المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

476

غيومك(1)) أم عاندت الرياح عن طاعتك، أم نفد ماعندك، أم اشتدَّ غضبك على المذنبين، ألست كنت غفَّاراً قبل خَلْق الخطَّائين ؟! خلقت الرحمة، وأمرت بالعطف، أم تُرينا أنَّك ممتنع، أم تخشى الفوت فتعجل بالعقوبة ! قال: فما برح حتّى اخضلَّت بنو إسرائيل بالقطر، وأنبت الله ـ تعالى ـ العشب في نصف يوم حتّى بلغ الركب. قال: فرجع برخ، فاستقبله موسى(عليه السلام)، فقال: كيف رأيت حين خاصمت ربِّي، كيف أنصفني ؟ فهمَّ موسى(عليه السلام)به، فأوحى ـ الله تعالى ـ إليه: أنَّ برخاً يضحكني كلَّ يوم ثلاث مرّات. وعن الحسن قال.... كان أبو حفص يمشي ذات يوم، فاستقبله رستاقيٌّ مدهوش، فقال له أبو حفص: ما أصابك ؟ فقال: ضلَّ حماري، ولا أملك غيره. قال: فوقف أبو حفص وقال: وعزَّتك لا أخطو خطوة ما لم تردَّ عليه حماره، قال: فظهر حماره في الوقت، ومرَّ أبو حفص. فهذا وأمثاله يجري لذوي الأُنس، وليس لغيرهم أن يتشبَّه بهم. قال الجنيد: أهل الأُنس يقولون في كلامهم ومناجاتهم في خلواتهم أشياءَ هي كفر عند العامة. وقال مرَّةً: لو سمعها العموم لكفَّروهم، وهم يجدون المزيد في أحوالهم بذلك، وذلك يحتمل منهم ويليق بهم. وإليه أشار القائل:

قومٌ تخالجُهم زهَو بسيِّدهم
والعبدُ يزهو على مقدارِ مولاهُ
تاهوا برؤيته عمَّا سواه له
يا حسنَ رؤيتهم في عزِّ ما تاهوا»

انتهى ما أردت نقله من كلام الغزالي.

أقول: من الطريف أنَّ الغزالي افترض أنَّ رجلاً معاصراً لموسى(عليه السلام) اسمه برخ، كان أعلى مرتبة في الأُنس والشهود من موسى(عليه السلام)، ومع ذلك لم يخصُّه الله بالنبوَّة كما خصَّ موسى(عليه السلام) بها، فكان هو أفضل من نبيِّ زمانه على رغم عدم نبوَّته وبرغم أنَّ ذاك النبيّ ليس نبيَّاً اعتياديَّاً، بل من أُولي العزم. وقد عرفت من القِصَّة الخُرافيَّة


(1) هكذا في نسخة إحياء الإحياء 8 / 81 .