234

وكيلاً له في بيع داره. أما إذا فرض أن زيداً على جناح السفر والغياب عن كل أمواله غياباً يطول خمسين سنة، فهو بحاجة ـ عادة ـ إلى وكيل في كل شؤونه المالية، فسأله أحد: ممن اشتري دارك؟ فقال: اشترها من عمرو فإنه وكيلي، فهنا يفهم العرف الاطلاق. وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن الإمام (عليه السلام) غائب غيبة قد تطول مدة طويلة لا يعرفها الا الله، ومن الطبيعي والمعقول افتراض أن يكون بحاجة إلى جعل حجة في كل ما هو حجة الله فيه، وتحتاج الأمة إلى مراجعته فيه. ففي جو من هذا القبيل إذا سئل عن حوادث معينة، فقال في الجواب: ارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله… كان المفهوم من ذلك عرفاً الحجية على الاطلاق، ومعنى كونه حجة للإمام (عليه السلام) أنه منصوب من قبله في كل ما يرجع فيه إليه.

الملحق رقم (6)

إن هناك اموراً ثلاثة يستفاد بعضها أو كلها من هذا الحديث الشريف:

الأول: حجية رواية الراوي الثقة.

الثاني: حجية فتوى الفقيه الثقة.

الثالث: ولاية الفقيه الثقة ونفوذ حكمه.

235

وحكم الفقيه على قسمين:

1 ـ الحكم الذي له سمة الكاشفية عن واقع وراء هذا الحكم، من قبيل حكم الفقيه بالهلال، او قضائه في صالح أحد المترافعين، ولا يهدف انشاءً جديداً للحكم.

2 ـ الحكم الذي يهدف انشاءً جديداً للحكم على أساس إعمال الولاية، من قبيل ما لو حكم باتخاذ موقف معين لا على أساس اقتناعه الكامل بأن هذا الموقف هو الواجب في هذه الظروف في قبال سائر المواقف، بل على أساس إيمانه بضرورة تحديد موقف المجتمع في صورة معينة توحيداً للكلمة ورصاً للصفوف مثلاً.

ولنصطلح على القسم الأول بالحكم الكاشف، وعلى القسم الثاني بالحكم الولايتي.

ولا إشكال في دلالة هذا الحديث على حجية رواية الثقة، بل هي المقدار المتيقن من هذا الحديث الشريف، والمستفاد صريحاً من قوله (عليه السلام): "العمري ثقتي، فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول" وقوله، (عليه السلام): "العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك عني فعني يقولان".

ولكن هل يدل على حجية الفتوى ونفوذ حكم الحاكم بكلا قسميه أم لا ؟

236

قد يتبادر إلى الذهن أن هاتين الفقرتين لا تدلان على شيء من ذلك؛ أما الحكم فلأنه ليس نقلاً عن الإمام كي يشمله الاداء في قوله "ما أدى إليك عني" أو "ما أديا إليك عني". وأما الفتوى فلأنها ـ وإن رجعت بوجه من الوجوه إلى نقل رأي الامام لكنها نقل عن حدس، وليست ـ كالرواية ـ نقلا عن حس. وهاتان الفقرتان لو لم تضم إليهما نكتة اخرى، تنصرفان بطبعهما إلى النقل عن حس.

ولكن رغم ذلك، قد يمكن التمسك بهذا الحديث لاثبات نفوذ حكم الحاكم وحجية الفتوى على المقلد بأحد وجوه ثلاثة:

الأول: التمسك باطلاق قوله "فاسمع له وأطعه" أو "فاسمع لهما وأطعهما"، إذ يقضي باطلاقه وجوب السماع والاطاعة في كل شيء، سواء الرواية أو الفتوى أو الحكم.

ولكن يرد عليه:

أولاً: أن تفريع هذه الجملة بالفاء على جملة "ما أدى إليك عني فعني يؤدي" يكون ـ على أقل تقدير ـ محتمل القرينية على كون المقصود هو السماع والاطاعة في دائرة ما يصدق عليه أنه اداء عن الإمام ونقل عنه.

وثانياً: انه لو أريد التمسك باطلاق متعلق الأمر في "اسمع"

237

و "أطع" فقد تحقق في علم الأصول أن الاطلاق الشمولي لا يجري في متعلق الأمر، وإنما يجري في متعلق متعلق الأمر. فمثلاً لو قيل "أكرم العالم" دل على وجوب إكرام كل عالم، ولكن لم يدل على وجوب كل أنحاء الاكرام بنحو الشمول والاستغراق، وإنما يكون اطلاق المتعلق بدلياً. ولو أريد التمسك بالاطلاق الجاري في المتعلق المحذوف، أي: اسمع له وأطعه في كل شيء، فقد ثبت أيضاً في علم الأصول أن الاطلاق شأنه هو منح الكلمة شمولها واستغراقها بعد تعينها، لا تعيين الكلمة المحذوفة فيما هو مطلق.

