المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

98

كان له مثل ذلك حتّى عدّ الصلوات الخمس، ثُمّ قال: يا عليّ إنّما منزلة الصلوات الخمس لأُمتي كنهر جار على باب أحدكم، فما ظنّ أحدكم لو كان في جسده درن ثمَّ اغتسل في ذلك النهر خمس مرّات في اليوم أكان يبقى في جسده درن؟! فكذلك والله الصلوات الخمس لاُمتي(1).

وفي أكبر الظنّ أنّ المقصود هو: إمكانية غسل الدرن بالصلوات الخمس لا زوال الدرن قهراً، فإنّ الصلاة شُبِّهت بنهر الماء ولو أنّ أحداً دخل فيه عشرات المرّات، وخرج من دون أن يغتسل وينظف بدنه بفرك ونحوه، لم يخلص من درنه، وكذلك الصلاة إنّما تغسل الدرن وتزيل الذنوب لمن يغسل بها روحه. ويشهد لذلك قوله(صلى الله عليه وآله): «فإذا استقبل الله بوجهه وقلبه...» إذن فلو لم يستقبل الله إلاّ بتوجيه الوجه نحو الكعبة، ومن دون التوجّه بالقلب نحو الله، لم تكن فيه هذه الفائدة بكاملها، وإن كانت لا تخلو صلاته عن شيء من هذه الفائدة. وكذلك يشهد للمقصود تمسّكه(عليه السلام) بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ فأكبر الظنّ: أنّ المقصود بهذه الآية ليس هو مجرّد أن الحسنة تقتضي عفو الله عن ذنب العبد بمعنى ترك عقابه عليه (وان كانت الحسنة لا تخلو من تأثير في ذلك)، فإنّ هذا ليس إذهاباً للسيّئات؛ لأنّ عفو الله بترك العقاب عليها لا يعني زوالها واضمحلالها، فهي موجودة، إلاّ أنّ الله ـ تعالى ـ برحمته ربّما لا يؤاخذ العبد عليها ويعفو عنه. أمّا الإذهاب الحقيقي للسيّئات فهو عبارة عن غَسل الدرن الذي اتّجه إلى الروح، وإزالة الظلمة التي سيطرت على القلب بسبب الذنوب، ومحو الآثار التي خلّفت الذنوب على النفس. وهذا هو الذي يكون ذكرى للذاكرين، فقد يتخيّل المؤمن الذي ابتلى بالذنب ـ نتيجةً لعدم العصمة ولاستيلاء الشهوات عليه المودعة فيه من قبل الله تعالى ـ أنّه لا علاج للخلاص عن السقوط الذي وقع فيه،


(1) البحار 82 / 220.