274

اعتبرها العقلاء بمقدار الكشف عن مراد المتكلّم فحسب، لا بنحو يكشف بها عن الأوضاع اللغويّة أيضاً، وهذا التفكيك ليس بعزيز؛ فإنّ جملة من الأمارات يتعبّد بها بمقدار دون مقدار(1).

وأمّا الاحتمال الثاني: فأيضاً قد يمكن نفيه بالتفتيش والفحص، ولكن نضيف هنا: أنّه حتّى لو لم يمكن نفيه بذلك أمكن نفيه ظاهراً بأصل عقلائيّ، وهو أصالة التطابق بين الظهور الشخصيّ والظهور النوعيّ؛ فإنّ العقلاء في مقام حجّيّة ظهور الكلام بين الموالي والعبيد لا يلتزمون بالسؤال عن جماعة عديدين عن ظهور كلام سمعه شخص، حتّى يرى أنّ ما فهمه هو من ظهور ما هل هو ظهور شخصيّ أو نوعيّ، بل يبنون على أنّه ظهور نوعيّ، فالتبادر الشخصيّ أمارة في نظر العقلاء على التبادر النوعيّ، والتبادر النوعيّ آية الوضع والحقيقة.

 

صحّة الحمل:

العلامة الثانية: صحّة الحمل. فادّعي: أنّ صحّة حمل اللفظ بما له من معنىً على معنىً ما بالحمل الأوّلي الذاتيّ يدلّ على أنّ الموضوع له هو عينه، وبالحمل الشايع الصناعيّ على أنّ ذاك المعنى فرد من الموضوع له، فحينما يصحّ مثلاً حمل أسد على الحيوان المفترس حملاً أوّليّاً نعرف أنّه هو بعينه، وحينما يصحّ حمل إنسان على زيد حملاً شايعاً، نعرف أنّ زيداً فرد من أفراد الإنسان بمعناه الحقيقيّ.

وهذه العلامة لا محصّل لها؛ فإنّه: إن فرض استعمال أسد مثلاً في معنىً معيّن


(1) بل سيأتي في محلّه ـ إن شاء الله ـ أنّ أصالة عدم القرينة المتّصلة لا تثبت الظهور، ولا تثبت المراد، وأنّ أصالة عدم القرينة المنفصلة هي في طول الظهور، وراجعة إلى حجّيّة الظهور المثبتة للمراد.

275

قصدناه، ولا نعرف في المرتبة السابقة أنّه معنىً حقيقيّ أو مجازيّ، وحُمِلَ ذاك المعنى على الحيوان المفترس، فصحّة الحمل تستلزم كون ذاك المعنى هو معنى الحيوان المفترس، وأمّا إنّ ذاك المعنى هل هو معنىً حقيقيّ للفظ «أسد» أو معنىً مجازيّ له فلا يعرف بذلك، وإن فرض استعمال «أسد» في خصوص معناه الحقيقيّ كائناً ما كان، فمعرفة صحّة حمله على الحيوان المفترس موقوفة على أن نعلم أنّ ذاك المعنى ما هو، وأنّه هو معنى الحيوان المفترس، فجعل صحّة الحمل موجباً للعلم بذلك دور.

ولا يأتي هنا ما أجبنا به على الدور في التبادر، من أنّه موقوف على واقع القرن في الذهن بين صورة اللفظ وصورة المعنى، لا على العلم بذلك؛ لأنّ معرفة صحّة الحمل لا يمكن أن تكون متوقّفة على واقع القرن، بخلاف التبادر، والفرق: أنّ الحمل حكم تصديقيّ، ومن المعلوم أنّ الحكم التصديقيّ بأنّ هذا ذاك فرع الالتفات التفصيليّ إلى المعنى في هذا الطرف والمعنى في ذاك الطرف، حتّى يقال: إنّ هذا ذاك، ومجرّد كون هذا في علم الله ذاك لا يكفي في الحمل ما لم أعرف أنا أنّه ذاك، وهذا بخلاف التبادر الذي لم يكن إلاّ مجرّد الانسباق من تصوّر إلى تصوّر آخر دون أيّ تصديق في المقام.

 

الاطّراد:

العلامة الثالثة: الاطّراد، ويمكن تفسير هذه العلامة بعدّة وجوه:

الوجه الأوّل: أن يقال: إنّ المراد بالاطّراد هو الاطّراد في التبادر، وتوضيحه: أنّنا قلنا في التبادر: إنّ التبادر الذي هو علامة الحقيقة هو التبادر من حاقّ اللفظ، لا المستند إلى القرينة، وعندئذ لو حصل تبادر في ذهننا مرّة واحدة، احتملنا كونه

276

على أساس قرينة حاليّة، أو مقاليّة، وظهور إشارة ونحو ذلك، وهذا الاحتمال قلّ ما يمكن نفيه في مورد واحد، وأمّا إذا تكرّر التبادر على اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال فهذا نسمّيه بالاطّراد، وهذا يوجب بالتدريج وهن احتمال وجود القرينة صدفة في كلّ هذه الموارد على أساس حساب الاحتمالات، ويعرف إجمالاً انتفاء القرينة في بعض هذه الموارد، فالاطّراد في التبادر بحسب الحقيقة علامة على أنّ التبادر تبادر حاقّيّ لا مستند إلى قرينة، فبناء على هذا الوجه ليس الاطّراد علامة برأسه وإنّما هو منقّح لموضوع العلامة الاُولى، ويدخل في هذا الوجه ـ وهو الاطّراد في التبادر ـ الجمع بين تبادرات أشخاص مختلفين، والاستفادة منها باعتبار استبعاد استنادها جميعاً إلى القرينة مع اختلاف الأشخاص والأحوال والزمان والمكان.

الوجه الثاني: أن يراد الاطّراد في استعمال أبناء اللغة، وتوضيحه: أنّنا حينما رأينا من أهل اللغة مرّة واحدة استعمال اللفظ في معنىً، احتملنا فيه كونه مستنداً إلى الوضع، وكونه مستنداً إلى القرينة، فإذا تكثّرت هذه الاستعمالات ولم ننتبه إلى القرينة بَعُدَ في الذهن ـ على أساس حساب الاحتمالات ـ وجود القرينة في الجميع فنعلم إجمالاً بعدم القرينة في بعضها، وبالتالي نعلم بالوضع؛ لأنّ الاستعمال يحتاج: إمّا إلى الوضع، أو إلى القرينة. وكأنّ هذا هو الذي يظهر من كلام السيّد الاُستاذ دامت بركاته(1).

ويرد عليه: أنّه ليس المصحّح للاستعمال: إمّا الوضع، وإمّا القرينة، وإنّما هو مصحّح للانفهام الذي هو شغل السامع، وأمّا الاستعمال الذي هو شغل المتكلّم


(1) راجع المحاضرات: ج 1، ص 124.

