المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

593

على تقديم جانب الخير، فيرجّح عند ذلك جانب السعادة، ويسلك طريق النجاة. وبهذا يكون أوّلا قد نمّى عزيمة الخير في نفسه، واستطاع إيصال نفسه إلى بعض مستويات الكمال، وثانياً حقّق لنفسه أُهبة الاستعداد لمشهد تزاحم أكبر من ذلك، قد يتّفق له في المستقبل من دون اختياره، ولا يفاجأ بذلك.

وأيضاً من يصعب على نفسه الاعتراف بالحقّ بحضور الناس حينما يعتبر ذلك الاعتراف كسراً لنفسه، وتنازلا لخصمه، مشيناً له في بعض الأعراف الاجتماعيّة، ومبرزاً لجهله الذي كان خافياً على الناس الذين ينظرون إليه كمفكّر ألمعيٍّ ومحقّق عبقريّ، ينبغي أن يعقد لنفسه حواراً في بعض معتقداته مع من يحتمل أن يغلبه، ويوضّح له خطأ رأيه بحضور فئة من الناس، وبمستوى يحدس أنّه قادر على تحمّل انكسار أُبّهته قبالهم، وتجرّع مرارة الاعتراف بالحقّ لديهم، فيفعل ذلك لأجل النتائج التي أشرنا إليها. وما إلى ذلك من الأمثلة التي يمكن أن تفترض.

والثالثة: ينبغي للإنسان أن يجرّب نفسه ويقيّمها بين حين وحين بإيجاد مشهد تزاحم وهمي بين المصلحتين؛ كي يعرف مدى استعداده لتغليب جانب الخير، ويقيّم مدى مرتبة الكمال أو النقص ـ لا سمح الله ـ التي وصلت إليها نفسه. وأذكر لذلك مثلين:

1 ـ حدّثني اُستاذي الشهيد الصدر(رحمه الله) عن حالات المرحوم الشيخ عليّ القميّ(قدس سره)المتعبّد الزاهد المعروف في النجف الأشرف أنّه قال له شخص ذات يوم: لو ظهر الإمام صاحب الزمان عجّل الله فرجه، وأمرك بأن تحلق لحيتك، وتمشي في الطرقات والأسواق بمشهد من الناس بهذه الحالة علناً، ونهاك أن توضّح للناس كونك مأموراً بهذا الحلق من قبل الإمام(عليه السلام)، فهل أنت مستعدّ نفسيّاً لتنفيذ ذلك؟ علماً بأنّ هذا إراقة لماء وجهه أمام الناس تماماً. فكان يبكي خشية أن لا يكون مستعدّاً لذلك.