ولو أريد التمسك بأن حذف المتعلق يفيد الاطلاق والشمول، فأيضاً أثبتنا في علم الأصول أن هذه القاعدة غير مقبولة عندنا الا عند عدم وجوب مقدار متيقن عند الخطاب مع كون المورد مورداً لا يناسب الاهمال، فيتعين الاطلاق. وفيما نحن فيه المقدار المتيقن هو الرواية، ذلك على أساس صراحة الجملة السابقة، وهي "ما ادى إليك عني فعني يؤدي" في حجية الرواية.

الثاني: اثبات الاطلاق في الجواب بقرينة السؤال، إذ جاء في السؤال "من أعامل؟ وعمن آخذ؟ وقول من أقبل"؟ وهذا مطلق يشمل الرواية والفتوى والحكم. وهذا الاطلاق مستفاد: اما عن طريق حذف المتعلق، أي "من أعامل؟ وعمن آخذ؛ كلاً من الرواية والفتوى والحكم؟" وليس هنا مقدار متيقن يخل بالاطلاق

238

المستفاد من حذف المتعلق، أو عن طريق أن المناسبات العرفية هنا تقتضي اطلاق المحذوف، فإن المحذوف يعين بالمناسبات والقرائن، وهي تقتضي الاطلاق، لأن السؤال صدر من أحد أتباع الإمام (عليه السلام) بلحاظ حالات لا يلقى فيها الإمام. والمناسب طبعاً لمقام من هذا القبيل هو السؤال عمن يرجع إليه في كل ما يرجع فيه إلى الإمام، بلا فرق بين ما يرجع فيه إليه (عليه السلام) بوصفه مبيناً لحكم الله ابتداءً، وما يرجع فيه إليه بوصفه ولي الأمر. أو عن طريق التمسك باطلاق كلمة "القول" في جملة "قول من أقبل؟". فإذا ثبت اطلاق السؤال عرفنا أن الجواب أيضاً مطلق كي يكون مطابقاً للسؤال.

بل جاء في بعض نقول الرواية "أمر من نمتثل"؟ فقد روى الشيخ (رحمه الله) في كتاب "الغيبة" عن جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى(1) عن أبي علي محمد بن همام الاسكافي، قال:



(1) من هنا إلى آخر السند كلهم معتبرون؛ يبقى أننا لا نعرف الجماعة الذين يروي الشيخ (ره) بواسطتهم عن هارون بن موسى، ولكن الظاهر أن نقل الشيخ عن جماعة عن هارون يورث الاطمئنان بصدور الحديث عن هارون، وعدم وجود تساهل في النقل. خصوصاً ان المظنون أن هذه الرواية أخذها الشيخ من أصل أو كتاب لهارون لا شفهاً، حيث ان الشيخ (ره) يقول في ترجمة هارون "روى جميع الأصول والمصنفات… أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا".

كما أن المظنون هو أن أحد الجماعة الناقلين للشيخ عن هارون هو المفيد

239

حدثنا عبد الله بن أحمد بن اسحاق بن سعد القمي، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي، أنا أغيب وأشهد، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقول، وما أداه إليكم فعني يؤديه. فلما مضى أبو الحسن (عليه السلام) وصلت إلى أبي محمد ابنه العسكري (عليه السلام) ذات يوم، فقلت له مثل قولي لأبيه، فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي، وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعني يقوله: وما أدى إليكم فعني يؤديه(1).



(رحمه الله)؛ بيان ذلك: أن الجماعة الذين نقلوا للشيخ عن جعفر بن محمد بن قولويه، هم ـ بتصريح الشيخ ـ عبارة عن (المفيد، والحسين بن عبيد الله، وأحمد بن عبدون وغيرهم) وعين التعبير ذكره الشيخ عن الجماعة الذين نقلوا له عن أبي غالب الزراري، وقد مضى هنا قبل هذه الرواية توقيع اسحاق بن يعقوب، نقله الشيخ عن ابن قولويه وأبي غالب الزراري وهارون بن موسى، نقله عنهم جميعاً في عرض واحد بواسطة جماعة.

إذن كان الجماعة الناقلون عن ابن قولويه والزراري عين الجماعة الناقلين عن هارون، وقد عرفت ان كل روايات ابن قولويه والزراري واصلة إلى الشيخ عن طريق جماعة، منهم المفيد.

(1) الغيبة للشيخ الطوسي (ره) (فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء، فأما السفراء الممدوحون..) ص215.

240

ودلالة كلمة "أمر" على النظر إلى الحكم أقوى وآكد من الاطلاق، لأن الأمر بمعناه الحقيقي لا يكون إلا في الحكم دون الرواية والفتوى.

الا أن هذا الوجه أيضاً قابل للمناقشة؛ إذ لنفترض ان السؤال يشمل السؤال عن الحكم، ولا يختص بنقل الرواية. ولكن ما المانع من أن يكون الجواب بقرينة قوله "ما أدى إليك عني فعني يؤدي" عبارة عن أنه خذ بما ينقله عني ؟! ولا يلزم من ذلك كون الجواب أقصر من السؤال، اذ لعله (عليه السلام) يريد أن يقول: أن العمري ـ على أساس كثرة تشرفه بخدمتي ـ بامكانه أن يوصل إليك من قبلي الأحكام الالهية التي أنقلها، ويوصل إليك في نفس الوقت أوامري التي أصدرها بوصفي ولي الأمر فيما تحتاج إلى ذلك.

