المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

51

والذي يقف أمام الخضوع لحكم الوجدان بالاختيار هو البرهان الفلسفي المتخيَّل لإثبات الجبر، فنحن لسنا بحاجة إلى إقامة البرهان على الاختيار، وإنّما نحن بحاجة إلى بطلان برهان الجبر؛ كي يعمل الوجدان بعد إبطال برهان الجبر عمله في النفس، ويتَّضح لصاحب الشبهة الاختيار بعد زوال شبهته.

والبرهان الفلسفيُّ للجبر مؤتلف من مقدّمتين:

الأُولى: أنَّ الاختيار ينافي الضرورة، فإنَّ الضرورة تساوق الاضطرار المقابل للاختيار، من قبيل حركة يد المرتعش التي هي ضروريّة.

والثانية: أنَّ صدور الفعل من الإنسان يكون بالضرورة؛ لأنَّ الفعل الصادر منه ممكن من الممكنات، فتسوده القوانين السائدة على عالَم الإمكان والتي منها أنَّ الممكن ما لم يجب بالغير لم يوجد، فبالجمع بين هاتين المقدّمتين يثبت أنَّ الإنسان غير مختار في أفعاله؛ إذ لا يصدر عنه فعلٌ إلاَّ بالضرورة والضرورة تنافي الاختيار.

والبحث هنا مفصَّل، والوجوه والآراء حول الجواب عن ذلك متشعِّبة، وذكرها مع تقييمها لا يناسب المقام وبإمكانك ـ لو أردت التفصيل ـ أن تراجع كتابنا مباحث الأُصول الجزء الأوّل من القسم الأوّل ضمن بحث (دلالة الأمر على الوجوب) والجزء الأوّل من القسم الثاني ضمن بحث (الحسن والقبح العقليين)(1).

ونحن نقتصر هنا على ذكر ما أفاده أُستاذنا الشهيد الصدر(رحمه الله) في المقام ردّاً على مبنى فلسفيّ معروف.

ذلك أنَّ الفلاسفة ذكروا: إنَّ نسبة شيء إلى شيء ـ بعد فرض إخراج الامتناع من المقسم ـ إمّا هي الوجوب أو الإمكان، فنسبة الشيء إلى قابله هي الإمكان


(1) مباحث الأُصول الجزء الأوّل من القسم الثاني: 527 ـ 534.