76

زمان الأداء وجوه، أقواها الأوّل(1)، ولو كان التلف بإتلاف المغبون لم يرجع عليه بشيء، ولو كان بإتلافِ أجنبيٍّ ففي رجوع المغبون بعد الفسخ على الغابن أو على الأجنبيّ أو يتخيّر في الرجوع على أحدهما وجوه، أقواها الأوّل، ويرجع الغابن على الأجنبيّ، وكذا الحكم لو تلف ما في يد المغبون ففسخ بعد التلف، فإنّه إن كان التلف بفعل الغابن لم يرجع على المغبون بشيء، وإن كان بآفة سماويّة أو بفعل المغبون أو بفعل أجنبيٍّ رجع على المغبون بقيمة يوم التلف(2)، ورجع المغبون على الأجنبيّ إن كان هو المتلف، وحكم تلف الوصف الموجب للأرش حكم تلف العين.

 

الخامس: خيار التأخير:

ويتحقّق فيما إذا باع سلعةً ولم يقبض الثمن ولم يسلِّم المبيع، فإنّه يلزم البيع ثلاثة أيّام، فإن جاء المشتري بالثمن فهو أحقّ بالسلعة، وإلّا فللبائع فسخ البيع(3)، ولو تلفت السلعة كانت من مال البائع، سواء أكان التلف في الثلاثة أم بعدها حال ثبوت الخيار وبعد سقوطه(4).



(1) بل الظاهر هو قيمة يوم الأداء، وذلك على أساس إنكارنا للفرق بين المثليّ والقيميّ.

(2) بل بقيمة يوم الأداء، كما تقدّم في التعليق السابق.

(3) ظاهر الروايات بطلان البيع وانفساخه(1).

فلو فسخ البائع، فلا مشكلة في المقام؛ لأنّه قد انتهى حكم البيع على كلّ حال: إمّا بالفسخ، أو بالانفساخ، وإن أراد إمضاء البيع، فالأحوط التصالح بينهما.

(4) إن لم تتحقّق التخلية من قبل البائع، فهذه الفتوى صحيحة، وأمّا إن تحقّقت


(1) راجع الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 9 من الخيار، ص 21 ـ 22.

77

(مسألة: 36) الظاهر أنّ قبض بعض الثمن كَلاَ قبض، وكذا قبض بعض المبيع(1) وإن كان فيه وجوه.

(مسألة: 37) المراد بالثلاثة أيّام: الأيّام البيض، ويدخل فيها الليلتان المتوسّطتان دون غيرهما، ويجزي في اليوم الملفّق، كما تقدّم في مدّة خيار الحيوان.

(مسألة: 38) يشترط في ثبوت الخيار المذكور عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين، وإلّا فلا خيار(2).

(مسألة: 39) لا إشكال في ثبوت الخيار المذكور فيما لو كان المبيع شخصيّاً، وفي ثبوته إذا كان كلّيّاً في الذمّة قولان، فالأحوط وجوباً عدم الفسخ إلّا برضا الطرفين.

(مسألة: 40) يختصّ هذا الخيار في البيع، ولا يجري في غيره.

(مسألة: 41) ما يفسده المبيت مثل بعض الخضر والبقول واللحم في بعض الأوقات يثبت الخيار فيه عند دخول الليل(3)، فإذا فسخ جاز له أن يتصرّف في



التخلية من قبله، ولكن المشتري أبقاها عنده: فإن تلفت قبل انتهاء الثلاثة، فهي من مال المشتري، وإن تلفت بعد الثلاثة، فالأحوط التصالح بينهما(1).

(1) لا يبعد كونه مؤثّراً في تصحيح البيع، أو لزومه من هذه الناحية بذاك المقدار.

(2) ولا بطلان.

(3) المقياس في الأمر ليس هو دخول الليل، بل هو خوف فوات الثمن بتلف المبيع،


(1) لأنّه: إن قلنا بالبطلان، فهي من مال البائع، وإن لم نقل بالبطلان والمفروض تماميّة التخلية، فهي من مال المشتري.

78

المبيع كيف يشاء، ويختصّ هذا الحكم بالمبيع الشخصيّ.

(مسألة: 42) يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد الثلاثة(1)، وفي سقوطه بإسقاطه قبلها، وباشتراط سقوطه في ضمن العقد إشكال، والظاهر عدم سقوطه ببذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل فسخ البائع، ولا بمطالبة البائع للمشتري بالثمن. نعم، الظاهر سقوطه بأخذه الثمن منه بعنوان الجري على المعاملة، لا بعنوان العارية أو الوديعة، ويكفي ظهور الفعل في ذلك ولو بواسطة بعض القرائن.

(مسألة: 43) في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي قولان، أقواهما الأوّل(2).



وتوضيح ذلك: أنّه في المعاملات المبنيّة على النقد دون النسيئة يوجد شرط ضمنيّ عقلائيّ، وهو شرط الوثوق بعدم فوات الثمن قبل فساد المبيع بفترة يمكن للبائع فيها مع عدم هذا الوثوق فسخ البيع والاستفادة من ماله، فلو تخلّف هذا الشرط، تحقّق للبائع خيار تخلّف الشرط.

هذا كلّه فيما إذا كان تأخير الثمن باستمهال من المشتري لبعض الوقت، وإلّا فمجرّد التأخير بأكثر من مقدار يسمح له الارتكاز العرفيّ يوجب الخيار للبائع ولو لم يكن في البين خوف فساد المبيع، وهذا لا علاقة له بمحلّ البحث.

كما أنّ التأخير بأكثر من مقدار الاستمهال بما لا يتسامح به العرف يوجب الخيار حتّى مع عدم خوف فساد المبيع، وهذا أيضاً لا علاقة له بمحلّ البحث.

(1) في سقوطه ـ ولو بعد الثلاثة ـ إشكال، وبناءً على البطلان بعد الثلاثة، فالإسقاط بعد الثلاثة لا موضوع له.

(2) لو قلنا بالخيار، فعدم الفور أقوى، أمّا لو قلنا بالبطلان، فالأمر واضح.

79

 

السادس: خيار الرؤية:

ويتحقّق فيما لو رأى شيئاً ثمّ اشتراه فوجده على خلاف ما رآه، أو اشترى موصوفاً غير مشاهَد فوجده على خلاف الوصف، فإنّ للمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء.