الثالث: أن نتمسك بما جاء في الجواب من كلمة "أطع" لا بمعنى التمسك بالاطلاق كما مضى في الوجه الأول، بل ببيان أن اختصاص "أطع" بالرواية، أو بالرواية والفتوى غير عرفي، ذلك لأن الاطاعة بمعناها الحقيقي ينحصر مصداقها في الحكم، لأن الاطاعة فرع الأمر.

أما الرواية والفتوى فليستا الا نقلاً عن حس أو عن حدس؛ فالراوي بوصفه راوياً وكذا المفتي بوصفه مفتياً لا يطاع بالمعنى الحقيقي للكلمة. نعم، قد يحكم طبقاً لروايته وفتواه، فيصبح حاكماً ويطاع. إذن فتخصيص كلمة "أطع" بالفرد غير الحقيقي لمعنى الكلمة غير عرفي.

نعم، فاء التفريع التي فرع بها قوله: "فاسمع له وأطعه" على

241

قوله: "ما أدى إليك عني فعني يؤدي" محتملة للقرينية على كون السماع والاطاعة في دائرة صدق الاداء والنقل عن الإمام، ولكن بقرينة عدم صدق الاطاعة حقيقة في غير موارد الحكم نعرف أنه ليس النظر إلى خصوص موارد صدق الأداء والنقل عن حس على نفس ما يطاع، بل يشمل فرض كون النقل حدسياً، وفرض كون النقل هو المدرك والمصدر الذي اعتمد عليه الأمر في أمره، لأن الحاكم الشرعي في حكمه ـ إذا كان الحكم كاشفاً ـ يعتمد على ما يفهمه هو من رأي الإمام (عليه السلام) ولو عن حدس واجتهاد، وليس حكمه مباشرة نقلاً حسياً عن الإمام.

نعم، قد يقال: انه لم يثبت بهذا البيان نفوذ الحكم الولايتي (القسم الثاني من الحكم)؛ إذ ليس في ذاك المورد أداء ونقل عن المعصوم حتى بلحاظ مصدر الحكم، وإنما هو صرف إعمال الولاية لملء منطقة الفراغ.

ولكن لو ثبت نفوذ القسم الأول من الحكم فقد يتعدى إلى القسم الثاني، بدعوى عدم احتمال الفرق عرفاً بسبب هذا الفرق العقلي الدقيق، فببركة عدم احتمال الفرق عرفاً ينعقد في الدليل اللفظي الاطلاق.

يبقى اشكال واحد في المقام، وهو: أن هذا الحديث لو كان دالاً على ولاية الفقيه، فبم نفسر قول العمري (رحمه الله): "محرم عليكم

242

أن تسألوا عن ذلك. ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل ولا أحرم، ولكن عنه (عليه السلام) …" بينما من الواضح ـ بناءً على ولاية الفقيه ـ أن له أن يحرم بإعمال الولاية على أساس ما يراها من المصلحة؟

والجواب:

أولاً: أنه لعله (رحمه الله) قصد بالتحريم هنا في قوله "محرم عليكم…" التحريم الشرعي الالهي دون الحكم الفقيه، وهذا استعمال شائع في لغة المتشرعة.

وثانياً: أن حكم الفقيه يدور مدار المصلحة في المحكوم به وفي الحكم، ولعل العمري لم يكن يرى من المصلحة ان يحكم هو بالتحريم في وقت كان بامكانه أن يتشرف بخدمة الإمام الذي هو أعلم طبعاً بالمصالح والمفاسد، ويأخذ منه الحكم.

وثالثاً: أننا إذا فهمنا من هذا الحديث المروي عن الإمام (عليه السلام) ولاية الفقيه، كان فهمنا حجة، ولا يهمنا أن العمري (رحمه الله) لم يطبق الكبرى على هذا المورد ولو لأجل غفلة له ـ فرضاً ـ في المقام عن كبرى المطلب أو عن صغراه.

الملحق رقم (7)

ان قيل: ان الاطلاق هنا لا يتم، لأن متعلق الاطاعة محذوف

243

ومقدمات الحكمة لا تعين المحذوف، ووظيفتها إنما هي رفض القيد عما هو معين سلفاً.

فإنه يقال: ان الاطلاق هنا ثابت بملاك حذف المتعلق لعدم القدر المتيقن، وحذف المتعلق عند عدم القدر المتيقن يفيد الاطلاق على الخصوص، وإن اطاعة أولي الأمر معطوفة على اطاعة الله ورسوله.

وان اعترض علينا: بأن أمر الآية باطاعة ولي الأمر لا يوسع من دائرة ولايته ووجوب اطاعته حينما لم يثبت له بغض النظر عن الآية تلك الولاية الواسعة، إذ معنى الآية هو وجوب اطاعة كل من هو من أولي الأمر في حدود ما هو من أولي الأمر فيه.

