرتبة من المراتب الاُخرى لها مصاديق كثيرة خارجاً فلا تعيّن لها.

ومن هنا اختار السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ هذا المسلك(2).

إلّا أنّ هذا المسلك أيضاً غير تامّ عندنا؛ إذ لا نمتلك شاهداً على أنّ التعيّن



(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 381 بحسب طبعة المشكينيّ في بحث المطلق والمقيّد.

(2) راجع محاضرات الفيّاض، ج 5، ص 360 بحسب الطبعة الثالثة لدار الهادي للمطبوعات بقم، وأجود التقريرات، ج 1، ص 445 تحت الخطّ، بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

248

المدلول عليه باللام هو خصوص التعيّن الخارجيّ، بل لا إشكال في أنّ اللام قد يستعمل في غير ذلك من دون إحساس بالمجاز، فمثلا لو قيل: (العلماء أقوى في مقابل العدوّ من عالم واحد)، وقصد به جنس الجمع، أي: أنّ تعدّد العلماء في دحض حجّة الخصم أقوى في الغلبة من عالم واحد، لم يكن في ذلك مجاز ومؤونة أبداً، كما هو الحال فيما لو دخل اللام على التثنية فقيل: (العالمان أقوى في مقام التأثير من عالم واحد)، أو دخل على المفرد واُريد به الجنس كما لو قيل: (العالم خير من الجاهل).

إذن فلام الجماعة لا تدلّ وضعاً على ما يلازم العموم، فإنّ ما يلازم العموم ليس هو مطلق التعيّن بل التعيّن الخارجيّ، في حين أنّ التعيّن الماهويّ ثابت لكلّ المراتب.

نعم، يمكن أن يدّعى ـ ذوقاً لا فنّاً ـ أنّ ظاهر لام الجماعة ـ عند إطلاقها وعدم الإتيان بقرينة على التعيّن الماهويّ ـ هو التعيّن الخارجيّ.

ولعلّ النكتة في ذلك أنّ التعيّن الخارجيّ لا يحتاج إلى مؤونة زائدة على أصل مفاد الجمع، غاية الأمر أنّه عبارة عن حدّ نفس مفاد الجمع؛ إذ المرتبة الأخيرة واستيعاب الجميع بنفسه حدّ للجمع معيّن خارجاً، وهذا بخلاف التعيّن الماهويّ المردّد بين كلّ المراتب، فتعيين أيّ واحدة منها بحاجة إلى مؤونة زائدة، فواقع المطلب هو الرجوع إلى مقدّمات الحكمة لتشخيص أنّ المقصود هو التعيّن الخارجيّ؛ لأنّ التعيّن الآخر بالقياس إلى هذا التعيّن يعتبر ذا مؤونة زائدة منفيّة بمقدّمات الحكمة(1).

 


(1) أقول ـ لحفظ الأمانة ـ: إنّ التقريب الذي ذكرته هنا في المتن لإبطال المسلك

249

 

وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي:

وممّا عدّ من أدوات العموم وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي.

وقد ذهب المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله)(1) إلى أنّ ذلك لا يدلّ على العموم وضعاً، بل يدلّ عليه عقلا؛ لحكم العقل بأنّه لا تنتفي الطبيعة ولا يحصل الانزجار عنها إلّا بانتفاء جميع أفرادها أو الانزجار عن جميع أفرادها، وهذا بخلاف ما لو كانت النكرة في سياق الإثبات أو الأمر، فإنّه تثبت الطبيعة ويحصل الانبعاث إليها بمجرّد ثبوت فرد واحد منها أو الانبعاث إلى فرد واحد منها، ولذا لا يستفاد العموم من وقوع النكرة في سياق الإثبات أو الأمر ولكن يستفاد من وقوعها في سياق النفي أو النهي، ولكن تتوقّف استفادته من ذلك إلى إجراء مقدّمات الحكمة؛ إذ لو


الثاني وإثبات الدلالة الذوقيّة فيه نوع من التصرّف والتبدّل عن كتابتي النجفيّة؛ وذلك لما أحسست في تلك الكتابة بعدم رجوعها إلى مطلب معقول وقابل للقبول، فاتّهمتُ نفسي بالخطأ في الفهم لكلام اُستاذنا(رحمه الله) حين التقرير المباشر وحدستُ أنّ المقصود هو ما بيّنته هنا.

وعلى أيّ حال فلعلّ أوضح ما يمكن أن يقال في إبطال دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم: ما اتّضح في المقام الأوّل من استحالة استيعاب مفهوم واحد لمصاديق نفسه، بعد ضمّ ذلك إلى عدم معهوديّة إعطاء الهيئة للمعنى الاسميّ، فلعلّه من الواضح أنّ لا هيئة الجمع ولا هيئة الجمع المحلّى باللام ولا اللام التي هي حرف أيضاً يعطي شيء منها معنىً اسميّاً.

(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 334 بحسب طبعة المشكينيّ.

250

فرض إرادة نفي المقيّد لما حكم العقل إلّا بلزوم انتفاء أفراد ذلك المقيّد، فلابدّ منأن يثبت بمقدّمات الحكمة كون المراد نفي الطبيعة المطلقة حتّى يحكم العقل بلزوم انتفاء تمام أفراد الطبيعة المطلقة.

أقول: لا ينبغي الإشكال في أنّه ليس في اللفظ شيء يدلّ على الاستيعاب وضعاً، كما أنّه لا ينبغي الإشكال في الاحتياج إلى مقدّمات الحكمة لإثبات كون المراد نفي الطبيعة المطلقة، ولم يستشكل المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) في شيء من هذين الأمرين، لكنّه قال: إنّ العقل يحكم بعد إجراء مقدّمات الحكمة بالعموم.

ويرد عليه: أنّه إن كان مراده بالعموم هو نفس إرادة الإطلاق من تلك النكرة فهذا مستفاد من مقدّمات الحكمة في الرتبة السابقة على حكم العقل على ما هو المفروض، فما الذي يدركه العقل بعد ذلك؟ وهذا الإطلاق كما يوجد في النكرة بعد النفي أو النهي كذلك يوجد في النكرة بعد الإثبات أو الأمر.

وإن كان مراده بالعموم كون موضوع الحكم نفس الأفراد بخصوصيّتها الفرديّة فكون وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي موجباً لحكم العقل بذلك ممنوع.

وإن كان مراده بالعموم هو كون المنفيّ أو المنهيّ عنه تمام الأفراد في عرض واحد لا فرد واحد على البدل، بخلاف فرض وقوع النكرة في سياق الأمر ـ كما هو مقتضى ما ذكره من الدليل بعد فرض صحّته ـ فهذا ليس عموماً، وإنّما يثبت بذلك الفرق بين الأمر والنهي بالبدليّة والعرضيّة لا بالعموم وعدمه، فهذا خلط بين بحث العموم وعدمه وبحث البدليّة والعرضيّة.

وقد تحصّل ممّا ذكرناه: أنّ وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي لا يدلّ على العموم لا وضعاً ولا عقلا.

هذا تمام الكلام فيما كان ينبغي البحث عنه في أدوات العموم. وبهذا تمّ بحثنا في العموم.