(مسألة: 44) لا فرق في الوصف الذي يكون تخلّفه موجباً للخيار بين وصف الكمال الذي تزيد به الماليّة لعموم الرغبة فيه وغيره إذا اتّفق تعلّق غرض للمشتري به، سواء أكان على خلاف الرغبة العامّة مثل كون العبد اُمّيّاً لا كاتباً ولا قارئاً، أم كان مرغوباً فيه عند قوم ومرغوباً عنه عند قوم آخرين، مثل اشتراط كون القماش أصفر لا أسود.

(مسألة: 45) الخيار هنا بين الفسخ والردّ وبين ترك الفسخ وإمساك العين مجّاناً، وليس لذي الخيار المطالبة بالأرش لو ترك الفسخ، كما أنّه لا يسقط الخيار ببذل البائع الأرش، ولا بإبدال العين بعين اُخرى واجدة للوصف.

(مسألة: 46) كمايثبت الخيار للمشتري عند تخلّف الوصف يثبت للبائع عند تخلّف الوصف إذا كان قد رأى المبيع سابقاً فباعه بتخيّل أنّه على ما رآه(1) فتبيّن خلافه، أو باعه بوصف غيره فانكشف خلافه.

(مسألة: 47) المشهور أنّ هذا الخيار على الفور، وهو الأقرب(2).

(مسألة: 48) يسقط هذا الخيار بترك المبادرة(3) إلى الفسخ بعد الرؤية،



(1) لا دليل على ثبوت الخيار للبائع في هذا الفرض. نعم، إذا وجد الثمن على خلاف رؤية أو وصف سابقين، فلا يبعد عطفه على المشتري حينما يجد المبيع على خلاف رؤية أو وصف سابقين، فيثبت له الخيار.

(2) بل الأقرب عدم سقوط الخيار بعدم المبادرة.

(3) تقدّم أنّ الأقرب عدم السقوط بذلك.

80

وبإسقاطه بعد الرؤية، بل قبلها، وبالتصرّف بعد الرؤية إذا كان دالّاً على الالتزام بالعقد، وكذا قبل الرؤية إذا كان كذلك، وفي جواز اشتراط سقوطه في ضمن العقد وجهان، أقواهما ذلك فيسقط به.

(مسألة: 49) مورد هذا الخيار بيع العين الشخصيّة ولا يجري في بيعالكلّيّ، فلو باع كلّيّاً موصوفاً ودفع إلى المشتري فرداً فاقداً للوصف لم يكن للمشتري الخيار، وإنّما له المطالبة بالفرد الواجد للوصف. نعم، لو كان المبيع كلّيّاًفي المعيّن كما لو باعه صاعاً من هذه الصبرة الجيّدة فتبيّن الخلاف كان لهالخيار.

 

السابع: خيار العيب:

وهو فيما لو اشترى شيئاً فوجد فيه عيباً، فإنّه يتخيّر بين الفسخ والإمساك بالأرش(1)، ولا فرق بين المشتري والبائع، فلو وجد البائع عيباً في الثمن كان له الخيار المذكور.

(مسألة: 50) يسقط هذا الخيار باُمور:

الأوّل: الالتزام بالعقد، بمعنى اختيار عدم الفسخ، ومنه التصرّف في المعيب



(1) لم نجد في الروايات جواز المطالبة بالأرش في عرض إمكانيّة الفسخ(1).


(1) وفي صحيح داود بن فرقد: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل اشترى جارية مدركة لم تحض عنده حتّى مضى لها ستّة أشهر وليس بها حمل، فقال: إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر، فهذا عيب تردّ منه». الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من أحكام العيوب، ح 1، ص 101.

فهذا إنّما ذكر الردّ دون الأرش، وروايات الأرش كلّها وردت بعد فرض عدم إمكانيّة الردّ لتصرّف مانع عن الردّ. راجع ب 4 من نفس تلك الأبواب.

81

تصرّفاً يدلّ على اختيار عدم الفسخ.

الثاني: تلف العين.

الثالث: خروجها عن الملك ببيع أو عتق أو هبة(1) أو نحو ذلك.

الرابع: التصرّف الخارجيّ في العين الموجب لتغيير العين، مثل تفصيل الثوب وصبغه وخياطته ونحوها.

الخامس: التصرّف الاعتباريّ إذا كان كذلك، مثل إجارة العين ورهنها(2).

السادس: حدوث عيب فيه بعد قبضه من البائع، ففي جميع هذه الموارد ليس له فسخ العقد. نعم، يثبت له الأرش لاغير.

(مسألة: 51) يسقط الأرش دون الردّ فيما لو كان العيب لا يوجِب نقصاً في الماليّة(3)، كالخصاء في العبيد إذا اتّفق تعلّق غرض نوعيٍّ به بحيث صارت قيمة الخصي تساوي قيمة الفحل، وإذا اشترى ربويّاً بجنسه فظهر عيب في أحدهما قيل: لا أرش حذراً من الربا، لكنّ الأقوى جواز أخذ الأرش(4).

(مسألة: 52) يسقط الردّ والأرش باُمور:

الأوّل: العلم بالعيب قبل العقد.



(1) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في تعليقه على هذا الكلام ـ ونِعْم ما أفاد ـ: «هذا إذا كان خروجها بنحو لازم، وأمّا إذا كان ببيع خياريٍّ أو هبة جائزة مثلاً، فلا يبعد عدم سقوط الخيار وكون إعماله بنفسه من قبل المشتري فسخاً لما أحدثه من بيع أو هبة».

(2) على التفصيل المتقدّم الذي نقلناه عن اُستاذنا في التعليق السابق.

(3) يشكل ثبوت خيار العيب مع عدم النقص في الماليّة بسبب العيب.

(4) إن كان الأرش يؤخذ بالنقد، فلا موضوع لأصل الإشكال. نعم، لو فرض أخذ الأرش بنفس الجنس الربويّ، ورد الإشكال. وعلى أيّ حال، فقد عرفت أنّه مع إمكانيّة الردّ لا تصل النوبة إلى حقّ المطالبة بالأرش.

82

الثاني: تبرّؤ البائع من العيوب، بمعنى اشتراط عدم رجوع المشتري عليه بالثمن أو بالأرش.

