المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

94

غيرك ما فعلته، ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته، لا لأنّك أهون الناظرين إليَّ، وأخفّ المطّلعين عليّ، بل لأنّك ياربّ خير الساترين، وأحكم الحاكمين، وأكرم الأكرمين...»(1). نعم، يتقدَّر النهي عن الفحشاء والمنكر بقدر ما يكون للإنسان من حضور القلب، فمن يضعف ويقلُّ حضوره يقلّ نهي الصلاة إيّاه عن الفسوق، ولكن لو كان يترك الصلاة لكان يتوغّل في هاوية الفسوق أكثر، ومن يتمُّ حضوره في الصلاة أمام الربّ بتمام ما للكلمة من معنى يكون ذلك في نهيه إيّاه من الفحشاء والمنكر بمرتبة ما يوازي العصمة أو يقاربها.

وقد روي عن ابن عباس: أنّه أُهدي إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ناقتان عظيمتان، فجعل إحداهما لمن يصلّي ركعتين لا يهمّ فيهما بشيء من أمر الدنيا. ولم يجبه أحد سوى عليّ(عليه السلام)، فأعطاه كلتيهما(2).

وقد ورد ـ أيضاً ـ أنّ عليّاً(عليه السلام) كان في صلاته يستغرق في الله إلى حدّ اُستخرج السهم من رجله في حال الصلاة فلم يلتفت(3). وقد روى الفيض الكاشاني(رحمه الله)في المحجّة: أنّ مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) وقع في رجله نصل، فلم يمكّن من إخراجه، فقالت فاطمة(عليها السلام): أخرجوه في حال صلاته، فإنّه لا يحسّ بما يجري عليه، فأُخرج وهو(عليه السلام) في صلاته(4).

ومن هنا قيل: إنّه اُعترض على بعض الخطباء ـ وقيل: إنّه ابن الجوزي ـ بأنّ عليّاً(عليه السلام) مع استغراقه الكامل في ذات الله لدى الصلاة كيف التفت إلى السائل وأعطاه خاتمه؟!


(1) دعاء أبي حمزة الثمالي.

(2) البحار 41/18.

(3) تفسير «نمونه» 4/428، وأنوار المواهب: 160.

(4) المحجة البيضاء 1/397 ـ 398.