1

المعاطاة وأثرها المعاملي

بسم الله الرحمن الرحيم

تشكّلت هذه الدراسة من ثلاثة محاور بعد المقدّمة:..

المحور الأوّل: الأدلّة الدالّة على كون المعاطاة بيعاً..

الثاني: الأدلّة الدالّة على عدم صحّة المعاطاة..

الثالث: الأدلّة الدالّة على لزوم المعاطاة..

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلوات على أفضل النبيّين محمّد وآله الطاهرين، وبه نستعين.

مقدّمة إجمالية حول المعاطاة:

لا إشكال في أنّ عقد البيع بحاجة إلى إبراز الإرادة أو قل: إبراز إنشاء العقد، ولا ينبغي الإشكال في أنّ الارتكاز العقلائيّ لا يفرّق في حصول الملك اللازم في البيع بين أيّ مُبرز لتلك الإرادة أو الإنشاء ولو كان بالفعل الذي قد يدلّ وحده أو بضمّ قرينة على المقصود، وهذا هو ما يُسمّى بالمعاطاة.

إلّا أنّه قد ادّعي إجماع علمائنا القدامى على عدم إفادتها للملك أو عدم إفادتها للملك اللازم(1).

والأقوال المنقولة عنهم في الكتب المطوّلة عديدة مع اختلافهم في تعدادها، وكيفيّة تحديدها وتقريرها. ومن أرادها راجع تلك الكتب.

والذي نركّز عليه الحديث باختصار في مسألة الإجماع على ذلك هو أنّه لو كان الإجماع محصّلاً لدينا على ذلك لما كانت له حجّيّة لنا ما لم يؤدّ إلى العلم أو الاطمئنان ـ على الأقلّ ـ برأي الشرع عن طريق الحدس.

ونشير إلى أنّ الإجماع المركّب لا قيمة له في نفي رأي آخر إلا إذا رجع بروحه إلى الإجماع البسيط بأن نعرف أنّ صاحب كلّ قول كان ملتزماً بالجامع بين تلك الأقوال إلى جنب اختياره لذاك القول، لا لأجل أنّ ذاك القول ينتزع منه ومن غيره ذاك الجامع، فلو بطل لديه قوله بقي معتقداً بالجامع بحدّ ذاته اعتقاداً مستقلاً، أمّا لو لم يكن الأمر كذلك فنفس الاختلاف في الآراء عامل مساعد كبير في عدم تحقّق ذاك الحدس بقول الشارع الذي عليه مدار العمل بالإجماع عندنا. ولدينا شيء من تفصيل الكلام حول دعوى الإجماع على عدم إفادة المعاطاة للملك اللازم في الجزء الأوّل من كتابنا. فقه العقود )(2).

ثمّ إنّ ما أشرنا إليه من أنّ الارتكاز العقلائيّ لا يفرّق في إبراز الإرادة أو العقد أو العهد أو الإنشاء لتحقّق البيع لا إشكال في أنّه عامل مساعد لجانب القول بصحّة المعاطاة في البيع وإفادتها للملك اللازم.


(1) ابن زهرة، حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي، غنية النزوع في علمي الاُصول والفروع، مؤسسة الإمام الصادق (عليه ‏السلام) ـ قم، ط. / 1417 هـ. ق: 214. الشهيد الثاني، زين الدين الجبعي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت 3: 222. اُنظر: النجفي، محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت 22: 213.
(2) راجع: الحائري، كاظم، فقه العقود، 3: 7.
2

المحور الأول: الأدلّة الدالّة على كون المعاطاة بيعاً

ولكن مع هذا لابدّ من الالتفات التفصيلي إلى الوجوه التي يمكن أن يستدلّ بها على المقصود؛ فإنّ مجرّد كون الارتكاز العقلائيّ مساعداً للأمر لا يكفي للإفتاء الشرعيّ بذلك. والوجوه التي بنينا على الإشارة إليها ما يلي:

الوجه الأول: قوله تعالى:﴿وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾(3)؛ إذ لا إشكال في أنّ المعاطاة بيع عند العرف، فتشملها هذه الآية المباركة.

ولا فرق في ذلك بين أن نفترض أنّ الحلّ هنا حلّ وضعيّ، والمقصود بالبيع هو السبب، فالآية تدلّ مباشرة على صحّة البيع المعاطاتيّ بالإطلاق.

أو نفترض أنّ الحلّ هنا حلّ تكليفيّ يتعلّق بالمسبّب، أي إنّ الآية تحلّل الأكل والتصرّف في المبيع، فتدلّ بالملازمة على صحّة البيع، وتشمل بالإطلاق حلّيّة الأكل والتصرّف في البيع المعاطاتيّ.