277

فليس يدور أمره بين الملاكين، بل قد يستعمل بلا وضع ولا قرينة عند تعلّق الغرض بالإبهام والإجمال، فالاطّراد في الاستعمال غاية ما يكشف عنه أنّه وجد استعمال في المعنى بلا قرينة، وهذا ينسجم مع المجاز أيضاً. نعم، بالاطّراد في التبادر الذي هو الوجه الأوّل يمكننا أن نثبّت أنّ الانفهام كان بالوضع.

الوجه الثالث: ما اُشير إليه في الكفاية، من كون المقصود اطّراد الحيثيّة المصحّحة للاستعمال، بمعنى: أنّه إذا اُطلق لفظ على فرد، وكان إطلاقه عليه بلحاظ وجدان ذلك الفرد لحيثيّة، فإن كانت تلك الحيثيّة مصحّحة للإطلاق دائماً وفي أيّ فرد توجد، فالإطلاق حقيقيّ: وإلاّ فمجازيّ، فمثلاً الحيثيّة المصحّحة لإطلاق لفظة «أسد» على هذا الفرد من أفراد الأسد هي كونه حيواناً مفترساً، وهذه الحيثيّة المصحّحة مطّردة، أي: أنّه في أيّ فرد وجدت صحّ إطلاق لفظة «أسد» عليه، فهذا علامة الحقيقة، وأمّا الحيثيّة المصحّحة لإطلاق لفظة «أسد» على الرجل الشجاع فهي المشابهة للحيوان المفترس، وهذه الحيثيّة غير مطّردة؛ فإنّه ليس متى ما وجدت المشابهة للحيوان المفترس صحّ إطلاق لفظة «أسد» على الواجد لها، ففي ما يشابهه في الرائحة مثلاً نرى أنّه لا يصحّ الإطلاق، فيعرف أنّ استعمال كلمة «أسد» في الرجل الشجاع مجاز.

وهذا يرد عليه ما ذكره في الكفاية، من أنّ الحيثيّة المصحّحة مطّرده دائماً حتّى في المجاز، والحيثيّة هنا ليست مطلق المشابهة، بل المشابهة في أبرز الصفات، وهذه مطّردة(1).


(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 29 بحسب طبعة المشكينيّ. وليست عبارته واضحة في عدم قبول هذه العلامة، فراجع.

278

الوجه الرابع: أن يقصد اطّراد الاستعمال بلا قرينة، فحينما رأينا أنّ العرب استعملوا لفظة «أسد» في الحيوان المفترس كثيراً بلا قرينة، مع التأكّد من عدم القرينة، كان هذا علامة الحقيقة؛ فإنّه في الاستعمال الواحد بلا قرينة يحتمل أنّ غرضه كان متعلّقاً بالإجمال، فلا يكون دليلاً على الحقيقة، والاستعمال أعمّ من الحقيقة، ولكن لو تكرّر ذلك بحيث كان ديدناً وطريقة لأبناء المحاورة فاحتمال تعلّق غرضهم صدفة في كلّ هذه الموارد بالإجمال جميعاً منفيّ عقلائيّاً بحساب الاحتمالات، فيتعيّن كون هذا الاستعمال المطّرد على أساس الوضع. وهذا فرقه عن الوجه الثاني: أنّه في الوجه الثاني تجعل كثرة الاستعمال دليلاً على عدم القرينة في بعض موارده، ويستدلّ بعدم القرينة على الوضع، وأمّا في هذا الوجه، فيفرض العلم أوّلاً بعدم القرينة، ثُمّ تجعل كثرة الاستعمال بلا قرينة دليلاً على أنّ هذا ليس على أساس تقصّد الإجمال، بل على أساس الوضع. وظاهر كلام السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ وإن كان لعلّه هو ذاك الوجه، بل هو صريح عبارة المحاضرات، ولكن يحتمل كون مقصوده هو هذا الوجه، كما لو فرضنا كثرة الاستعمال بنحو يستبعد في عدد منه القرينة، وكان ذلك العدد بمقدار يستبعد الإجمال في مجموعه، فيرجع إلى هذا الوجه.

وعلى أيّ حال، فالصحيح في تفسير الاطّراد بنحو تتمّ علاميّته، ويكون علامة مستقلّة هو هذا الوجه. أمّا الوجه الأوّل، فقد عرفت أنّه لا يجعل الاطّراد علامة برأسه. وأمّا الوجه الثاني والثالث، فقد عرفت عدم صحّتهما.

279

المقدّمة

8

 

 

 

 

 

 

الحقيقة الشرعيّة

 

 

 

○ البحث الثبوتيّ للحقيقة الشرعيّة.

○ البحث الإثباتيّ للحقيقة الشرعيّة.

○ تصوير ثمرة البحث.

 

281

 

 

 

 

 

 

الأمر الثامن: في الحقيقة الشرعيّة، ويقع الكلام في ذلك في ثلاثة مقامات:

1 ـ في الأنحاء الممكنة من الوضع ثبوتاً لإيجاد الحقيقة الشرعيّة.

2 ـ في البحث عن الحقيقة الشرعيّة إثباتاً.

3 ـ في تصوير ثمرة البحث.

فنقول:

 

البحث الثبوتيّ للحقيقة الشرعيّة:

المقام الأوّل: في الأنحاء الممكنة من الوضع لإيجاد الحقيقة الشرعيّة.

لا إشكال في أنّه يمكن إيجادها بالوضع التعيّنيّ الحاصل بكثرة الاستعمال، كما لا إشكال في إمكان إيجادها بالوضع التعيينيّ بالتصريح بمثل: «وضعت اللفظ الفلانيّ للمعنى الفلانيّ» وهناك نحو ثالث للوضع تعرّض له صاحب الكفاية(رحمه الله) هنا وإن كان موضعه في الحقيقة هو مبحث الوضع، وهو: أنّ الوضع التعيينيّ كما قد يكون بالتصريح بمثل «وضعت» كذلك قد يكون بنفس الاستعمال. وهذا وإن كان مطلباً كلّيّاً لا يختصّ بالمقام، إلاّ أنّه إنّما تعرّض له هنا باعتبار أنّه يريد أن يكسر سَورة استبعاد الوضع التعيينيّ، حيث يقال: لو كان الرسول(صلى الله عليه وآله) قد قال: «وضعت

282

اللفظ الفلانيّ للمعنى الفلانيّ»، لنقل إلينا على ما يأتي بيانه، فأراد أن يذكر شقّاً آخر للوضع التعيينيّ لا يكون فيه استبعاد، وهو حصوله بنفس الاستعمال. ومن هنا وقع البحث الثبوتيّ في أنّ حصول الوضع بنفس الاستعمال هل يكون معقولاً، أو لا. والكلام في معقوليّة ذلك يقع على ثلاثة تقديرات:

التقدير الأوّل: أن نبني على ما هو مسلكنا في باب الوضع، من أنّه أمر واقعيّ يوجده الواضع في ذهن السامع، وهو القرن الأكيد للّفظ بالمعنى، وليس أمراً جعليّاً واعتباريّاً. وبناءً على هذا، فمن الواضح معقوليّة إيجاد الوضع بالاستعمال؛ فإنّ الاستعمال ليس ـ بحسب الحقيقة ـ إلاّ وسيلة من وسائل هذا القرن، كما أنّ قوله: «وضعت اللفظ الفلانيّ للمعنى الفلانيّ» ليس إلاّ وسيلة لذلك أيضاً.