فإنه يقال: ان الآية تصبح بهذا التفسير من سنخ القضية بشرط المحمول، وهو خلاف الظاهر.

ثم ان العلامة الطباطبائي (رحمه الله) في الميزان استفاد من اطلاق الآية الشريفة، وعدم تقييد الاطاعة بصورة ما إذا لم يأمروا بمعصية أو لم يعلم بخطئهم، أن المراد من أولي الأمر هم المعصومون (عليهم السلام).

ولكنا نقول:

أولاً: ان فرض ارادة المعصومين، وإن كان من ناحية الأمر بالإطاعة يجعل الآية بمنزلة ما إذا لم تقيد، ولكن عند دوران الأمر بين التقييد والتقيد لا تجري أصالة عدم التقييد، ولا يترجح التقيد على التقييد.

244

وثانياً: ان عدم لزوم اطاعته في المعصية وكذا فرض العلم بالخطأ على تفصيل في ذلك، لا يحتاج إلى مخصص خارجي، وإنما هو بالتخصيص؛ حيث أن قانون اتباع أمر شخص، أو نذر، أو يمين، أو شرط، أو عقد، أو نحو ذلك، حينما يصدر من مشرع له شريعة وأحكام انما يفهم العرف منه أنه في اطار تلك الأحكام، والجانب الطريقي من الولاية لا يشمل فرض العلم بالخطأ كما هو الحال في سائر الطرق.

وثالثاً: ان حمل أولي الأمر على المعصومين بالخصوص لئن أوجب التجنب عن التقييد في "أطيعوا" فهذا بنفسه تقييد لعنوان أولي الأمر؛ فإن أولي الأمر خارجاً ليسوا بمنحصرين في الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، إذ في أيام الغيبة لا إشكال في الحاجة إلى أولي الأمر غير الإمام، ولو لأجل الأمور الحسبية التي يمكن ممارستها حتى مع عدم بسط اليد.

فنحن وان كنا نتكلم في مصداق أولي الأمر في زماننا هل هو الفقيه أو من يتعين بالشورى أو غير ذلك، لكن أصل وجود أولي الأمر من قبل الاسلام في أيام الغيبة لا ينبغي انكاره، وإلا لكان هذا نقصاً في الاسلام. إذن فتخصيص أولي الأمر في الآية بالمعصومين خلاف الاطلاق، فهذا فرار عن التقييد بتقييد آخر. نعم، لولا الاشكال الأول والثاني لأمكن دعوى ان نتيجة هذا الاشكال الثالث هو إجمال الآية لتعارض الاطلاقين.

245

فإن قلت: انه قد فسر لفظ "أولي الأمر" الوارد في الآية الكريمة في بعض الروايات بالأئمة المعصومين (عليهم السلام)، كما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء قال: ذكرت لأبي عبد الله (عليه السلام) قولنا في الأوصياء أن طاعتهم مفترضة. قال: فقال نعم، هم الذين قال تعالى: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، وهم الذين قال الله عز وجل: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا(1). وسند الحديث تام.

وروى أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن القاسم بن محمد الجوهري عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الأوصياء طاعتهم مفترضة؟ قال: نعم، هم الذين قال الله عز وجل: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، وهم الذين قال الله عز وجل: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون(2). والسند الثاني فيه قاسم بن محمد الجوهري،



(1) أصول الكافي ج1 باب فرض طاعة الأئمة ح7 ص187.

(2) أصول الكافي ج1 باب فرض طاعة الأئمة ح16 ص189، وأما الآية الشريفة أعني آية: ﴿إنما وليكم الله ورسوله فهي في سورة المائدة: الآية 55.

246

ولم يثبت كونه هو قاسم بن محمد الذي روى عنه الأزدي والبجلي اللذان لا يرويان الا عن ثقة، ولكن السند الأول تام.

وجاء في رواية …… السند عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في آية: ﴿أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين(1).

قلنا: هذه الروايات كسائر الروايات الكثيرة المفسرة لبعض العناوين في القرآن كعنوان (الصادقين) وعنوان (الآيات) وعنوان (أهل الذكر) وعنوان (الذين يعلمون) وغير ذلك بالأئمة (عليهم السلام).

والظاهر أنه يقصد بذلك تطبيق الآيات على أبرز المصاديق، ولا يتقبل الفهم العرفي جعل تلك الأخبار قرينة على انحصار المصداق المقصود بالآيات الكريمة بهم (عليهم السلام)، فالعرف يرى أن الأولى من هذا الحمل هو أن نحمل الروايات الماضية على بيان أبرز مصاديق أولي الأمر أو بيان ما هو المصداق في وقت صدور الروايات، في قبال من جعل المصداق عبارة عن الخلفاء المنحرفين.

