المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

635

التفسير الثاني: أنَّ الشفاعة وإن كانت مؤثِّرة تأثيراً حقيقيَّاً، وليست أمراً صوريَّاً كما فُرِض في التفسير الأوَّل إلاَّ أنَّ هذه الشفاعة طريق تكوينيٌّ لنزول الرحمة والمغفرة والتطهير من قبل الله تعالى إلى العبيد، فهي أمر يبدأ من الله وينتهي إلى العاصي عن طريق الأنبياء والأوصياء والأولياء والمؤمنين، بخلاف ما هو المتعارف في الدنيا من الشفاعة بين الناس ممَّا يبدأ بالعاصي بطلبه الشفاعة من الوسيط وينتهي بمن كان له العقاب، والوسيط يؤثِّر فيمن له العقاب في عفوه عن الذنب ورفع العقاب عنه.

وبهذا البيان يدفع صاحبه الإشكالات الثبوتيَّة على الشفاعة بحجَّة أنَّ الشفاعة التي توجب خلاف العدل، أو التبعيض بين المذنبين من دون فارق أو نقض القانون، أو تأ ثُّر المشفوع إليه بالشفيع، أو أن يقال: إنَّ هذا ينافي التوحيد، أو يستلزم كون الشفيع أرحم من الله، أو ما إلى ذلك، إنَّما هي الشفاعة التي تبدأ من العاصي وتنتهي بالمشفوع إليه، وليست الشفاعة التي تبدأ من الله تعالى وتنتهي إلى العصاة.

وحاصل الفكرة: أنَّ المغفرة من الله تعالى والرحمة منه مباشرة، إلاَّ أنَّ النعم المعنويَّة أمثال المغفرة والرحمة والتطهير عن الذنوب ورفع الدرجات، حالها حال النعم الماديَّة كالرزق والشفاء وما إلى ذلك، فكما أنّ النعم الماديّة إنَّما تنزل على الإنسان بأسباب ووسائط كالشمس والمطر والهواء والتراب والماء والدواء وما إلى ذلك .

ابر و باد و مه و خورشيد و فلك در كارند
تا تو نانى بكف آرىّ و بغفلت نخورى

كذلك النعم المعنويَّة لا تصل إلى الإنسان إلاَّ عن طريق وسائط: وهم الأنبياء والأوصياء والأولياء والكمَّلون والمؤمنون(1).


(1) راجع عدل الهى للشيخ المطهري: 258 ـ 259.