التقدير الثاني: أن يكون الوضع إنشائيّاً، من قبيل: المعاملات والمعاوضات، لا واقعيّاً، وعلى هذا المبنى يوجد اتّجاهان:

الاتّجاه الأوّل: ما عن السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ من أنّ المطالب الإنشائيّة اُمور نفسيّة، وأنّ نسبة اللفظ إليها نسبة المبرِز إلى المبرَز، وبناء على هذا، فنفس الاستعمال لا يمكن أن يكون وضعاً؛ لأنّه أمر خارجيّ، والوضع اعتبار نفسانيّ، أو تعهّد نفسانيّ قائم بنفس الواضع. نعم، يمكن أن يبدّل تعبير (الوضع بالاستعمال) بتعبير (إبراز الوضع بالاستعمال)، فإن اُريد بالوضع بالاستعمال ذلك كان معقولاً، كما أنّ الوضع بمثل «وضعتُ» أيضاً يجب أن يكون بمعنى إبراز الوضع به.

الاتّجاه الثاني: أنّ الاُمور الإنشائيّة إيجاديّة، أي: أنّها اعتبارات توجد بنفس اللفظ. وهذا ما نسب إلى المشهور، وبناء على هذا يعقل الوضع بالاستعمال، فيستعمل لفظ الماء في معناه، ويتسبّب بذلك إلى إنشاء الوضع، فبحسب الحقيقة هنا استعمالان طوليّان: أحدهما استعمال اللفظ في المعنى، وهذا ليس إنشاء؛ فإنّه

283

استعمال للّفظ في معنىً أفراديّ، والآخر استعمال هذا الاستعمال في إنشاء الوضع.

التقدير الثالث: أن يكون الوضع مفهوماً جامعاً بين الفرد الإنشائيّ والفرد الواقعيّ بأن يقال: إنّ الوضع هو تخصيص الواضع وتعيينه للمعنى، وهذا التخصيص والتعيين له فرد إنشائيّ، كأن يقول: عيّنت وخصّصت ونحو ذلك، وله فرد حقيقيّ وواقعيّ، وهو استعمال اللفظ في المعنى، فهذا من قبيل التسليط مثلاً الذي له فرد إنشائيّ يحصل بمثل سلّطت وبعت وملّكت، وفرد واقعيّ، وهو التسليط الخارجيّ، فاستعمال اللفظ في المعنى بنفسه مصداق لتخصيص اللفظ بالمعنى.

وهذا البيان غير صحيح؛ وذلك لأنّ الاستعمال دائماً جزئيّ، ويكون استعمالاً لشخص هذا اللفظ لهذا المعنى، بينما الوضع دائماً كلّيّ لا يختصّ بشخص جزئيّ، وفرد خاصّ من أفراد اللفظ فدعوى أنّ الاستعمال فرد حقيقيّ للوضع والتعيين خلط بين تعيين الشخص وتعيين النوع. نعم، هذا الاستعمال قرنٌ لهذا الفرد من صورة اللفظ بفرد من صورة المعنى، وهذا القرن إذا تكرّر، أو كان مشتملاً على خصوصيّة كيفيّة تجعله أكيداً يوجب في الذهن دلالة كلّ فرد مماثل لهذا الفرد من صورة اللفظ على الفرد المماثل لصورة المعنى، لكن هذا رجوع إلى المسلك المختار.

هذا. وقد اعترض على الوضع التعيينيّ بالاستعمال بإشكالين:

الأوّل: لزوم اجتماع لحاظ آليّ واستقلاليّ، حيث إنّ اللفظ يلحظ في الاستعمال آليّاً، وفي الوضع استقلاليّاً(1)، وهذا مبنيّ على كون باب الاستعمال باب الآليّة والفناء لا باب العلامة وذي العلامة.


(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 33 ـ 34.

284

وعلى أيّ حال، فهذا الإشكال غير صحيح؛ فإنّنا لو تكلّمنا على التقدير الأوّل، أي: على مسلكنا في الوضع، قلنا: متى ما حصل القرن الأكيد كفى، ولا يشترط اللحاظ الاستقلاليّ للّفظ والمعنى؛ فإنّ اشتراطه مبنيّ على تخيّل أنّ الوضع حكم جعليّ للّفظ على المعنى، والحاكم يجب أن يلحظ موضوع حكمه، بينما ليس الوضع إلاّ قرناً واقعيّاً، وليس حكماً؛ ولذا قد يحصل صدفة وبأسباب تكوينيّة، وقد يحصل بكثرة الاستعمال، مع أنّ لحاظ اللفظ في الاستعمال آليّ حسب الفرض.

ولو تكلّمنا على التقدير الثاني، وهو كون الوضع أمراً إنشائيّاً، فإن قلنا: إنّ الأمر الإنشائيّ قائم بالنفس، وإنّ اللفظ مبرز له، إذن فاللحاظ الآليّ يكون في عالم المبرِز، أقصد في الاستعمال، واللحاظ الاستقلاليّ يكون في عالم المبرَز، ولا محذور في ذلك. وإن قلنا: إنّ الإنشائيّات اُمور تسبيبيّة وإيجاديّة، فأيضاً لا يوجد محذور؛ لما عرفت من أنّه يوجد في الحقيقة استعمالان، ولحاظ اللفظ في الاستعمال الأوّل آليّ، وفي الاستعمال الثاني استقلاليّ، فهو قد استعمل لفظ «الماء» في معناه، ويكون لحاظه للفظ «الماء» باعتبار هذا الاستعمال آليّاً، وقد استعمل الاستعمال الأوّل في إنشاء الوضع، فقد لاحظ الاستعمال الأوّل في هذا الاستعمال الثاني آليّاً، ولكن لاحظ اللفظ استقلاليّاً، فلم يجتمعا في رتبة واحدة.

وأمّا على التقدير الثالث، ففرض كون الاستعمال فرداً حقيقيّاً للوضع والتخصيص مساوق لفرض عدم الاحتياج إلى اللحاظ الاستقلاليّ، وإن لم نقبل كون الاستعمال مصداقاً للوضع، لم تصل النوبة إلى هذا الإشكال.

