المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

474

أي: لا يتوسَّط بين صاحب الانبساط وبين ربِّه خَلْق؛ لغاية قربه، كقولهم ما للتراب وربِّ الأرباب، فهو بصفاء الفطرة في مقام القلب، مجرَّد عن مزاحمة أحكام النشأة والصفات البشريَّة والنفسانيَّة، متوسِّل بالاتِّصال الأزلي، فلا يتوسَّل إلى ربِّه إلاَّ بربِّه، فأين هو من مزاحمة الماء والطين ؟!» انتهى ما أردنا نقله من كلام الكاشاني.

وقد جعل عبدالله الأنصاري(1) وكذلك الغزالي(2) من أمثلة الانبساط قول موسى(عليه السلام): ﴿... إِنْ هِيَ إلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء ...﴾ إلاّ أنَّ الشارح الآخر لكتاب منازل السائرين وهو عفيف الدِّين التلمساني(3) تنبَّه إلى أنَّه متى ما حمل لفظ الفتنة على الاختبار(4) لم يبقَ له ما يدلُّ على الانبساط.

وقال الغزالي(5): «اعلم أنَّ الخوف عبارة عن تأ لُّم القلب واحتراقه بسبب توقُّع مكروه في الاستقبال. وقد ظهر هذا في بيان حقيقة الرجاء. ومن أنس بالله، وملك الحقُّ قلبه، وصار ابن وقته مشاهداً لجمال الحقِّ على الدوام، لم يبقَ له التفات إلى المستقبل، فلم يكن له خوف ولا رجاء، بل صار حاله أعلى من الخوف والرجاء، فإنَّهما زمامان يمنعان النفس عن الخروج إلى رعوناتها. وإلى هذا أشار الواسطي حيث قال: «الخوف حجاب بين الله ـ تعالى ـ وبين العبد». وقال أيضاً: إذا ظهر الحقُّ على السرائر لا يبقى فيها فضلة لرجاء ولا لخوف. وبالجملة فالمحبُّ إذا شغل قلبه في مشاهدة المحبوب بخوف الفراق، كان ذلك نقصاً في


(1) في المصدر السابق عنه.

(2) في كتاب الإحياء 4 / 315.

(3) ص: 273. انتشارات بيدار بقم.

(4) من قبيل قوله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَيُفْتَنُونَ﴾ ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ السورة 29، العنكبوت، الآيتان: 2 ـ 3 (لا من قبيل قولنا: الملاحم والفتن).

(5) في المصدر السابق عنه: ص 147.