المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

475

الشهود، وإنَّما دوام الشهود غاية المقامات» انتهى كلام الغزالي.

أقول: قوله: «الخوف حجاب بين الله ـ تعالى ـ وبين العبد» يقصد به: الحجاب النوري؛ فإنَّهم يقسِّمون الحجاب إلى قسمين: حجاب ظلماني كشهوات النفس، وحجاب نوراني كالخوف من الله تعالى. وهم يقولون: إنَّ الخوف من مقامات العوام، وليس من مقامات أهل الخصوص.

وقال الغزالي(1): «اعلم أنَّ الأُنس إذا دام وغلب واستحكم، ولم يشوِّشه قلق الشوق، ولم ينغِّصه خوف التغيّر والحجاب، فإنَّه يثمر نوعاً من الانبساط في الأقوال والأفعال والمناجاة مع الله تعالى. وقد يكون مُنكَر الصورة؛ لما فيه من الجرأة وقلّة الهيبة، ولكنَّه محتمل ممَّن أُقيم في مقام الأُنس. ومَن لم يقم في ذلك المقام، ويتشبَّه بهم في الفعل والكلام، هلك به، وأشرف على الكفر. ومثاله: مناجاة برخ الأسود الذي أمر الله ـ تعالى ـ كليمه موسى(عليه السلام) أن يسأله؛ ليستسقي لبني إسرائيل بعد أن قحطوا سبع سنين. وخرج موسى(عليه السلام) ليستسقي لهم في سبعين ألفاً، فأوحى الله ـ عزَّوجلَّ ـ إليه كيف أستجيب لهم وقد أظلمت عليهم ذنوبهم، سرائرهم خبيثة، يدعونني على غير يقين، ويأمنون مكري، ارجع إلى عبد من عبادي يقال له: برخ، فقل له: يخرج حتّى أستجيب له. فسأل عنه موسى(عليه السلام) فلم يُعرَف، فبينما موسى ذات يوم يمشي في طريق إذا بعبد أسود قد استقبله بين عينيه تراب من أثر السجود، في شملة قد عقدها على عنقه، فعرفه موسى(عليه السلام) بنور الله عزَّوجلَّ، فسلَّم عليه وقال له: ما اسمك ؟ فقال: اسمي برخ، قال: فأنت طلبتنا منذ حين، اخرج فاستسقِ لنا. فخرج فقال في كلامه: ما هذا من فعالك، ولا هذا من حلمك، وما الذي بدا لك. انقصت عليك عيونك (وفي نسخة أُخرى: تعصَّت عليك


(1) في المصدر السابق عنه: ص 314 ـ 315.