الوجه الثاني: قوله تعالى:﴿إلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاض مِّنكُمْ﴾(4)؛ إذ لا شكّ أنّ البيع المعاطاتيّ عن تراض تجارة عند العرف، فتشمله الآية الكريمة.

الوجه الثالث: قوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾(5)؛ بناءً على ما استظهره السيّد الإمام الخميني ـ رضوان الله عليه ـ من أنّ المقصود بالعقد على ما هو المتبادر عرفاً تبادل الإضافتين الاعتباريّتين، فالإضافة الاعتباريّة كأنّها هي الحبل وتبادل الإضافتين هو العقدة، كما في قوله تعالى:﴿وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾(6)، وقوله تعالى:﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾(7).

قال (رحمه‏ الله): «إنّ العرف يساعد على هذا المعنى وليس ما يقال من أنّ العقد هو العهد الموثّق»(8).


(3) البقرة: 275 .
(4) النساء: 29 .
(5) المائدة: 1 .
(6) البقرة: 235 .
(7) البقرة: 237 .
(8) راجع: الخميني، روح الله، كتاب البيع، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، مطبعة العروج ـ قم، ط. / 1420 هـ، 1: 102 ـ 103.
3

أقول: بناءً على صحّة هذا الاستظهار ـ كما هو الظاهر ـ يكون عندنا في المقام اُمور ثلاثة:

الأوّل: الأمر بالوفاء بالعقد. وهذا يدلّ على لزوم العقد.

والثاني: أنّ الأمر بالوفاء بالعقد يدلّ على صحّة العقد؛ لأنّه لا يحتمل عرفاً ولا متشرّعيّاً وجوب الوفاء بالعقد الباطل، وبما أنّ المعاطاة عقد عرفاً وإن كان مُبرزه الفعل فإطلاق الآية يدلّ على صحّتها. وخروج البيع الربويّ أو القرض الربويّ يكون بالتخصيص.

والثالث: متعلّق العقد أعني العوضين أو قل: المال الذي تعلّقت الإضافة الاعتباريّة به، والظاهر أنّ هذا يعتبر موضوعاً مفروغاً عنه في الكلام، فخروج ما يكون من ذلك غير شرعيّ كما في بيع الخمر لا يعتبر تخصيصاً.

وعليه فمتى ما كان الشكّ في شرعيّة متعلّق العقد أو ماليّته مثلاً لم يمكن إثبات شرعيّته بإطلاق هذه الآية، ومتى ما كان الشكّ في شرعيّة العقد أي نفوذه من دون إشكال في المتعلّق صحّ تنفيذه بإطلاق هذه الآية. ومن هنا نُصحّح العقود الحديثة كعقود التأمين بإطلاق هذه الآية.

مناقشة:

والدغدغة الوحيدة التي توجد في هذا الوجه هي ورود بعض الروايات في تفسير العقد في الآية الكريمة بالعهد، وفيها رواية تامّة السند، وهي ما رواه عليّ ابن إبراهيم عن أبيه عن النضر بن سويد عن أبي عبدالله (عليه ‏السلام): قوله:﴿بِالْعُقُودِ﴾قال: «بالعهود»(1).

وتوجد في المقام مرسلة العيّاشي عن ابن سنان قال: سألت أبا عبدالله عن قول الله عزّوجلّ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾قال: «العهود»(2).

ويحتمل كونها في الحقيقة عين الرواية الاُولى.


(1) القمّي، علي بن إبراهيم، تفسير عليّ بن إبراهيم، منشورات مكتبة الهدى ـ مطبعة النجف، 1: 160، والآية في سورة المائدة: 1 .
(2) الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، الوسائل، مؤسّسة آل البيت ـ قم، ط. / 1426 هـ، 23: 327، ب 25 من النذر والعهد، ح 3.
4

وروى عليّ بن إبراهيم عن الحسين بن محمّد عن المعلّى بن محمّد عن ابن أبي عمير عن أبي جعفر الثاني في قوله:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾قال: «إنّ رسول الله (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) عقد عليهم لعليّ بالخلافة في عشرة مواطن ثمّ أنزل الله:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾التي عقدت عليكم لأميرالمؤمنين»(1). والسند غير تامّ.

ولا شكّ أنّ عقد رسول الله (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) لعليّ (عليه ‏السلام) في تلك المواطن لم يكن إلا عبارة عن أخذ العهد من الاُمّة بذلك.

ويمكن أن يقال في المقام: إنّ الجمع بين الفهم العرفيّ لكلمة العقد الذي هو عبارة عن العقود الإعتباريّة وتبادل الإضافات وهذه الروايات يقتضي أن نقول: ليس المقصود بهذه الروايات سلخ كلمة العقد في الآية عن معناها العرفيّ، بل المقصود توسيع المقصود بها لجامع الشدّ الموجود في العقود الاعتباريّة وفي العهود.