هذا، وروايات تطبيق أولي الأمر في الآية الشريفة على الأئمة (عليهم السلام) رغم عدم كون أكثرهم مبسوطي اليد ومسيطرين على البلاد تفيدنا في المقام لدفع تشكيك قد يبديه مشكك في المقام بأن يقول:



(1) أصول الكافي ج1 باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة ح1 ص286.

247

ان عنوان أولي الأمر ينصرف إلى ولي الأمر مبسوط اليد (أي آخذ بزمام الحكم فعلاً)، ففي فرض عدم كون الفقيه مبسوط اليد لا يمكن تتميم اطلاق الولاية بالنسبة له بواسطة الآية الكريمة. أو يقول: لعل المقصود من أولي الأمر كل سلطان وقدرة سيطرته على البلاد ولو ظلماً وعدواناً، فنحن مأمورون باطاعته حفظاً لنظام المجتمع مثلاً. فتطبيق أولي الأمر في الروايات على الأئمة (عليهم السلام) لا يبقي أي مجال لشيء من هذه الشبهات.

الملحق رقم (8)

هل يكفي لنفوذ الحكم التجزّي في الاجتهاد أو لابد من الوصول إلى مرتبة الاجتهاد المطلق؟

الجواب: انه كثيراً ما يكون الوصول إلى مرتبة الاجتهاد المطلق دخيلاً في الوثوق بقدرته على اتخاذ موقف صحيح في حكمه من ناحية فقهية، وذلك لاحتمال وجود بحث أو نكتة يرتبطان بالباب الذي لم يصل فيه إلى مرتبة الاجتهاد المطلق، ويؤثران بشكل وآخر في كيفية فهم الحكم في المورد الذي اجتهد فيه. والانسان العامي لا يستطيع عادة أن يميز المورد الذي يمكن فيه الوثوق باجتهاد هذا المتجزّي، لعدم وجود بحث أو نكتة من هذا القبيل عن المورد الذي لا يمكن فيه ذلك، وهذا يوجب سلب

248

الوثوق عن كل موارد اجتهاده. ولا اشكال ـ كما لعله اتضح لك مما مضى ـ في اشتراط الوثوق بالمعنى المناسب من الوثوق للحكم، إما بصريح دليل نفوذ الحكم كما في رواية أحمد بن اسحاق المعللة بالوثاقة، وإما بانصراف اطلاقه كما في التوقيع الشريف، واما لعدم الاطلاق من باب أن دليل أي حكم من الأحكام لا يضمن صدق موضوعه كما هو الحال في الآية الشريفة.

يبقى الكلام في أنه لو اتفق في مورد ما حصول الاطلاع على أن الحكم في مورد اجتهاد هذا المتجزّي ليست له أي علاقة بنكتة أخرى في الموارد التي لم يصل فيها إلى درجة الاجتهاد، فهل ينفذ حكمه في دائرة اجتهاده أو لا؟ وهل ينفذ قضاؤه في الخصومات المرتبطة بدائرة اجتهاده أو لا؟

ان هذا يدور مدار أن نرى أنه هل يفهم من عنوان (رواة أحاديثنا) في التوقيع أو عنوان (روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا) في المقبولة الانحلال أو المجموعية.

ولا يبعد أن يقال: أن ذلك يختلف باختلاف المناسبات؛ فبالنسبة لحجية نقل الرواية تقتضي المناسبات الانحلال، فحجية نقل رواية لا تتوقف على كونه راوياً لكل الروايات أو المقدار المعتد به منها. وبالنسبة لحجية الفتوى والحكم تقتضي المناسبات المجموعية وعدم الانحلال، وذلك بنكتة ما ذكرناه من دخل اطلاق

249

الاجتهاد عادة وفي كثير من الموارد في الوثوق بالحكم والفتوى. فهذه النكتة توجب أن يفهم العرف من الدليل عدم الانحلال، أو ـ على الأقل ـ توجب عدم انعقاد الاطلاق بنحو الانحلال، فلا يصبح حكمه أو فتواه حجة في مورد عرفنا صدفة عدم علاقته بأي نكتة أخرى مرتبطة بباب آخر لم يصل فيه إلى مرتبة الاجتهاد.

وأما رواية أحمد بن اسحاق فهي واردة بشأن العمري وابنه، وهما من الرواة والفقهاء الاجلاء. ويحمل ذلك ـ طبعاً ـ على المثالية ويتعدى إلى غيرهما، ولكن التعدي إنما هو في حدود عدم احتمال الفرق عرفاً، أما بالنسبة للمتجزي فاحتمال الفرق موجود.

وقد اتضح بهذا العرض اشتراط الوصول إلى مرتبة الاجتهاد المطلق في نفوذ الحكم وفي حجية الفتوى معاً.

نعم، لا يشترط استنباطه بالفعل لكل حكم آخر في غير المورد الذي أريدت الاستفادة من حكمه أو فتواه، لأن كونه بالغاً مرتبة الاجتهاد المطلق كاف في حصول الوثوق المطلوب.

