المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

56

الوجود، وأمّا الماهيّة فليست إلاّ عبارة عن حَدِّ الوجود وانتهاء الوجود، أيْ: أنَّ الماهيّة عدم صِرف، والذي يكون بذاته هو حقيقة الوجود المستقل يكون واجب الوجود، ولا يتَصوَّر العقل له حداً، وما لا يكون كذلك يكون عدماً صِرفاً، إلاّ أن يوجد ويخلَق، وبما أنَّ كلَّ ما في هذا العالم محدود وكذلك هو متغيّر فيستحيل أن يكون هو واجب الوجود، فلابدَّ من انتهائه إلى واجب الوجود.

وبكلمة أُخرى: أنَّنا بدلاً عن أن نُقسِّم الشيء إلى ما يكون الوجود واجباً لماهيّته، أو ممتنعاً عليها، أو ممكناً لها، نُقسِّمه إلى الوجود المستقل الواجب، أو الوجود التعلّقي، أو العدم.

وبما ذكرناه إنهار ـ أيضاً ـ ما عن المحقّق الإصفهاني(رحمه الله): من أنَّ كلَّ وجود محدود له حدَّان: حَدّ وجوديّ، وهو: مقدار وجدانه المصحوب بالفقدان، وحَدّ عدميّ، وهو: اللازم لحدِّه الوجوديِّ، وإن كان من ذوات الماهيّة فله حَدٌّ ثالث، وهو: الحَدُّ الماهويُّ(1).

وعلى أيّة حال، فإذا صحَّ أنَّ الوجود اللاَّمحدود هو واجب الوجود لا غيره، ثبت بذلك بعد ثبوت أصل الواجب تعالى:

أوّلاً: استحالة تعدُّد واجب الوجود؛ إذ لو تعدَّد لشكّل كلُّ واحد منهما حَدّاً للآخر؛ لأنَّ أحدهما يجب أن ينتهي منذ أن يبدأ الآخر.

وثانياً: استحالة ثبوت وجود آخر ولو ممكناً إن كان بحيث يحدُّ وجود ذلك الواجب؛ لأنّه لو صار الواجب محدوداً لكان ذلك خلف وجوبه.

ولتطبيق هذه النتيجة الثانية على واقع الحال من وجود إله خالق وعالم مخلوق


(1) راجع كتاب توحيد علمي وعيني الرسالة الرابعة للشيخ الإصفهاني(رحمه الله) جواباً عن رسالة السيّد أحمد الكربلائي(رحمه الله): 96. والصحيح: أنَّ للوجود المحدود حدّاً واحداً، إن شئت فسمِّه بحدِّه العدميِّ، وإن شئت فسمِّه بحدِّه الماهويِّ.