الوجه الرابع: قوله (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم): «الناس مسلّطون على أموالهم»(2).

فيقال: إنّ مقتضى إطلاق الحديث هو التسلّط على البيع المعاطاتيّ.


(1) القمّي، علي بن إبراهيم، تفسير عليّ بن إبراهيم، منشورات مكتبة الهدى ـ مطبعة النجف، 1: 160، والآية في سورة المائدة: 1 .
(2) الاحسائي، ابن أبي جمهور عوالي اللآلي 3: 208.
5

مناقشة:

إلا أنّ هذا الوجه لا قيمة له لا سنداً ولا دلالةً:

أمّا من حيث السند: فلأنّ هذه الرواية هي النبويّة المرسلة لعوالي اللآلي، ولا اعتبار بذلك.

وأمّا من حيث الدلالة: فإنّ معنى الرواية هو أنّ رأس خيط التصرّفات سواء الاستهلاكيّة أو الاعتباريّة إنّما اُعطي بيد المالك، أمّا أنّ أيّ تصرّف اعتباريّ هو الصحيح، فليس في عهدة هذه الرواية، كما أنّه ليس على عهدتها أنّ أيّ تصرّف استهلاكيّ هو الصحيح، فحرمة شرب النجس مثلاً ليس تخصيصاً لهذه الرواية.

الوجه الخامس: سيرة المتشرّعة، حيث يدّعى قيامها قديماً وحديثاً على بيع المعاطاة وعدم التفريق بينها وبين ما يسمّى بالبيع العقديّ في الآثار، وسيرة المتشرّعة المتّصلة بزمان المعصوم تكون في طول رأي المعصوم وتكشف عنه.

مناقشة:

وأقلّ إيراد يرد على ذلك: أنّنا لا نثق بأنّ سيرتهم على ذلك كانت سيرة لهم بما هم متشرّعة؛ فإنّهم في نفس الوقت عقلاء ويمتلكون ذاك الارتكاز العقلائيّ

الذي أشرنا إليه، فلعلّهم إنّما قامت سيرتهم على ذلك بسبب ذاك الارتكاز العقلائيّ، فترجع سيرتهم إلى السيرة العقلائيّة.

الوجه السادس: دعوى سيرة العقلاء المتّصلة بزمن المعصوم مع عدم صدور الردع المناسب عن ذلك من قبل المعصوم، وذلك يكشف كشفاً قطعيّاً عن رأي المعصوم.

وهذا بيان صحيح لو لم نفترض صدور الردع. وهذا ما سنبحثه إنشاءالله ـ بعد الانتهاء من أدلّة صحّة العقد المعاطاتيّ ـ كإشارة إلى ما قد يفترض دليلاً لفظيّاً لبطلان المعاطاة.

6

المحور الثاني: ما دلّ على عدم صحّة المعاطاة ومناقشته

وبعد هذا ننتقل إلى ذكر عمدة الأدلّة اللفظيّة التي قد يستدلّ بها على عدم صحّة المعاطاة، وهي رواية خالد بن الحجّاج أو ابن نجيح قال: قلت لأبيعبدالله (عليه ‏السلام): الرجل يجيء فيقول: اشتر هذا الثوب واُربحك كذا و كذا. قال: «أليس إن شاء ترك وإن شاء أخذ؟». قلت: بلى. قال: «لا بأس به، إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام»(1).

والوارد في التهذيب خالد بن الحجّاج(2)، وظاهر عبارة صاحب الوسائل أنّ نصّ الكافي أيضاً هو خالد بن الحجّاج.

ولكن الموجود في الكافي خالد بن نجيح(3)، وخالد بن نجيح قد روى عنه محمّد بن أبيعمير وصفوان فيتمّ السند.

ولكن بما أنّنا نحتمل صحّة ما في التهذيب وكذلك ما في الكافي بحسب ظاهر عبارة صاحب الوسائل، وهو أن يكون الراوي خالد بن الحجّاج، فالسند يسقط؛ لعدم دليل على وثاقة خالد بن الحجّاج.