الثاني: أن يقال: إنّ الاستعمال يجب إمّا أن يكون حقيقيّاً على أساس العلقة الوضعيّة، أو مجازيّاً على أساس العلاقة بين المعنى المجازيّ والمعنى الحقيقيّ. وهذا الاستعمال لا هو حقيقيّ؛ لعدم العلقة الوضعيّة؛ لأنّ المفروض أنّه يوضع بهذا

285

الاستعمال، ولا مجازيّ؛ إذ لا معنى حقيقيّ تفرض العلاقة بينه وبين المعنى المجازيّ(1).

وقد يتخيّل في رفع هذا الإشكال أنّ هذا الاستعمال يصحّح بكونه استعمالاً حقيقيّاً؛ فإنّه استعمال في نفس المعنى الموضوع له، فإنّ الوضع ثابت في وقت الاستعمال؛ لأنّ الوضع هنا وإن كان بنفس الاستعمال فهو متأخّر عنه، إلاّ أنّه متأخّر عنه رتبةً لا زماناً؛ فإنّ المعلول معاصر زماناً لعلّته، فهذا استعمال للمعنى الموضوع له بالوضع الحاليّ في آن الاستعمال.

إلاّ أنّ التحقيق أن يقال: إنّ الاستعمال على نحوين:

أحدهما: الاستعمال التفهيميّ، أي: الاستعمال الذي يراد به نقل ذهن السامع إلى المعنى ولو شأناً واقتضاءً.

والثاني: الاستعمال غير التفهيمي، وهو ممكن حتّى في المعاني الأجنبيّة عن اللفظ، كأن يستعمل أحدٌ لفظ الماء في الحجر لا بمعنى نقل ذهن السامع من هذا اللفظ إلى معنى الحجر، بل بمعنى مجرّد إلقاء اللفظ بلحاظ أنّه قالب للمعنى وكأنّه هو المعنى وإن كان هذا الاستعمال يعدّ غلطاً ومستهجناً لأنّه لغو.

فإن كان المقصود في المقام دعوى الوضع بالاستعمال التفهيميّ، فالإشكال مسجّل على ذلك، ولا جواب عليه؛ فإنّ التفهيم يجب أن يكون إمّا بوضع سابق أو بعلاقة مع المعنى الحقيقيّ، وأمّا الوضع الذي يكون بنفس هذا الاستعمال التفهيميّ فلا يمكن أن يكون مصحّحاً للتفهيم؛ فإنّه دور واضح؛ إذ الوضع في طول الاستعمال التفهيميّ، والاستعمال التفهيميّ يتوقّف على الوضع باعتبار احتياج


(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 32 بحسب طبعة المشكينيّ.

286

التفهيم إلى الوضع أو علاقة المجاز.

إلاّ أنّه يمكن أن نقصد الاستعمال غير التفهيميّ. ويمكنكم تسميته هنا بـ «الاستعمال الإعلاميّ»؛ إذ يقصد به الإعلام عن الوضع، ومثل استعمال لفظ الماء في الحجر في غير المقام وإن كان غلطاً ومستهجناً عند العقلاء للّغويّة وعدم الفائدة، لكن الاستعمال في المقام لا يعدّ غلطاً ومستهجناً؛ لأنّ فائدته هو الوضع حسب الفرض.

 

البحث الإثباتيّ للحقيقة الشرعيّة:

المقام الثاني: في البحث الإثباتيّ للحقيقة الشرعيّة.

ونتكلّم أوّلاً في الوضع التعيّنيّ، وثانياً في الوضع التعيينيّ بجملة صريحة من قبيل: «وضعت»، وثالثاً في الوضع التعيينيّ بالاستعمال الذي قلنا بإمكانه:

أمّا الوضع التعيّني، فيتوقّف تسليمه في المقام على عدّة اُمور:

1 ـ عدم تداول هذه الألفاظ في هذه المعاني قبل الإسلام، وإلاّ فلا معنى لدعوى حصول الوضع التعيّنيّ في المقام، وإنّما يكون استعماله استمراراً وتطبيقاً لنفس العرف السابق. وهذا مطلب يأتي تحقيقه إن شاء الله.

2 ـ عدم ثبوت الوضع التعيينيّ من أوّل الأمر، فلو أثبتنا ذلك لم تنتهِ النوبة إلى الوضع التعيّنيّ الناشئ من كثرة الاستعمال، والمحتاج إلى طول الزمان، وهذا أيضاً سيأتي تحقيقه.

3 ـ وجود كثرة استعماليّة معتدّ بها، بحيث تكفي لإيجاد العلقة الوضعيّة.

وهذا قد يستشكل في تحقّقه هنا بأحد تقريبين:

الأوّل: أنّه لم يعلم كون استعمال النبيّ(صلى الله عليه وآله) خاصّة بالمقدار الكافي. نعم، لو ضُمّ

287

إليه استعمال الصحابة في عصر(صلى الله عليه وآله) لكثرتها الكاثرة، أمكن القول بكفاية ذلك، ولكن الحقيقة عندئذ لا تكون بجعل الشارع، بل بجعل مركّب من الشارع والمتشرّعة.

والجواب: أنّنا لا نشترط أن تكون الحقيقة الشرعيّة مستندة إلى الشارع وحده؛ لأنّ الغرض الفقهيّ قد تعلّق بظهور لفظ «الصلاة» في لسان النبيّ(صلى الله عليه وآله) في المعنى الفلانيّ، ويكفي فيه تماميّة الوضع اجتماعيّاً في زمانه بأيّ سبب كان.

الثاني: أنّ الكثرة الاستعماليّة وإن كانت موجودة، ولو بضمّ استعمالات الصحابة، لكن هذه الاستعمالات كانت دائماً مقرونة بالقرينة، فلا تؤدّي إلى الوضع التعيّنيّ. فكأنّ صاحب هذا الإشكال يشترط في الوضع التعيّنيّ عدم ضمّ القرينة؛ وكأنّ الوجه في هذا الشرط هو: أنّ القرن الشديد عند فرض القرينة يحصل بين المعنى الشرعيّ واللفظ المقترن بالقرينة، لا بين المعنى الشرعيّ وذات اللفظ مطلقاً.

إلاّ أنّ هذا الكلام غير صحيح؛ لأنّ القرينة لو كانت مشخّصة بعينها، كأن يقال دائماً مثلاً: «الصلاة الشرعيّة» تمّ الإشكال، ولكن الأمر ليس كذلك؛ فإنّ هذه القرينة ولو سلّم وجودها في الموارد المختلفة، لكنّها قرائن مختلفة من حال تارة، وارتكاز اُخرى، ولفظ ثالثةً، وفعل رابعةً، على اختلاف هذه القرائن وتكثّرها، فليس هنا شيء معيّن يدخل في القرن بين اللفظ والمعنى. ومجرّد الجامع الانتزاعي بينها لا يقيّد اللفظ.

