المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

605

إنّ الله عزَّ وجلَّ خلق في النفس البشريَّة مَحْكمةً اسمها: الضمير أو الوجدان، أو الفطرة، تدرك أوَّلاً كثيراً من الحقائق الراجعة إلى الفضيلة والرذيلة، ممَّا يكون حسنها وقبحها أمرين واقعيين، وغير مأخوذين من مجرَّد الشهرة أو العادة أو التأديب الاجتماعي وغير ذلك، وتؤنِّب وتلوم ثانياً الإنسان لدى مخالفة تلك الحقائق، وتحسِّسه بالوخز عندها، وتحسِّسه بالرضا والارتياح لدى موافقتها. وهذا من أعظم نعم الله على العباد، ولولاه لما انفتح على البشر أيُّ باب من أبواب الهداية.

وكأنَّ الآيات الأربع الأُولى تشير إلى هذه القوَّة المودعة في النفس.

وهناك قوَّة اُخرى قريبة من قوَّة الضمير، قد تُسمَّى بالفطرة وهي لم تكن مدركاتها مباشرة عملية بمعنى الحسن والقبح أو الفضيلة والرذيلة، ولكنَّها تدرك مصدر المسؤوليَّة العمدة والأساس في الإنسان، ألا وهو الله سبحانه وتعالى، أو الدين والمبدأ. وكأنَّ الآيات الثلاث الأخيرة تشير إلى هذه القوَّة. وهي وإن كانت في الحقيقة جزءاً من قوَّة العقل النظري لا العملي، لكن لشدَّة التصاقها بقوَّة الضمير والعمل قد تحشر في صفِّ تلك القوَّة. ويُسمّى الجميع بالضمير أو الوجدان تارة، وبالفطرة أُخرى.

ويحتمل كون الآيات الثلاث الأُولى إشارة إلى الضمير والفطرة معاً. وتشير إلى الفطرة ما ورد عن النبيِّ(صلى الله عليه وآله): «كلُّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبواه يهوِّدانه وينصِّرانه»(1).

وهناك قوَّة ثالثة في النفس قريبة من الاُوليين، وهي: مركز الاطمئنان والسكون والارتياح تارة، والاضطراب أو الرعب أُخرى. ويمكن تسميتها بالقلب أو الفؤاد، وقد يقصد بهما مركز الإدراك المرتبط بالضمير أو الفطرة.


(1) بحار الأنوار 3 / 281.