المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

85

هامّة، توضيحها: أَنَّ السالك إلى الله وإن كان جميع أعماله عبادة وبأَهداف إِلهية، ولكنّه بحاجة ماسَّة يوميّاً إلى أَن يُفرِّغ شيئاً من وقته للمناجاة مع الله والتكلُّم معه والتوجّه الحضوري إِليه، وليس كالتوجّه العام الثابت في كلِّ الأعمال القربيّة كالجهاد، والأمر بالمعروف، وتحقيق مصالح الإسلام والمسلمين، ومراعاة الضعفاء والمحتاجين، وتحصيل العلوم الإسلاميّة النافعة، أو العلوم النافعة للبشر، وما إلى ذلك ممّا تكون كلُّها عبادة بالمعنى العام. وخير ساعة يفرغها السالك لهذا النمط من تربية النفس هي: أَن تكون من الليل ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾. ولا نشكُّ في أَنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)كانت جميع أعماله عبادة، ولم يكن شيء منها عملاً دنيويّاً، بل كان صارفاً وقته تماماً فيما يريد الله: من جهاد، أو إرشاد، أو إصلاح أُمور المجتمع الاسلاميّ، أو حلِّ مشاكل المسلمين، أو غير ذلك، وبرغم ذلك قال له الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً﴾. وهذا يعني: أَنَّه لم يكن المقصود بهذا الكلام تأجيل الأعمال الدنيويّة للنهار كي يخلو جوف الليل للعبادة الخاصّة، بل المقصود تأجيل كلّ شيء حتّى الأعمال العباديّة بمعناها العام للنهار كي يخلو جوف اللّيل للعبادة الخاصّة. وبهذا يثبت ما قلناه: من أَنَّ السالك إلى الله لا يكفيه أَن تكون كلُّ أعماله عبادة بالمعنى العام، بل هو بحاجة إلى تخصيص شيء من أوقاته (وأفضلها جوف الليل) للمناجاة مع الربِّ بحضور القلب بمعناه الخاصِّ.

وقد قالوا في تفسير قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾(1): إِنَّ المقصود به أمر النبيِّ(صلى الله عليه وآله)بصلاة الليل لينال بذلك مقام الشفاعة(2).


(1) السورة 17، الإسراء، الآية: 79.

(2) راجع تفسير «نمونه» 12 / 224 ـ 225 و 231 ـ 232.