وكذلك الحال لو فرضت القرينة قرينة عامّة ارتكازيّة، فهي لا تدخل في دائرة القرن في ذهن الإنسان الاعتياديّ؛ لعدم الالتفات إليها تفصيلاً، وإنّما الالتفات التفصيليّ إلى اللفظ والمعنى.

288

وأمّا الوضع التعيينيّ بمثل «وضعت» فاحتماله ساقط في المقام؛ لأنّ العادة جارية وقاضية بأنّ الواضع حينما يريد الوضع إنّما يريد أن يوجد به لغةً وعرفاً عامّاً لغويّاً؛ وهذا لا يكون إلاّ بالإلقاء على المجتمع، لا بالوضع في غرفته، أو عند شخص واحد. ونحن لا نحتمل أنّه(صلى الله عليه وآله) ألقى المطلب اجتماعيّاً ولم ينقل بأيّ شكل من الإشكال، مع تمام اهتمامهم بنقل كلّ ما يسترعي الانتباه من سيرته(صلى الله عليه وآله).

وأمّا الوضع التعيينيّ الاستعماليّ فليس أمراً مستبعداً، كما كان التعيينيّ التصريحيّ مستبعداً؛ لأنّه في التعيينيّ التصريحيّ كان يفترض صدور جملة إنشائيّة في مقام الوضع، وكان يستبعد عدم نقلها إلينا كما عرفت. وأمّا هنا، فيفترض صدور استعمال عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وما أكثر استعماله لهذه الألفاظ، فلعلّ أوّل الاستعمالات كان إعلاميّاً.

إلاّ أنّ هذا المقدار من البيان إنّما يُثبت مجرّد عدم البُعد، ولا يكفي ذلك، بل لابدّ من إقامة دليل على هذا الوضع حتّى يثبت.

وغاية ما يتحصّل من كلماتهم في مقام الاستدلال على ذلك هي: أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)كان مخترعاً لهذه المركّبات الاعتباريّة، وسيرة العقلاء جارية على أنّ المخترع لاُمور جديدة يتصدّى إلى وضع ألفاظ لهذه المعاني الجديدة، وحيث لم يثبت الوضع بالتصريح، إذن فقد كان الوضع بنفس الاستعمال.

وينبغي أن يكون واضحاً: أنّ هذه الصيغة من البيان بهذا المقدار غير كافية، فإنّه لو سلّمنا الصغرى، وهي كون الشارع مخترعاً لمركّبات، والكبرى، وهي كون سيرة العقلاء في مثل ذلك وضع ألفاظ للمعاني الجديدة، فغاية ما يفيد ذلك الظنّ بأنّ الشارع لم يتجاوز السيرة العقلائيّة في المقام، فهو أيضاً وضع ألفاظاً لهذه المعاني. أمّا دعوى القطع بذلك، فلا يمكن إلاّ بنحو المجازفة، ولا دليل على حجّيّة مثل هذا

289

الظنّ.

إلاّ أنّه يمكن إجراء تعديل على هذه الصيغة يدفع الإشكال، وذلك بأن يقال: إنّ ثبوت السيرة العقلائيّة وديدنهم على وضع المخترع لألفاظ في مقابل المعاني التي اخترعها يعطي دلالة التزاميّة عرفيّاً، وظهوراً لفظيّاً لنفس الاستعمال الأوّل الذي صدر منه(صلى الله عليه وآله) في أنّه في مقام إيجاد الوضع. ولا فرق في حجّيّة الظهور اللفظيّ بين كونه ظهوراً للّفظ في المعنى المستعمل، أو ظهوراً لنفس الاستعمال.

هذا، ولكن ـ على رغم تعديل البيان بهذا النحو ـ يمكن أيضاً الإيراد عليه بمنع الصغرى، بأن يقال: إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) ليس مخترعاً لها، بل كانت موجودة قبل مجيء الشرع والشريعة، وإنّما الشارع عبّر عنها بتلك التعابير.

ويمكن الاستيناس لذلك بعدد كثير من الآيات، كقوله تعالى في سورة آل عمران: ﴿فَنَادَتْهُ المَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ﴾(1)، وقوله تعالى في سورة إبراهيم: ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾(2)، وفي سورة إبراهيم أيضاً: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾(3)، وفي سورة مريم: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِوَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً﴾(4)، وفي سورة مريم أيضاً: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ﴾(5)، وفي سورة طه: ﴿فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي﴾(6).


(1) سورة آل عمران، الآية: 39.

(2) سورة إبراهيم، الآية: 37.

(3) سورة إبراهيم، الآية: 40.

(4) سورة مريم، الآية: 31.

(5) سورة مريم، الآية: 55.

(6) سورة طه، الآية: 14.

290

وفي سورة طه أيضاً: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِوَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾(1)، وفي سورة الأنبياء: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ﴾(2)، وفي سورة لقمان: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْبِالْمَعْرُوفِ﴾(3)، وفي سورة هود: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ﴾(4)، وفي سورة الأنفال: ﴿وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البَيْتِ إلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾(5)، وفي سورة البقرة: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾(6)، وفي سورة الماعون: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾(7)، فانّ ظاهر السياق في هذه الآية أنّها في الكفّار، لا في الذين أسلموا، فبلحاظ أمثال هذه الآيات يمكن أن يقال ـ على الأقلّ في خصوص الصلاة ـ: إنّ الشارع ليس هو المخترع للمعنى الجديد، بل يمشي حسب الاصطلاح الجاري قبل الشريعة الإسلاميّة.

فإن قيل: إنّ هذه الآيات وإن دلّت على أنّه كانت هناك صلاة وزكاة وصيام قبل الإسلام، ولكن لعلّه استعملت هذه الكلمات في المعنى اللغويّ؛ إذ لا يمكن حمل هذه الكلمات على المعنى الشرعيّ بدعوى: أنّها في عهد صدورها كان معناها الحقيقيّ هو المعنى الشرعيّ، فنحملها على ذلك من باب أصالة الحقيقة؛ فإنّ هذا


(1) سورة طه، الآية: 132.

(2) سورة الأنبياء، والآية: 73.

(3) سورة لقمان، الآية: 17.

(4) سورة هود، الآية: 87 .

(5) سورة الأنفال، الآية: 35.

(6) سورة البقرة، الآية: 183.

(7) سورة الماعون، الآية: 1 ـ 5 .

291

معناه: الاعتراف بالحقيقة الشرعيّة، فإن اعترفنا بذلك في مرتبة سابقة، فهو المطلوب، وإلاّ قلنا: إنّ هذه الألفاظ لعلّها استعملت في معانيها اللغويّة، فهذه الآيات لا يمكن أن نثبت بها قدم المعاني، إلاّ بأن نثبت الحقيقة الشرعيّة في مرتبة سابقة.

