المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

45

3 ـ إنَّه لو وقع التزاحم بين قبيح في أقلِّ مراتب الحرمة وحَسَن غير بالغ مرتبة الوجوب، لزم أن يجوز ارتكاب ذاك القبيح، وتنتفي حرمته؛ وذلك لأنّه سيتنزَّل عن قبحه ولو جزئيّاً بالمزاحمة مع الحَسَن، وبهذا التنزَّل يخرج من حريم الحرمة؛ لأنّنا كنَّا قد فرضناه في المراتب الدنيا من الحرمة.

مثال ذلك:

ما لو كان كشف سرٍّ مختصر عن أَمر له ألف طرف يؤدِّي إلى الإضرار بواحد منهم إضراراً خفيفاً، وفي نفس الوقت يؤدِّي إلى نفع تسع مئة وتسعة وتسعين نسمة نفعاً كبيراً، فكانوا راضين بكشف السرِّ، ولم يكن تحقيق هذا النفع واجباً علينا، فياتُرى هل يصبح كشف السرِّ هذا جائزاً عقلاً، ولا نكون مُلزَمين أمام ذاك الواحد؛ لأجل أنّه استلزم نفع كثير من الناس ممّا لم يكن واجباً؟! كلاَّ إنّ ضميرنا لا يدلَّ على ذلك. وكذلك ضرب يتيم ضربةً ضعيفة لا يبكي منها إلاّ دقائق موجباً لنفع آخرين نفعاً هائلاً في غير ما يكون واصلاً حَدَّ الوجوب كإنجاء النفس من الهلكة مثلاً، فهل يجوز ظلم هذا اليتيم باقلِّ ظلم في سبيل إدخال نفع هائل في جيب آخرين والذي لولا استيجابه لظلم اليتيم لكان من أفضل الأعمال غير الواجبة؟! كلاَّ.

وعليه فلننتقل إلى تفسير ثان للوجوب والاستحباب، أو للحرمة والكراهة في باب الفضائل والرذائل العقليتين، وهو: أن نفترض للفضائل والرذائل سُلَّمين متباينين بدلاً عمّا مضى من افتراض سُلَّم واحد لها جميعاً، فهناك سُلَّم للفضائل، وهي: ما يكون فعلها حسناً، وسلم آخر للرذائل، وهي: ما يكون فعلها قبيحاً. وهما سُلَّمان متوازيان لا يلتقيان، ولا يستلزم حسن الشيء قبح نقيضه وبالعكس. ونفترض الفرق بين الوجوب والاستحباب فرق درجة، وكذلك الفرق بين الحرمة والكراهة.