بسم الله الرحمن الرحيم
﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين﴾ صدق الله العليّ العظيم.
«والَّذِي بَعَثَه بِالحَقِّ لَتُبَلبَلُنَّ بَلبَلَةً، ولَتُغَربَلُنَّ غَربَلَةً، ولَتُسَاطُنَّ سَوطَ القِدرِ حَتَّى يَعُودَ أسفَلُكُم أعلَاكُم وأعلَاكُم أسفَلَكُم، ولَيَسبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، ولَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا» صدق مولانا أمير المؤمنين (ع).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعيش في هذه الأيّام ذكرى سنويّة استشهاد اُستاذنا الشهيد سماحة آية العظمى السيّد محمّدباقر الصدر (تغمّده الله برحمته).
وهذه المفردة من جرائم صدّام اللعين تُعادل كلّ جرائمه الاُخرى كافّة، بل ترجح عليها لأنّ هذا الوجود كان هبة عظيمة من الله سبحانه للاُمّة الإسلاميّة، ولو كان يبقى حيّاً لكان يُغني الاُمّة الإسلاميّة في جميع شُعب أفكار الإسلام، ولكان يقودها في معاركها ضد الظلم والطغيان وضد الاستكبار العالمي، وفي نفس الوقت كان هذا الوجود واستشهاده الأليم امتحاناً عظيماً لاُمّتنا العراقيّة.
ولقد أبدت الاُمّة العراقيّة العزيزة تفاعلها مع هذا الإمتحان الإلهي الكبير، وخرجت مرفوعة الرأس أمام الله عزّ وجلّ من هذه الفتنة الأليمة الكبرى، بعد مضي ما يقارب عشر سنين على هذا الإمتحان في انتفاضتها الشعبانيّة المباركة، والتي كادت أن تقضي على حكومة صدّام لو لا أنّ الأقدار بيد الله تبارك وتعالى وأنّ الاُمور مرهونة بأوقاتها.
ولقد كشفت هذه الانتفاضة عن أنّ الاُمّة العراقيّة لازالت تنبض بروح الجهاد والصبر والاستقامة والشجاعة والإقدام، إلّا أنّها تنتظر قيادة حكيمة داخليّة تقودها إلى شاطئ السلام، ومن هنا انبرى القائد الثاني للعراق لقيادة الاُمّة نحو إقامة حكم الله على أراضينا الجريحة ألا وهو سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد محمّدصادق الصدر (رحمه اللّه)، فلقد أثّر بإخلاصه ووعيه وتحرّكه في خط اُستاذه الصدر الكبير في السير بالشعب العراقي الأبيّ إلى الأمام بخطوات جبّارة قلّما شوهد نظيرها في التاريخ إلى أن خرّ صريعاً هو الآخر ولقي ربّه عزّ وجلّ والتحق بأجداده المعصومين (عليهم السلام) مرمّلاً بدمائه.
ألا وإنّ الامتحان الإلهي للناس لن يقتصر على فترة من الزمن بل يعود في كلّ حين ويتكرّر في كلّ زمان، ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين﴾.
وطبيعي أنّ علم الله تعالى بالصادقين والكاذبين علم أزلي وليس بحاجة إلى الفتنة والامتحان إلّا أنّ الهدف من وراء خلق الفتن والامتحانات اُمور ثلاثة:
أوّلاً: التربية والتنمية لمن يخرج من الامتحان بنجاح وذلك تماماً من قبيل امتحان الاُستاذ لطلّابه الذي يؤدّي إلى تنمية وتربية العدد القابل للنموّ منهم.
وثانياً: أن يعرف الإنسان نفسه وتنكشف له حقيقته التي كانت خافية على نفسه لئلّا يبقى للناس على الله حجّة وليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة.
وثالثاً: أن يتمّ الاستحقاق الحقيقي للثواب والعقاب فإنّ مجرّد حُسن الطينة أو خبثها لا تخلق الاستحقاق ما لم تبرز آثارها على أعمال الإنسان.
