المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

594

2 ـ كتبت من ذكرياتي عن حياة اُستاذنا الشهيد الصدر(قدس سره) في ترجمتي له ما يلي:

حدّثني(رحمه الله) ذات يوم: أنّه حينما كتب كتاب (فلسفتنا) أراد طبعه باسم جماعة العلماء في النجف الأشرف، بعد عرضه عليهم متنازلا عن حقّه في وضع اسمه الشريف على هذا الكتاب، إلاّ أنّ الذي منعه عن ذلك أنّ جماعة العلماء أرادوا إجراء بعض التعديلات في الكتاب، وكانت تلك التعديلات غير صحيحة في رأي أُستاذنا الشهيد، ولم يكن يقبل بإجرائها فيه، فاضطرّ أن يطبعه باسمه. قال(رحمه الله): إنّي حينما طبعت هذا الكتاب لم أكن أعرف أنّه سيكون له هذا الصيت العظيم في العالم، والدويُّ الكبير في المجتمعات البشريّة ممّا يؤدّي إلى اشتهار من ينسب إليه الكتاب، وأنا الآن اُفكّر أحياناً أ نّي لو كنت مطّلعاً على ذلك، وعلى مدى تأثيره في إعلاء شأن مؤلّفه لدى الناس، فهل كنت مستعدّاً لذلك أو لا؟ وأكاد أبكي خشية أ نّي لو كنت مطّلعاً على ذلك لم أكن أستعدّ لطبعه بغير اسمي.

رحمك الله يا أبا جعفر، وهنيئاً لك هذه الروح الطاهرة والمعنويّات العالية العظيمة، في حين كنت تعيش في مجتمع يتكالب أكثر أبنائه على سفاسف الدنيا، أو زعاماتها، أو كسب مديح الناس وثنائهم، أو جمع ما يمكنهم من حطام الدنيا ونعيمها من حلال أو حرام(1).

والرابعة: التزاحم بين المصلحتين يتدرّج في الإنسان ـ عادة ـ من صغر سنّه وضعف قدراته ومقامه وارتباطاته إلى ما بعد ذلك، فكلّما كبر سنّه واتّسع نشاطه وزادت قدراته، وارتفع مقامه، وتوسّعت ارتباطاته، اشتدّ التزاحم، وقويت المصلحتان اللتان تمّ الاصطكاك بينهما. فلو أردنا أن نأخذ مثلا من الحوزة العلميّة قلنا: إنّ طالب العلم الاعتيادي قد يكون التزاحم عنده عبارة عن مكابرة له في


(1) راجع مباحث الاُصول، الجزء الأوّل من القسم الثاني: 45.