الثالث: تأخير اختيار الفسخ والإمساك بالأرش ؛ لأنّ الأقوى أنّ الخيار هنا على الفور(1)، فإذا لم يبادر إليه سقط، وكذا الحكم في أمثاله(2).

(مسألة: 53) المراد من العيب ما كان على خلاف مقتضى الخلقة الأصليّة، سواء أكان نقصاً مثل العَور والعَمى والصمم والخرس والعرج ونحوها، أم زيادةً مثل الإصبع الزائدة واليد الزائدة. أمّا ما لم يكن على خلاف مقتضى الخلقة الأصليّة لكنّه كان على خلاف الغالب مثل كون الأرض مورداً لنزول العساكر، وكون الفرس غير ممرّن في السير، ففي كونه عيباً بحيث يثبت به الأرش إشكال وإن كان هو الأظهر(3).

(مسألة: 54) إذا كان العيب موجوداً في أغلب أفراد ذلك الصنف مثل الثيبوبة في الإماء، فالظاهر عدم جريان حكم العيب عليه.



(1) الفور بمعناه العرفيّ لا دليل عليه؛ لأنّه لم يرد ذلك قيداً في النصّ. نعم، لا يجوز التأخير إلى حدّ يعدّ إهمالاً.

(2) بل الصحيح ما أفاده اُستاذنا في المقام: من أنّ الأمر يختلف باختلاف الخيارات، فما كان مدركه الجعل الصريح من قبل المتعاملين اتّبع مقدار جعله، وما كان مدركه الجعل الضمنيّ من قبل المتعاملين في موارد تخلّف الشروط العامّة من قبلهما كخيار الغبن فهو مبنيّ على الفوريّة العرفيّة، وما كان ثابتاً بدليل شرعيّ اُخذ بإطلاقه إن كان له إطلاق.

(3) بشرط صدق العيب عرفاً، وعندئذ يثبت حقّ الردّ، ومع سقوط الردّ تصل النوبة إلى الأرش. أمّا في مورد عدم صدق العيب عرفاً، فإن كانت الغلبة بشكل تؤدّي إلى ارتكاز الشرطيّة، دخل ذلك في خيار تخلّف الشرط، لا في خيار العيب.

83

(مسألة: 55) لا يشترط في العيب أن يكون موجباً لنقص الماليّة(1). نعم، لا يثبت الأرش إذا لم يكن كذلك، كما تقدّم.

(مسألة: 56) كما يثبت الخيار بالعيب الموجود حال العقد كذلك يثبت بالعيب الحادث بعده قبل القبض، فيجوز ردّ العين به، وفي جواز أخذ الأرش به قولان. هذا إذا كان حدوثه بأمر سماويّ، أمّا إذا كان بفعل المشتري فلا أثر له، ولو كان بفعل غيره رجع على الجاني بالأرش، ولا خيار على الأحوط.

(مسألة: 57) يثبت خيار العيب: في الجنون والجذام والبرص والقرن(2) إذا حدثت بعد العقد إلى انتهاء السنة من تاريخ الشراء.

(مسألة: 58) كيفيّة أخذ الأرش: أن يقوَّم المبيع صحيحاً، ثمّ يقوَّم معيباً، وتلاحظ النسبة بينهما ثمّ ينقص من الثمن المسمّى بتلك النسبة، فإذا قوِّم صحيحاً بثمانية ومعيباً بأربعة وكان الثمن أربعةً ينقص من الثمن النصف وهو اثنان، وهكذا، ويرجع في معرفة قيمة الصحيح والمعيب إلى أهل الخبرة، ولا بدّ من



(1) بل يشكل ثبوت الخيار مع عدم النقص في الماليّة بسبب العيب. نعم، لو كانت الحالة المفقودة حالة غالبيّة بحيث أصبح وجودهاشرطاً ارتكازيّاً، ثبت عندئذ خيار تخلّف الشرط.

(2) إلحاق القرن في الحكم المذكور بالعيوب الثلاثة لا يخلو من تأمّل(1).


(1) لأنّه غير وارد في حديث تامّ السند في أحداث السنة. نعم، رواه صاحب الوسائل عن الشيخ بسنده إلى أحمد بن محمّد بن عيسى عن أبي همام بإضافة كلمة القرن. راجع الوسائل،ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 2 من أحكام العيوب، ح 2، ص 99.

وهذا السند تامّ، ولكن كلمة القرن غير موجودة في التهذيب، ج 7، ح 273، ص 63 بحسب طبعة الآخونديّ.

84

التعدّد والعدالة(1).

(مسألة: 59) إذا اختلف أهل الخبرة في قيمة الصحيح والمعيب: فإن اتّفقت النسبة بين قيمتَي الصحيح والمعيب على تقويم بعضهم مع قيمتها على تقويم البعض الآخر فلا إشكال، كما إذا قومّ بعضهم الصحيح بثمانية والمعيب بأربعة، وبعضهم الصحيح بستّة والمعيب بثلاثة، فإنّ التفاوت على كلٍّ من التقويمين يكون بالنصف، فيكون الأرش نصف الثمن، وإذا اختلفت النسبة كما إذا قوّم بعضهم الصحيح بثمانية والمعيب بأربعة، وبعضهم الصحيح بثمانية والمعيب بستّة ففيه وجوه وأقوال، والذي تقتضيه القواعد سقوط التقويمين والبناء على الأقلّ(2)عملا بالأصل، والأحوط التصالح.

(مسألة: 60) إذا اشترى شيئين بثمنين صفقةً فظهر عيب في أحدهما كان له الخيار بين الإمساك وأخذ الأرش(3) وبين ردِّ المعيب وحده، فإن اختار الثاني



(1) لو عدّ المخبر من أهل الخبرة الذين يحكون عن رأيهم بالحدس والتخمين الخبرويّ لا عن الإخبار الاعتياديّ، فهذا داخل في حجّيّة كلام أهل الخبرة على الآخرين، لا في حجّيّة خبر الثقة حتّى يحتاج إلى شرائط البيّنة. أمّا لولم يكن كذلك كما هو الغالب في الموارد المتعارفة، فلا بدّ من شرائط البيّنة؛ لا ستشكالنا في حجّيّة خبر الثقة في الموضوعات.

