المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

465

وإنَّما الإنسان هو الذي يذلُّ نفسه بالكفر أو العصيان. وليس الذلُّ ـ حقيقةً ـ عبارةً عن النقصان في المال أو الولد، أو سلامة البدن، أو صباحة الوجه، أو الجاه والجلال عند أهل الدنيا أو ما إلى ذلك. وإن كان ذلُّه بالفسق، فعليه ترك الفسق. وإن كان سبب الكِبْرِ إعجابَه بنفسه، فليدقِّق في معايبه ونقائصه يرها أكثر من كماله، بل قد ينكشف له أنَّ إعجابه لم يكن بالكمال، بل بالنقص، كالإعجاب بتغلُّبه على حقِّ فلان بالمكر والظلم، فيرى نفسه بذلك ذكيّاً أو شجاعاً، ولو كان إعجابه ـ حقّاً ـ بكمال، فليلتفت إلى أنَّ عاقبة الأمر مستورة عنه. وقد يؤدِّي نفس هذا الإعجاب أو أيِّ سبب آخر إلى فقده لذلك الكمال كما ورد في مصباح الشريعة عن الصادق(عليه السلام): «العَجب كلُّ العجب ممَّن يُعْجب بعمله وهو لا يدري بما يُختَم له. فمن اُعجب بنفسه وفعله فقد ضلَّ عن نهج الرشاد، وادَّعى ما ليس له، والمدّعي من غير حقٍّ كاذب وإن خفي دعواه وطال دهره، فإنَّه أوَّل ما يُفعَل بالمعجب نزع ما أُعجب به ؛ ليعلم أنَّه عاجز حقير ويشهد على نفسه؛ لتكون الحُجَّة عليه أوكد كما فُعِلَ بإبليس ...»(1).

وما أقرب الكِبْر إلى العلماء غير الربَّانيين. وتوضيح ذلك: أنَّ العالم الربَّاني هو العالم الذي تجتمع فيه صفتان:

الأُولى: أن يكون مهمُّ علمه الذي يعتني به وينمِّيه معرفةَ نفسه ومعرفة ربِّه «مَنْ عرف نفسه فقد عرف ربَّه ...»(2). وهذا العلم لا يزيد العالم إلاَّ خضوعاً وخشوعاً؛ لأنَّه بغوره في معرفة النفس تنكشف له نقائصه التي لا تتناهى(3) أمام ما يغور فيه


(1) المحجة 6 / 275.

(2) البحار 2 / 32، الحديث 22.

(3) فمعرفته بنقائصه تمنعه عن الكِبْر.