المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

477

التي سردها: أنَّ موسى لم يدرك أُنس برخ، وشهوده، وانبساطه، فهمَّ به، ولا أدري هل المقصود بقوله: «همَّ به» أنَّه أراد ضربه، أو أراد قتله، فتدارك الله ـ تبارك وتعالى ـ الموقف بأن وضَّح لموسى(عليه السلام) أنَّ برخاً يُضحكه باليوم ثلاث مرَّات ! !

وأنت إذا تأمَّلت في حالات أئمَّتنا المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ الذين لا يساوي كلُّ أقطاب العرفاء والصوفيَّة ظفراً من إبهامهم، لم ترَ عيناً ولا أثراً فيهم(عليهم السلام) من الانبساط في الأقوال، والأفعال، والمناجاة مع الله سبحانه وتعالى، أو رفع ستار الحشمة في التعابير، أو ترك الأدب فيها من سنخ ما نقلوه عن برخ في قِصَّتهم الخياليَّة، أو ما إلى ذلك، بل ترى تعابيرهم العالية السامية، من قبيل ما يلي: «إلهي أُفكِّر في عفوك فتهون عليَّ خطيئتي، ثُمَّ أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليَّ بليَّتي»(1).

وقال ضرار في وصف عليٍّ(عليه السلام): «... ولو رأيته إذ مثل في محرابه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وهو قابض على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول: يا دنيا أبي تعرَّضت، أم إليَّ تشوَّقت، هيهات هيهات لا حاجة لي فيك، أبنتك ثلاثاً لا رجعة لي عليك، ثُمّ يقول: واه واه لبعد السفر، وقلَّة الزاد، وخشونة الطريق»(2).

وأيضاً من الطريف أنَّهم يقولون: إنَّ السالكين حينما يصلون إلى نهاية السفر الأوَّل يفترون عن الأعمال الشاقَّة، ويقتصرون على الفرائض والسُّنَن الرواتب؛ وذلك: أنَّهم يعتقدون(3) أنَّ أمام السالك أسفاراً أربعة:


(1) البحار 41 / 12.

(2) المصدر السابق: ص 15.

(3) راجع شرح منازل السائرين للتلمساني: 380 ـ 382، وشرح منازل السائرين للكاشاني: 164 ـ 165.