أمّا معنى الرواية فالظاهر منها المنع عن استيجاب هذا البيع على من أراد ذاك الثوب قبل أن يمتلكه الوسيط، كما هو المستفاد من روايات اُخرى من نفس ذلك الباب من الوسائل أيضاً، من قبيل:

صحيح منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه ‏السلام) في رجل أمر رجلاً يشتري له متاعاً فيشتريه منه. قال: «لا بأس بذلك، إنّما البيع بعدما يشتريه»(4). وصحيح معاوية بن عمّار: قال: قلت لأبيعبدالله (عليه ‏السلام): يجيء الرجل يطلب بيع الحرير وليس عندي منه شيء، فيقاولني عليه واُقاوله في الربح والأجل حتى نجتمع على شيء، ثمّ أذهب فأشتري له الحرير فأدعوه إليه. فقال: «أرأيت إن وجد بيعاً هو أحبّ إليه ممّا عندك أيستطيع أن ينصرف إليه ويدعك أو وجدت أنت ذلك أتستطيع أن تنصرف إليه وتدعه؟» قلت: نعم، قال: «فلا بأس»(5).

وصحيح محمّد بن مسلم عن أبيجعفر (عليه ‏السلام) قال: سألته عن رجل أتاه رجل، فقال: ابتع لي متاعاً لعلّي أشتريه منك بنقد أو نسيئة فابتاعه الرجل من أجله. قال: «ليس به بأس، إنّما يشتريه بعدما يملكه»(6).

وصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أباعبدالله (عليه ‏السلام) عن العينة(7)، فقلت: يأتيني الرجل فيقول: اشتر المتاع أربح فيه كذا وكذا فاُراوضه على الشيء من الربح فنتراضى به، ثمّ أنطلق فأشتري المتاع من أجله لولا مكانه لم اُرده ثمّ آتيه به فأبيعه. فقال: «ما أرى بهذا بأساً لو هلك منه(8)المتاع قبل أن تبيعه إيّاه كان من مالك، وهذا عليك بالخيار إن شاء اشتراه منك بعد ما تأتيه، وإن شاء ردّه، فلست أرى به بأساً»(9).

ونحوها صحيحتا منصور بن حازم أعني الروايتين: 11 و 12 من الباب نفسه(10).


(1) الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، الوسائل، 18: 50، ب. من أحكام العقود، ح 4.
(2) الطوسي، محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام، المكتبة الإسلامية ـ طهران، ط. / 1426 هـ، 7: 50، ح 216.
(3) الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، المكتبة الإسلامية ـ طهران، ط. / 1426 هـ، 5: 201، باب الرجل يبيع ما ليس عنده، ح 6.
(4) الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، الوسائل، 18: 50، ب. من أحكام العقود، ح 6.
(5) المصدر السابق: 51، ح 7.
(6) المصدر السابق: 51، ح 8.
(7) مقصوده هنا بالعينة أنّ البائع يشتري أوّلاً المتاع من شخص بسعر رخيص نقداً ثمّ يبيعه على هذا الذي لا يملك الثمن بسعر أعلى مؤجّلاً.
(8) أحدس أنّ كلمة «منه» زائدة، وإنّما تناسب هذه الكلمة صحيحة منصور بن حازم، أقصد الرواية الثانية عشرة من الباب.
(9) الحر العاملي، محمد بن الحسن، الوسائل 18: 51، ب 8، من أحكام العقود، ح 9.
(10) المصدر السابق: 52، ب 8، من أحكام العقود، ح 11، 12.
7

ونحوها صحيحة يحيى بن الحجّاج(1)، وفيها: «ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها».

ونحوها صحيحة اُخرى لعبد الرحمن بن الحجّاج غير الصحيحة الماضية(2).

ونحوها صحيحة إسماعيل بن عبدالخالق، قال: سألت أباالحسن (عليه ‏السلام) عن العينة وقلت: إنّ عامّة تجّارنا اليوم يعطون العينة، فأقصّ عليك كيف نعمل. قال: «هات». قلت: يأتينا المساوم يريد المال(3)فيساومنا وليس عندنا متاع فيقول: اُربحك ده يازده(4)وأقول أنا: ده دوازده(5)، فلا نزال نتراوض حتّى نتراوض على أمر، فإذا فرغنا قلت: أيّ متاع أحبّ إليك أن أشتري لك؟ فيقول: الحرير؛ لأنّه لا يجد شيئاً أقلّ وضيعة منه، فأذهب وقد قاولته من غير مبايعة بالذات. فقال: «أليس إن شئت لم تعطه وإنشاء لم يأخذ منك؟» قلت: بلى. قال: فأذهب فأشتري له ذلك الحرير واُماكس بقدر جهدي ثمّ أجيء به إلى بيتي فاُبايعه، فربّما ازددت عليه القليل على المقاولة، وربّما أعطيته على ما قاولته، وربّما تعاسرنا فلم يكن شيء، فإذا اشترى منّي لم يجد أحداً أغلى به من الذي اشتريته منه فيبيعه(6)منه(29)فيجيء ذلك فيأخذ الدراهم فيدفعها إليه(7)وربّما جاء ليحيله عليّ(8)فقال (عليه ‏السلام): «لا تدفعها إلا إلى صاحب الحرير»(9). قلت: وربّما يتّفق بيني وبينه البيع به وأطلب إليه فيقبله منّي. فقال: «أليس إنّه لو شاء لم يفعل وإن شئت أنت لم ترُدّ؟»(10)فقلت: بلى، لو أنّه هلك فمن مالي. قال: «لا بأس بهذا إذا أنت لم تعدُ(11)هذا فلا بأس به»(12).