قلنا: إنّنا: إمّا أن نقول: إنّا نسلّم بكون لفظة «الصلاة» صارت حقيقة بعد مرور زمان ولو بكثرة الاستعمال، فنجري أصالة الحقيقة في ذلك، ونثبت أنّ المقصود بها المعنى الشرعيّ، خصوصاً في الآيات المدنيّة مثلاً، وما هو محلّ النزاع فعلاً إنّما هو الوضع التعيينيّ، فنعترف بالوضع التعيّنيّ، ونثبت أنّ هذه المعاني كانت قديمة، فليس الشارع هو المخترع لها.

أو نقول: إنّه يكفينا الشكّ؛ فإنّ هذه الآيات توجب احتمالاً كبيراً بأنّ الصلاة بالمعنى الشرعيّ، كانت موجودة في مرتبة سابقة، وهذا الاحتمال يكفي لإبطال الدليل؛ لأنّه كان يتوقّف على الجزم بالصغرى.

بل يمكن أن نصعّد أزيد من هذا ونقول: كما أنّ هذه المعاني كانت قديمة كذلك هذه الألفاظ كانت ثابتة عند العرب قبل الإسلام. والذي يقرّب ذلك: أنّه كان يوجد عدد كبير من العرب يدين بدين اليهوديّة والنصرانيّة في جزيرة العرب وغيرها، وهم ـ لا محالة ـ كانوا يمارسون عباداتهم، وهي تلك المعاني الشرعيّة التي ثبت قدمها، فهل كانوا يعبّرون عنها بنفس هذه الألفاظ، أو كانوا لا يعبّرون عنها بشيء، أو كانوا يعبّرون عنها بألفاظ اُخرى؟

أمّا الأوّل، فهو المطلوب، وأمّا الثاني فغريب؛ إذ كيف يوجد شيء شائع داخل في حياتهم ولا يعبّرون عنه بشيء؟! وأمّا الثالث فغريب أيضاً؛ إذ لو كانت هناك كلمة اُخرى حيّة غير الصلاة تستعمل لنفس المعنى لما أمكن عادة أن تموت دفعة

292

واحدة وبمجرّد أن جاء الإسلام بحيث لا يوجد عين ولا أثر عنها في التراث القديم من كتاب وسنّة وحديث وأشعار وخطب وما إلى ذلك.

نعم، يمكن افتراض استغناء الإسلام عن تلك الألفاظ بالتدريج، لكن الاستغناء التدريجيّ يستدعي الخفاء التدريجيّ، فالظاهر: أنّ القرآن جرى على نفس التعبير العربيّ الدارج، وممّا يؤكّد ذلك تعبير القرآن عن عمل المشركين بالصلاة كقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البَيْتِ إلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾، وقوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾، فإنّ مقتضى سياق الآية أنّها وردت في الكفّار. فهاتان الآيتان تنظران في تعبيرهما بالصلاة إلى الزمن الحاضر للمشركين أو الكفّار في زمن نزول الآية لا إلى أيّام الاُمم السالفة. وممّا يؤيّد ذلك أيضاً ورود كلمة الصلاة في إنجيل برنابا(1) بناءً على احتمال كونه مترجماً قبل الإسلام، وأيضاً كان تمام العرب والمشركين يحجّون، وكانت كلمة الحجّ داخلة في لغة العرب وأعرافهم وتقاليدهم، وقد سمّوا السَنَة بالحجّ، وثماني حجج(2) يعني: ثماني سنين.

وبالجملة اتّضح: أنّ هذا الدليل غير تامّ، فلا دليل على الوضع التعيينيّ الاستعماليّ.

بقي شيء، وهو: أنّنا كنّا فارضين الفراغ عن أصل استعمال الشرع لهذه الكلمات في معانيها الشرعيّة، فتكلّمنا في أنّه: هل يمكن دعوى الوضع التعيّنيّ بكثرة الاستعمال، أو الوضع التعيينيّ الاستعماليّ بالاستعمال، أو لا؟ وهناك من


(1) ورد نقل ذلك في أجود التقريرات، ج 1، ص 34 بحسب الطبعة المشتملة على تعليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

(2) إشارة إلى قوله تعالى: ﴿عَلى أَنْ تَأجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَج﴾، سورة القصص، الآية: 27.

293

استشكل في هذا الأصل الموضوعيّ، وهو الاستعمال، وذلك بدعوى: أنّه يمكن القول بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يستعمل كلمة «الصلاة» في معناها الشرعيّ أصلاً، وإنّما استعملها في معناها اللغويّ، وأراد المعنى الشرعيّ على نحو تعدّد الدالّ والمدلول، بتقريب: أنّ المعاني الشرعيّة بالنسبة للمعاني اللغويّة نسبة الحصص إلى الكلّيّ، فالصوم والحجّ والغُسل الشرعيّة حصص في كلّيّ الصوم والحجّ والغُسل بمعناها اللغويّ، بل وحتّى الصلاة يمكن أن يدّعى فيها ذلك، باعتبار أنّ الصلاة بمعنى الانعطاف والتوجّه(1)، لا الدعاء، ولهذا قد يكون من العبد إلى المولى، وقد يكون بالعكس، وهذا العمل المخصوص قد جعل في الشريعة انعطافاً وتوجّهاً، فيقال: إنّه


(1) هذا التفسير للصلاة ورد في كلام الشيخ الإصفهانيّ(قدس سره) في نهاية الدراية، ج 1، ص 46 بحسب طبعة مطبعة الطباطبائيّ في قم، وجاء ذكره في المقالات أيضاً، ج 1، ص 133 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ، كما أنّ الإشكال في استعمال اللفظ في معناه الشرعيّ بإبداء احتمال إرادة المعنى اللغويّ الذي يكون المعنى الشرعيّ حصّة منه قد اُشير إليه في المقالات في تلك الصفحة.

هذا، وأصل فكرة افتراض أنّ استعمال تلك الألفاظ كانت في معانيها اللغويّة، وأنّ خصوصيّة المعاني الشرعيّة اُفهمت بالقرينة (بقطع النظر عمّا فرض في المتن من انطباق المعنى اللغويّ على المعنى الشرعيّ بما فيه من الخصوصيّات انطباق الكلّيّ علىحصصه) منسوبة إلى الباقلاّنيّ (راجع نهاية الأفكار، ج 1، ص 71 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم).

وجواب ذلك ما أوردناه في المتن، فإنّ هذا لا يكون إلاّ بافتراض نكتة عامّة ارتكازيّة نشير إلى خصوصيّات المعنى الشرعيّ، أو بافتراض نكات متفرّقة في الموارد المتفرّقة، وكلا الافتراضين لا يضرّان بالوضع التعيّنيّ، كما جاء شرحه في المتن، أمّا افتراض وجود قرينة لفظيّة متكرّرة دائماً مع تلك الألفاظ، فغير محتمل؛ إذ لو كان لوصلنا خلال النصوص الواصلة.

