المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

52

وإلى فاعله هي الوجوب، وقد قالوا بذلك في تمام عوالم الإمكان، بلا فرق بين الأفعال الاختياريّة وغيرها، فحركة يد المشلول وتحريك اليد اختياراً سيَّان في هذا الأمر، ومن هنا جاءت شبهة الجبر.

ولكنَّ الواقع: أنَّ تخيّل انحصار النسبة في الوجوب والإمكان غير صحيح، وأنَّ نسبة الفعل الاختياري إلى فاعله نسبة ثالثة، هي: بالتعبير الاسمي: نسبة (السلطنة) وبالتعبير الحرفي: نسبة (له أن يفعل وله أن لا يفعل) والقاعدة العقليّة المعروفة القائلة: (إنَّ الشيء ما لم يجب لم يوجد) ليست ـ بدقيق معنى الكلمة ـ صادقة، وإنَّما الصحيح لو أردنا أن نعبِّر بتعبير دقيق هو: أنَّ الشيء لا يوجد إلاَّ بالوجوب أو السلطنة، فموضوعها هو الجامع بين الوجوب والسلطنة لا نفس الوجوب فحسب. نعم، بما أنَّ السلطنة غير موجودة في العلل التكوينيّة فوجود معلولاتها لا يكون إلاّ بالوجوب.

وما ادَّعيناه من وجود نسبة أُخرى إلى صفِّ نسبة الوجوب والإمكان يكون ـ بحسب عالم التصور ـ بديهيّاً كبداهة الوجوب والإمكان، والوجود والعدم، فلا غبار ـ بحسب عالم التصور ـ على وجود نسبة ثالثة في قِبال نسبة الوجوب والإمكان، فهذه غير الوجوب وغير الإمكان.

أمّا أنَّها غير الوجوب فللتضادِّ الواضح بين عنوان (له أن يفعل) وعنوان (لا بدَّ له أن يفعل).

وأمَّا أنَّها غير الإمكان فلأَنَّ الإمكان عبارة عن القابليّة، وهي: التأهُّل للقبول، وهذا مفهوم لا يُتصوَّر إلاَّ بين الشيء وقابله دون الشيء وفاعله بخلاف مفهوم (له).

وقاعدة أنَّ (الشيء ما لم يجب لم يوجد) ليست قاعدة قام برهان عليها، وإنَّما هي قاعدة وجدانيّة ومن المُدرَكات الأوَّليّة للعقل، فإنَّه وإن كان قد يُبرهَن عليها