وهناك رواية اُخرى من روايات العينة أستثنيها من الاستشهاد بها على المطلوب، وهي رواية الحسين بن المنذر ـ ولم تثبت وثاقته ـ قال: قلت لأبي عبدالله (عليه ‏السلام): يجيء الرجل فيطلب العينة فأشتري له المتاع مرابحة ثمّ أبيعه إيّاه ثمّ

أشتري منه مكاني. قال: «إذا كان بالخيار إن شاء باع وإن شاء لم يبع وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر فلا بأس». فقلت: إنّ أهل المسجد يزعمون أنّ هذا فاسد ويقولون: إن جاء به بعد أشهر(13)صلح. قال (عليه ‏السلام): «إنّما هذا تقديم وتأخير فلا بأس»(14).

والوجه في عدم الاستشهاد بهذه الرواية احتمال أنّ فرض الإمام (عليه ‏السلام) لعدم ربط الشراء الأخير بالبيع السابق كان لنكتة اُخرى غير نكتة إيجاب البيع قبل استيجابه، وهي نكتة رجوع الأمر إلى الحيلة في القرض الربويّ على أساس أنّ المشتري الأخير هو البائع السابق، والتبايع بين شخصين بهذا الشكل يكون حيلة لعلاج القرض الربويّ.


(1) المصدر السابق: 52، ح 13.
(2) المصدر السابق: 51، ب 7، من أحكام العقود، ح 3.
(3) كأنّ المقصود أنّ هدف المساوم ليس هو المتاع بالذات، بل هدفه النقد.
(4) يعني: اشتر المتاع نقداً وهبه عليّ بثمن مؤجّل بإضافة العُشر على ثمن شرائك.
(5) يعني: عُشرين.
(6) هذا شاهد على ما فسّرنا به كلمة «المال» من أنّ هدف المساوم كان هو النقد لا المتاع بالذات أي: إذا اشترى منّي وأراد بيعه ليحصل على النقد لم يجد أحداً يشتري بأغلى به من الذي اشتريته منه.
(7) الظاهر أنّ الذي ثبّتناه هي النسخة الصحيحة دون نسخة «فيبيعه منّي».
(8) أي: إنّ صاحب الحرير الأصليّ يجيئني فيأخذ منّي الدراهم ويدفعها إلى صاحب الحاجة إلى المال.
(9) أي: ربّما لا يأتني صاحب الحرير الأصليّ لأخذ الدراهم، بل يحيل صاحب الحاجة إلى المال عليّ ـ أي على إسماعيل بن عبدالخالق ـ لكي اُعطيه الدراهم.
(10) كأنّ هذا نصحٌ من قبل الإمام (عليه ‏السلام) لإسماعيل بن عبدالخالق بأن لا تقبل هذه الحوالة، بل ادفع الدراهم إلى صاحب الحرير الأصليّ خشية أن ينكر صاحب الحرير الأصليّ فيما بعد أنّه أحال عليه أو يكون صاحب الحاجة إلى المال قد كذّب في دعواه الحوالة وبالتالي يخسر إسماعيل بن عبدالخالق المال من جيبه.
(11) الموجود في نسخة الوسائل. طبعة مؤسّسة آلالبيت ): «لم تزد»، وهو غلط. والصحيح: «لم تردّ»، والمعنى: أنّه قد لا يتمّ البيع بيني وبين صاحب الحاجة فأطلب من صاحب الحرير الأصليّ فسخ المعاملة.
(12) أي: لم تتجاوز هذا.
(13) الحر العاملي، محمد بن الحسن، الوسائل 18: 53، ب 8، من أحكام العقود، ح 14.
(36) كأنّ هذا لأجل التأكّد من عدم ارتباط هذا الشراء بذاك البيع، ولكنّه يقول: يكفي في عدم الارتباط كون كلّ منكما بالخيار في البيع والشراء الأخير، وإن لم تكونا بالخيار فقد ارتبط الشراء بالبيع والتقديم والتأخير الزمنيّ لا أثر له.
(14) الحر العاملي، محمد بن الحسن، الوسائل 18: 42، ب 5،من أحكام العقود، ح 4.
8

وعلى أيّ حال فتكفينا الروايات السابقة الكثيرة التي ذكرنا كثيراً منها بالنصّ وبعضها بالإشارة.