294

استعمل اللفظ في الجامع، وهناك قرينة عامّة ارتكازيّة تدلّ على خصوصيّة هذا الجامع، فالحصّة قد دُلّ عليها بتعدّد الدالّ والمدلول.

إلاّ أنّ هذا الإشكال لا يرد على الوضع التعيّني(1) فإنّ صاحب الإشكال كأنّما يرى أنّ الوضع التعيّني لا يكون إلاّ باستعمال اللفظ في نفس تلك الحصّة مراراً كثيرة مجازاً إلى أن يبلغ حدّ الحقيقة، وأمّا إذا استعمل في معنىً أعمّ، فاللفظ لم يستعمل في ذلك المعنى المعيّن مراراً كثيرة حتّى يصبح حقيقة فيه، وهذا جمود على عبارة: (أنّ الوضع التعيّنيّ يحصل بكثرة الاستعمال)، ولكن لا موجب للجمود على عنوان هذا المطلب، بل لابدّ من الالتفات إلى نكتته، وهي: أنّ كثرة الاستعمال توجد الاقتران الأكيد الشديد، ولا معنى للوضع إلاّ ذلك، وهذا كما يحصل بكثرة الاستعمال في الخاصّ بما هو خاصّ مجازاً، كذلك يحصل لو اُطلق اللفظ واُريد الجامع، وكانت هناك قرينة عامّة ارتكازيّة تدلّ على إرادة الخصوصيّة؛ لأنّ الذهن البشري يتعوّد بذلك على أنّه: متى ما سمع هذا اللفظ انتقل إلى الحصّة، حيث إنّ القرينة ارتكازيّة وليست ملتفتاً إليها تفصيلاً، والذهن يلتفت إلى اللفظ والمعنى التفاتاً تفصيليّاً، فتحصل العلاقة الأكيدة في الذهن البشري بين اللفظ والحصّة، وكذا الحال إذا فرضت قرائن خاصّة متفرّقة في الموارد المختلفة، فحيث إنّه لم تتكرّر قرينة معيّنة في كلّ الموارد تصبح العلاقة بين نفس اللفظ


(1) كما لا يرد على الوضع التعيينيّ الاستعماليّ أيضاً؛ لأنّنا نستفيده من ظاهر حال المخترع المستعمِل في إرادة الوضع للمعنى الجديد، ولا موضوع لهذا الإشكال بناءً على الوضع التعيينيّ الإنشائيّ؛ لأنّه لم يكن المدّعى كشف الوضع عن طريق الاستعمال، كي يورد عليه بأنّ الاستعمال كان في المعنى اللغويّ، وأنّ فهم الخصوصيّات الشرعيّة كان بقرينة ما.

295

والحصّة في ذهن الإنسان الاعتيادي. نعم، لو فرضت قرينة لفظيّة واحدة متكرّرة في تلك الموارد، تكون هي الدالّة على الخصوصيّة، ويكون اللفظ مستعملاً في الجامع، لم يصبح اللفظ حقيقة في الحصّة، ولكن الأمر ليس كذلك.

وقد تحصّل من تمام ما ذكرناه: أنّه لو كانت هذه المعاني مخترعات للشارع ثبت الوضع التعيينيّ الاستعماليّ بالتقريب المتقدّم بعد إصلاحه بالنحو الذي عرفت، وإن قلنا: إنّها قديمة، فلو فرضت الألفاظ حديثة إذن ثبت الوضع التعيّنيّ الناشئ بكثرة الاستعمال؛ فإنّه وإن كنّا لا نملك دليلاً عندئذ على الوضع التعيينيّ، لكن كثرة الاستعمال موجودة على أيّ حال(1)، وإن قلنا: إنّ الألفاظ أيضاً كانت


(1) قد فرض اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) أنّه على تقدير حداثة هذه الألفاظ لتلك المعاني يدور الأمر بين أحد احتمالين لا ثالث لهما: فإمّا أن نقول: إنّ الشريعة الإسلاميّة مخترعة لتلك المعاني المخصوصة والأعمال المركّبة، وعندئذ يتعيّن كون الشارع هو الواضع لتلك الألفاظ وضعاً تعيينيّاً لتلك المعاني بالاستعمال الأوّل على ما هو ظاهر حال المستعمِل في استعماله، وإمّا أن نقول: إنّ هذه المعاني قديمة بلحاظ الشرائِع السابقة، وعندئذ تثبت الحقيقة الشرعيّة لهذه الألفاظ بقدر ما يكون في الوضع التعيّنيّ، بلحاظ كثرة الاستعمال، فلا تثبت تلك المعاني لتلك الألفاظ إلاّ في وقت متأخّر عن بدء رسالة الرسول(صلى الله عليه وآله).

أقول: وهناك افتراض آخر وسط بين الأمرين، وهو وإن كان يمكن افتراضه مصداقاً للاحتمال الثاني من الاحتمالين اللذين عرفتهما، ولكن تظهر له ميزة في مقدار الفائدة التي تذكر للاحتمال الثاني مخصوصة بالقرآن دون السنّة.

وتوضيح ذلك: أنّه لئن شكّك بناءً على حداثة هذه الألفاظ لتلك المعاني في ظهور حال الشارع المستعمِل في كون الاستعمال بهدف الوضع التعيينيّ، لا أظنّ أن يكون بالإمكان التشكيك في ظهور حاله في كونه بصدد تأسيس مصطلحات جديدة، ولو عن طريق تكثير الاستعمال المؤدّي إلى صيرورة تلك المعاني معاني حقيقيّة لتلك الألفاظ

296


بالتدريج وبالوضع التعيّنيّ، فلا نقول: إنّ الوضع وجعل المصطلح كان خارجاً عن هدف المستعمِل، وأنّ الوضع التعيّنيّ حصل قهراً ومن دون اقتران بالقصد من قبله، كما قد يكون هو المقصود بالاحتمال الثاني، ولا نقول أيضاً: إنّ الوضع تمّ بالاستعمال الأوّل؛ لمكان التأكّد الكيفي، في أوّل قرن كما هو الحال في الاحتمال الأوّل، بل نحتمل أنّ المستعمِل رغم أنّه كان بصدد إبراز مصطلحاته الجديدة لم يكن الاستعمال الأوّل كافياً لتركّز المصطلح؛ وذلك لعدم اشتمال القرن الأوّل على التأكّد الكيفيّ بالقدر الكافي، فكان لابدّ أن يحصل القرن الأكيد بكثرة الاستعمال.

