257

الملحق رقم (11)

هذا اضافة إلى ما عرفنا من أن اطلاقات دليل الولاية في المقام لم تتم بمجرد مقدمات الحكمة، بل بمناسبات المقام أو بحذف المتعلق مع عدم القدر المتيقن في مقام الخطاب. وواضح أن اطلاقاً من هذا القبيل لا ينعقد في دائرة تعارض دليل حرمة أو وجوب الفعل الثابتين قبل الحكم.

نعم، قد يكون حكم الحاكم مغيراً لموضوع الحكم الالزامي، فينفذ. ونذكر لذلك مثالين:

1 ـ لو وقع البيع على مال اليتيم بحكم الحاكم، جاز لمن يقطع بخطأ الحاكم في تقديره للموقف شراء هذا المال، لأنه يكفي في موضوع صحة البيع وجواز الشراء كونه برضى ولي صاحب المال، وقد رضي الولي بذلك ولو على أساس خطأ له في تقدير الموقف.

2 ـ لو حكم الحاكم بالجهاد واعتقد شخص بحرمته على أساس علمه بأن الخسارات التي تلحق المسلمين في هذه الظروف من الجهاد أكبر من المصالح، ولكنه رأى أنه بعد ان حكم بذلك ستقع هذه الخسارات ـ على أي حال ـ على أساس أن كثيراً من أفراد المجتمع غير العالمين بالخطأ سيطبقون حكمه، ومخالفة

258

البعض لا تقلل من الخسارة، بل قد تزيد الخسارة على أساس التفرقة والاختلاف اللذين سيقعان في المجتمع، إذن فقد انتفى موضوع الحرمة التي كان يعتقد بها هذا الشخص ونفذ الحكم بشأنه.

أما لو لم يكن الحاكم مغيراً لموضوع الحكم الإلزامي من وجوب أو حرمة، فلا يؤثر في تغيير وظيفة الفرد. ولا يختلف ذلك في الحكم الولايتي بين أن يفترض ذلك الحكم الذي خالفه الحاكم واقعياً أو ظاهرياً.

نعم، الحكم الكاشف لو تعارض مع ما يراه الفرد من حكم ظاهري الزامي ولم يعلم الفرد بخطئه أو خطأ مدركه، نفذ بشأنه إذا كان الحكم الظاهري ثابتاً بالأصل أو بالظن في مورد يجب اتباعه لولا الامارة. كما في موارد نقطع باهتمام الشارع بالحكم الواقعي بحيث لو لم تكن أمارة شرعية على تعيينه لابد من اتباع الظن فيه، فعندئذ يتقدم حكم الولي على الأصل أو على ذلك الظن، لكونه أمارة على الواقع، والامارات الشرعية تتقدم على الأصول أو على ظن من هذا القبيل. أما إذا كان الحكم الظاهري ثابتاً بأمارة شرعية أخرى فهنا يقع التعارض بين الأمارتين(1).



(1) بإمكان أحد أن يقول بتقدم حكم الحاكم في هذه الصورة أيضاً، بدعوى أن ظاهر دليل مرجعية المولى ـ بمناسبات الحكم والموضوع ـ أن الشريعة الإسلامية أرادته فيصلاً للأمور، وأن يكون حكمه مقدّماً على سائر الامارات المعارضة له. ولكننا لم نتبنَّ هذا الاستظهار.

259

هذا، ومن أمثلة معارضة حكم الولي للحكم الظاهري الالزامي، ما لو حكم الحاكم بهلال شوال بينما يملك الفرد استصحاب شهر رمضان، فكان حكمه الظاهري وجوب الصوم وحرمة الافطار ولم يعلم بخطأ الحاكم في حكمه ولا في مدرك حكمه، فهنا يقدم حكم الحاكم على الوظيفة الظاهرية باعتباره امارة مقدمة على الاستصحاب، وهناك في خصوص مثال الهلال نص خاص دل على نفوذ حكم الحاكم، وقد مضى ذكره في الملحق العاشر.