على أنّنا لا نحتاج إليها؛ فإنّ تفسير روايتنا ـ أعني: رواية «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام» ـ بما ذكرناه واضح لا غبار عليه.

وهناك روايات اُخرى اقتصرت على ذكر: «إنّما يحرّم الكلام»، من قبيل:

1 ـ صحيحة الحلبي: قال: سئل أبوعبدالله (عليه ‏السلام) عن الرجل يزرع الأرض فيشترط للبذر ثلثاً وللبقر ثلثاً. قال: «لا ينبغي أن يسمّي شيئاً، فإنّما يحرّم الكلام»(1).

2 و. ـ ونحوها صحيحتا سليمان بن خالد وأبيالربيع الشاميّ، وهما الرواية السادسة(2)والرواية العاشرة(3)من الباب نفسه.

أقول: والدليل على وثاقة أبيالربيع الشاميّ هو أنّ البزنطيّ روى عنه.

والآن نرجع إلى الرواية التي كانت محلّ كلامنا، وهي رواية خالد بن الحجّاج أو نجيح: ـ قلت لأبيعبدالله (عليه ‏السلام): الرجل يجيء فيقول: اشتر هذا الثوب واُربحك كذا وكذا؟ قال: «أليس إن شاء ترك وإن شاء أخذ؟». قلت: بلى. قال: «لا بأس به، إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام» ـ فبقرينة المورد الذي هو في الحقيقة من موارد العينة يكون من الواضح أنّ المقصود بالكلام المحلّل والكلام المحرّم هو الكلام الذي يعيّن أنّ البيع الثاني مرتبط بالبيع الأوّل أو غير مرتبط به، وتؤكّد ذلك وضوحاً وجلاءً أخبار العينة الاُخرى التي ذكرناها.

ورغم ذلك قد ذكر صاحب الوسائل (رحمه‏ الله) في ذيل رواية «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام»: أنّ «فيه دلالة على عدم انعقاد البيع بغير صيغة، فلا يكون بيع المعاطاة معتبراً، فتدبّر»(4).


(1) المصدر السابق 19: 41، ب. من المزارعة، ح 4.
(2) المصدر السابق 19: 42، ب. من المزارعة، ح 6.
(3) المصدر السابق 19: 43، ب. من المزارعة، ح 10.
(4) المصدر السابق 18: 50، ب. من أحكام العقود، في الهامش.
9

أقول: لو أردنا أن ننسج على هذا النسق أمكن أن يقال: إنّ روايات «إنّما يحرّم الكلام» أيضاً تدلّ على عدم انعقاد البيع بغير صيغة؛ فإنّ معناها أنّ صيغة البيع إن أدرج فيها أنّ للبذر ثلثاً وللبقر ثلثاً بطل البيع، فأصل أنّ البيع لابدّ له من صيغة فُرض مفروغاً عنه.

والواقع عدم تماميّة دلالة هذه الروايات على بطلان المعاطاة سواء رواية خالد بن الحجّاج ـ أو نجيح ـ أو روايات «إنّما يحرّم الكلام».

أمّا الاُولى: فلوضوح أنّ المعاطاة لا دلالة فيها في باب العينة على أنّ البيع الأوّل قد أوجب على الطرفين البيع الثاني، وإنّما هذه الدلالة تكون بمقاولة كلاميّة تسبق البيعين، فتلك المقاولة الكلاميّة المبنيّ عليها البيعان هي التي تحلّل أو تحرّم، أمّا أنّ البيعين هل هما بالصيغة أو بالكتابة والتسجيل أو بالمعاطاة؟ فالرواية أجنبيّة عن ذلك تماماً.

وأمّا رواية «إنّما يحرّم الكلام»: فأيضاً إنّما تنظر إلى المقاولة التي هي بطبيعة الحال كلام يعيّن البناء على كون ثلث للبذر وثلث للبقر في حين أنّ المعاطاة لا دلالة فيها على ذلك، وهي أيضاً أجنبيّة عن أنّ البيع الذي يقع مبنيّاً على هذه المقاولة هل هو بالصيغة أو بالكتابة والتسجيل أو بالمعاطاة؟

فإن قلت: إنّنا لا يهمّنا مورد الحديث «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام»؛ فإنّ المورد لا يخصّص الوارد، فالذي يهمّنا هو التمسّك بإطلاق جملة «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام»، فإطلاق هذه الجملة يقتضي أنّ الذي يحلّل البيع ويصحّحه إنّما هو الكلام والعقد اللفظيّ.