الملحق رقم (9)

وليس المعنى المرتكز اسلامياً وشيعياً في ذهن المتشرعة من وجوب اطاعة النبي أو الإمام على الاطلاق، بمعنى وجوب البيعة معه كي تجب اطاعته، بل يرى رأساً وجوب اطاعة المعصوم (عليهم السلام)

250

حتى قبل البيعة.

على أن أكثر ما كان في بيعة النساء عليه مع النبي (صلى الله عليه وآله) ـ كما يظهر من مراجعة الآية الشريفة ـ هي أحكام واجبة إلهياً بيّنها الرسول كمبلغ لا كمجرد ولي الأمر، وذلك من قبيل ترك الشرك بالله والسرقة والقتل والزنا، ولا اشكال في عدم توقف وجوب هذه الامور على البيعة.

أما لو فرض أن البيعة مع المعصوم قيد في الواجب ـ وهو اطاعته فيما يصدره من أوامر بصفته ولياً لا في الوجوب ـ فهذا لا يصبح شاهداً لما هو المقصود من تقليص ولاية الفقيه وتقييدها بالبيعة، كي يثبت أن انتخاب الولي من بين الفقهاء يكون بيد الأمة عن طريق البيعة مع من أرادوا.

ثم ان الاستدلال بالسيرة على اعتبار البيعة: يكون ببعض تقريباته في صالح القول بأن البيعة شرط في فعلية ولاية الفقيه الثابتة بنصوصها، وببعض تقريباته في صالح القول بأن البيعة بذاتها تمنح الولاية بلا حاجة إلى نص آخر للولاية. وهذا هو ما أسميناه بعرض البيعة على الصعيد الأول من البحث.

توضيح ذلك: أن الاستدلال بالسيرة يمكن أن يكون بأحد تقريبات ثلاثة:

الأول: أن يتمسك بالسيرة على البيعة مع من ثبتت ولايتهم

251

بالنص، وهم النبي والأئمة المعصومون (عليهم السلام)، وهذا يكون في صالح جعل البيعة شرطاً في ولاية الفقيه.

ولكن قد عرفت أن البيعة مع النبي والإمام المعصوم لم تكن شرطاً لتمامية الولاية، بل كانت تعهداً بالعمل بما هو الواجب من اطاعتهم (عليهم السلام)، مما يوجب تأكيداً في تحرك الضمير نحو الانصياع للقائد الصحيح.

الثاني: أن يتمسك بسيرة المسلمين على بيعة من لم يكن منصوباً من قبل الله بالنص، وقد كان هذا ـ في الحقيقة ـ بروح منح الولاية لمن يبايعونه. فهذا دليل على أن البيعة بذاتها تمنح الولاية بلا حاجة إلى نص آخر.

صحيح أن الخلفاء الذين بويعوا لم يكونوا ـ في نظر الشيعة ـ مؤهلين للبيعة، اما لفقدان شرائط العلم والعدالة والكفاءة أو لوجود الإمام المعصوم، ومعه لا تصل النوبة إلى أي انسان آخر الا كمنصوب من قبل المعصوم ولو فرض عالماً عادلاً كفؤاً. الا أن هذا يعني الخطأ في المصداق، ولكن تبقى دلالة السيرة على كبرى كون البيعة مانحة للولاية لمن كان واجداً للشرائط ثابتة، سواء فرضناها عبارة عن سيرة المتشرعة أو فرضناها عبارة عن سيرة العقلاء مع عدم ورود الردع بل قد ورد الامضاء لذلك، وهو ما مضى من روايات حرمة نكث الصفقة. فهذا الامضاء أيضاً يحمل في تطبيقه على المصداق المعين

252

على التقية، ولكنه يبقى دالاً على صحة الكبرى.

الا أن التمسك بجزء تحليلي من هذا القبيل للسيرة أو النص بعد سقوط المدلول المطابقي، غير صحيح حسب ما نقحناه في الأصول.

الثالث: أن يقال: بأن ثبوت السيرة العملية للمسلمين في عصر النصوص على البيعة ـ سواء كانت مع من ثبتت ولايته بالنص أو مع غيره ـ توجب انصراف اطلاق دليل الولاية عن فرض عدم البيعة وجعل المفاد العرفي لدليل الولاية وهو وجوب البيعة معه كي يصبح ولياً، وهذا في صالح جعل البيعة شرطاً في ولاية الفقيه بعد فرض ثبوت النص على ولايته.

والجواب: أنه بعد أن كانت بيعتهم تارة بروح منح الولاية لغير المنصوص على ولايته، وأخرى مؤكدة لنفس وجوب الطاعة ومحركة للضمير والوجدان، لا توجب سيرة كهذه انصرافاً كهذا.

ثم لا ننسى أنه لو استفاد أحد من السيرة أو من أي دليل آخر اعتبار البيعة كشرط في ولاية الفقيه أو كمانح للولاية مستقلاً، فهذا في الحقيقة يرجع إلى مسألة التصويت والانتخاب، ويعود ما ذكرناه في بحث الشورى من إشكال أن الشريعة الاسلامية لم تحدد بنود هذا الانتخاب وشروطه. فمثلاً هل تشترط البيعة من قبل أكثرية الأمة أو أهل الحل والعقد ومن هم أهل الحل والعقد؟ أو أن المهم هو

253

بيعة عدد من الناس بحيث يكفي لحصول القدرة على القيام بالأمر وادارة المجتمع أم ماذا؟ وعند الاختلاف هل يرجح بالكم أو الكيف؟ وما إلى ذلك من أسئلة لم يرد عليها جواب في الكتاب أو السنة.