(2) يعني: أقلّ النسبتين.

أقول: إن كانت أوسعيّة خبرويّة أحدهما إلى حدّ أسقطت كاشفيّة الآخر وأماريّته وبقيت هي وحدها تملك الكاشفيّة والأماريّة فلا إشكال في أنّه هو الحجّة، وإلّا فلو أصرّ كلّ من الطرفين على مطالبته بحقّه، وصلت النوبة إلى القرعة، ولا بدّ من إجرائها بيد حاكم الشرع.

(3) قد عرفت أنّ المطالبة بالأرش إنّما تجوز له بعد سقوط الردّ.

85

كان للبائع الفسخ في الصحيح، وكذا إذا اشترى شيئين بثمن واحد لكن ليس له ردّ المعيب وحده(1)، بل إمّا أن يردّهما معاً أو يختار الأرش.

(مسألة: 61) إذا اشترك شخصان في شراء شيء فوجداه معيباً فليس لأحدهما أن يردّ حصّته(2)، بل إمّا أن يردّاه جميعاً أو يأخذا الأرش(3).

(مسألة: 62) لو زال العيب قبل ظهوره للمشتري ففي سقوط الخيار إشكال، وإن كان الأظهر سقوط الردِّ وثبوت الأرش(4).

 

تذنيب في أحكام الشرط:

(مسألة: 63) كما يجب الوفاء بالعقد اللازم يجب الوفاء بالشرط المجعول فيه، كما إذا باعه فرساً بثمن معيّن واشترط عليه أن يخيط له ثوباً، فإنّ البائع يملك على المشتري الخياطة بالشرط، فيجب عليه خياطة ثوب البائع. ويشترط في وجوب الوفاء بالشرط اُمور:

منها: أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنّة، بأن لا يكون الشرط على خلاف الحكم الشرعيّ الاقتضائيّ، كما إذا استأجره للعمل في نهار شهر رمضان



(1) بل حاله حال الفرع السابق. نعم، لو كان الشيئان بحكم المال الواحد عرفاً كزوجَي الحذاء، كان عليه ردّهما معاً ولو كان العيب في أحدهما. هذا لو كان العمل وفق خيار العيب، أمّا لو كان العمل وفق الشرط المرتكز، وكان الارتكاز العقلائيّ يساعد على حقّ تبديل الفرد المعيوب بفرد صحيح كان له ذلك.

(2) بل له ذلك، وللبائع عندئذ خيار تبعّض الصفقة.

(3) قد عرفت الإشكال في الأرش مع إمكانيّة الردّ.

(4) سقوط الردّ صحيح، ولا تصل النوبة إلى الأرش؛ لأنّ الأرش إنّما تصل النوبة إليه حينما يسقط الردّ بتصرّف مسقط، لا بزوال العيب.

86

بشرط أن يفطر، أو زوّجه أمته بشرط أن يكون ولدها رقّاً، وأمثال ذلك ممّا دلّ دليل الحكم الشرعيّ على كونه اقتضائيّاً، فإنّ الشرط على خلاف مثل هذا الحكم باطل.

ومنها: أن لا يكون منافياً لمقتضى العقد، كما إذا باعه بشرط أن لا يكون له ثمن، أو آجره الدار بشرط أن لا تكون لها اُجرة.

ومنها: أن يكون مذكوراً في ضمن العقد صريحاً أو ضمناً، كما إذا قامت القرينة على كون العقد مبنيّاً عليه ومقيَّداً به إمّا لذكره قبل العقد أو لأجل التفاهم العرفيّ، مثل اشتراط استحقاق التسليم حال التسليم، فلو ذكر قبل العقد ولم يكن العقد مبنيّاً عليه عمداً أو سهواً لم يجب الوفاء به(1).

ومنها: أن يكون مقدوراً عليه(2)، بل لو علم عدم القدرة لم يمكن إنشاء الالتزام به.

قيل: ومنها: أن لا يلزم منه محال، ومثّل له بما إذا باعه وشرط عليه أن يبيعهعليه، لكنّ التمثيل غير ظاهر(3)، ولو صحّ كان اشتراط القدرة كافيةً عنه.



(1) صحيح أنّه لو لم يفِ به، لا يوجب ذلك خيار تخلّف الشرط؛ لأنّ العقد لم يكن مبنيّاً عليه حتّى يدخله الخيار، ولكن ما يسمّى بالشرط الابتدائيّ كثيراً مّا يرجع إلى الربط بين أمرين، فيصبح بذاته عقداً يجب الوفاء به، ويشمله دليل: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾، ودليل: «المؤمنون عند شروطهم»، وكثيراً مّا يرجع إلى العهد، ويشمله دليل: ﴿أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾.

(2) نعم، القدرة شرط وجوب الوفاء، ولكنّها ليست شرطاً لثبوت خيار تخلّف الشرط، فلو التزم بأمر غير مقدور لتخيّل القدرة عليه، وانكشف بعد ذلك عجزه عنه، ثبت للطرف الآخر الخيار.

(3) بل ظاهر بطلانه.

87

نعم، ربّما يستفاد بطلان الشرط في المثال المذكور من بعض الروايات(1)، لكن لالما ذكر.

قيل: ومنها: أن لا يكون مجهولا، وأن لا يكون معلّقاً، وفيه نظر ؛ لعدم دليل ظاهر عليه وإن كان أحوط.

(مسألة: 64) إذا امتنع المشروط عليه من فعل الشرط كان للمشروط له إجباره عليه، فإذا تعذّر إجباره كان للمشروط له الخيار في الفسخ(2)، وليس له الخيار مع التمكّن من الإجبار(3).

(مسألة: 65) إذا لم يتمكّن المشروط عليه من فعل الشرط كان للمشروط له الخيار في الفسخ، وليس له المطالبة بقيمة الشرط، سواء كان عدم التمكّن لقصور فيه كما لو اشترط عليه صوم يوم فمرض فيه، أو كان لقصور في موضوع الشرط كما لو اشترط عليه خياطة ثوب فتلف، وفي الجميع له الخيار لاغير.



