المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

484

عن ذلك علوَّاً كبيراً ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ...﴾(1)، ﴿... أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ...﴾(2)، ﴿... وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَما كُنتُم ...﴾(3) في حين أنَّ الرؤية في المقام ليست رؤية بالعين، بل رؤية بالفؤاد، بدليل قوله تعالى: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾، وأمَّا قوله تعالى: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ فهذه رؤية بالباصرة راجعة إلى سدرة المنتهى، وجنّة المأوى، وآياته الكبرى.

وقد ذكر بعض الأعلام لتضعيف التفسير الأوَّل، وتأييد التفسير الثاني وجوهاً، منها ما يلي:

1 ـ الضمائر في جملة: ﴿أَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ تعود إلى الله بلا شكٍّ. فكذلك باقي الجمل بمقتضى وحدة السياق.

2 ـ قوله ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ لايناسب تفسيره بجبرئيل؛ فإنَّه ليس معلِّماً لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، وإنَّما هو بمنزلة ساعي البريد في إنزال الوحي، ورسول الله(صلى الله عليه وآله)أعلى درجة منه؛ ولذا صعد في المعراج إلى مرتبة عجز عنها جبرئيل، وقال: «.. لو دنوت أنملة لاحترقت»(4).

3 ـ مشاهدة جبرئيل بصورته الأصليّة ليست لرسول الله(صلى الله عليه وآله) منزلة عالية بحيث يهتمّ بها القرآن بمثل قوله: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾.

4 ـ رؤية جبرئيل تناسب أن تكون رؤية بالباصرة لا بالفؤاد، في حين أنَّ الله تعالى يقول: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾.

5 ـ المعنى المؤيّد في الروايات إنَّما هو: التفسير الثاني لا الأوَّل، وذلك من قبيل


(1) السورة 6، الانعام، الآية: 103.

(2) السورة 2، البقرة، الآية: 115.

(3) السورة 57، الحديد، الآية: 4.

(4) البحار 18 / 382.