قلت: هذا يردّه ما أفاده السيّد الخوئيّ (رحمه‏ الله) من أنّ حصر المحلّل والمحرّم في الكلام يستلزم تخصيص الأكثر؛ لكثرة المحلّل والمحرّم في الشريعة المقدّسة من غير الألفاظ، ضرورة أنّ تنجّس المأكولات والمشروبات محرّم وتطهيرها محلّل، والتذكية محلّلة وعدمها محرّم، وغليان العصير العنبيّ محرّم وذهاب الثلثين محلّل، وصيرورة العصير خمراً محرّم وتخليله محلّل، والجلل محرّم لما يؤكل لحمه واستبراؤه محلّل، وخلط المال الحرام بالحلال محرّم وتخميسه محلّل، ووطء الحيوان الذي يؤكل لحمه محرّم، والدخول بالمرأة محرّم لتزويج بنتها، والإيقاب في الغلام محرّم لتزويج اُمّه وبنته واُخته، وقد جوّز الشارع المقدّس التصرّف في أموال الناس في موارد شتّى من دون أن يكون فيها محلّل كلامي، وذلك كالتصرّف في الأراضي الواسعة والأنهار الكبار وكأكل المارّة من ثمرة الشجرة الممرور بها، بل ورد في القرآن جواز الأكل من بيوت الأصدقاء والأحبّاء وإن لم يدلّ عليه إذن لفظيّ(1).

وأيضاً قد اتّفق المسلمون من الشيعة والسنّة على انثلام ذلك الحصر في باب العقود أيضاً؛ فإنّهم قد التزموا بجواز التصرّف في المأخوذ بالمعاطاة سواء أكانت المعاطاة مفيدة للملك أم كانت مفيدة للإباحة، ولم ينسب إلى أحد فساد ذلك إلا إلى العلامة في بعض كتبه(2)، وقد ثبت رجوعه عن هذا الرأي في بعض كتبه الاُخرى(3).

ودعوى انصراف الخبر عن الاُمور المذكورة لكيلا تلزم كثرة التخصيص دعوى جزافيّة(4).


(1) النور: 60 .
(2) العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين ـ قم، ط. / 1413 هـ. ق 5: 51. اُنظر: العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهّر الاسدي؟ نهاية الاحكام في معرفة الأحكام، مؤسسة آل البيت (عليهم ‏السلام) لإحياء التراث ـ قم، ط. / 1410 هـ. ق 2: 147.
(3) العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، مؤسسة الإمام الصادق (عليه ‏السلام)، ط. / 1420 هـ. ق، 2: 275.
(4) التوحيدي، محمّد علي، مصباح الفقاهة، المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف، 2: 148 ـ 149. وراجع أيضاً: الشاهرودي، علي، المحاضرات، مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف، 2: 71 ـ 72.
10

هذا كلّه لو كان المقصود بالاستشهاد بهذه الرواية أو الروايات الاستدلال بدليل لفظيّ على بطلان المعاطاة، أي عدم إفادتها للملك في مقابل الأدلّة اللفظيّة الماضية لتصحيح المعاطاة من قبيل﴿أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ﴾»(1).

وأمّا لو كان المقصود جعل هذه ردعاً عن السيرة العقلائيّة فحتّى لو فرضت تماميّة الرواية سنداً ودلالةً بعد فرض بحث ونقاش فمن الواضح أنّ السيرة العقلائيّة القويّة المستحكمة من قبيل السيرة والارتكاز القائمين على مملّكية المعاطاة بحاجة لردع قويّ واضح رصين بمستوى تلك السيرة أو الارتكاز من قبيل الردع الذي ورد عن العمل بالقياس في الشريعة مثلاً.

هذا، وللتعامل مع الدليل اللفظيّ المفترض لبطلان المعاطاة أو عدم إفادتها للملك بعنوان دليل لفظيّ في مقابل الأدلّة اللفظيّة أو التعامل معه بعنوان الردع عن السيرة امتيازان متعاكسان.

فمن ناحية لا نحتاج في التعامل الأوّل إلى وضوح واستحكام في الجذور من قبيل الاستفاضة مثلاً، فبمجرّد أن يتمّ حديث واحد سنداً ودلالةً يقع طرفاً للمعارضة لتلك الأدلّة اللفظيّة ونصل إلى التساقط أو إلى ترجيح أدلّة الصحّة؛

لأنّ فيها الكتاب، أو ترجيح دليل بطلان المعاطاة بالأخصّيّة في حين أنّنا نحتاج في التعامل الثاني إلى وضوح واستحكام من هذا القبيل لدليل البطلان.

