المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

46

وهذا التفسير ـ أيضاً ـ باطل؛ لأنّه لا يخلو من بعض المفارقات، من قبيل:

1 ـ لم يتّضح لنا ما هو الحَدُّ الدقيق بين الوجوب والاستحباب، والمفروض أنَّ الواجبات والمستحبَّات في سُلَّم واحد، والفرق بينهما فرق درجة. وكذلك لم يتَّضح لنا ما هو الحَدُّ الدقيق بين الحرمة والكراهة، والمفروض أنَّ المحرمات والمكروهات في سُلَّم واحد، والفرق بينهما فرق درجة. ولا أظن إمكان الوصول إلى حدٍّ مائز إلاّ بالاعتباط.

2 ـ يلزم من ذلك عدم استبطان الوجوب لعنصر الإلزام؛ لأنَّ الإلزام مساوق للذَّم على الترك، والذَّم على الترك مساوق لقبح الترك، وقد فرضنا عدم استلزام الحُسن قبح النقيض، وبالعكس. ولا معنى لفرض مساوقة شدة الحسن لقبح النقيض، فإنَّ الحسن الشديد لو ساوق قبح النقيض شديداً لكان الحسن الخفيف ـ أيضاً ـ مساوقاً لقبح النقيض، ولكن بدرجة أخفّ. وهذا رجوع إلى التصوير الأوّل الذي كان السلم فيه واحداً، أيْ: كان الحسن والقبح فيه عبارة عن نسبة كلّ من الفعل والترك إلى نقيضه في درجة الرجحان.

وعليه، فينحصر الأمر في التفسير الثالث، وهو أن يقال: إنَّ للحسن والقبح سُلَّمين: سُلَّم للحسن وسُلَّم للقبح، ويكون سُلَّم الحسن هو سُلَّم المستحبات والمكروهات، أيْ: أنَّ كلَّ حسن مستحب ونقيضه مكروه، وسلم القبح هو سلم الواجبات والمحرّمات، أيْ: أنَّ كلَّ قبيح حرام ونقيضه واجب.

وبكلمة أُخرى: إنَّ الحسن مهما بلغ ذروته لا يستبطن الإلزام، وإنَّما الإلزام عنصر مستبطن في القبح، فإنَّ الإلزام عبارة أُخرى عن استحقاق الذم على المخالفة، وهو عبارة أُخرى عن قبح المخالفة.

إذن، فالفرق بين الواجب والمستحبِّ في منطق العقل العملي عبارة عن أنَّ المستحبَّ ما لا يحكم العقل العملي بقبح تركه وإن حكم بحسن فعله، وعنصر