الملحق رقم (10)

أما إذا افترضنا أن هذه الحاجة الاجتماعية لا تقضي بتعيين الفقيه للوقت لأنه غير مبسوط اليد مثلاً ـ أي لا يقدر على تنفيذ ما يحكم به تنفيذاً اجتماعياً عاماً ـ ولا تتبعه الأمة، والفائدة التي تترتب على ذلك إنما هي فائدة شخصية، وهي أن شخصاً ما قد يهتدي عن هذا الطريق إلى الوقت الواقعي ويعمل به. ففي ثبوت ولاية من هذا القبيل للفقيه كي يتسنى له تعيين الوقت لغيره بالحكم اشكال ينشأ من أن المفهوم عرفاً من مثل الأمر باطاعة ولي الأمر ـ بحسب مناسبات الحكم والموضوع ـ هو اطاعته فيما يحتاج عادة فيه إلى المراجعة إلى ولي الأمر لحسم النزاع، أو مصلحة اجتماعية، أو لقصود الفرد أو العنوان كما في التعامل مع السفيه أو في عنوان الفقراء أو ممتلكات المسجد، دون اطاعته في مجرد المصالح الفردية.

فمثلاً لو شخص الفقيه أن من مصلحتي الفردية أن لا أسافر في اليوم الفلاني، فاطلاق الأدلة لا يعطيه ولاية من هذا القبيل كي يحكم عليَّ بعدم السفر. وإذا ثبت حق من هذا القبيل للنبي الذي هو

254

أولى بالمؤمنين من أنفسهم أو للأئمة المعصومين (عليهم السلام)، فهذا لا يوجب أسراءه إلى الفقهاء، لأن هذه الأمور ليست مما يرجع عادة فيها إلى ولي الأمر، فتكون أدلة الولاية العامة للفقهاء منصرفة بمناسبات الحكم والموضوع عنها. على الخصوص إذا كان دليلنا سنخ دليل تم فيه الاطلاق بملاك إفادة حذف المتعلق للعموم عند عدم وجود القدر المتيقن أو بمعونة مناسبة الحال، فعدم الاطلاق حينئذ يكون أوضح.

وعليه نقول: ان موضوع تعيين الوقت حينما لا تترتب عليه مصلحة توحيد الكلمة والمصالح الاجتماعية المترتبة عند بسط يد الحاكم مثلاً، يدخل في المصالح والتصرفات الفردية التي لا ولاية للفقيه فيها.

الا أنه قد يمكن حل الاشكال في خصوص مسألة توقيت الأهلة والشهور، بأن يقال: انه لئن لم يمكن اثبات ذلك ـ في غير فرض ترتب المصالح الاجتماعية الكامنة في توحيد الكلمة باطلاق آية اطاعة ولي الأمر ـ فمن الممكن اثبات ذلك باطلاق رواية أحمد بن اسحاق؛ وذلك لأنه يكفي في شمول اطلاقها لإثبات الولاية في أمر من الأمور وعدم انصراف الاطلاق عنه أو عدم صيرورة غيره هو القدر المتيقن المانع عن انعقاد الاطلاق بملاك حذف المتعلق مجموع أمرين:

255

الأول: أن يكون من المتعارف وقتئذ الرجوع في ذلك الأمر إلى الولاة، وهذا ثابت بالنسبة للمواقيت والأهلة.

الثاني: أن يكون تعارف ذلك عند الولاة والناس على أساس الخطأ في الصغرى، بافتراض الوالي نفسه متقمصاً قميص الإمام، لا على أساس الخطأ في الكبرى، بان يكون قد انتحل لنفسه حقاً لم يكن ثابتاً حتى للوالي المبسوط اليد الشرعي. وهذا ايضاً ثابت في المقام، إذ لا اشكال في أن من حق الإمام الحق المبسوط اليد تعيين الهلال، كما روى الكليني بسند تام عن محمد بن قيس ورواه الصدوق أيضاً بسند تام عن محمد بن قيس (على اختلاف يسير جداً في العبارة) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً، أمر الإمام بالأفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بافطار ذلك اليوم وأخر الصلاة إلى الغد فصلى بهم(1).

هذا إذا كان دليلنا على ولاية الفقيه رواية أحمد بن اسحاق. أما إذا كان دليلنا على ولاية الفقيه توقيع اسحاق بن يعقوب، بناءً على تمامية سنده، وأردنا اثبات المقصود في المقام باطلاق قوله: "فإنهم حجتي عليكم" الثابت بمناسبة الحال الدال على كون الفقيه



(1) الوسائل ج5 ب9 من أبواب صلاة العيد ح1ص104، وح7 ب6 من أبواب أحكام شهر رمضان ح1ص199.

