المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

90

بقرب ماء زمزم فسمع قارياً يقرأ: ﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَان وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ فصعق ومات(1).

3 ـ رُوي: أنّ رجلاً جاء إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقال: علّمني ممّا علّمك الله، فأودعه الرسول إلى رجل من أصحابه كي يعلّمه القرآن، فعلّمه سورة الزلزلة.. إلى قوله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَهُ﴾، فقام الرجل وقال: حسبي هذا، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «رجع فقيهاً»(2).

ويناسب هنا أن نتذكّر كلام إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) في وصف المتّقين: «... أمّا الليل فصافّون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن، يرتّلونه ترتيلاً، يحزّنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنّوا أنّها نصب أعينهم، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في أُصول آذانهم ...»(3).

نعم، إنّ القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، ولكنّه في نفس الوقت لا يزيد الظالمين إلاّ خساراً، كما هو معروف بشأن الخوارج الذين كانوا تالين للكتاب. وقد روي أنّه خرج أمير المؤمنين(عليه السلام) ذات ليلة من مسجد الكوفة متوجهاً إلى داره، وقد مضى ربع من الليل ومعه كميل بن زياد(رحمه الله)، وكان من خيار شيعته ومحبّيه، فوصل في الطريق إلى باب رجل يتلو القرآن في ذلك الوقت، ويقرأ قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الَّيْلِ ...﴾(4) بصوت شجيّ حزين، فاستحسن كميل ذلك في باطنه، وأعجبه حال الرجل من غير أن يقول شيئاً، فالتفت صلوات الله عليه إليه وقال: «يا


(1) المصدر السابق، والآيتان: 49 ـ 50 في سورة 14 إبراهيم.

(2) تفسير «نمونه» 27/231 ـ 232، والآيتان: 7 ـ 8 في السورة 99، الزلزلة.

(3) نهج البلاغة: ص410، رقم الخطبة: 193.

(4) السورة 39، الزمر، الآية: 9.