المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

466

ـ أيضاً ـ من عظمة الربِّ التي لا تتناهى(1) وتكون باقي علومه في حاشية هذا العلم الأصلي. فأوَّل العلم معرفة الجبَّار، وآخر العلم تفويض الأمر إليه.

والثانية: أن يقترن علمه بتهذيب النفس؛ فإنَّ العلم بلا تهذيب للنفس يضرُّ ولا ينفع، فإنَّ العلم سيف ذو حدَّين؛ لأنَّ معرفة الأُمور كما تُعين الشخص في وضع الشيء في محلِّه؛ إذ لولا العلم بالشيء وبمحله لما استطاع إحراز وضع الشيء في محلِّه، كذلك تُعينه في وضع الشيء في غير محلِّه؛ إذ لولا العلم بالشيء وبمحلِّه وغير محله لما استطاع إتقان وضع الشيء في غير محلِّه. ويبقى تهذيب النفس وعدمه هو الذي يُعيِّن للعالم أن يصرف علمه في جانب العدل أو في جانب الظلم، ألا ترى أنَّ علم الأسلحة ـ مثلاً ـ يستفيد منه العادل لإقامة العدل ولحرب أعداء الله، ويستفيد منه الظالم للظلم ولمحاربة المؤمنين. وهذا معنى ما قلنا: من أنَّ العلم سيف ذو حدّين. والعلم إن لم يقترن بتهذيب النفس أوجب التكبُّر، وإن اقترن بتهذيب النفس أوجب التواضع؛ لأنَّه مهما تقدّم الإنسان في العلم انكشف أمامه واد أوسع للجهل، وعرف حقيقة قوله تعالى: ﴿... وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً﴾(2)وعرف أنَّ ما أُوتي من العلم إنَّما هو بتوفيق الرب وليس من تلقاء نفسه، ومتى ما أراد الله أن ينزعه عنه لنزعه، فهو ليس بأعظم من الرسول(صلى الله عليه وآله) الذي قال له الله تعالى: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً * إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً﴾(3).

وأيضاً ما أقرب الكِبْر إلى العبُّاد والزُّهاد المغرورين بعبادتهم وزهدهم دون المخلصين في عملهم. وقد ورد في الحديث عن الصادق(عليه السلام) قال: «أتى عالم عابداً


(1) فيخضع لدى ما يرى نفسه لا شيء في مقابل الربّ. وهذا ـ أيضاً ـ يمنعه عن الكِبْر.

(2) السورة 17، الإسراء، الآية: 85.

(3) السورة 17، الإسراء، الآيتان: 86 ـ 87 .