المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

44

المولى في حرّيّة العبد وعدمها، فالتعبير بكلا شكليه إنَّما يناسب فقه الشريعة؛ لأنَّ للمولى أمراً ونهياً ورغبةً وحكماً، وهذا لا يأتي في بحثنا عن العقل العملي؛ لأنَّ العقل ليس له حكم ورغبة بمعنى الكلمة، وإنَّما العقل شأنه الدرك لا أكثر، فلابدَّ من بيان فرق آخر في المُدرَك بالعقل العملي بين الوجوب والاستحباب، أو الحرمة والكراهة.

وما يمكن أن يُفتَرض في المقام كتفسير للفرق بين الأمرين أحد تفاسير ثلاثة:

فأوَّل تفسير قد يخطر في الذهن هو التفسير باختلاف الدرجة، بأن نقول: إنَّ الحَسَن الشديد الحُسن هو الواجب والقبيح الشديد القبح هو الحرام، وما بينهما متوسطات، والمتوسط الحقيقيُّ بينهما يكون مباحاً عقلاً لا يعدُّ فضيلة ولا رذيلة، فكأنَّ لدينا سُلَّماً واحداً، وقع في الدرج الأسفل النهائيِّ منه أشدُّ الرذائل المحرّمة، وفي الدرج الأعلى النهائيِّ منه أشدُّ الفضائل الواجبة، وبينهما متوسطات يخفُّ قبحها أو حسنها بمقدار بُعدها عن أحد القطبين، ويكون الوسط الحقيقيُّ في هذا السُلَّم هو رفُّ المباحات.

إنَّ هذا التفسير يشتمل على بعض المفارقات من قبيل:

1 ـ إنَّنا لا نمتلك حَدّاً مشخِّصاً لفصل الواجبات عن المستحبات، فيا تُرى هل يُفترض أنَّ الحسنَ البالغَ المترتبة السبعين هو الواجب، وما نقص عنه ولو مرتبة واحدة هو المستحب مثلاً أم ماذا؟

2 ـ إنّ لازم ذلك أن يصحَّ القول بأنَّ كلَّ ماهو حسن فنقيضه قبيح؛ لأنَّ الفعل ونقيضه ككفَّتي الميزان، وبقدر ما يصعد أحدهما ينزل الآخر، فبقدر ما يقترب الحُسن إلى ذروة السُلَّم يقترب نقيضه إلى أسفله، في حين أنّ هذا خلاف الوجدان، فإنّنا نرى بوجداننا أنَّ العفو حَسن وفي مرتبة عالية من الحسن، ولكنَّ القصاص ليس قبيحاً، وكيف يكون قبيحاً وهو حقٌّ؟! والحقَّانيّة لا تجتمع مع القبح.