المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

608

الإدراكات التي دخلت من العوامل الغريبة إلى النفس، وبين الإدراكات التي هي من صميم النفس، والتي تنبع من الضمير أو الفطرة اللذين لا يخطأان، فلابدَّ من التيقُّظ الكامل في التشخيص بينهما. ومن العلائم التي تنفع كثيراً في الفصل بينهما: أنَّ المدرك بالضمير أو الفطرة، يكون ـ عادةً ـ أعمَّ شمولاً وانتشاراً بين أصناف الناس المختلفة؛ لأنَّها نبعت من النفس البشريَّة التي هي أمر مشترك بين الجميع ولكن القناعات الناتجة من العوامل الخارجيَّة والغريبة على النفس تكون ـ عادةً ـ أقرب إلى الاختلاف باختلاف الظروف والبيئات.

والثانية: أنَّ هذه الجوهرة الربَّانيّة تقع ـ أحياناً ـ تحت الغبار، فيخفت نورها، أو ينطفئ لا سمح الله. والغبار الذي يغطِّي هذه الجوهرة بستار رقيق أحياناً وكثيف أُخرى غباران:

أحدهما: غبار الشبهات والمغالطات التي قد يتخيّل الإنسان كونها براهين عقليَّة فيذعن لها، وبهذا يغطِّي وجدانه وضميره أو فطرته. وعلاج ذلك إذكاء العقل النظري وتنميته وشدَّة الالتفات والتيقُّظ.

وثانيهما: غبار الشهوات أو المعاصي، والتي إذا كثرت أوجبت الرين على القلب كما ورد في القرآن:﴿كَلاَّ بَل رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكْسِبُون﴾(1).

والعلاج الوحيد لذلك بعد الالتجاء إلى الله تعالى التقوى والورع، فكلَّما زادت التقوى خفَّ الغبار والرين إلى أن يرتفع، بل قد يقوى ويشتدُّ نور الضمير والوجدان نتيجة للتقوى أكثر من أصله الذي كان، فتنعكس فيه الحقائق أكثر من ذي قبل، وقد يكون هذا ممَّا يشير إليه قوله تعالى: ﴿...وَاتَّقُوا اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ...﴾(2)، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿... إنْ تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ...﴾(3)، وقوله عزَّ من قائل:


(1) السورة 83، المطففين، الآية: 14.

(2) السورة 2، البقرة، الآية: 282.

(3) السورة 8، الأنفال، الآية: 29.