ومن ناحية اُخرى لا نحتاج في التعامل الثاني إلى صحّة سند الرواية المانعة لكفاية احتمال الردع في بطلان السيرة في حين أنّه على التعامل الأوّل نحتاج في خبر الواحد المعارض إلى صحّة السند.

هذا تمام الكلام في صحّة المعاطاة بمعنى إفادتها للملك.


(1) البقرة: 275 .
11

المحور الثالث: الأدلّة الدالّة على لزوم المعاطاة

وأمّا اللزوم فالواقع أنّنا بعد أن أثبتنا أنّ المعاطاة بيع عقلائيّاً وعقدٌ عقلائيّاً فلا نحتاج لإقامة دليل خاصّ على اللزوم فيها وإنّما نرجع إلى أدلّة لزوم البيع أو العقد.

ونشير إلى أنّ العمدة في أدلّة اللزوم خمسة:

الدليل الأوّل: قوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾(1)على ما مضى من أنّها تدلّ على لزوم الإضافتين المتبادلتين، أو قل: لزوم العقود، والبيع عقد والمعاطاة عقد، فالبيع لازم والمعاطاة لازمة.

الدليل الثاني: قوله تعالى:﴿إلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاض مِّنكُمْ﴾(2)؛ فإنّها تدلّ على بطلان الفسخ من قبل أحد الطرفين من دون موافقة الطرف الآخر؛ لأنّ ذلك ليس تجارة عن تراض.

وصحّة هذا الاستدلال تكون في غاية الوضوح بناءً على فرض الاستثناء متّصلاً بأن نفسّر الآية بمعنى: «لا تأكلوا أموالكم بينكم بكلّ سبب فإنّه باطل:﴿إلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاض﴾(3)»؛ إذ لا إشكال في أنّ الاستثناء المتّصل يدلّ على الحصر.

وأمّا بناءً على فرض الاستثناء منقطعاً فيشكل الاستدلال؛ لأنّ الاستثناء المنقطع لا يدلّ على الحصر. إلا إذا استظهر أحد من نفس المقابلة بين السبب الباطل والتجارة عن تراض حصر السبب في هذين.

وهذا إن لم يكن مرجعه إلى استظهار الاستثناء المتّصل لم تكن الدلالة أكثر من مجرّد الإشعار.

الدليل الثالث: التوقيع الشريف عن الإمام الحجّة (عجل الله تعالي فرجة الشريف): «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا؟ !»(4).


(1) المائدة: 1 .
(2) النساء: 29 .
(3) النساء: 29 .
(4) الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، الوسائل، 9: 541، ب. من الأنفال، ح 7.
12

وسند الحديث ما يلي: محمّد بن عليّ بن الحسين في إكمال الدين عن محمّد ابن أحمد السناني ـ وفي إكمال الدين الشيباني ـ وعليّ بن أحمد بن محمّد الدقّاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب وعليّ بن عبدالله الورّاق جميعاً عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبيجعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس الله روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الدار (عليه ‏السلام)...

وعيب السند هو أنّ المشايخ الأربعة للشيخ الصدوق (رحمهم الله) لم يرد بشأنهم التوثيق، وعلى هذا الأساس بنى السيّد الخوئيّ (رحمه‏ الله) على ضعف هذا السند(1).

ولكنّنا إمّا أن نقول: إنّنا لا نحتمل كون المشايخ الأربعة للصدوق الذين جعلهم طريقاً إلى أخباره عن محمّد بن جعفر الأسدي متماثلين صدفةً جميعاً في عدم الوثاقة، أو نقول: ليسوا ـعلى الأقلّـ من الكذبة، فتوافقهم على النقل يورث لنا الاطمئنان بصحّة نقلهم.

وقد ذكرنا هذا الحديث بدلاً عن أن نستدلّ برواية «الناس مسلّطون على أموالهم» التي مضت فى الدليل السادس من أدلّة صحّة المعاطاة؛ لأنّه لا قيمة سنديّة لها.

ووجه الاستدلال بالحديث واضح، وهو أنّ قوله: «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» يشمل التصرّفات الاعتباريّة كالفسخ بلا إذنه، فيدلّ على بطلانه؛ إذ لا يحتمل حرمته رغم فرض صحّته.

الدليل الرابع: ما سيأتي إنشاءالله في بحث الخيارات ـلو وفّقنا الله لبحثهـ من روايات خيار المجلس وخيار الحيوان الدالّة على اللزوم بانتهاء الخيار.

الدليل الخامس: استصحاب بقاء الملكيّة أو العلقة أو الإضافة الحاصلة على حالها بعد فسخ أحد الطرفين من دون رضا الآخر.


(1) راجع: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث، 1: محمّد بن جعفر الأسدي أبو الحسين، رقم التسلسل: 10365.