المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

532

 

3 ـ القَلَق:

وهو الحالة التي تحصل بالشوق إذا جُرّد من الصبر، فإنّ الشوق إن لم يجرّد من الصبر، لم يبعث بالقلق.

وهذه الحالة تحصل قبل تماميّة مشاهدة المحبوب وهو الله سبحانه بالموت، أو بقيام القيامة، وهو محتمل ما نقلناه في أوّل البند السابق عن نهج البلاغة من قوله(عليه السلام): «والله لاَبن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمّه».

وبهذا يمكن تفسير التضرّعات الشديدة، والبكاء الخارق المنقولين عن الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)؛ فإنّه لا يمكن تفسيرهما بالتصنّع لتعليم الناس، ولا بالخوف ممّا صدر منهم من معصية حقيقيّة؛ لأنّهم معصومون، فلم يصدر منهم ذنب بالمعنى المألوف، فقد يُفسّران على أساس «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين»، أو على أساس النموّ الروحيّ آناً فآناً ممّا يوجب أن يعدّوا المرتبة النازلة التي صعدوا عنها ذنباً على أنفسهم، أو يفسّران على أساس انهيارهم(عليهم السلام)أمام عظمة الربّ، وجلاله وجماله ممّا كان يؤدّي إلى تذلّلهم بهذا اللسان، أو يفسّران على أساس ما قد يحصل لديهم أقلّ غبار على القلب عن بعض مراتب الصفاء ولو لحظة، نتيجة الانشغال باُمور الدنيا الذي لا بدّ منه، فيعدّون ذلك ذنباً على أنفسهم، وقد مضت منّا هذه التفاسير في بحثنا لعلامات العرفاء الكاذبين والحقيقيّين، ومضى منّا في بحث الخوف احتمال أنّ الخوف منهم(عليهم السلام) كان عن الوقوع في المعصية من دون أن ينافي ذلك العصمة؛ لأنّ العصمة قد تكون في طول الخوف الشديد الذي هو فوق ما يتصوّر من الإنسان الاعتياديّ، أو أن يكون خوفاً من صدور ترك الأولى.

وهنا اُريد أن أقول: إنّ هناك تفسيراً آخر غير تلك التفسيرات الماضية، وهو: احتمال حصول هذه الحالة لهم على أساس القلَق الذي يحصل نتيجة عدم المشاهدة للمحبوب، والتي لاتحصل إلاّ لدى الموت، أو لدى قيام القيامة.