واليوم نحن أمام فتنتين عظيمتين أو امتحانين كبيرين: أحدهما راجع للعالم الإسلامي أجمع والثاني راجع للاُمّة العراقيّة بالذّات.
أمّا الذي یرجع للعالم الإسلامي أجمع فهي فتنة إسرائيل والقضية الفلسطينيّة، فإنّ دماء المسلمين الفلسطينيين لازالت تُراق وتُهدر بيد الصهاينة الإسرائيليين بالقتل الجماعي والإبادة العامّة، ونحن نعلم أنّ من أصبح ولم يهتم باُمور المسلمين فليس بمسلم.
ومن المضحك المبكي توسّل بعض المتخاذلين ضمن العالم الإسلامي بامريكا لكي تضمن لهم الحلّ وليس هذا إلّا كتوسّل الخروف بالذي أمر الذابح بذبحه وأعطى المُدية بيده، أو توسّل قطيع الغنم بالصيّاد من آلة صيده.
ألا وإنّ حلّ القضية الفلسطينيّة لا يكون إلا بمجموع أمرين:
أحدهما: صمود الجماهير وتضحياتها ضد العدوّ الصهيوني وخصوا عن طريق الأعمال الاستشهاديّة.
وثانيهما: الاعتماد على الايمان بالله وباليوم الآخر، فما من قوّة تعتمد على الناس من ناحية وعلى الله تعالى من ناحية اُخری إلّا وتَذل لها الجبابرة وتزول الجبال من أمامها لتصبح قاعاً صفصفاً.
وأخصّ بالذكر من الحركات الجماهيريّة المشكورة المعتمدة على الناس أنفسهم حركة حزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد، كما وأخصّ بالذكر من الحكومات ذات المواقف المشرّفة حكومة إيران وسورية الشقيقة ولبنان.
وأمّا الذي يرجع للاُمّة العراقيّة بالذات فهو الهجوم الامريكي المحتمل على عراقنا الجريح بدعوى إزالة صدّام، فهل یقف المؤمن العراقي الملتزم بالدين -لو تحقّق هذا الهجوم- إلى صفّ امريكا أو إلى صفّ حكومة صدّام، أو يقف موقف المتفرّج كي تقضي امريكا أو حكومة صدّام أو كلتاهما بقية مآربهما الخبيثة؟ وكلّ هذه المواقف باطلة.
إنّها معادلة دقيقة وإنّها لفتنة عمية يغرق فيها من يغرق ولا ينجو منها إلّا ذوو الوعي والحكمة والالتزام الشرعيّ.
ألا وإنّ الموقف الصحيح للشيعة المظلومين في العراق في هكذا حالة -لو تحقّقت- عبارة عن مجموع خطوات ثلاث:
الاُولى: العمل الجادّ في سبيل أخذ أكبر قدر ممكن من المكاسب والحقوق للشيعة ولو كان ذلك في ظلّ حكومة باطلة.
فما يقارب من خمسة وسبعين بالمئة في العراق هم الشيعة ولكنّهم كان مظلومين ومضطهدين مدى الدهور والأعوام ونحن نعلم أنّ الحقوق تؤخذ ولا تعطى، فعلى رموز الشیعة أن لا يألوا جهداً في كسب الحقوق والحريّات لهذه الأكثريّة المضطهدة، ويتقرّبوا بذلك إلى الله تعالى.
الثانية: ترك الاشتراك في الحرب إلى جانب امريكا أو إلى جانب صدّام، فإنّ ذلك يعني أن يصبح الشيعة المظلومين هذه المرّة حطباً لوقود النار كي تستضيء بها أمريكا أو حكومة صدّام أو كلتاهما، وذلك من أعظم المحرّمات عند الله تعالى.
الثالثة: إدامة العمل الإسلامي بجدّ لإقامة الحكم الإسلامي العادل على مدى الخط الطويل، فنحن يجب أن نعلم أنّ سنيّ المحنة قبال تأسيس حكم الإسلام ستطول، لأنّنا بعد سقوط صدّام سنكون في بدايات الطريق ولسنا في نهاياته.
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون﴾
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كاظم الحسيني الحائري
14 / محرّم الحرام / 1423