الملحق رقم (12)

توجد عناوين كثيرة لها ايحاءات غريبة ينبغي تبديلها أو تبديل مفاهيمها عند المسلمين في استعمالاتهم، نشير منها إلى ما يلي:

1 ـ الوطن:

فمفهومه الغربي يستبطن حواجز الإقليم أو اللغة أو الدم أو العقد الاجتماعي أو أي تقسيم آخر مفتعل، أما الاسلام فيرى الأرض بسعتها العريضة ملكاً للدولة الاسلامية بلا أي قيد أو حد.

2 ـ الاستعمار:

وهو يرتبط في مفهومه الغربي بمفهوم الوطن عندهم، فبعد فرض أوطان عديدة ـ وفقاً لحواجز الاقليم أو اللغة أو نحو ذلك ـ يفترض أن دولة أجنبية تستعمر دولة أخرى. أما الاسلام فيرى أن الأرض

260

يجب أن تعيش تحت راية واحدة هي راية التوحيد، وان الكافر غاصب لأي رقعة من الدولة امتلكها ظاهراً، وان المعركة كفر واسلام؛ فلو استعملنا كلمة الاستعمار فلا أقل من اردافها بمثل كلمة الكافر، بأن يقال "الاستعمار الكافر" كي تجرد بذلك عن ايحاءاتها الغربية.

3 ـ الاستقلال:

وهذا ايضاً في مفهومه الغربي يرتبط بالوطن بما يستبطنه من معاني الحواجز والتحديدات، أما في استعمال المسلمين فينبغي أن يقصد به عدم رضوخ المسلمين لسيطرة الكفر وفقاً لقانون "ان الاسلام يعلو ولا يعلى عليه".

4 ـ الحرية:

فهذه الكلمة بمفهومها الغربي تستبطن انحرافات كثيرة عن الخط الاسلامي الصحيح؛

فالحرية الاقتصادية تشير إلى النظام الرأسمالي الاقتصادي، بينما الاسلام له نظام اقتصادي مستقل عن كل من النظامين الرأسمالي والاشتراكي.

والحرية الفردية ترمز إلى السماح للفرد بأي تصرف يحلو له ما لم يزاحم حرية الآخرين، أما عند الاسلام فلا حرية الا في اطار الحدود التي تفرضها السماء على تصرفات الانسان.

261

والحرية الفكرية لا مجال لها في العقائد عند الاسلام الا بمعنى أن العقيدة يستحيل حصولها بالاكراه، ولكن يجب على الإنسان التفتيش عن الأصول العقائدية الصحيحة ولا تترك له الحرية في الاهتمام بذلك وعدمه، ولو أدى فكره إلى عقيدة تخالف الاسلام لا تترك له الحرية في الإضلال ويحرم عن الحقوق الخاصة بالمسلمين.

والحرية السياسية بقدر ما ترتبط بالاستقلال عن دولة أخرى ترجع إلى العنوان السابق، وبقدر ما ترتبط بحرية الانتخاب والتصويت ترجع إلى أبحاثنا في الديموقراطية والشورى التي ذكرناها في هذا الكتاب بكل تفصيل.

5 ـ حق تقرير المصير:

وهذا أيضاً راجع إلى الحرية. والواقع أن الاسلام يؤمن بأن حق تقرير المصير للفرد أو للمجتمع يكون أساساً بيد المولى الحقيقي للكون وخالقه، ألا وهو الإله العليم الحكيم، ولا يوجد للفرد أو المجتمع حق تقرير المصير الا ضمن الطريق الذي رسمته تعاليم السماء لمصير البشرية.

6 ـ الجمهورية:

فهي بمفهومها الغربي تستبطن معاني الانتخاب لرئيس الدولة وغيره والتصويت والأخذ برأي الأكثرية وما إلى ذلك، من دون تقيد بما لم يقيد الانسان به نفسه، أما في الاسلام فرئيس الدولة عند حضور

262

المعصوم هو المعصوم (عليه السلام) من دون أي انتخاب أو تصويت، وفي غيبته نرجع إلى نظام الشورى أو ولاية الفقيه حسب ما سبق من البحث عن ذلك مفصلاً.

وللفقيه أن يحكم ـ حينما يرى المصلحة في ذلك ـ بالانتخاب والتصويت والأخذ برأي الأكثرية في اطار أحكام الاسلام وتعاليم الكتاب والسنة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

*. *