(1) وهي روايات العينة(1)، ولكنّها إنّما تدلّ على بطلان البيع، لا على بطلان الشرط فحسب، ويختصّ البطلان المستفاد منها ببعض الفروض، وهو ما إذا باع شيئاً بثمن في الذمّة واشترط شراءه له بثمن أقلّ. والبطلان هذا ثابت عندنا حتّى لولا النصّ؛ لأنّ مرجع ذلك إلى الحيلة الربويّة في الربا القرضيّ.

(2) الصحيح: أنّ المشروط له مخيّر بين الفسخ وأخذ قيمة العمل الذي شرطه، أمّا الأوّل فلتخلّف الشرط، وأمّا الثاني فلأنّه كان مالكاً لذاك العمل وقد أتلفه عليه المتخلّف.

(3) لا يبعد ثبوت الخيار برغم تمكّنه من إجباره.


(1) الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 5 من أحكام العقود، ح 4 و6،ص 42. والصحيح سنداً هو الثاني.

88

 

الفصل الخامس

في أحكام الخيار

وفيه مسائل:

(مسألة: 1) الخيار حقّ من الحقوق، فإذا مات من له الخيار انتقل إلى وارثه(1)، ويحرم منه من يحرم من إرث المال بالقتل أو الكفر أو الرقّ، ويحجب عنه ما يحجب عن إرث المال. ولو كان العقد الذي فيه الخيار متعلّقاً بمال يحرم



(1) موضوع دليل الإرث المقبول عندنا فقهيّاً كقوله تعالى: ﴿إِنْ تَركَ خَيْراً...﴾ وقوله تعالى: ﴿للرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ...﴾ إنّما هو الأعيان حتّى التي تكون في وعاء ذمّة الغير، وليس الإرث إلّا بمعنى قيام الوارث مقام المورّث في تلك الأعيان الباقية فيما كان للمورّث من حقّ على تلك العين، سواء كان ذاك الحقّ عبارة عن الملكيّة، أو حقّ التحجير، أو نحو ذلك.

ويترتّب على ذلك:

أوّلاً: أنّ من يكون محروماً عن إرث العين لا معنى لانتقال تلك الحقوق إليه.

وثانياً: أنّ حقّ الخيار الذي يكون متعلّقه العقد وليس العين لا معنى لانتقاله إلى الوارث أصلاً.

نعم، قد يثبت للوارث حقّ الخيار بنفس الدليل الذي ثبت به للمورّث، ومثاله: خيار الغبن للشخص المغبون والذي تكون عمدة دليله ارتكاز الحقّ العقلائيّ في الفسخ، وهذا الحقّ ممضى شرعاً بعدم الردع، بل وبالإمضاء بـ (لا ضرر)؛ إذ يعتبر هذا الحقّ المرتكز له ضرراً عليه، فإذا مات المغبون وبالتالي شمل الغبن الوارث، فنفس الارتكاز العقلائيّ موجود بشأن الوارث، فالخيار يثبت له، لا بالإرث، بل بنفس دليل ثبوته للمورّث.

89

منه الوارث كالحبوة المختصّة بالذكر الأكبر والأرض التي لا ترث منها الزوجة ففي حرمان ذلك الوارث من إرث الخيار وعدمه أقوال، أقربها حرمانه(1) إذا كان منتقلا من الميّت، فلو باع الميّت أرضاً وكان له الخيار لم ترث منه الزوجة، ولو كان قد اشترى أرضاً وكان له الخيار ورثت منه(2) كغيرها من الورثة.

(مسألة: 2) إذا تعدّد الوارث للخيار(3) فالظاهر أنّه لا أثر لفسخ بعضهم بدون انضمام الباقين إليه، لا في تمام المبيع ولا في حصّته، إلّا إذا رضي من عليه الخيار فيصحّ في حصّته.

(مسألة: 3) إذا فسخ الورثة بيع مورِثهم: فإن كان عين الثمن موجوداً دفعوه إلى المشتري، وإن كان تالفاً أو بحكمه اُخرج من تركة الميّت كسائر ديونه، فإن لم يكن له تركة سوى المبيع تعلّق به، فيباع ويوفّى منه(4)، فإن لم يفِ بتمام الثمن بقي في ذمّته ولا يجب على الورثة وفاؤه.

(مسألة: 4) لو كان الخيار لأجنبيٍّ عن العقد فمات: فإن كان المقصود من جعل الخيار له مباشرته للفسخ أو كونه بنظره لم ينتقل إلى وارثه، وإن جعل مطلقاً انتقل إليه(5).



(1) قد عرفت أنّ أصل إرث الخيار غير صحيح.

(2) قد عرفت أنّ أصل إرث الخيار غير صحيح.

(3) قد مضى أنّ أصل إرث الخيار لا معنى له؛ لأنّ الخيار حقّ متعلّق بالعقد، لا بالعين.

(4) قد عرفت أنّ الخيار حينما يثبت للوارث لا يثبت بالإرث، وإنّما بنفس الدليل الابتدائيّ للخيار، وعندئذ فالثمن إن كان تالفاً تعلّق بذمّة نفس الوارث، لا بالتركة.

(5) قد عرفت أنّ أصل إرث الخيار لا معنى له.

90

(مسألة: 5) إذا تلف المبيع في زمان الخيار في بيع الحيوان فهو من مال البائع، وكذا إذا تلف قبل انتهاء مدّة الخيار في خيار الشرط إذا كان الخيار للمشتري، أمّا إذا كان للبائع أو تلف في زمان خيار المجلس بعد القبض ففي كونه من مال البائع إشكال(1).



(1) بل منعٌ، فالظاهر أنّه من مال المشتري.

91

 

الفصل السادس

في ما يدخل في المبيع

(مسألة: 1) من باع شيئاً دخل في المبيع ما يقصد المتعاملان دخوله فيه دون غيره، ويعرف قصدهما بما يدلّ عليه لفظ « المبيع » وضعاً أو بالقرينة العامّة أو الخاصّة، فمن باع بستاناً دخل فيه الأرض والشجر والنخل والطوف والبئر والناعور والحضيرة ونحوها ممّا هو من أجزائها أو توابعها، أمّا من باع أرضاً فلا يدخل فيها الشجر والنخل الموجودان، وكذا لا يدخل الحمل في بيع الاُمّ، ولا الثمرة في بيع الشجرة. نعم، إذا باع نخلا فإن كان التمر مؤبَّراً فالتمر للبائع، وإن لم يكن مؤبَّراً فهو للمشتري(1)، ويختصّ هذا الحكم ببيع النخل، أمّا بنقل النخل بغير البيع أو بيع غير النخل من سائر الشجر فالثمر فيه للبائع مطلقاً وإن لم يكن مؤبَّراً. هذا إذا لم تكن قرينة على دخول الثمر في بيع الشجر، أو الشجر في بيع الأرض، أو الحمل في بيع الدابة. أمّا إذا قامت القرينة على ذلك وإن كانت هي المتعارف عمل عليها وكان جميع ذلك للمشتري.