وهذا الفرض وإن أمكن جعله مصداقاً للاحتمال الثاني، بأن يقال: إنّ الاحتمال الثاني هو احتمال الوضع التعيّنيّ، وهذا الفرض أيضاً أنتج الوضع التعيّنيّ، ولكن هذا الفرض يشتمل على ميزة إضافيّة على الثمرة التي فرضت للاحتمال الثاني. وتوضيح ذلك: أنّ الثمرة التي فرضت للاحتمال الثاني إنّما هي حمل تلك الألفاظ على المعاني الشرعيّة في الأيّام المتأخّرة عن بدء الرسالة، لا في الأيّام الاُولى؛ وذلك لعدم تماميّة الوضع التعيّنيّ في بادئ الأمر، من دون فرق في ذلك بين الكتاب والسنّة، في حين أنّه بناءً على الفرض الذي فرضناه يكون هناك فرق بين الكتاب والسنّة، فبلحاظ السنّة يكون التفصيل بين الأيّام الاُولى للرسالة والأيّام الأخيرة معقولاً؛ لأنّ الوضع التعيّنيّ إنّما يتمّ بلحاظ الأيّام المتأخّرة لا الأيّام الاُولى. أمّا بلحاظ الكتاب، فبما أنّ الكتاب لم يكن تنزيله ـ رغم نزوله نجوماً لا دفعة ـ بروح نصوص متدرّجة وغير مترابطة، بل كان بروح تأليف كتاب واحد خالد يتّبع نسقاً واحداً في روح المعاني والمصطلحات، إذن فحينما عرفنا أنّ هناك لصاحب الكتاب مصطلحات معيّنة ركّزها بلحاظ تأكّد القرن بالتدريج لا دفعة واحدة يكون ظاهر حاله ـ لا محالة ـ إرادة تلك المعاني المصطلحة حتّى في الآيات النازلة في الأيّام الاُولى، فلئن كانت الطهارة مثلاً في نظر هذا المؤلّف لها معنىً خاصّ، أو لها مصداق جديد زائداً المصداق الظاهريّ من الطهارة، تحمل ـ لا محالة ـ كلمة «الطهور» أو كلمة

297

موجودة في البيئة العربيّة قبل الإسلام، فأيضاً يكون المعنى الشرعيّ حقيقيّاً للّفظ، وإن كان معنىً لغويّاً لا شرعيّاً.

 

تصوير ثمرة البحث:

المقام الثالث: في تصوير ثمرة النزاع، وهي: أنّه إذا ورد لفظ في الكتاب أو السنّة النبويّة ولم يعرف المراد منه: فإن أنكرنا كونه حقيقة في المعنى الجديد حمل على المعنى اللغويّ، وإن قلنا بالحقيقة الشرعيّة، وقلنا: إنّ الوضع للمعنى الشرعيّ كان وضعاً ناسخاً للوضع الأوّل، وملغياً له: إمّا بتقريب: أنّ ظاهر حال المخترع حينما يريد أن يضع لفظاً لمعنىً من مخترعاته أنّه ينتزعه من المعنى السابق ويضعه لهذا المعنى، أو بتقريب: أنّ الكثرة في الاستعمال كانت بدرجة صار هذا الوضع والقرن أقوى وآكد من الأوّل وناسخاً له، تعيّن حمله على المعنى الشرعيّ(1)،


«يطهّركم به» ـ حتّى ولو كان نزولها في وقت مبكّر ـ على ذاك المعنى الخاصّ، أو على مطلق الطهارة المشتملة على المصداق الجديد لا على خصوص الطهارة الظاهريّة المادّيّة.

(1) الأولى من كلا هذين التعبيرين الواردين هنا في المتن تعبير ثالث (ولعلّ مفاده هو المقصود من أحد هذين التعبيرين وإن كان اللفظ قاصراً عن إفادته، ولعلّ القصور كان من تعبيري لا من اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)) وحاصل هذا التعبير الثالث هو أن يقال: إنّ الشارع بما هو شارع قد فرضت له مصطلحات خاصّة له خصّيصاً، أو للشرع بالمعنى الشامل للشرائع السابقة، فحينما يتكلّم بتلك العبائر الخاصّة بما هو شارع تحمل عبائره ـ لا محالة ـ على تلك المعاني لا على المعاني اللغويّة، من قبيل: أنّ علماء العربيّة مثلاً حينما يتكلّمون بما هم علماء العربيّة، ويذكرون كلمة الفاعل، أو المفعول، أو المضاف، أو

298

وأمّا إذا ثبتت الحقيقة الشرعيّة ولم يثبت النقل، وأنكرنا الآكديّة وكثرة الاستعمال بهذه الدرجة، وقلنا: إنّ ظاهر حال المخترع إنّما هو وضع اللفظ لما اخترعه دون انتزاعه من المعنى الأوّل، فعندئذ يتعيّن التوقّف.

إلاّ أنّ السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ تبعاً للمحقّق النائينيّ(رحمه الله) أنكر الثمرة في المقام، وقرّب ذلك(1) بأنّه بلحاظ زمان الأئمّة(عليهم السلام) لا إشكال في صيرورة هذه الألفاظ حقائق في المعاني الشرعيّة، فينحصر الأثر بالنسبة إلى النصوص الدينيّة في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله) من الكتاب والسنّة، وهذه النصوص قد تلقّيناها كلّها عن طريق الأئمّة(عليهم السلام)، ففي مقام معرفة المراد يجب النظر إلى ما هو الحقيقة في زمان الناقل، وفي ذلك الزمان لا إشكال في كونه حقيقةً في المعنى الجديد.

وهذا البيان غريب؛ إذ لو فرضت تماميّته بالنسبة للسنّة النبويّة فكيف يمكن تماميّته في القرآن الكريم؟! وتوضيح ذلك: أنّ الناقل حينما يكون بصدد نقل المضمون سواء انحفظ اللفظ أو لا يجب أن تكون ألفاظه ذات دلالة على المقصود في عصره، وأمّا حينما يكون بصدد نقل اللفظ بالخصوص، فلا معنى للحمل على ما هو الظاهر في زمان الناقل، ومن الواضح: أنّ القرآن قد تلقّيناه بلفظه من تمام المسلمين بما فيهم سادتهم وهم الأئمّة(عليهم السلام)، ولم يكونوا بصدد نقل المضمون بغضّ النظر عن اللفظ، كما هو واضح، كما لا يبعد أيضاً في السنّة أنّهم(عليهم السلام) كانوا في كثير من الأحيان بصدد نقل نفس اللفظ؛ لشدّة اهتمام المسلمين وقتئذ بنصوص


المضاف إليه، أو الحال، أو ما إلى ذلك، تحمل عبائرهم على المعاني المصطلحة في علم العربيّة لا على المعاني اللغويّة.

(1) راجع المحاضرات، ج 1، ص 126.