المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

478

السفر الأوَّل: هو السير إلى الله سبحانه وتعالى، وبه يطوي السالك المنازل والأحوال والمقامات إلى أن يصل إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ وصولَ عيان، وليس وصول دليل وبرهان، ويفنى في الله عزَّوجلَّ، ويبقى بعد الفناء بقاءً في الله سبحانه وتعالى. وبانتهاء السفر الأوَّل يفترون عن الأعمال الشاقَّة، ويقتصرون على الفرائض والسُّنَن الرواتب؛ لما حصل لهم من الطمأنينة. قالوا: وأوَّل وصوله لا يخلو غالباً من اصطلام وسُكْر؛ لأنَّ لهذا الشهود سطوةً تقهر كلَّ شيء؛ لفناء الكلّ فيه عند تجلِّيه، فإذا صحا واستأنس بشهوده رأى جمال الذات بعينه؛ إذ لا غير ثمَّة، فشهوده شهود للحقِّ بذاته، فكان الشاهد في قوله تعالى: ﴿وَشَاهِد وَمَشْهُود﴾(1) عين المشهود(2).

السفر الثاني: يبدأ بالبقاء في الله. ويكون هذا السفر هو: السير في الله، أي: في مراتب أفعاله، وصفاته، وأسمائه. والتنقل فيه يُسمَّى التلوين في التمكين. قالوا: والناس يعظِّمون صاحب السفر الأوَّل أكثر ممَّا يعظِّمون صاحب السفر الثاني؛ لبُعد الثاني عن إدراكهم.

السفر الثالث: وبعد كمال السفر الثاني (وانتهاؤه القطبيَّة الوجوديَّة التي هي مركز المراكز، وصاحبها قطب الأقطاب) تكون بداية السفر الثالث، وهو: سفر المرسلين. ويُسمَّى السفر بالله إلى خلقه. وفيه يكون التنزُّل إلى مقادير العقول؛ لدعوتهم إلى الله.

السفر الرابع: هو: الرجوع إلى الله عزَّوجلَّ، والبقاء بالله. ويُسمَّى سفراً بالموجود إلى الوجود. وأكثر ما يكون هذا السفر عند الموت. وإليه أشار رسول


(1) السورة 85، البروج، الآية: 3.

(2) راجع بلحاظ هذه الجملة بالذات شرح الكاشاني لمنازل السائرين: ص 164 لدى شرح الدرجة الثالثة للطمأنينة.