(مسألة: 2) إذا باع الشجر وبقي الثمر للبائع واحتاج إلى السقي جاز للبائع



(1) الظاهر عدم الفرق بين المؤبّر ـ أي الملقّح ـ وغيره؛ لأنّ نصوص قضاء رسول الله(صلى الله عليه وآله)(1) بذلك غير واضحة في حكم تعبّديّ، ويحتمل حملها على ما كان متعارفاً في وقته، فالمعيار في كلّ هذه الاُمور هو الفهم العرفيّ.


(1) راجع الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 32 من أحكام العقود،ص 92 ـ 93.

92

سقيه، وليس للمشتري منعه(1)، وكذلك إذا لم يحتج إلى السقي لم يجب على البائع سقيه(2) وإن أمره المشتري بذلك. نعم، لو تضرّر أحدهما بالسقي والآخر بتركه ففي تقديم حقّ البائع أو المشتري وجهان، بل قولان، أرجحهما الثاني(3).

(مسألة: 3) إذا باع بستاناً واستثنى نخلةً ـ مثلا ـ فله الممرّ إليها والمخرج منها، ومدى جرائدها وعروقها من الأرض، وليس للمشتري منع شيء من ذلك.

(مسألة: 4) إذا باع داراً دخل فيها الأرض والبناء الأعلى والأسفل، إلّا أن يكون الأعلى مستقلاًّ من حيث المدخل والمخرج، فيكون ذلك قرينةً على عدم دخوله، وكذا يدخل في بيع الدار السراديب والبئر والأبواب والأخشاب الداخلة في البناء، وكذا السلَّم المثبَّت، بل لا يبعد دخول ما فيها من نخل وشجر وأسلاك كهربائيّة وأنابيب الماء ونحو ذلك ممّا يعدّ من توابع الدار، حتّى مفتاح الغلق، فإنّ ذلك كلَّه داخل في المبيع، إلّا مع الشرط.

(مسألة: 5) الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن المتكوّنة فيها تدخل في بيعها(4)، بخلاف الأحجار المدفونة فيها والكنوز المودَعة فيها ونحوها فإنّها خارجة.



(1) إذا كان البائع قد اشترط إبقاء الثمرة على الشجر، واحتاج إلى السقي، جاز له سقيه، وأمّا إن لم يكن قد اشترط ذلك: فإن كان المشتري لا يتضرّر بسبب السقي وكان البائع يتضرّر بتركه، جاز له أيضاً سقيه، وإن كان المشتري يتضرّر بسبب السقي والبائع يتضرّر بتركه، فسيأتي حكمه إن شاء الله.

(2) بل لم يجز مع عدم إذن المشتري.

(3) أفاد اُستاذنا(رحمه الله) ـ ونِعْم ما أفاد ـ: «إذا كان هناك شرط لأحدهما على الآخر بهذا الشأن اتّبع، وإلّا فلا يبعد جواز السقي لمن ينتفع به مع ضمان أرش النقص للآخر، وجواز المنع من السقي لمن ينتفع بتركه مع ضمان أرش النقص للآخر».

(4) بل هي من الأنفال.

93

 

الفصل السابع

في التسليم والقبض

(مسألة: 1) يجب على المتبايعين تسليم العوضين عند انتهاء العقد إذا لم يشترطا التأخير، ولا يجوز لواحد منهما التأخير مع الإمكان إلّا برضا الآخر، فإن امتنعا اُجبرا، ولو امتنع أحدهما مع تسليم صاحبه اُجبر الممتنِع، ولو اشترط أحدهما تأخير التسليم إلى مدّة معيّنة جاز، وليس لصاحبه الامتناع عن تسليم ماعنده حينئذ، كما يجوز أن يشترط البائع لنفسه سكنى الدار أو ركوب الدابّة أو زرع الأرض، أو نحو ذلك من الانتفاع بالمبيع مدّةً معيّنة.

(مسألة: 2) التسليم والقبض فيما لا ينقل هو التخلية برفع المانع عنه والإذن لصاحبه في التصرّف، أمّا في المنقول فلا بدّ فيه من الاستيلاء عليه على نحو خاصٍّ(1)، فيحصل في الثوب بأخذه وبلبسه، وفي الدابّة بركوبها وأخذ لجامها، وفي الدرهم والدينار بأخذه.

(مسألة: 3) إذا تلف المبيع بآفة سماويّة أو أرضيّة قبل قبض المشتري انفسخ البيع، وكان تلفه من مال البائع ورجع الثمن إلى المشتري، وكذا إذا تلف الثمن قبل قبض البائع، ولو تعذّر الوصول إليه كما لو سرق أو غرق أو نهب أو أبق العبد أو أفلت الطائر أو نحو ذلك فهو بحكم التلف، ولو أمر المشتري البائع بتسليمه إلى شخص معيّن فقبضه كان بمنزلة قبض المشتري، وكذا لو أمره بإرساله إلى بلده أو



(1) بل الظاهر ما أفاده اُستاذنا(رحمه الله): من كفاية التخلية في حصول التسليم الواجب، وفي الخروج عن عهدة ضمان المبيع قبل قبضه، وكذلك الأمر في الثمن.

94

غيره فأرسله كان بمنزلة قبضه، ولا فرق بين تعيين المرسَل معه وعدمه، والأقوىعدم عموم الحكم المذكور لما إذا أتلفه البائع أو الأجنبيّ الذي يمكن الرجوع إليه في تدارك خسارته، بل يصحّ العقد، وللمشتري الرجوع على المتلف بالبدل من مثل أو قيمة. وهل له الخيار في فسخ العقد لتعذّر التسليم ؟ إشكال والأظهر ذلك. وإذا حصل للمبيع نماء فتلف الأصل قبل قبض المشتري كان النماء للمشتري، ولو حدث في المبيع عيب قبل القبض كان للمشتري الردّ، وفي ثبوت الأرش له قولان، كما تقدّم.

