المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

469

عيل صبري، فلمَّا ضاق صدري تنعَّلت وتردَّيت وقصدت جعفراً وكان بعدما صلَّيت العصر، فلمَّا حضرت باب داره استأذنت عليه، فخرج خادم له فقال: ما حاجتك ؟ فقلت: السلام على الشريف فقال: هو قائم في مصلاَّه. فجلست بحذاء بابه، فما لبثت إلاّ يسيراً إذ خرج خادم فقال: ادخل على بركة الله. فدخلت وسلَّمت عليه، فردَّ السلام، وقال: اجلس غفر الله لك، فجلست، فأطرق مليَّاً ثُمَّ رفع رأسه وقال: أبو مَنْ ؟ قلت: أبو عبدالله، قال: ثبَّت الله كنيتك، ووفَّقك يا أبا عبدالله، ما مسألتك ؟ فقلت في نفسي: لو لم يكن لي من زيارته والتسليم غير هذا الدعاء لكان كثيراً، ثُمَّ رفع رأسه ثُمَّ قال: ما مسألتك ؟

فقلت: سألت الله أن يعطف قلبك عليَّ، ويرزقني من علمك، وأرجو أنّ الله ـ تعالى ـ أجابني في الشريف ما سألته.

فقال: يا أبا عبدالله ليس العلم بالتعلُّم إنَّما هو نور يقع في قلب مَنْ يريد الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يهديه(1)، فإن أردت العلم فاطلب أوَّلاً في نفسك حقيقة العبوديَّة(2)، واطلب العلم باستعماله، واستفهم الله يفهِّمك.

قلت: يا شريف، فقال: قل: يا أبا عبدالله، قلت: يا أبا عبدالله ما حقيقة العبوديَّة ؟

قال: ثلاثة أشياء: أن لايرى العبد لنفسه فيما خوَّله الله مُلكاً؛ لأنَّ العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به، ولايدبِّر العبد لنفسه تدبيراً (3) وجملة اشتغاله فيما أمره تعالى به ونهاه عنه، فإذا لم يرَ العبد لنفسه فيما خوَّله الله ـ تعالى ـ مُلكاً، هان عليه الإنفاق فيما أمره الله ـ تعالى ـ أن


(1) كأنَّه إشارة إلى ما قلناه: من أنَّ رأس العلم معرفة النفس والربِّ.

(2) قال الله تعالى: ﴿... وَاتقُوا اللهَ وَيعلِّمُكُمُ اللهُ...﴾ السورة 2، البقرة، الآية: 282.

(3) يُحمل على معنى التوكُّل غير المنافي لمأموريتنا بالتذرّع بالأسباب الظاهرية بالقدر المعقول.