المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

470

ينفق فيه، وإذا فوَّض العبد تدبير نفسه على مدبِّره، هان عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه، لايتفرَّغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس، فإذا اكرم الله العبد بهذه الثلاثة، هان عليه الدنيا وإبليس والخَلْق، ولا يطلب الدنيا تكاثراً وتفاخراً، ولا يطلب ما عند الناس عزَّاً وعلوَّاً (1)، ولا يدع أيامه باطلاً. فهذا أوَّل درجة التُقى، قال الله تبارك وتعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَْرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾(2).

قلت: يا أبا عبدالله أوصني.

قال: أُوصيك بتسعة أشياء، فإنَّها وصيَّتي لمريدي الطريق إلى الله تعالى، والله أسأل أن يوفِّقك لاستعماله(3): ثلاثة منها في رياضة النفس، وثلاثة منها في الحلم، وثلاثة منها في العلم، فاحفظها وإيَّاك والتهاون بها.

قال عنوان: ففرَّغت قلبي له.

فقال: أمَّا اللواتي في الرياضة: فإيَّاك أن تأكل ما لا تشتهيه(4)؛ فإنَّه يورث الحماقة والبله، ولا تأكل إلاَّ عند الجوع، وإذا أكلت فكل حلالاً، وسمِّ الله، واذكر حديث الرسول(صلى الله عليه وآله): ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرَّاً من بطنه، فإن كان ولابدَّ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه.

وأمَّا اللواتي في الحلم فمَنْ قال لك: إن قلت واحدة سمعت عشراً، فقل: إن قلت عشراً لم تسمع واحدة، ومَنْ شتمك فقل له: إن كنت صادقاً فيما تقول فأسأل(5) الله أن يغفر لي، وإن كنت كاذباً فيما تقول فالله أسأل أن يغفر لك، ومَنْ


(1) فيا تُرى إنّ عالمـاً عابداً كهذا هل يعقل بشأنه التكبُّر ؟ !

(2) السورة 28، القصص، الآية: 83 .

(3) الظاهر أنَّ الصحيح لاستعمالها.

(4) كأنَّ المقصود: الأكل من دون شهيَّة الأكل.

(5) لعلَّ الصحيح: أسأل، أي: من دون حرف الفاء.