(مسألة: 4) لو باع جملةً فتلف بعضها قبل القبض انفسخ البيع بالنسبة إلى التالف، ورجع إليه ما يخصّه من الثمن وكان له الخيار في الباقي(1).

(مسألة: 5) يجب على البائع تفريغ المبيع عمّا كان فيه من متاع أو غيره، حتّى أنّه لو كان مشغولا بزرع حان وقت حصاده وجب إزالته منه، ولو كان للزرع عروق تضرّ بالانتفاع بالأرض أو كان في الأرض حجارة مدفونة وجب إزالتها وتسوية الأرض، ولو كان شيء لا يمكن فراغ المبيع منه إلّا بتخريب شيء من الأبنية وجب إصلاحه وتعمير البناء، ولو كان الزرع لم يحن وقت حصاده جاز لمالكه إبقاؤه إلى وقته وعليه الاُجرة(2).

(مسألة: 6) من اشترى شيئاً ولم يقبضه: فإن كان ممّا لا يُكال ولا يوزن جاز بيعه قبل قبضه، وكذا إذا كان ممّا يُكال أو يوزن وكان البيع برأس المال، أمّا لو كان



(1) أي: للمشتري.

(2) إن كان ثبوت زرع البائع في البيت بعلم من المشتري، فله إبقاؤه إلى وقت الحصاد، وعليه الاُجرة، إلّا إذا كان قد اشترط عليه المجّانيّة في الإبقاء، وإن كان من دون علم المشتري بذلك، فللمشتري مطالبته بالإفراغ من دون ضمان على المشتري بذلك.

95

بربح ففيه قولان، أحوطهما المنع إذا باعه على غير البائع، أمّا إذا باعه على البائع فالظاهر جوازه(1) مطلقاً، وكذا إذا ملك شيئاً بغير الشراء كالميراث والصداق فإنّه يجوز بيعه قبل قبضه، كما لا يبعد اختصاص المنع حرمةً أو كراهةً بالبيع، فلا بأس بجعله صداقاً أو اُجرةً قبل قبضه.



(1) بل الاحتياط في البيع بربح يسري إلى البيع على نفس البائع أيضاً.

96

 

الفصل الثامن

في النقد والنسيئة

(مسألة: 1) من باع ولم يشترط تأجيل الثمن كان الثمن حالّاً، فللبائع المطالبة به بعد انتهاء العقد، كما يجب عليه أخذه إذا دفعه إليه المشتري، وليس له الامتناع من أخذه، وإذا اشترط تأجيل الثمن يكون نسيئةً لا يجب على المشتري دفعه قبل الأجل وإن طالبه به البائع، ولا يجب على البائع أخذه إذا دفعه إليه المشتري قبله، إلّا أن تكون القرينة(1) على كون التأجيل حقّاً للمشتري دون البائع، ويجب أن يكون الأجل معيّناً لا يتردّد فيه بين الزيادة والنقصان، فلو جعل الأجل قدوم زيد أو الدِياسَ أو الحصاد أو جذاذ الثمر أو نحو ذلك بطل العقد(2)، ولو كانت معرفة الأجل محتاجةً إلى الحساب مثل أوّل الحمل أو الميزان أو عيد اليهود فالظاهر البطلان(3). نعم، لو كان الأجل أوّل الشهر القابل مع التردّد في الشهر الحاليّ بين الكمال والنقصان فالظاهر الصحّة.

(مسألة: 2) لو باع شيئاً بثمن نقداً وبأكثر منه مؤجّلا بأن قال: « بعتك الفرس بعشرة نقداً وبعشرين إلى سنة » فقبل المشتري فالمشهور البطلان، وقيل: يصحّ بأقلِّ الثمنين وأكثر الأجلين، وفيه رواية(4).



(1) كما هو المتعارف عادةً.

(2) لا نكتة صحيحة عندنا للإفتاء ببطلان العقد.

(3) لا نكتة صحيحة عندنا للإفتاء ببطلان العقد.

(4) إن رجع الأمر إلى إنشاء تمليكين بثمنين من قبل البائع وقَبِل المشتري أحد

97

(مسألة: 3) لا يجوز تأجيل الثمن الحالّ، بل مطلق الدين بأزيد منه بأن يزيد فيه مقداراً ليؤخّره إلى أجل، وكذا لا يجوز أن يزيد في الثمن المؤجّل ليزيد في الأجل، ويجوز عكس ذلك بأن يعجّل المؤجّل بنقصان منه على وجه الصلح، أو الإبراء(1)، ولا يصحّ على وجه بيع الأكثر المؤجّل بالأقلّ الحالّ ؛ لأنّه ربا، وكذا يجوز في الدين المؤجّل أن ينقد بعضه قبل حلول الأجل على أن يؤجّل له الباقي إلى أجل آخر(2).



الإيجابين بعينه، فلا إشكال في الصحّة.

وإن رجع الأمر إلى الفرد المردّد المستحيل، فلا إشكال في البطلان.

وإن رجع الأمر إلى إنشاء تمليكين معلّقين، فهناك رواية تصحّح البيع بأقلّ الثمنين وأكثر الأجلين(1).

(1) تعجيل المؤجّل بنقصان الثمن ليس فيه إشكال من ناحية الربا القرضيّ؛ لأنّ الربا يأتي في التأجيل لا في التعجيل، فلا داعي للهروب من اسم البيع إلى اسم الصلح، أو الإبراء، أو أيّ اسم آخر.

وأمّا لو افترضنا الثمن والمثمن متماثلين في موارد الربا المعامليّ، أي: في المكيل والموزون، ففيه إشكال الربا المعامليّ، ولا يحلّه الهروب من اسم البيع إلى أيّ اسم آخر ما دام هو المعاوضة بأيّ شكل من الأشكال. نعم، يصحّ الهروب منه بغير المعاوضة، كالهبة في مقابل الهبة، وكالإبراء.

