المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

485

ما رواه الشيخ الطوسي في الأمالي عن ابن عباس، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لما عرج بي إلى السماء دنوت من ربِّي ـ عزَّوجلَّ ـ حتّى كان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى».

وما رواه الصدوق في العلل عن هشام بن الحكم، عن موسى بن جعفر(عليهما السلام): «فلمَّا أُسري بالنبيِّ وكان من ربِّه قاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب من حجبه»(1).

أقول: ومن هذا القبيل ما ورد في دعاء الندبة: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ دنوَّاً واقتراباً من العليِّ الأعلى.

فإذن المناسب لكلِّ هذا هو التفسير الثاني. ويبدو أنَّ المقصود به هو: المشاهدة الحضوريَّة بالقلب التي لا يمكن أن تخطأ، ويكون ذلك ـ بلا تشبيه ـ من قبيل مشاهدتنا لأنفسنا ولحبِّنا وبغضنا وما إلى ذلك ممَّا هو حاضر لدى أنفسنا. وهذه مشاهدة مصونة عن الخطأ؛ ولذا قال تعالى: ﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾ ففرق بين العلم بالأُمور التي هي منفصلة عن النفس، والتي يمكن فيها الخطأ، والعلم بمشاهدة ما هو متصل بالنفس. والمثال الذي مثّلنا به من مشاهدتنا لأنفسنا ولحبِّنا وبغضنا وما إلى ذلك، إنَّما هو مثال بقدر عقولنا الناقصة وأفهامنا القاصرة، وإلاّ فأين المشبَّه به من المشبَّه.

ثُمَّ إنَّ تجلِّي الله ـ سبحانه ـ لرسوله مرَّتين في حياته كما ورد في هذه الآيات، لا ينافي افتراض دوام التجلِّي له طيلة عمره المبارك؛ وذلك لإمكان حمل هاتين المرَّتين على مراتب عُلْيا من التجلِّي، وافتراض التجلِّي على مراتب متفاوتة.

ومن جملة مراتبها المرتبتان التاليتان، واللتان لا نستطيع أن نفهم مغزاهما قبل أن نصل إليهما:


(1) راجع تفسير «نمونه» 22 / 487 ـ 489.