256

ورواي الحديث نائباً عن الإمام في كل ما كان للإمام من حق، فهذا يتوقف اضافة إلى الأمرين الماضيين على أن نثبت مسبقاً ان تعيين الهلال هو من حق الإمام (عليه السلام)، حتى في فرض عدم بسط اليد وعدم ترتب الأثر الاجتماعي المطلوب عليه، وإنه (عليه السلام) لو حكم بالهلال تقدم حكمه على الاستصحاب (بغض النظر عن أن حكمه باعتباره معصوماً يورث العلم بالواقع الرافع لموضوع الاستصحاب أو العلم بالبينة مثلاً المتقدمة على الاستصحاب) فلابد من اثبات ذلك مسبقاً حتى يكون هذا من حقه (عليه السلام)، فيصبح مشمولاً لاطلاق قوله "حجتي عليكم" الدال على حجيته في كل ما كان الإمام حجة فيه، واثبات ذلك يكون عن طريق التمسك باطلاق رواية محمد بن قيس.

هذا لو لم نقل بانصرافه إلى الإمام المبسوط اليد، بقرينة ما فيها من أمر الإمام للناس بالإفطار والصلاة بهم، حيث انه في ذلك الزمان لم يكن من المتعارف ما هو المتعارف عندنا اليوم من صلاة العلماء في العيد وحكمهم بالإفطار علناً رغم عدم كونهم مبسوطي اليد. فقد يقال: ان المنصرف من كلمة الإمام ـ بقرينة هذه الجملة عند العرف ـ هو الإمام المبسوط اليد، أو يقال على الأقل بالإجمال.

257

الملحق رقم (11)

هذا اضافة إلى ما عرفنا من أن اطلاقات دليل الولاية في المقام لم تتم بمجرد مقدمات الحكمة، بل بمناسبات المقام أو بحذف المتعلق مع عدم القدر المتيقن في مقام الخطاب. وواضح أن اطلاقاً من هذا القبيل لا ينعقد في دائرة تعارض دليل حرمة أو وجوب الفعل الثابتين قبل الحكم.

نعم، قد يكون حكم الحاكم مغيراً لموضوع الحكم الالزامي، فينفذ. ونذكر لذلك مثالين:

1 ـ لو وقع البيع على مال اليتيم بحكم الحاكم، جاز لمن يقطع بخطأ الحاكم في تقديره للموقف شراء هذا المال، لأنه يكفي في موضوع صحة البيع وجواز الشراء كونه برضى ولي صاحب المال، وقد رضي الولي بذلك ولو على أساس خطأ له في تقدير الموقف.

2 ـ لو حكم الحاكم بالجهاد واعتقد شخص بحرمته على أساس علمه بأن الخسارات التي تلحق المسلمين في هذه الظروف من الجهاد أكبر من المصالح، ولكنه رأى أنه بعد ان حكم بذلك ستقع هذه الخسارات ـ على أي حال ـ على أساس أن كثيراً من أفراد المجتمع غير العالمين بالخطأ سيطبقون حكمه، ومخالفة

258

البعض لا تقلل من الخسارة، بل قد تزيد الخسارة على أساس التفرقة والاختلاف اللذين سيقعان في المجتمع، إذن فقد انتفى موضوع الحرمة التي كان يعتقد بها هذا الشخص ونفذ الحكم بشأنه.

أما لو لم يكن الحاكم مغيراً لموضوع الحكم الإلزامي من وجوب أو حرمة، فلا يؤثر في تغيير وظيفة الفرد. ولا يختلف ذلك في الحكم الولايتي بين أن يفترض ذلك الحكم الذي خالفه الحاكم واقعياً أو ظاهرياً.

نعم، الحكم الكاشف لو تعارض مع ما يراه الفرد من حكم ظاهري الزامي ولم يعلم الفرد بخطئه أو خطأ مدركه، نفذ بشأنه إذا كان الحكم الظاهري ثابتاً بالأصل أو بالظن في مورد يجب اتباعه لولا الامارة. كما في موارد نقطع باهتمام الشارع بالحكم الواقعي بحيث لو لم تكن أمارة شرعية على تعيينه لابد من اتباع الظن فيه، فعندئذ يتقدم حكم الولي على الأصل أو على ذلك الظن، لكونه أمارة على الواقع، والامارات الشرعية تتقدم على الأصول أو على ظن من هذا القبيل. أما إذا كان الحكم الظاهري ثابتاً بأمارة شرعية أخرى فهنا يقع التعارض بين الأمارتين(1).



(1) بإمكان أحد أن يقول بتقدم حكم الحاكم في هذه الصورة أيضاً، بدعوى أن ظاهر دليل مرجعية المولى ـ بمناسبات الحكم والموضوع ـ أن الشريعة الإسلامية أرادته فيصلاً للأمور، وأن يكون حكمه مقدّماً على سائر الامارات المعارضة له. ولكننا لم نتبنَّ هذا الاستظهار.