المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

589

الجنّة والنار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت وأُحرقت».

فأدركته السعادة، وحصل له ذاك التحوّل الدفعي الذي انتهى به الأمر بعد حالة الشقاء إلى حالة استحقّ بها رثاء الحسين(عليه السلام) إيّاه بعد استشهاده ـ على ما في التأريخ ـ بقوله وهو يمسح وجهه: «أنت الحرّ كما سمّتك اُمّك، وأنت الحرّ في الدنيا، وأنت الحرّ في الآخرة».

ورثاه رجل من أصحاب الحسين(عليه السلام) وقيل: بل رثاه عليّ بن الحسين(عليه السلام)قائلا:

لنعم الحرّ حرّ بني رياح
صبورٌ عند مختلف الرماحِ
ونعم الحرّ إذ نادى حسيناً
فجاد بنفسه عند الصباحِ
فيا ربّي أضفه في جنان
وزوّجه مع الحورالملاحِ(1)

و ثانيهما: من كان في النقطة المقابلة للمثل الأوّل الذي ذكرناه، فهو ـ أيضاً ـ شهد في نفس تلك القصّة وهي قصّة الحسين(عليه السلام) مشهد التقابل العنيف بين مصالح المبدأ والإسلام والفضيلة من ناحية، ومصالحه الشخصية الدنيئة من ناحية أُخرى وهزّ ذلك مشاعره، ولكنّه تحول إلى شقاء لا نهاية له. فقصّة واحدة حوّلت الشخص الأوّل إلى سعادة أبديّة بسبب مشهد التقابل بين المصلحتين والموازنة بينهما، وحوّلت الشخص الثاني بنفس السبب إلى شقاء أبديّ ألا وهو: عمر بن سعد، رأى نفسه مخيّراً بين الدنيا والآخرة، وعبّر هو عن هذا المشهد بأروع تعبير؛ إذ قال:

فوالله ما أدري وإنّي لحائرٌ
أُفكّر في أمري على خطرينِ
أأترك ملك الري والريُّ منيتي
أم أرجعُ مأثوماً بقتل حسينِ
حسينُ ابن عمّي والحوادثُ جمّةٌ
ولكنّ ملك الريّ قرةُ عيني


(1) بحار الأنوار: 45 / 10 ـ 14. وفي نقل آخر ورد البيتان الأوّلان عن الحسين(عليه السلام). المصدر السابق: 44 / 319.