(2) التأجيل في مقابل تعجيل مقدار من الثمن يكون من الدين الذي جرّ نفعاً، فهو داخل في الربا القرضيّ، فهو حرام وباطل.


(1) وهي الرواية الاُولى من ب 2 من أحكام العقود من الوسائل، ولكن سندها لا يتمّ إلّا بناءً على تصحيح النوفليّ، ولو آمنّا بوثاقة النوفليّ ـ ولم نؤمن بها ـ فلا يترك الاحتياط بالمصالحة، وذلك على أساس غرابة المطلب.

98

(مسألة: 4) إذا اشترى شيئاً نسيئةً يجوز شراؤه منه قبل حلول الأجل أو بعده بجنس الثمن، أو بغيره مساوياً له، أو زائداً عليه، أو ناقصاً عنه، حالّاً كان البيع الثاني أو مؤجّلا(1)، إلّا إذا اشترط البائع على المشتري في البيع الأوّل أن يبيعه عليه بعد شرائه، أو شرط المشتري على البائع في البيع الأوّل أن يشتريه منه، فإنّ المشهور البطلان، لكنّ الأظهر صحّة العقد(2)، وفي صحّة الشرط إشكال(3).

 

إلحاق:

فيه القول في المساومة والمرابحة والمواضعة والتولية.

(مسألة: 1) التعامل بين البائع والمشتري: تارةً يكون بملاحظة رأس المال الذي اشترى به البائع السلعة، واُخرى لا يكون كذلك، والثاني يسمّى « مساومة »، وهذا هو الغالب المتعارف، والأوّل: تارةً يكون بزيادة على رأس المال، واُخرى بنقيصة عنه، وثالثةً بلا زيادة ولا نقيصة، والأوّل يسمّى « مرابحة »، والثاني « مواضعة »، والثالث يسمّى « تولية ».

(مسألة: 2) لا بدّ في جميع الأقسام الثلاثة من ذكر الثمن تفصيلا، فلوقال: « بعتك هذه السلعة برأس مالها وزيادة درهم » أو « بنقيصة درهم » أو « بلازيادة



(1) إن كان المقصود بالتأجيل جعل الثمن كلّيّاً في الذمّة، دخل ذلك في إشكال بيع الكالي بالكالي؛ لأنّ تلك النسيئة أيضاً كلّيّ في الذمّة.

(2) إن شرط البائع على المشتري أن يبيع السلعة عليه بثمن أقلّ، بطل البيع، وإنّما يصحّ البيع فيما إذا كان كلّ منهما بالخيار في البيع الثاني: إن شاء فعل، وإن شاء ترك.

(3) في غير المورد الذي أشرنا في التعليق السابق إلى بطلان العقد يصحّ العقد والشرط.

99

ولا نقيصة » لم يصحَّ حتّى يقول: « بعتك هذه السلعة بالثمن الذي اشتريتها به » وهو مئة درهم بزيادة درهم ـ مثلا ـ أو نقيصة، أو بلا زيادة ولانقيصة.

(مسألة: 3) إذا قال البائع: « بعتك هذه السلعة بمئة درهم وربح درهم في كلّ عشرة » فإن عرف المشتري أنّ الثمن مئة وعشرة دراهم صحّ البيع، ولكنّه مكروه، وإذا لم يعرف المشتري ذلك حال البيع لم يصحَّ وإن كان يعرفه بعد الحساب. وكذلك الحكم في المواضعة إذا قال: « بعتك بمئة درهم مع خسران درهم في كلّ عشرة »، فإنّ المشتري إذا عرف أنّ الثمن تسعون صحّ البيع، وإن لم يعرف ذلك بطل البيع وإن كان يعرفه بعد الحساب.

(مسألة: 4) إذا كان الشراء بالثمن المؤجَّل وجب على البائع مرابحةً أن يخبر بالأجل، فإن أخفى تخيّر المشتري بين الردّ والإمساك بالثمن على إشكال في كونه حالّاً أو مؤجّلا بذلك الأجل(1).

(مسألة: 5) إذا اشترى جملةً صفقةً بثمن لم يجزْ له بيع أفرادها مرابحةً بالتقويم إلّا بعد الإعلام(2).

(مسألة: 6) إذا تبيّن كذب البائع في إخباره برأس المال كما إذا أخبر أنّ رأس ماله مئة وباع بربح عشرة وكان في الواقع رأس المال تسعين صحّ البيع،



(1) بل الظاهر كونه مؤجّلاً بذلك الأجل(1).

(2) هذا إذا كان التقويم باستنباطه أو حدسه، أمّا إذا كانت الأفراد متماثلة، وكان تقسيط الثمن عليها واضحاً في البيع الأوّل، فلا يبقى إشكال في المقام(2).


(1) كما دلّ على ذلك صحيح هشام بن الحكم. الوسائل، ب 25 من أحكام العقود، ح 2.

(2) ولعلّ إطلاق الحكم ناتج عن تخيّل الإطلاق في روايات المنع. راجع الوسائل، ب 21 من أحكام العقود.

100

وتخيّر المشتري بين فسخ البيع وإمضائه بتمام الثمن المذكور في العقد وهو مئة وعشرة.

(مسألة: 7) إذا اشترى سلعةً بثمن معيّن مثل مئة درهم ولم يعمل فيها شيئاً كان ذلك رأس مالها وجاز له الإخبار بذلك، أمّا إذا عمل في السلعة عملا: فإن كان باُجرة جاز ضمّ الاُجرة إلى رأس المال، فإذا كانت الاُجرة عشرةً جاز له أن يقول: بعتك السلعة برأس مالها مئة وعشرة وربح كذا، وإن كان العمل بنفسه وكان له اُجرة لم يجزْ له أن يضمّ الاُجرة إلى رأس المال، بل يقول: رأس المال مئة، وعملي يساوي كذا، وبعتكها بما ذكر وربح كذا. وإذا اشترى معيباً فرجع على البائع بالأرش كان الثمن ما بقي بعد الأرش، ولو أسقط البائع بعض الثمن تفضّلا منه أو مجازاةً على الإحسان لم يسقط ذلك من الثمن، بل رأس المال هو الثمن في العقد(1).



(1) الأحوط إخبار المشتري بذلك؛ لاحتمال كون المفهوم أو المحتمل من رأس المال ما عدا ذلك البعض من الثمن.